|
العصر العباسي الأول هو نفسه العصر الساساني الأخير
شريف عبد الرزاق
الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 23:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الباحث سامي فريد ومن خلال بحثه المنشور بموقع الحوار المتمدن، تحت عنوان مقدمة في نشوء الإسلام، طرح فرضية غاية في الأهمية وهي أن العصر العباسي الأول هو نفسه العصر الساساني الأخير، وذكر عدة ادلة تسند رأيه منها على سبيل المثال ان كلمة خسرو تقرأ هارون بالابجدية البارثية، وبالتالي فهي فرضية جديرة بالاهتمام وتحتاج الى مزيد من البحث والتقصي. وقد لاحظ عدد من المفكرين الأجانب منهم ثيودور نولدكه انه خلال العهد الساساني الأخير، أي ابتداء من عصر فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور حدث تطور وتغير ما، وأرى أن ذلك مرتبط بحادثة ذهابه الى منطقة بارثيا حيث كان يهدف الى غزو الاتراك ومحاربتهم، هناك وربما في مدينة بلخ بالتحديد حيث البرامكة وقع تحول ما، فقد سمى ابناءه بأسماء كيانية: قباذ وجماسب، وسار ابنه قباذ على نفس النهج فسمى ابناءه بأسماء كيانية مثل: كي خسرو وكاوس، وكان احد الاصبهبذين اي قائد جيش قباذ اسمه سياوش. فهل هذا التحول، أي الارتباط بالسلالة الكيانية، له علاقة بالبرامكة سدنة معبد النوبهار؟ من خلال البحث وجدت أن كثيرا مما ينسب الى موسى الهادي او الرشيد او الى أبنائه ينطبق على بهرام شوبين وكسرى أبرويز وأبنائه وفيما يلي بعض الأمثلة: I. موسى الهادي هو بهرام شوبين في الرواية الإسلامية شخصية موسى الهادي تشبه شخصية بهرام شوبين مع بعض التصرف، فكلاهما ذو شخصية خشنة، ومكان ولادتهما واحد، فقد ولد موسىالهادي بالسيروان من الري وكذلك الشأن بالنسبة لبهرام شوبين. والدة كل من الهادي وهارون الرشيد اسمها الخيزران، وهي محظية فارسية اقترن بها المهدي العباسي ، وليست يمنية كما يقال. قامت الخيزرانبتسميم ابنها الهادي فمات مسموما ، وقد يكون ذلك بتحريض من هارون الرشيد. فالخيزران تجسد شخصية خاتون زوجة ملك الترك التي يقال انها أدخلت أحد خدمها على بهرام شوبين فقتله. وخاتون هي نفسها كردية اخت بهرام شوبين ويقال انها كانت زوجته كذلك، ثم أصبحت زوجة لكسرى أبرويز فيما بعد. كلمة خاتون هي لقب لزوجة ملك الترك وليس اسما لها، وبالتالي فان خاتون هي كردية، لمارأتهزيمةأخيهاشوبين، وبتحريض من أبرويز، قتلتهاوساعدتأحدالخدمعلىاغتياله والتخلص منه، كما تخلصت الخيزران من ابنها الهادي، وهو ما لمحت له الرواية الإسلامية حينما ذكرت ان كردية اخت بهرام شوبين قتلت يرتغ أخا خاقان الترك والمقصود باخي الخاقان قد يكون هو بهرام شوبين نفسه. ما ذهبت اليه من ان كردية هي التي قتلت بهرام شوبين، هو ما ذكره الثعالبي صاحب الغرر تلميحا بقوله: "لما أصيب بهرام وقبيل وفاته دخلت عنده كردية وقالت: يا أخي هذا جزاء من كفر أولياء النعمة وعصى الأرباب وحارب الملوك. فقال: صدقت والأمر على ما ذكرت. بعد ذلك استقبل كسرى كردية وشكرها وأكرمها وتزوجها وعرف لها حق ما كانت تشاجر بهرام شوبين في عصيانه وتحثه على مراجعة الطاعة" . وللتعتيم على الامر نسب لها فيما بعد حادثة اغتيال بسطام الذي يقال انه كان قد تزوجها خلال ثورته، ثم نالت أمنيتها بزواجها من كسرى أبرويزوساهمت في تتبيث ملكه. فخاتون وكرديه والخيزران أسماء لامرأة واحدة. اما سبط ابن الجوزي فله رواية صريحة ليس فيها غموض ولا لف ولا دوران مفادها أن كردية هي التي قتلت بهرام جوبين، يقول ابن الجوزي: "لما التجأ بهرام شوبين الى بلاد الأتراك، بعث أبرويز إلى امرأة ملك الترك وبذل لها الأموال، فاغتالت بهرام، فقتلته وبعثت برأسه إلى المدائن، فنصبه أبرويز على باب قصره. وكان بسطام وبندويه خالاه قد مضيا إلى الديلم وإلى الترك، فكاتب أبرويز امرأة ملك الترك في قتلهما بأبيه هرمز فقتلتهما، وعلم خاقان فطلقها ونفاها، فقدمت المدائن فتزوجها أبرويز، واسمها كردية ". هذه الرواية واضحة وضوح الشمس حيث ذكرت أن الذي قتل بهرام شوبين هي كردية، التي يقال إنها أخته. موسى الهادي خلع هارون الرشيد وحاول البيعة لابنه جعفر بن موسى الهادي، وتابعه على ذلك القواد، فخلعوا هارون، وبايعوا جعفر بن موسى (الهادي) ودسوا إلى الشيعة، فتكلموا في أمره، وتنقصوه في مجلس الجماعة، وقالوا: لا نرضى به، وصعب أمرهم حتى ظهر، وأمر الهادي ألا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه الناس وتركوه، فلم يكن أحد يجترئ أن يسلم عليه ولا يقربهالا يحيى بن خالد (البرمكي)الذي كان يقوم بإنزال الرشيد ولا يفارقه هو وولده .يعني ان يحيى بن خالد كان يساند الرشيد ولم يخف من الهادي، فغضب عليه هذا الأخير وسجنه. فخَلْعُ الهادي لأخيه هارون الرشيد ومبايعة جعفر بن موسى يتوافق مع خلع بهرام شوبين لخسرو أبرويز ومبايعة أخيه قباذ ، ويقال شهريار، والذي لم يكن قد بلغ مبلغ الرجال، أي لازال طفلا صغيرا ، (مثلجعفربنموسى الهادي)، حيث تابعه على ذلك عدد من القواد ولم يبق مع خسرو الا بضعة أشخاص من ضمنهم بندويه فقبض عليه وسجنه. هناك رواية تقول ان بهرام شوبين أعلن نفسه وصيا على كسرى الثاني بن هرمز(589م)، ثم أعلن نفسه ملكا بعد عام واحد من ذلك الوقت. ولما بلغ كسرى سن الرشد طالب بعرش أبيه، فرفض بهرام طلبه، ففر كسرى الى هيرابوليس في سوريا الرومانية، وعرض عليه الامبراطور اليوناني موريس ان يعيده الى ملكه . هذه الرواية مطابقة تماما لما حدث لهارون الرشيد مع موسى الهادي باستثناء طلب الدعم من قيصر الروم. هناك امر آخر يثير الشكوك هو مسير موسى الهادي من العاصمة بغداد الى شمال العراق، فقدخرج إلى الحديثة، حديثة الموصل، ثم انصرف منها بعد ما كتب إلى جميع عماله شرقا وغربا بالقدوم عليه، فلما ثقل، اجتمع القوم الذين كانوا بايعوا لجعفر ابنه، فقالوا: إن صار الأمر إلى يحيى قتلنا ولم يستبقنا، فتآمروا على أن يذهب بعضهم إلى يحيى بأمر الهادي، فيضرب عنقه ثم قالوا: لعل أمير المؤمنين يفيق من مرضه، فما عذرنا عنده! فأمسكوا . لا اعرف لماذا خرج الهادي الى الموصل، ولماذا استدعى عماله من الشرق والغرب للقدوم اليه، وهو ما يفسر بان الحدث قد يخص شخصا آخر هو بهرام شوبين، الذي كتب الى عماله شرقا وغربا من اجل القدوم عليه ومحاربة جيش كسرى أبرويز وجيش الروم الذي بعثه القيصر موريس لمساعدة الملك الساساني. هذا يدل على ان هارون الرشيد لما طلب من أخيه الهادي ان يسمح له بالخروج الى الصيد هو في الحقيقة كان يبحث عن مبرر للهروب الى بلاد الروم لطلب المساعدة. يجب الإشارة هنا الى ان يحيى بن خالد الذي أراد الأعيان قتله لأنه ساند هارون الرشيد ووقف الى جانبه يجسد شخصية بندويه الذي ساند كسرى وكان مسجوناعند بهرام شوبين، واراد الاعيان الذين بايعوا بهرام ان يقتلوه ولكنه افلت منهم ولحق بأبرويز باذربيجان. قبل ان يصبح كسرى أبرويز ملكا للإمبراطورية الفارسية، كان حاكما لاربيلا في منطقة بين النهرين أي الجزيرة قبل سنة 590 م. وكان بندويه مربِّيَه، أي أباه بالتبني، لذلك سلمه مفاتيح وزارته وكان يقول له يا أبت. نفس الشيء بالنسبة ليحي البرمكي الذي كان مربي هارون الرشيد، وقبل أن يصبح الأخير خليفة، ولاه والده المهدي المغرب كله وأذربيجان وأرمينية .