|
عمالة الاطفال في العراق
شاكر عامل
الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 06:56
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
ان دراسة مشكلة عمالة الاطفال في العراق وتسليط الضوء عليها هي مسألة في غاية الاهمية ،لما لهذه الظاهرة من انعكاسات اجتماعية سلبية ضارة على المجتمع بشكل عام وعلى مستقبل الاجيال القادمة بشكل خاص . فمن بين العديد من المشاكل الاجتماعية التي يعيشها المجتمع العراقي في الوقت الراهن،تعتبر ظاهرة عمل الاطفال دون السن القانوني لسن العمل،احدى الظواهر الخطيرة والمقلقة في المجتمع العراقي. اذ تشير الكثير من الوقائع والدراسات الى الاضرار المباشرة للعمل على الاطفال،وفي هذا الجانب تقول الامم المتحدة ان عمالة الاطفال(تضع عبئا ثقيلا على الاطفال وتعرض حياتهم للخطر)،اما ما ينتج من تكليف الاطفال اعمالا شاقة لا تتناسب مع اعمارهم،فهي اضرار جسدية ونفسية،ومخاطر تسبب انعكاسات سلبية على حياتهم ومستقبلهم .اما الاثار غير المباشرة حسب الخبراء النفسيون،فأن عمل الاطفال يخلق اضطرابات وصدمات نفسية وجنسية واساءات في بيئة العمل ، وبالاضافة الى ما سبق فانها تسبب للاطفال الحرمان من التعليم او تحمل عبء الدراسة والعمل بجهد مضاعف. وظاهرة تشغيل الاطفال في العراق،كما في بلدان اخرى ليست بالجديدة او وليدة الحاضر،انما تمتد جذورها ابعد من ذلك ،في تأريخ العراق الحديث،اي منذ نهاية العهد العثماني والحرب العالمية الاولى،والاحتلال والانتداب البريطاني،ولكنها توسعت واتخذت ابعادا خطيرة في وقتناالحاضر.ففي نهايات العهد العثماني وقبل الحرب العالمية الاولى لجأ العثمانيون الى تشغيل الاطفال والنساء في مواسم جني التمور وتعبئتها للتصدير،ضمن آلاف من العمال الموسميين ،وكذلك في مشاريع اخرى كالنقل والنسيج والجلود وصناعة الطابوق والاعمال الانشائية وغيرها باجور أوطأ مقارنة باجور الرجال في ذلك الوقت .علما ان الظروف الاقتصادية الصعبة والفقر كانا الدافع الرئيسي لاضطرار الكثير من الاسر الفقيرة من النساء والاطفال للنزول الى ميادين العمل تلك آنذاك .اما في سنوات الاحتلال البريطاني للعراق فقد استخدم الانكليز النساء والاطفال في مشاريعهم اثناء الحرب لخدمة جيوشهم للتعويض عن النقص في الايدي العاملة، مثل مشاريع السكك الحديدية، والموانئ،والطرق، وكري الانهار وشق القنوات وغيرها.باجور هي الادنى - اقل من نصف- اجور العمال من الرجال وقتذاك،وفي فترة الانتداب كما في فترة الاحتلال البريطاني (كانت جميع المؤسسات خلال فترة الاحتلال تحاول استغلال عمل النساء والاطفال الى اقصى حد ممكن) حسب الدكتور كمال مظهر احمد. كما بقي تشغيل النساء والاطفال هو الحالة السائدة في فترة الانتداب، وكانت اعدادهم كبيرة في العديد من المشاريع مثل جني التمور وتعبئتها ، وكذلك في اعمال الزراعة -كان النساء والاطفال تشكلون معا 30٪ من مجموع العاملين لدى مديرية الزراعة- في فترة الانتداب. اما في وقتنا الحالي فقد بقيت مشكلة تشغيل الاطفال دون السن القانوني للعمل مستمرة دون معالجة جدية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة الى يومنا هذا.على الرغم من اللوائح والتشريعات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق الخاصة بحماية الاطفال من جميع اشكال العمل،مثل اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم( 138 التي تخص الحد الادنى لسن العمل. والتي من المفترض بدأ تنفيذها والعمل بها منذ عام 1985.وكذلك اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ( 182 ) بخصوص أسوأ اشكال عمل الاطفال .وغيرها من الاتفاقيات التي تخص حقوق الاطفال .وعلى الرغم من كل تلك الاتفاقيات التي صادق عليها العراق ، التي من المفترض انها وضعت لحماية الاطفال من جميع اشكال عمل الاطفال .الا ان كل الوقائع تشير الى ان نسب عمالة الاطفال في العراق ما زالت مرتفعة كثيرآً. وهناك الكثير من الاسباب الحقيقية لهذه المشكلة،واهم هذه الاسباب هو ارتفاع معدلات الفقر،نتيجة الحروب منذ بداية الثمانينات وكل فترة التسعينات من القرن الماضي، وما تلاها من حصار اقتصادي خانق . الى الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 وما تبعه من حروب طائفية وحروب مكافحة الارهاب ،هذه وغيرها من العوامل، ساعدت على خلق ظروف انهيار واضعاف وتراجع اقتصاد البلاد، وتعرض البنية التحتية والصناعة والزراعة ومؤسسات الدولة اضرار كبيرة ،وكان ارتفاع معدلات الفقر في البلاد هو النتيجة الحتمية للاسباب الوارد ذكرها آنفا.