وقد سلمه مفاتيح وزارته وكان يقول له يا أبت . هناك امر آخر يسير في نفس الاتجاه، وهو أن موسى الهادي كان مغرما بجارية اسمها غادر، واراد قتل هارون لأنه رأى انه سيخلفه ويتزوجها . فمن هي غادر ياترى؟ قد لا تكون جارية وإنما سيدة، بل ملكة بنت ملك، هي "عادر مي" او "آذر مي دخت"، "عاذر مي دخت" بنت كسرى ابرويز، والتي قد يكون أغرم بها بهرام شوبين وتزوجها لما استولى على القصر الكسروي بأثاثه وحريمه، وهو دليل آخر على ان شوبين هو الهادي. هناك دليل مادي على وجود امرأة باسم "عذر مي"، حيث توجد بعض المسكوكات التي كتب عليها عاذر بالعربية، أو "عذر مي" بالأبجدية البارثية حسب ذ.سامي فريد . بالنسبة لمدة حكم كل واحد منهما فهي متشابهة، فقد حكم بهرام شوبين سنة واحدة، وهي نفس المدة التي حكمها موسى الهادي. ذكر الاخباريون المسلمون ان خلافتهكانت سنة وثلاثة أشهر، ويقال أربعة عشر شهرا،وقال الواقدي: كانت ولايته سنة وشهرا واثنين وعشرين يوما. II. بين كسرى أبرويز وهارون الرشيد 1. هروب أبرويز من بهرام، والرشيد من موسى الهادي: خاف كسرى أبرويز من بهرام شوبين وسار مع أصحابه الى هيت وعانات، وهو نفس ماقام به هارون الرشيد حين خاف من أخيه موسى الهادي، فأشار عليه يحيى بن خالد أن يستأذنه في الخروج الى الصيد وأن يطيل التشاغل بذلك، فاستأذنه الرشيد فأذن له فسار الى شاطئ الفرات من بلاد الانبار وهيت، وتوسط البر مما يلي السماوة، فكتب الهادي اليه يأمره بالقدوم، فأكثرالرشيد التعلل وبسط الهادي لسانه في شتمه . 2. لجوء كل من بهرام شوبين ويحيى بن عبد الله العلوي عند الخاقان خوفا من كل من أبرويز وهارون الرشيد: رواية هروب بهرام شوبين من كسرى أبرويز الى بلاد الاتراك، تم التصرف فيها في الرواية الإسلامية المتعلقة بموسى الهادي الذي هو نفسه بهرام شوبين، وبالتالي نسب اللجوء عند ملك الاتراك لشخص آخر غير موسى الهادي هو يحيى بن عبد الله العلوي، لأن موسى الهادي في الرواية الإسلامية أصبحينتمي للسلالة العباسية، أي حاكما شرعيا، وبالتالي تم نسبة ماوقع له لشخصية اخرى. لما هرب بهرام شوبين إثر هزيمته امام كسرى أبرويز ومعه اتباعه المقربون، توقف في البداية بالري حيث انتصر على حاكمها آنذاك، ثم بعد ذلك واصل سيره الى بلخ لاجئا عند الخاقان فأكرمه الأخير وقربه منه. نفس الشيء حدث ليحيى بن عبد الله الذي ذهب مع اتباعه الى الري وأقام بها شهرا وزيادة، ثم صار إلى خراسان، ثمّ صار إلى ناحية جوزجان وبلخ، فاشتدّ به الطلب من هارون-وكان صاحب خراسان حينئذ هرثمة بن أعين قريبا من ثلاث سنين-وصار يحيى إلى وراء النهر، ووردت كتب هارون إلى صاحب خراسان بطلبه، فصار (يحيى) إلى خاقان ملك الترك ، ومعه من شيعته وأوليائه ودعاته من أهل المدينة والبصرة والكوفة وأهل خراسان مقدار مائة وسبعين رجلا، فأكرمه خاقان ملك الترك وأنزله أفضل منازله وقال له: «ممالكي كلها لك وأنا بين يديك»، وأوسع عليه وعلى أصحابه من الخيرات والمعونة بكلّ ما يحتاجون إليه، حتّى اتصل الخبر بهارون بمكانه عند خاقان، فأنفذ إلى خاقان ملك الترك رسولا يقال له النّوفلي (نفيل/ نفيلة/بقيلة)، وسأل خاقان أن يسلم إليه يحيى بن عبد الله، فأبى ملك الترك ذلك، وقال له: لا أفعل ولا أرى في ديني الغدر والمكر، وهو رجل من ولد نبيكم عالم زاهد قد أتاني والتجأ إلي وهرب منكم وهو عندي عزيز مكرم. فأقام يحيى بن عبد الله عنده سنتين وستة أشهر ثم خرج، وقال له ملك الترك: «لا تخرج، فلك عندي ما تريد»، فقال يحيى بن عبد الله: لا يسعني المقام في ديني وقد رجع إليّ دعاتي وثقاتي وقد بايعني أهل المشرقين والعراقين وخراسان، ووردت كتبهم عليّ، وجزاه خيرا ... وخرج من عنده، وصار إلى قومس ودخل إلى جبال طبرستان التي كان يملكها شروين بن سرخاب، ثم خرج إلى ملك الديلم. ووقع الخبر إلى العراق بمصيره إلى هناك، فأنفذ هارون في طلبه الفضل بن يحيى البرمكي وأنفذ معه ثمانين ألف رجل وقاضيه وهو أبو البختري، فنزلوا الري وكاتبوا ملك الديلم وخدعوه بالأموال الخطيرة حتى انخدع. فكتب له الرشيد أمانا محكما وحلف له بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك والأيمان المغلّظة ألا يناله منه مكروه، وكتب له نسختين نسخة عنده ونسخة عند يحيى. فلما خرج إليه أظهر برّه وإكرامه وأعطاه مالا وهو ألف ألف درهم، فلم يزل آمنا إلى أن سعى به إلى الرشيد الزّبيري وأصحابه . قال أبو الحسن النوفلي: قال أبي: قلت ليحيى لمّا قدم العراق وقد أعطي الأمان: كيف كانت حالتك بالديلم، ولم قبلت الأمان؟ فقال: أما صاحب الديلم فكانت زوجته غالبة على أمره فلم تكن أموره تورد ولا تصدر إلا عن رأيها، فلم تزل به حتى تقاعد عن معونتي وحتى انخذل عني وكره مقامي عنده، حتّى خفته على نفسي واختلف عليّ أصحابي. هذه الرواية هي مزيج بين عدة روايات أو أحداث وقعت زمان كسرى أبرويز: الأولى: طارد كسرى أبرويز بهرام شوبين الذي التجأ الى ما وراء النهر عند الخاقان الذي قبل حمايته ورفض ان يسلمه لفرخ هرمز مبعوث كسرى أبرويز. كما طارد هارون الرشيد يحيى بن عبد الله، وطلب من خاقان ان يرسله اليه مقيدا فرفض أن يسلمه للنوفلي مبعوث الرشيد. الثانية: تم المزج بين رواية خروج كل من كردية اخت بهرام شوبين وبسطام من بلاد الاتراك الى طبرستان في رواية واحدة نسبت الى يحيى بن عبد الله. الثالثة: بسطام الذي ثار على أبرويز بايعه عدد كبير من الناس، فكون جيشا عظيما، وذهب الى طبرستان، واصبح ملكا عليها، فخافه أبرويز والتجأ الى الحيلة، وأرسل امرأة الى كردية اخت بهرام شوبين وزوجة بسطام ووعدها ان يعطيها الأمان ويتزوجها ان قتلت زوجها بسطام وهو ما حدث بالفعل. نفس الشيء حدث ليحيى الذي قال له ملك الترك: «لا تخرج، فلك عندي ما تريد»، فقال يحيى بن عبد الله: لا يسعني المقام في ديني وقد رجع إليّ دعاتي وثقاتي وقد بايعني أهل المشرقين والعراقين وخراسان، ووردت كتبهم عليّ". نلاحظ ان يحيى أصبح يمتلك جيشا قويا، فخاف منه الرشيد والتجأ الى الحيلة للقضاء عليه، كما خاف أبرويز من بسطام والتجأ الى الحيلة للقضاء عليه كذلك. وفي كلتا الروايتين ورد اسم امرأة ذات شخصية قوية كانت وراء نجاح خطة كل من أبرويز والرشيد، وهما كردية في حالة بسطام وزوجة حاكم الديلم في حالة عبد الله العلوي. هناك أحداث أخرى مشابهة لما وقع بين كسرى أبرويز وبسطام ادعو القارئ للبحث فيها مثل ثورة الوليد بن طريف الشاري الذي خرج بأرض الجزيرة واستولى عليها وعلى أرمينية وآذربيجان وهزم عدة جيوش لهارون وفتك بهم وفي ذلك يقول: أنا الوليد بن الطريف الشاري ... أخرجني ظلمكم من داري ودامت فتنته قريبا من عشر سنين ثم انتهز بعض الأعراب منه الفرصة فقتله غيلة وحمل رأسه إلى هارون فاعتمر شكرا لله عز وجل على ما أبلاه وكفاه . هذا الخبريوافق ما رواه سيبيوس عن بسطام خال أبرويز الذي ثار عليه وكون دولة بميديا وطبرستان وحكم سبع ويقال عشر سنوات، واحتال عليه أحد ملوك الكوشانيين وقتله وبعث برأسه لأبرويز. وكما كان أبرويز يخاف من بسطام خوفا شديدا، كان هارون يخاف من الوليد بن طريف خوفا شديدا، ونذر إن نجاه الله منه أن يعتمر في تلك السنة، فاعتمر في شهر رمضان شكرا لله تعالى . الرابعة: لما قتل بهرام شوبين لبست اخته كردية ملابس الحرب وقادت الجيش وحاربت اخا ملك الاتراك، كما فعلت الفارعة اخت الوليد بن طريف، بشيء من التصرف، حيث لما قتل لبست أخته الفارعة عدّة حربها وحملت [على جيش يزيد] فضرب يزيد (بن مزيد الشيباني ابن أخي معن بن زائدة الشيباني) بالرمح فرسها وقال: اغربي، غرّب الله عينك فقد فضحت العشيرة، فانصرفت . 3. علاقة الرشيد بزبيدة وكسرى أبرويز بشيرين: علاقة أبرويز بشيرين قبل توليه الملك واعطائها خاتمه توافق علاقة الرشيد بإحدى النساء قبل توليه الخلافة واعطائها خاتمه، هذه المرأة هي زبيدة حسب ما أورد بعض المؤرخين وعلى رأسهم عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، رغم انه شك في الخبر، فلنتحدث عن هارون والمرأة التي ولدت له ابنه البكر احمد: " قال عبد الله بن الفتوح: خرجت يوما أطلب رجلا يرم لي شيئا في الدار، فذهبت، فأشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مزود وزنبيل، فقلت: تعمل لي؟ قال: نعم بدرهم ودانق. فقلت: قم. فقام فعمل لي عملا بدرهم ودانق [ودرهم ودانق، ودرهم ودانق] ثم أتيت يوما آخر فسألت عنه فقيل ذاك رجل لا يرى في الجمعة إلا يوما واحدا يوم كذا (؟؟؟). قال: فجئت ذلك اليوم، فقلت: تعمل لي؟ قال: نعم بدرهم ودانق. فقلت أنا: بدرهم. فقال: بدرهم ودانق. ولم يكن بي الدانق، ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده، فلما كان المساء وزنت له درهما، فقال لي: ما هذا؟ قلت: درهم. قال: ألم أقل لك: درهم ودانق؟! أفسدت علي. فقلت: وأنا ألم أقل لك بدرهم؟ فقال: لست آخذ منه شيئا قال: فوزنت له درهما ودانقا. فقلت: خذ. فأبى [أن يأخذ] وقال: سبحان الله أقول [لك] لا آخذ وتلح علي!؟ فأبى أن يأخذه ومضى. قال: فأقبل علي أهلي، وقالت: فعل الله بك ما أردت من رجل عمل لك عملا بدرهم أن أفسدت عليه. قال: فجئت يوما أسأل عنه، فقيل لي: مريض،فاستدللت على بيته فأتيته، فاستأذنت عليه فدخلت وهو مبطون، وليس في بيته شيء إلا ذلك المزود والزنبيل، فسلمت عليه وقلت له: لي إليك حاجة، وتعرف فضل إدخال السرور على المؤمن أحب لما جئت إلى بيتي أمرضك. قال: وتحب ذلك؟ قلت: نعم.قال: بشرائط ثلاث. قلت: نعم. قال: أن لا تعرض علي طعاما حتى أسألك، وإذا أنا مت أن تدفني في كسائي وجبتي هذه. قلت: نعم. قال: والثالثة أشد منهما، وهي شديدة، قلت: وإن كان. فحملته إلى منزلي عند الظهر، فلما كان من الغد ناداني يا عبد الله [فقلت: ما شأنك. قال] قد احتضرت، افتح صرة في كم جبتي. قال: ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر، فقال: إذا أنا مت ودفنتني فخذ هذا الخاتم، ثم ادفعه إلى هارون [الرشيد] أمير المؤمنين، فقل له: يقول لك صاحب هذا الخاتم: ويحك! لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت. قال: فلما دفنته سألت يوم خروج هارون الرشيد أمير المؤمنين، وكتبت قصة، وتعرضت له وأوذيت أذى شديدا، فلما دخل قصره وقرأ القصة وقال: علي بصاحب هذه القصة. قال: فأدخلت عليه وهو مغضب يقول: يتعرضون لنا ويفعلون. فلما رأيت غضبه أخرجت الخاتم، فلما نظر إلى الخاتم قال: من أين لك هذا [الخاتم] قلت: دفعه إلي رجل طيان. فقال لي: طيان طيان، وقربني منه. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية. فقال لي: ويحك! قل. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقول لك يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك: ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت عليها ندمت. فقام على رجليه قائما وضرب نفسه على البساط، وجعل يتقلب عليه ويقول: يا بني نصحت أباك. فقلت في نفسي: كأنه ابنه، ثم جلس وجاءوا بالماء، فمسحوا وجهه، وقال: كيف عرفته؟ قال: فقصصت عليه قصته. قال: فبكى وقال: هذا أول مولود لي، وكان أبي المهدي ذكر لي زبيدة أن يزوجني بها، فبصرت بهذه المرأة فوقعت في قلبي، وكانت خسيسة فتزوجتها سرا من أبي، فأولدتها هذا المولود، وأحدرتها إلى البصرة [وأعطيتها] هذا الخاتم وأشياء، وقلت لها: اكتمي نفسك، فإذا بلغك أني قعدت للخلافة فأتيني، فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فقيل [لي إنهما] ماتا، ولم أعلم أنه باق، فأين دفنته؟ قلت: يا أمير المؤمنين دفنته في قبور عبد الله بن مالك. قال: لي إليك حاجة، إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أنزل إليك [فأخرج] متنكرا إلى قبره. فوقفت له، فخرج متنكرا والخدم حوله حتى وضع يديه بيدي، وصاح بالخدم فتنحوا، فجئت به إلى قبره، فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويداه ورأسه ولحيته على قبره [وجعل] يقول: يا بني، لقد نصحت أباك. قال: فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني له، ثم سمع كلاما فقال: كأني أسمع كلام الناس. قلت: أجل أصبحت يا أمير المؤمنين، قد طلع الفجر. فقال لي: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، واكتب عيالك مع عيالي، فإن لك علي حقا بدفنك ولدي، وإن أنا مت أوصيت: من يكون من بعدي أن يجري عليك ما بقي لك عقب، ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبا من القصر [ويده بيدي، فلما صار إلى القصر] قال: أنظر ما أوصيك به إذا طلعت الشمس، فقف لي حيث انظر إليك فأدعو بك فتحدثني حديثه. قلت: إن شاء الله، فلم أعد إليه. وقد روي حديث السبتي من طريق آخر، وفيه أشياء تخالف هذا، وهذه الطريق التي سقناها أصح، وأسنادها ثقات.