واذا تقديرات وزارة التخطيط حول ان الفقر في معظم مدن البلاد وصل الى 13 مليون فقير،اي ان الفقراء يشكلون الثلث سكان العراق اذا اعتبرنا ان مجموع سكان العراق حالياً يبلغ 40 مليون،اي بنسبة 32,5%,وهذه بالتأكيد نسبة عالية جداً في بلد غني مثل العراق.ومن الاسباب الاخرى التي ساعدت وتساعد على الزيادة في تشغيل الاطفال الى جانب الفقر هي ثقافة التخلف في وعي المجتمع وفي داخل الكثير من الأسر والعوائل الفقيرة التي تشجع اطفالها على العمل وتدفعه لترك صفوف المدرسة والتعلم للمساعدة في كسب لقمة العيش،دون ادراك ما يترتب عنه من اثار سلبية وصدمات نفسية وغيرها سترافق الطفل طول حياته .وحسب المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، يحتل هناك اكثر من ( 200 ) مليون طفل في العالم من اعمار ( 6-17 ) عاما يعملون في سوق العمل يمثل الذكور منهم نسبة ( 80% ) ، ويحتل العراق المرتبة الرابعة في عمالة الاطفال بعد اليمن والسودان ومصر بنسبة ( 4,9% ) في الفئات العمرية الصغيرة يتركز عملهم في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بنسب عالية. وتقدر منظمة اليونسيف حجم عمالة الاطفال في العراق بنحو المليون طفل ، وهذه ارقام كبيرة على كل حال ، رغم الزامية التعليم الابتدائي لجميع الاطفال المنصوص عليها في الدستور العراقي .تقول لجنة الانقاذ الدولية في العراق ( ان معدلات عمالة الاطفال مرتفعة بشكل مقلق في البلاد، وتستمر في تعطيل تعليم الاطفال وحرمانهم من طفولتهم، ونيل حقوقهم الاساسية، الى جانب تعرضهم لظروف غير آمنة، فالحكومة مطالبة بأنفاذ قوانينها الخاصة برعايتهم وحمايتهم ). كما أن العراق من الدول الموقعة على إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق ألطفل، والتي صادق عليها في القانون رقم ( 5 ) لعام 1994 وعلى البروتوكولين الملحقين بها في القانون رقم ( 23 ) لعام 2007 ، جاء في المادة (32-1) من الاتفاقية ما نصه (تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه ألبدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي ) . أما قوانين وزارة العمل والشؤون ألاجتماعية في العراق فانها تنص على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين ( الغرامة المالية وايقاف التصريح لرب العمل ) .إلا أن مشكلة عمالة الأطفال ما تزال كبيرة وبعيدة عن المعالجات والحلول .وحسب تقارير لجنة الإنقاذ الدولية في العراق هناك (85% ) من الأطفال لا يشعرون بالامان في أماكن العمل ، حيث يتعرضون إلى حالات التحرش، وعدم قدرتهم على حماية أنفسهم أثناء العمل في المصانع والورش وفي أعمال الزراعة وايضا في الشوارع، ما ينتج عنه أضرار كبيرة منه اضرار جسدية ، مثل حمل الطفل أوزان ثقيلة لاتتناسب مع حجم جسمه ، مما يضر بصحة الطفل ونموه، بالإضافة إلى الأضرار النفسية لتعرض ألاطفال إلى إهانات وضغوطات واضطرابات جنسية وصدمات نفسية تسبب ألقلق والاكتئاب وألخوف وما شاكل .عمالة الأطفال هي مشكلة إجتماعية كبيرة وخطيرة معرقلة للتطور ألاجتماعي وللنمو ألاقتصادي للبلاد ، تفرض النظرة ألجادة والدراسة العلمية لاسبابها ووضع المعالجات والحلول العقلانية للقضاء عليها ،لانقاذ أطفال العراق من شرورها وعواقبها السلبية المعرقلة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لبلادنا العراق .
#شاكر_عامل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البطالة في زمن الكورونا
-
العمالة المهاجرة-اشكاليةالتضامن الطبقي
-
العراق الى اين؟
-
الحركة النقابية العراقية وصراع الوجود الشرعي
-
الى العمل من اجل تيار ديمقراطي عراقي
-
رسالة تضامن الى عمال العراق
-
اليسار الديمقراطي العراقي وافاق المستقبل
-
سنوات عجاف وحكم عقيم
-
اوهام السلاطين
المزيد.....
-
المجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل على قناة ميدي1 تيفي
-
2M المجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل على قناة الثانية
-
نواف سلام: على الحكومة بالتعاون مع مجلس النواب المضي في الاص
...
-
بـــزيــادة 290 دينـــار :: زيادة الحد الأدنى للأجور في الأر
...
-
مظاهرة في إسبانيا احتجاجا على مباراة لناد إسرائيلي
-
حصر المعلمين المتقاعدين لصرف 5000 ريال تعويض المعلمين المتقا
...
-
ما هي حقيقة زيادة رواتب الموظفين بمناسبة رمضان 2025 شهر فبر
...
-
البنتاغون يرسل المزيد من القوات العاملة لضبط حدود الولايات ا
...
-
تباطؤ نمو الوظائف الأميركية و معدل البطالة 4% في يناير والدو
...
-
موخارق وسر علاقته بأخنوش/يفضح السكوري والعلمي/سبب التصعيد/صن
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|