وقد زاد القصاص في حديث السبتي، وأبدءوا وأعادوا وذكروا أنه كان من زبيدة، وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المري، فوقع من فرسه وأشياء كلها محال . صاحب كتاب مرآة الزمان يقول ان اسمه أحمدُ بن هارونَ الرَّشيدِ المعروفُ بالسَّبتي وقال كان يجيءُ إلى السُّوق كل سبت لذلك لقب بالسبتي. واضاف ان هارون الرشيد قال: وُلد لي ( يعني احمد) قبل أن أَبتلَى بالخلافة، فنشأَ نشوءًا حسنًا، وتعلَّم القرآنَ والعلم، فلمَّا وليت الخلافة، تركني ولم ينَل من دنياي ... روى ابن خلكان ان أبا العباس أحمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور الهاشمي المعروف بالسبتي؛ كان عبداً صالحاً، ترك الدنيا في حياة أبيه مع القدرة، ولم يتعلق بشيء من أمورها، وأبوه خليفة الدنيا، وآثرالانقطاع والعزلة، وإنما قيل له السبتي لأنه كان يتكسب بيده في يوم السبت شيئاً ينفقه في بقية الأسبوع، ويتفرغ للاشتغال بالعبادة، فعرف بهذه النسبة، ولم يزل على هذه الحال إلى أن توفي سنة أربع وثمانين ومائة قبل موت أبيه، وذكره ابن الجوزي في شذور العقود وفي صفوة الصفوة وهو مذكور في كتاب " التوابين " وفي " المنتظم " أيضا . ورد في كتابالوافي بالوفيات أن هارون الرشيد سئل عن الفتى من هو، فقال ابْني ولد قبل أَن أَلِي الْخلَافَة وَنَشَأ نَشأ حسنا وَتعلم الْقُرْآن وَالْعلم ولّما وليت الْخلَافَة تركني ... احمد بن هارون الرشيد اشتهر بالزهد والورع ذكره عدد من الاخباريين، يقول ابن الغزي: "السبتي أحمد بن هارون الرشيد بن المهدي، الولي الصالح الزاهد أبو العباس البغدادي له أخبار في الزهد وكرامات اشتملت عليها عدة من كتب التصوف ". الزبيدي يقول: أَبو العَبّاس أَحْمَد بنُ هَارُون الرَّشِيدِ العَبّاسِيّ السَّبْتِيّ الزّاهد، قبرُه ببغدادَ، منسوبٌ إِلى يَوْم السَّبْت؛ لأَنّه تركَ الدُّنيا، ورَمَى ولايَته، وَكَانَ يَتكسَّبُ بيدِه . بينما روى آخر خبرا يخالف ما سبق حيث قال: "احمد بن هارون الرشيد العباسي، أبو عيسى: شاعر، من آل عباس. كان من أجمل الناس وجها. وهو أخو الأمين والمأمون. أورد الصولي نماذج رقيقة من شعره، وقال: كان يحب صيد الخنازير، فوقع عن دابته وأصيب دماغه فمات من أثر ذلك " . قد يكون احمدأبوعيسى هذا غير احمد السبتيالزاهد ولكني اشك في ذلك لانه لايمكن، حسب اعتقادي ان يكون للرجل ابنان لهما نفس الاسم، ولذلك ارجح انهما شخص واحد، ولكن كيف يكون هذا الشخص زاهدا وعابدا وفي نفس الوقت يصيد الخنازير؟ فهذا الأمر لايستقيم الا اذا كان المقصود بصيد الخنازير صيد البشر او الخراف الضالة، وقتل في سبيل ذلك مثل المسيح. فاحمد السبتي هو نفسه الذي سقط عن فرسه ومات، ذكر ذلك ابن الجوزي حينما قال: وقد زاد القصاص في حديث السبتي، وأبدءوا وأعادوا وذكروا أنه كان من زبيدة، وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المري، فوقع من فرسه وأشياء كلها محال . ذكر بعض الإخباريين ان احمد بن هارون الرشيد امه هي زبيدة مثل الأمين ، ونحن نعرف ان زبيدة لها ولد واحد،ولذلك قد يكون احمد هو نفسه محمد الأمين ، فهو احمد ومحمد والأمين،وألصق به أعداؤه الكثير من السلوكات الشادة كولعه بالغلمان من بينهم غلام اسمه كوثر، بينما نسب الورع والتقوى لشخص آخر اطلقوا عليه اسم احمد . ويروى أن محمد الأمين كان من أحسن الشباب صورة، أبيض، طويلا، جميلا ، ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة، وفصاحة، وأدب، وفضيلة، وبلاغة. لكن كان يسيء التدبير، كثير التبذير، ضعيف الرأي، أرعن، لا يصلح للإمارة.ومن شدته قيل أنه قتل مرة أسدا بيديه، وهذا شيء عجيب . وذكرالمسعودي أنه إلى وقتنا هذا، ما ولي الخلافة هاشمي ابن هاشمية، سوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومحمد بن زبيدة، يعني الأمين . هذا عن الرشيد وزوجته زبيدة وولده احمد الزاهد ، أما خسرو أبرويز فله قصة مشابهة لقصة هارون الرشيد رواها نفس المؤرخ أي عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي الذي قال : " كان أبرويز قد تعرف على شيرين قبل توليته العرش الساساني، فقد ذكر أهل العلم بالسير: أن شيرين ولدت بالمدائن، وكانت يتيمة في منزل رجل من الأشراف، وكان أبرويز صغيرا يدخل منزل هذا الرجل فيلاعب شيرين ويمازحها وتمازحه، فأخذت في قلبه موضعا ونهاها الذي هي في منزله عن التعرض لأبرويز، ثم رآها [يوما] قد أخذت من أبرويز خاتما كان في إصبعه، فقال: ألم آمرك بترك التعرض لهذا الصبي، ولا تعرضينا للهلكة. ثم أمر بعض من يثق به أن يحملها إلى شاطئ الفرات ويغرقها، فحملها إلى شاطئ الفرات ليغرقها فقالت له: ما الذي ينفعك من غرقي؟ فقال لها: إني قد حلفت لمولاي ولا بد فقالت: فما عليك أن تأتي موضعا من الفرات فيه ماء رقيق فتقذف بي فيه، وتتركني وتمضي، فإن نجوت لم أظهر ما دمت باقية لم يكن عليك شيء. قال: أفعل ذلك. فأتى موضعا فيه الماء إلى الركبة، فزجها فيه وتركها تضطرب، ثم ولى [عنها] لا يلتفت. ثم وافى مولاه فأخبره، وحلف له أنه غرقها ثم أنها خلصت من الماء، فأتت بعض الديارات التي على شاطئ الفرات، فآوت إليه، وأعلمت الرهبان أنها قد وهبت نفسها لله تعالى، فأحسنوا إليها، فلما استقر الملك لأبرويز بعد أبيه هرمز وجه برسله إلى قيصر، فاجتاز الرسل بالدير، فسألت شيرين عن ذلك، فأعلمت أن القوم رسل أبرويز الملك، ومعهم هدايا إلى قيصر، وأخبروها بملكه وما آل إليه أمره، فوجهت إلى رئيس الرسل متنصحة له تخبره أنها أمة الملك أبرويز، وسألته إيفاد رسول إليه تخبره بمكانها، ووجهت [معه] بذلك الخاتم فأنفذ الرجل رسوله قاصدا إلى الملك يخبره خبر شيرين ومكانها والخاتم، فلما ورد الرسول على أبرويز أمر للرسول بمال عظيم، وجعل له رتبة جليلة ببشارته، ووجه معه بخدم ومراكب وهوادج وكساء وحلي وطيب ووصائف، حتى أتوه بشيرين، فورد عليه من الفرح ما لم يفرح بشيء مثله، وكانت من أكمل النساء كمالا وجمالا وبراعة، وذكر أبرويز أنه ما جامعها قط إلا وجدها كالعذراء، وكان قد شرط على نفسه أن لا يأتي حرة ولا أمة مرة واحدة إلا أتاها قبل [ذلك]، وعهد كل واحد لصاحبه أن لا يجتمع مع أحد لباضعه، فلما هلك أبرويز أرادها شيرويه فأبت .. ورد في تاريخ هرقليوس لسيبيوس أن شيرين الفتاة الجميلة من خوزستان ، وقيل من البصرة ، ووالدة احمد بن هارون الرشيد يقال إن هارون أحدرها الى البصرة كما سبق القول وقيل انها كانت بالمدائن، والعلامة التي بها عرف كل من أبرويز والرشيد صاحبته هي الخاتم. وكل واحدة منهما خلفت ولدا بكرا لأبيه ولم يسعد بالملك، شيرين خلفت مردانشاه الذي قتله أخوه شيرويه، وزبيدة خلفت محمد الأمين (أحمد) الذي قتله أخوه المأمون. المؤرخون يذكرون ان لزبيدة ولدا واحدا هو محمد الأمين (نلاحظ التشابه بين اسمه واسم النبي صاحب سورة الكوثر بينما الأمين له غلام اسمه كوثر) ، بينما ذكر آخرون ان احمد هو أيضا ولدها، يعني ان المرأة التي كان قد تزوجها قبل ان يلي الخلافة هي نفسها التي كانت زوجته بعد خلافته ، ولذلك نتساءل الا يمكن ان يكون الأمين هو نفسه احمد ، حيث تم ، لغرض في نفس يعقوب ، فصل شخصيته الى نصفين : شخصية الأمين المولع بالمجون ومعاشرة الغلمان من بينهم غلام اسمه كوثر، بينما نسب الورع والتقوى لشخص آخر اطلقوا عليه اسم احمد؟ 4. قتل أبرويز لأخواله والرشيد للبرامكة: أبرويز لما استحكم له الأمر قرر الانتقام من خاليه بسطام وبندويه لانهما قتلا والده الملك هرمز بن كسرى انو شروان، والجدير بالذكر ان الخالين ينتسبان الى البارثيين الذين يتواجد موطنهم بمنطقة بارثيا في خراسان وعاصمتهم بلخ مثل البرامكة، فقتل كسرى بندويه بعد ان قطع يديه ورجليه، وقتل كذلك بسطام، وذكر بعض الاخباريين ان كردية قتلته بالسم. يقال ان أبرويز قتل معهما ستين شخصا من اسرتهما، ولم ينج الا شخص واحد اسمه مهران مع ثلاثين ألف اسرة . ولكن هل هذا هو الدافع الحقيقي الذي كان وراء مقتلهما، أي انهما قتلا والده، ام ان الامر يتجاوز مسألة الانتقام؟ بسطام وبندويه خالا كسرى أبرويز كانا شخصين نافذين في الدولة ويعتبران من عظماء الإمبراطورية الساسانية، وكانا يتوليان مناصب رفيعة. فقد وَلَّى خالَه وأباه بالتبني بندويه دواوينَه وبيوت أمواله، ونفذ امره في جميع المملكة، وولى خالَه بسطام ارض خراسان وقومس وجرجان وطبرستان .وذكر صاحب نهاية الارب ان أبرويز ولى خاله بندويه جميع اموره، وفوض اليه جميع اعماله ومحاسبة عماله، ودفع اليه خاتمه. وولى بسطام ارض خراسان كلها وسجستان وطبرستان وجرجان الى بلاد الري . بعد ان استحكم الملك لأبرويز أحس انه ضعيف امام خاليه اللذان ساعداه في الوصول الى السلطة، فأصبحا يتوليان اغلب شؤون المملكة، بل تطور الأمر ببندويه الى ان عارض أبرويز في إعطاء الجائزة لشيرزاد بن البهبوذان. ذلك ان كسرى أبرويز خرج في ايام الربيع كعادته، يريد الجبل ليصيف فيه، فنزل حلوان وبندويه معه، فامر ان يضرب له قبة على الميدان، لينظر الى المرازبه إذا لعبوا الكرة فجلس على تلك القبه، فراى شيرزاد بن البهبوذان يضرب بالكره ويجيد، فكان كلما ضرب، فأجاد، قال له كسرى زه سوار ، فاحصى الموكل ذلك مائه مره قالها. فكتب له الى بندويه بأربعمائة الف درهم، لكل مرة اربعة آلاف درهم، فلما وصل الصك الى بندويه قذفه من يده، وقال: ان بيوت الأموال لا تقوم لهذا التبذير. وبلغ كسرى قوله، فجعل ذلك ذريعه الى الوثوب به، فامر صاحب حرسه ان يأتيه، فيقطع يديه ورجليه، فاقبل صاحب الحرس لينفذ فيه امر كسرى، فاستقبله بندويه يريد الميدان، فامر به، فنكس عن دابته، وقطع يديه ورجليه، وتركه متشحطا في دمه بمكانه . لما سمع بسطام بمقتل أخيه ثار وجمع جيشا كبيرا ولكنه قتل كذلك بمكيدة. هل قتل أبرويز لخاليه له علاقة بالدين؟ قد يكون قتل أبرويز لخاليه له علاقة بالدين، ففي رسالة تنسر التي كتبها لملك طبرستان، ذكر ان بيري والذي كان مربي داريوس الثالث، الذي قتله الاسكندر، كانت له بدعة، ممال جعل الملك داريوس يهملسنةالسلفويأخذببدعةهذاالمؤدب (بيري) . هذه القصة تماسقاطهاعلىفترةسابقةلابعادالشبهة، فالمؤدب ومربي داريوس اسمه بيري، هذا الاسم هو لقب لازال الى يومنا هذا يطلق على رئيس الطائفة الايزيدية، ومعناه الشيخ والحكيم، وله علاقة فيما أرى ببندويه مربي خسرو أبرويز، أو فرخ هرمز (الذي يقال له زادان فرخ بن بيري) الذي أثر في الشاه فنسي سنة السلف واتبع بدعته، والبدعة هي العقيدة والدين. لقب بيري أو بندويهاو البندوان قد يكون له علاقة باسم "بندوس" الذي قد يكون هو مؤسس العقيدة المزدكية والذي يسمى زرادشت بن خوركان، والتي نشرها النبي مزدك بين الناس. يقال إن"بندوس Bundos" ظهر في روما أيام ديوكلستين، وهو مانوي أتى بمذاهب جديدة تتعارض مع المانوية الرسمية: حيث أخبر أن إله الخير كان يحارب إله الشر وان هذا الأخير قد مني بالهزيمة، ومن اجل هذا وجب تمجيد المنتصر (أي إله الخير)، وقد ذهب بندوسBundos الى ايران حيث دعا الى مذهبه الذي سماه الإيرانيون:"مذهب اله الخير" وهذا بالبهلوية "دريست دينان "، "أتباع الدين الحق". فالمزدكية اذا هي نفس مذهب "دريست- دين" الذي دعا اليه بندوس. واذا كان بندوس المانوي الذي اعلن في روما انشقاقه على المانوية قد سافر الى ايران ليدعو الى مذهبه، فانا نستطيع ان ننتهي من هذا، مع بعض التأكيد، الى انه كان من اصل إيراني. واسم بندوس لايشبه الأسماء الإيرانية ولكن يمكن ان يكون لقبا. ولما كان ذكر رجل سابق على مزدك ومبشر به وقائل بانه المنشئ الحقيقي للمذهب، لم يكن قاصرا على المؤرخين العرب الذين يستمدون كتاباتهم من الخداينامه، بل انه ورد كذلك في نص بالفهرست الذي يستقي من مصادر أخرى، ولما كان هذا الرجل السابق قد سمي في الخداينامه زردشت، وهو مايتفق مع اسم الفرقة زردشتكان الذي نجده عند المتسمى ستيليت وهو المؤرخ المعاصر لمزدك، فإنا نستطيع ان نؤكد ان بندس وزردشت شخص واحد، وأن زردشت كان الاسم الحقيقي لهذا المبتدع كما كان كذلك اسما للنبي المزدي القديم.والفرقة التي نتحدث عنها هي إذا شعبة من المانوية أسست في روما قبل مزدك بحوالي القرنين، أسسها رجل إيراني هو زردشت بن "خوركان" المولود في بسا . ويذكر زرادشت هذا في "النهاية" على أنه من أشراف الفرس وكان يؤيد دعوة مزدك . أمااسم خوركان فهو تحوير لاسم خراد او فرخان او فرخزاد كما هو واضح، والذي قد يكون أحد آباء أو أسلافبندويه وفرخ هرمز. أضيف الى ما سبق ما ورد عند المؤرخين المسلمين خلال ما يسمى بالفتوحات الإسلامية، حيث تم ذكر شخص باسم الاندرزغر، حيث يرى آرثر كريستنسن انه لقب معناه الرئيس الأعلى للطائفة المزدكية ، وبالتالي فهناك علاقة وثيقة بين اسم الاندرزغر ومزدك وزردشت خوركان وخراد، وهذا الأمر يدفعنا الى طرح سؤال مهم حول العلاقة بين مزدك وبرمك، وهل مزدك هو أحد البرامكة؟ او بعبارة أخرى هل اعتنق البرامكة عقيدة مزدك؟ وهو ما أكده الاصمعي بقوله: إذا ذكر الشّرك في مجلس ... أضاءت وجوه بنى برمك وإن تليت عندهم آيــــــــة ... أتوا بالأحاديث عن مزدك وفي رواية أخرى لم يرد اسم مزدك بل تم تعويضه ببرمك: إذا ذكر الشرك في مجلسٍ ... أنارت وجوه بني برمك وإن تليت عندهم سورة ... أتوا بالأحاديث من برمك وفي رواية ثالثة: إذا ذُكر الشرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مَرْوَك بالنسبة لكلمة مَرْوَك، ورد في عيون الأخبار، طبعة دار الكتب المصرية ج 1، ص 51, هامش رقم 2 من كتاب مروك، أنه "محرف عن مزدك، وإليه ينسب المزدكية . فهل برمك هو مزدك؟ وبالتالي قد يكون البرامكة اتبعوا النبي الذي ظهر بين صفوفهم في بكة في بلخ والذي دعي بعد ذلك مزدك والتي تنطق كذلك مصدق، هذا الأمر ربما أغضب الرشيد فشن عليهم حربا شعواء أودت بحياة أغلب افراد هذه الاسرة، ولم ينج الا شخص واحد هو محمد بن الفضل البرمكي في الاحداث التي تروى للرشيد، وفرخ هرمز بالنسبة للاحداث المتعلقة بأبرويز. ونحن نقرأ هذه المعلومات يجب الا يغيب عن أذهاننا ان بندويه وبسطام وفرخ هرمز هم من البرامكة سدنة معبد النوبهار بل وحكام بلخ، فهم فرثيون ينتمون الى إقليم بارثيا في منطقة خراسان وعاصمتها بلخ، وهناك أدلة تؤكد ذلك، منها: ان خاقان ملك الترك لما غزا ايران في أيام هرمزد بن كسرى انو شيروان ، وصل الى بلخ وطرد مرزبانها هرمزد . فالمرزبان هرمزد هذا ليس الا فرخ هرمز البرمكي أو الأنذرزغر، والذي يقال انه كان على فرج خراسان حسب رواية الطبري . وذكر كذلك أن فرخ هرمز لما قتل كان ابنه رستم حاكم خراسان ومنها جاء وقتل آزرميدخت المتهمة بالتحريض على قتل والده، دون أن ننسى أن بسطام خال أبرويز كان حاكما لخرسان قبل ثورته على أبرويز. وقد أكد سيبيوس ذلك حينما ذكر ان موطن الاصبهبذان الأصلي هو بارثيا في خراسان. فرخ هرمز قد يكون نجا من المذبحة التي اقترفها خسرو أبرويز اتجاه أخواله بندويه وبسطام واسرهما وأقاربهما، وأصبح مقربا منه بحيث صار يثق فيه ثقة عمياء، فأثر فيه واستولى على فكره، الشيء الذي جعله يتبع بدعته او عقيدته والتي هي عقيدة البرامكة وينسى عقيدة أسلافه. هارون الرشيد بدوره قتل البرامكة الذين ينتمون الى إقليم بارثيا وعاصمتهم مدينة بلخ، بل كانوا سدنة معبد النوبهار، وكان هارون الرشيد يشعر بأنه ضعيف امامهم وخصوصا جعفر الذي كان يدير أغلب شؤون الإمبراطورية، فقتل جعفر وأمربإحضارأولاده منالحجازوأهلكهموأهلكأمّهموقيل: إنهأحرقهموقال: النارولاالعار، وقتلالفضلفيالحبس . ولم ينج الا شخص واحد هو محمد بن خالد البرمكي. نفس الشيء حدث لاخوال أبرويز حين قتل هذا الأخير بندويه وبسطام وستين فردا من أسرتهما، ولم ينج الا شخص واحد واسرته كما قلت سابقا، وحسب ظني فإن الشخص الذي نجا من القتل هو فرخ هرمز، وقد تضاربت الآراء وتعددت حول سبب قتل البرامكة: الأول: يقال ان محمد بن الليث ارسل لهارون الرشيد يعظه قائلا : " إن يحيى لا يغني عنك من الله شيئا، وقد جعلته فيما بينك وبين الله، فكيف بك إذا وقفت غدا بين يدي الله تعالى فسألك عما فعلت في بلاده وعباده، فتقول: يارب، إني استكفيت بيحيى في ذلك. مع كلام كثير فيه توبيخ وتقريع . الثاني: أنه نقل إلى هارون أن البرامكة يرون رأي المجوس، وأنهم يبطنون ذلك ويميلون إلى مذاهبهم. الثالث: أن الفضل بن الربيع كان عدوهم يحسدهم ويكثر عليهم عند هارون، دخل الفضل يوما على يحيى بن خالد في حاجة، فلم يرفع له رأسا، ولا قضى حاجته، مخرج مغضبا، فقال يحيى لبعض خاصته: اتبعه واسمع ما يقول، فتبعه الرجل، فلما استوى على سرجه عض على شفتيه وقال: عسى وعسى يثني الزمان عنانه ... بعثرة دهر والزمان عثور فتدرك آمال وتقضى مآرب ... ويحدث من بعد الأمور أمور وأخبر يحيى بقوله، فرده وقضى حاجته، فما مضت إلا أيام يسيرة حتى سخط هارون على البرامكة واستوزر الفضل بن الربيع. الرابع: أن هارون نقل إليه أن البرامكة يميلون إلى آل أبي طالب، ويبعثون إليهم بخمس أموالهم، وأنهم على عزم نقل الخلافة إليهم. قال جبريل المتطبب: أول ما بدا من أمر هارون في حق البرامكة: أن يحيى بن خالد كان يدخل على هارون ولو كان في فراشه لا يحجب عنه. قال جبريل: فدخل يحيى يوما وأنا قاعد عند الرشيد، فسلم، فرد عليه هارون ردا ضعيفا، والتفت إلي هارون وقال: يا جبريل، أيدخل عليك أحد بغير إذن؟ قلت: لا، قال: فما بالنا يدخل علينا بغير إذن؟ ! فقال له يحيى: قد كنت أدخل عليك وأنت متجرد في فراشك بغير إذن، وكنت أظن أن ذلك شيء خصصتني به، وأما إذا كره أمير المؤمنين ذلك، فأكون في الطبقة الثانية أو الثالثة، فخجل هارون منه وأطرق ما يرفع إليه طرفه وقال: ما أردت ما تكره، ولكن الناس يقولون. ثم قام يحيى وخرج. وقال محمد بن الفضل: دخل يحيى بعد ذلك على الرشيد، فقام إليه الغلمان، فقال هارون لمسرور الخادم: مر الغلمان إذا دخل يحيى لا يقوموا له. فدخل فلم يقم إليه أحد، فاربد لونه. وكان الغلمان والحجاب إذا رأوه بعد ذلك أعرضوا عنه، وكان إذا عطش يستسقي شربة من ماء فلا يسقونه، وبالحرى أن يسقوه بعد أن يدعو بها مرارا . وبعث هارون بجيفة [جعفر] إلى بغداد مع هرثمة بن أعين، وقطعت جثته، فنصب رأسه على الجسر الأوسط، وقطعة منه على الجسر الأعلى، وقطعة منه على الجسر الأسفل، وكتب هارون إلى السندي فتولى ذلك، وأمر بالنداء: لا أمان لمن آوى البرامكة، إلا لمحمد بن خالد وولده وحشمه؛ لأن محمدا لم يدخل فيما دخل فيه غيره من البرامكة، وحمل يحيى بن خالد وولده الفضل وبعض أهله فحبسهم في الدير القائم بالرقة، وجعل عليهم حفظة، وولي أمرهم هرثمة ومسرور . هناك أسباب آخرى وردت في نكبة البرامكةحيث يقال إنهم كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد وإظهار الزندقة ،وقيل لأنهماستولواعلىالدولةوتغلبواعلىالدنيابالكلية،ثمزواججعفربأختالرشيدبغيرعلمه . كما لاحظنا فهناك تخبط في الآراء حول سبب نكبة البرامكة ، فيقال تارة انهم يميلون الى دين المجوس ومرة انهم يميلون الى آل علي بن ابي طالب ، وهذا ينم اما عن جهل بالسبب الحقيقي للنكبة ، واما انها وسيلة لخلط الأوراق لتضيع الحقيقة الى الابد. 5. صلة القرابة بين أبرويز واخواله وهارون الرشيد والبرامكة. وُلِد الفضل بن يحيى البرمكيقبل الرشيد بسبعة أيام، فجعلت أم الفضل ظئرا للرشيد، أي مرضعته واسمها زينب بنت منير، فأرضعت الرشيد بلبان الفضل، وأرضعت الخيزران الفضل بلبان الرشيد . والدة الفضل يقال ان اسمها زينب بنت منير وقيل زبيدة بنت منير . وذكرسليمانبنأبيشيخأنهلماكانالليلةالتيتوفيفيهاموسىالهاديأخرجهرثمةبنأعينهارونالرشيدليلافأقعدهللخلافة،فدعاهارونيحيىبنخالدبنبرمكوكانمحبوسا،وقدكانعزمموسىعلىقتلهوقتلهارونالرشيدفيتلكالليلة . هذه الاحداث توافق ما وقع لأبرويز الذي أتى به بسطام وأقعده على عرش الإمبراطورية، وكان هاربا من أبيه هرمزد الذي أراد قتله، فدعا أبرويز خاله بندويه وكان محبوسا، وقد عزم الملك هرمز على قتله كذلك. فاتفق الطرفان على التخلص من هرمز الملك، كما تخلص هارون وهرثمةبنأعين من موسىالهادي. هناك علاقة قرابة بين البرامكة وهارون الرشيد، رغم اننا لا نعرف هل ام الرشيد برمكية ام لا، فاسم الخيزران لا أظنه يمنيا حسب رواية الاخباريين، وهو خبر ربما اخفوه عنا، ولكنهم ذكروا في المقابل ان أم الفضل و جعفر ابني يحيى البرمكي ارضعت هارون الرشيد، وبالتالي فانهما اخواه من الرضاعة، بينما يروى ان أخت بندويه وبسطام هي أم كسرى أبرويز، واذا كان يحيى بن خالد هو مربي هارون الرشيد ، وكان الرشيد يناديه يا أبت . فإن بندويه كذلك كان مربي خسرو أبرويز وكان بعتبره ولده . قد يقول البعض ان أبرويز لم يعرف البرامكة ولم يرد اي ذكر لهم في عهده، أقول بل ذكروا ولكن بتحريف الاسم قليلا حتى يعمى على القارئ والباحث، فقد ورد اسمهم في الاخبار الطوال للدينوري على شكل قرميسيا ملك الهند ، وفي نهاية الارب وتاريخ الطبري على شكل فرميشا . بل أكثرمن هذا فقد ورد ذكرهم بكل وضوح في عهد شيرويه بن كسرى أبرويز الذي جعل رئيس مرازبته ووزرائه برمك بن فيروز وهو الذي كان جد البرامكة وفوض اليه جميع اموره . مع العلم ان الشخص المقرب من شيرويه والذي ساعده في تولي ملك الإمبراطورية هو فرخ هرمز، فهل هذا الأخير هو برمك بن فيروز؟ وكان اسمالبرامكة قد تم تداوله في زمان الامويين، حيث يروى ان إسحاق البلخي الشاعررأى برمك قدم على هشام بن عبد الملك في خمسمائة شاكريٍّ فأكرمه وأعلى منزلته وأعجب به ثم أسلم، فرآه جليل القدر عنده عظيم الموقع منه . 6. محاصرة جيش كل من هارون الرشيد وأبرويز للقسطنطينية قام كل من كسرى أبرويز وهارون الرشيد بحصار القسطنطينية ولكن لم يستطيعا فتحها، فقد أورد عدد من الاخباريين انأبرويز أرسل شهربراز القائد الفارسي لمحاربة الروم حتى وصل الى عاصمة البيزنطيين فحاصرها ولم يستطع فتحها. وذكر سعيد بن البطريق أن كسرى خرج بنفسه الى القسطنطينية فحاصرها أربعة عشر سنة . نفس الشيء بالنسبة لهارون الرشيد حيث أوردت كثير من المصادر أنه قاد جيشا بنفسه حتىبلغخليجالقسطنطينية،وصاحبالروميومئذعطسةامرأةأليون،وذلكأنابنهاكانصغيراقدهلكأبوهوهوفيحجرهافجرىالصلحبينهاوبينالرشيدعلىالفدية . وذكر صاحب البداية والنهاية ان الرشيد غزا بلاد الروم فأوغل فيها، فكتب إليه ملك الروم يهدده ويقول له: لآتينك بكل صليب في مملكتي، فأجابه الرشيد:وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار. ودخل بلاد الروم غير مرة، وغزا عدة غزوات، وأناخ على خليج القسطنطينية . 7. وفاة كل من كسرى أبرويز وهارون الرشيد. قد يكون الرشيد مات مسموما، فقد ورد خبر مفاده أن جبريل بن بختيشوع غلط عليه [في علته] في علاج كان سبب منيته، فهم الرشيد أن يفصله كما فصل أخا رافع، فقال له جبريل: يا أمير المؤمنين، أنظرني إلى غد؛ فإنك ستصبح في عافية، وسقاه دواء في الليل، فمات من ليلته وخلص منه جبريل . فجبريل الطبيب خاف من الرشيد ولذلك سقاه سما بالليل فمات ونجا جبريل. نفس الشيء قد يكون حصل لأبرويز، الذي كان مريضا بالزحار. والغريب أن أبرويز كذلك كان له طبيب اسمه جبريل (السنجاري) الذي كان يعقوبيا وناظر النساطرة. الرشيد لما اقتربت وفاته كان في بستان في مكان اسمه سناباد، فبيناهويمرضفي ذلكالبستانإذذكرتلكالرؤيا التي كان قد رآها،فوثبمتحاملايقومويسقط،فاجتمعإليه المقربون منه،كليقول: ياسيديماحالك؟ومادهاك؟فقال: ياجبريل،تذكررؤيايبالرقةفيطوس؟ثمرفعرأسهإلىمسرور،فقال: جئنيمنتربةهذاالبستان،فمضىمسرور،فأتىبالتربةفيكفهحاسراعنذراعه،فلمانظرإليهقال: هذهواللهالذراعالتيرأيتهافيمنامي،وهذهواللهالكفبعينها،وهذهواللهالتربةالحمراءماخرمتشيئا،وأقبلعلىالبكاءوالنحيبثمماتبهاواللهبعدثلاثة،ودفنفيذلكالبستان . وذكربعضهمأنجبريلبنبختيشوعكانغلطعلىالرشيدفيعلتهفيعلاجعالجهبه،كانسببمنيته،فكانالرشيدهمليلةماتبقتله،وأنيفصلهكمافصلأخارافع،ودعابجبريلليفعلذلكبه،فقاللهجبريل: أنظرنيإلىغدياأميرالمؤمنين،فإنكستصبحفيعافيةفماتفيذلكاليوم . ويقال ان الرشيد كانفيظلحائطثمقال لأحد أصحابه او مواليه: أمانةاللهفيعنقكأن [لا] تخبربماألقيإليكأحدا. فقال: ياسيدي،هذهمخاطبةالأخأخاه،وأناعبديخاطبنيمولايبمثلهذا. فقال: واللهلتقولنإنيلاأقولهالأحد،وإنهاأمانةحتىأؤديهاإليكعندالله. قال:فعلت. فكشفعنبطنه،فإذاحريرقدعصببهبطنهوظهره،ثمحولإلىقفاهفأخذثيابهعنظهره،فإذاقروحونقاباتقدواراهابخرقوأدوية،وقال: منذكمترىهذابي؟قلت: لاأدري. قال: ظهرتفيأولسنةتسعوثمانين،واللهمااطلععليهاأحدمنالناسإلابختيشوع،ورجاء،ومسرور ، وذكر ابن الاثير ان الرشيد كشفعنبطنه،فإذاعليهعصابةحريرفقال: هذهعلةأكتمهاالناسكلهم . أبرويز كذلك اختلفت الآراء حول كيفية وفاته، فيقال انه مات مسموما او مقتولا بسهم مسموم او بخنقه بوتر قوس او بضربه بحديدة حادة، وكان قبل ذلك مختبئا في بستان وعرف حينذاك ان نهايته قد حلت، وهو ما حصل للرشيد الذي ما ان دخل البستان حتى عرف انه ميت لا محالة. وكما كان الرشيد يعاني من مرض في بطنه، فكذلك الشأن بالنسبة لأبرويز، فقد ذكر آرثر كريستنسن أنه كان يعاني قبيل وفاته من مرض الزحار وهو علة في البطن. وذكر كذلك أن أبرويز لما تم القبض عليه كان يمشي ببطء لأنه كان يعاني من مرض ألم به . وكما رأى الرشيد رؤيا مفادها أنه سيموت بأرض حمراء عندما وصل الى بستان بمكان اسمه سناباد، كذلك الشأن بالنسبة لأبرويز الذي لما تم القبض عليه صرخ قائلا:" الويل لي لقد تم خداعي من طرف العرافين الذين أنبأوني أنه سيقبض علي بأرض الهند في مسكن مارسباند" . هذه الكلمة قد يكون معناها مسكن الهندي حسب نفس المصدر، ويقال ان البستان اسمه باغ الهند (المختصر في اخبار البشر لابن العبري 1/54). وفي مصدر آخر ورد أن كسرى أبرويز سجن في منزل فرخ هرمز، وهو المشار اليه بالهندي، والمقصود بالهند هنا منطقة بلخ، خصوصا وأن أبرويز احتج على ابنه شيرويه لما سجنه بأن فرميشا ملك الهند كان قد أخبره بان ابنه سيقتله ويملك مكانه . فكلمة فرميشا هنا هي تحريف لكلمة برمكة، والبرامكة هم سدنة بيت النوبهار ببلخ. وإليكم دليلا آخر يثبت أن هارون الرشيد هو كسرى أبرويز: يقال إنه كان يوجد شخص اسمه كنكه الهندي كان منجم هارون الرشيد، وزعم أن ملكالعباسيين سينتقل الى رجل يخرج من أصفهان ونصّ على الوقت الذي خرج فيه علي بن بويه الملقب بعماد الدولة بأصبهان . والغريب أنه إذا كان يوجد شخص يقال له كنكه الهندي زمان هارون الرشيد، فإنه بالمقابل كان يوجد شخص في زمان كسرى أبرويز اسمه كتكه الهندي كذلك، حيث يقال إن أبرويز لما تم القبض عليه سجن في بيت Kataki-hndouk . نلاحظ التشابه بين كلمتي كتكه الهندي، وكنكه الهندي، الفرق هو نقطة سقطت من كلمة كتكه. فهذا الهندي إذن ليس إلا فرخ هرمز، لأنه هو الذي قبض على أبرويز، بل وأخرج شيرويه من السجن وبات في منزله، فليس مستبعدا إذن أن يبيت أبرويز كذلك في بيته، مع العلم أن فرخ هرمز هو ابن بندويه خال كسرى أبرويز. هذا الهندي والذي أرى بأنه هو فرخ هرمز قد أخبر كسرى أن الملك سينتقل من آل ساسان الى آل بويه، أي عائلته هو، والتي تحمل لقب فرخزاد، والتي تنتمي ربما الى وهرز الديلمي الملقب بــ"بويه". هناك زمن شبحي تمت إضافته وملؤه بتكرار أحداث وشخصيات تنتمي الى الزمن الماضي. وبالتالي فليس مستبعدا أن يكون أبرويز هو هارون الرشيد وآل بويه هم آل فرخزاد، بل إن العصر الساساني الأخير هو فعلا العصر العباسي الأول. علي بن بويه (أبي الحسين، يوافق اسم علي بن أبي طالب أبي الحسن والحسين) ظهر بأصفهان، والتي هي عاصمة الكيانيين، ففيها ظهر الحداد كابي الذي ساعد أفريدون في القضاء على الضحاك، وبويه ليس الا واحدا من أولئك الكافيين أو الكيانيين الذين استولوا على السلطة بعد الساسانيين، بل إن البويهيين كانوا يسمون وزراءهم كافي الكفاة، والكافي الأوحد، واوحد الكفاة ، وهي أسماء كما هو واضح مستمدة من كلمة كافي Kavi الكيانية. فالبويهيون هنا يصرحون أنهم ينتمون الى الكفاة أي الكيانيين، بل ويصرون على أنهم هم وحدهم من ينتمي إلى الكفاة وليس أي شخص آخر. 8. أملاك أو ممتلكات كل من هارون الرشيد وكسرى أبرويز: مات هارون وفي بيت المال تسع مئة ألف ألف دينار، ومن الدراهم أضعافها، ومن الجواهر واليواقيت مئة حمل لا تقوم، ومن الدواب ثلاثون ألف رأس، ومن الموالي والجواري عشرون ألفا.وقال هشام: خلف من العين والجواهر والدواب والأثاث ما قيمته -سوى الضياع-مئة ألف ألف دينار وخمسة وثلاثون ألف ألف دينار. نفس الشيء يقال عن أبرويز الذي كانفيقصرهثلاثةآلافامرأةيطؤهن،وألوفجواري [اتخذهن] للخدمةوالغناء،وثلاثةآلافرجليقومونبخدمته،وثمانيةآلافوخمسمائةدابةلمراكبه،واثنيعشرألفبغلالثقله،وكانلهخمسونألفدابة،وألففيلإلاواحدا. وبعضهميقول: سبعمائةوستونفيلا،وبنىبيوتالنيران،وأقامفيهااثنيعشرألفموبذللزمزمة،وأحصيماجبيمنخراجبلادهوغيرذلكمنالمالالمرتفعفيسنةثمانعشرةمنملكه،فكان/ أربعمائةألفألفمثقالوعشرينألفألفمثقالمنالورق . المراد من كل هذا ان أبرويز وهارون الرشيد جمعا ما لايحصى من المال والنساء والجواهر والكنوز، ولا اقصد الأرقام بحد ذاتها لأنه يمكن تغييرها بكل سهولة. وقد كان أبرويز ملكا قويا امتد سلطانه على كثير من الأقاليم والمناطق تمتد من حدود الهند الى افريقيا ، وقد أجاد الطبري حين قال بأن كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى انوشروان، كان من أشد ملوكهم بطشا، وأنفذهم رأيا، وأبعدهم غورا، وبلغ- فيما ذكر- من البأس والنجدة والنصر والظفر وجمع الأموال والكنوز ومساعدة القدر ومساعفة الدهر إياه ما لم يتهيأ لملك أكثرمنه، ولذلك سمي أبرويز، وتفسيره بالعربية: المظفر . وقال الجاحظ عن هارون الرشيد: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم، ومغنيه إبراهيم الموصلي، وزوجته زبيدة . 9. كثرة النساء يقال ان هارون الرشيد توفيعن أربع من الحرائر: زبيدة، وأم محمد بنت صالح، وعباسة بنتسليمان، والعثمانية. وأما من الإماء، فقد تسرى -على ما قيل- بألوف . كذلك الشأن بالنسبة لأبرويز الذي وصفه كريستنسن بأنه كان زير نساء ، فيقال انه كانت له اثنتا عشرة ألف امرأة وجارية . 10. شيرين وزبيدة وشق قناة المياه وبناء المعابد الجبل الذي حفره فرهاد من اجل حبيبته شيرين لإيصال الماء الى المدينة، يشبه ما ورد عن زبيدة زوجة الرشيد، التي امرت أَن تحفر الْعين الَّتِي كَانَت بِمَكَّة وهِيَ عين حنين ... فصرفت عَلَيْهَا خَزَائِن أَمْوَال إِلَى أَن جرت، وَهِي فِي وَاد قَلِيل الأمطار بَين جبال شَوَاهِق عاليات خاليات من الْمِيَاه والنبات، وَشقت لَهُ الْقَنَاة فِي الْجبَال إِلَى أَن سلك المَاء من أَرض الْحل إِلَى الْحرم، وَجعلت لَهَا شحاحيذ من كل جبل يكون ذيله مَظَنَّة للْمَاء، وَجعلت مِنْهُ قناة مُتَّصِلَة، ومنبع هَذِه الْعين جبل شامخ من تِلْكَ الْجبَال يُقَال لَهُ طاد بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَالْألف بعْدهَا دَال مُهْملَة من جبال الثَّنية من طَرِيق الطَّائِف، وَكَانَ المَاء يجْرِي إِلَى أَرض حنين تسقى بِهِ مزارع ونخل مَمْلُوكَة للنَّاس، فاشترت زبيدة ذَلِك الْمحل وأبطلت تِلْكَ الْمزَارِع وَالنَّخْل فَصَارَت تِلْكَ الشحاحيذ يحصل مِنْهَا المدد لهَذِهِ الْعين، وَصَارَ كل شحاذ عينا يساعد عين حنين مِنْهَا عين مشاش وَعين مَيْمُون وَعين الزَّعْفَرَان وَعين البارود وَعين الطان وَعين ثقبة، كلهَا تنصب فِي ذيل عين وَيزِيد بَعْضهَا وَينْقص بِحَسب الأمطار إِلَى أَن وصلت عين حنين إِلَى مَكَّة المشرفة، ثمَّ إِنَّهَا أمرت بإجراء عين وَادي نعْمَان إِلَى عَرَفَة وَهِي عين منبعها ذيل جبل كرا وَهُوَ جبل مَعْرُوف فَيصب المَاء من ذيله فِي قناة إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ الأوجر من وَادي نعْمَان، وَمِنْه إِلَى مَوضِع بَين جبلين شاهقين علو عَرَفَات ثمَّ مِنْهُ يجْرِي فِي الْقَنَاة إِلَى أَرض عَرَفَات، ثمَّ أدارت الْقَنَاة إِلَى جبل الرَّحْمَة مَحل الْموقف الشريف، وَجعلت المَاء ينصب إِلَى البرك الَّتِي فِي أَرض عَرَفَات فتملأ مَاء يشرب مِنْهُ الْحَاج يَوْم عَرَفَة، ثمَّ استمرت فِي عمل الْقَنَاة إِلَى أَن خرجت من عَرَفَات إِلَى مُزْدَلِفَة ثمَّ إِلَى جبل خلف منى فِي قبلتها ثمَّ ينصب المَاء إِلَى بِئْر عَظِيمَة مطوية بالأحجار كَبِيرَة جدا تسمى بِئْر زبيدة إِلَيْهَا انْتهى عمل زبيدة، فَوقف وَهِي من الْأَبْنِيَة المهولة رُبمَا يُوهم بناؤها أَنه من عمل الْجِنّ . كما أن شيرين التي قال سيبيوس بأنها من خوزستان شيدت ديرا وكنيسة قرب القصر الملكي ،كذلك الشأن بالنسبةلزبيدة التي شيدت المساجد العامرة في نواحي بغداد وقد سمي المسجد الذي اقامته امام دار الخلافة مسجد زبيدة، كما شيدت عدة مساجد في قطيعة ام جعفر وفيما بين باب خراسان ودار الرقيق. III. مقارنة بين شيرويه وأخيه، والأمين وأخيه. عند دراسة سيرة شيرويه والمأمون نجد عددا من الأمور المتشابهة أو المتطابقة أحيانا، منها: زوجة شيرويه تسمى "بورى"، وكانت لا تلد، الا انها ولدت بمباركة من شخص اسمه بابي النصيبي،حيث ارسللهاالأخير"حنانا"فلماشربتهحملتوولدتغلامافسميأردشير،وطلبشيرويهمن "بابي" انيأتيعندهولكنهرفض . زوجة المأمون اسمها "بوران" ارتبط زواجه بها بتحسن علاقته بأحد العلويين هو «على بن موسى»، الّذي يدعى«الرّضى»، فحمله إلى «خراسان»، فبايع له بولاية العهد بعده ،ثم انقلب عليه ويقال انه قتله، أما شيرويهفلما تسلم الملكاشتهىانيرى بابيالنصيبيفكتباليهايشوعيبالذيكانقدتقلدالجثلقةويوحناالمتطببيسألانهالمصيرالىالملك،فغلظعليهالخروجمنقلايتهوسألاللهتعالىانيظهرلهمافيالامر،فعرّفالرسلالذينصاروااليهعلةشيرويهوموته ، أي ان بابي رفض مقابلة شيرويه وأنبأهم بقرب وفاته. لقدتم التصرف في هذا الخبر حيث اصبح المتوفى هو شيرويه وليس بابي. فهل هناك علاقة بين "بابي النصيبي" و"علي بن موسى الرضى"؟ وبطريقة أوضح ما العلاقة بين بابي النصيبي والعلويين؟ وهل هناك علاقة بين مقتل مردانشاه بن أبرويز وشيرين، ومقتل محمد الأمين بن الرشيد وزبيدة ؟ ام هما حدث واحد روي بطرق مختلفة؟ وتروي الأخبار أن شيرويه والمأمون أحسا بحزن شديد بعد ارتكاب جريمتيهما، فيقال انه:"بعد مقتل الأمين جاء المأمون عند زبيدة والدة المقتول وعزّاها عن أخيه وبكى معها بكاء شديدا ولعن طاهرا الذي أقدم على قتله. ثم سألته أن يتغدّى عندها ففعل وأخرجت إليه جواري محمد ابنها يغنونه، فغنّته إحداهنّ: هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه فإن لا يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا ممسكاه وضاربه فوثب المأمون مغضبا، فقالت له زبيدة: يا أمير المؤمنين حرمني الله أجره إن كنت علّمتها أو دسست إليها. فصدّقها وتعجّب من ذلك الاتفاق" . هل هي مصادفة ان يتم ذكر كسرى الذي قتله وزراؤه في حضور المامون العباسي ؟ هناك أمور أخرى متشابهة تثير الشك فيما وصل الينا حول البدايات الأولى للتاريخ الإسلامي، منها مثلا، وصول المأمون للخلافة بمساعدة شخص من خراسان هو طاهر بن الحسين والذي يقال انه ينتسب لرستم، وينسبه آخرون لزريق والتي تعني الأرزاقيين أي الأشغانيين او الفرثيين، وكذلك وصول شيرويه للسلطة بمساعدة فرخ هرمز والد رستم الذي ينتسب الى الفرثيين من بارثيا وعاصمتهم بلخ بخراسان. وكذلك وصول العباسيين الى الحكم بمساعدة ابي مسلم من خراسان كذلك. ما هذا التشابه؟ الا يمكن ان تكون هذه الاحداث المختلفة في حقيقتها حدثا واحدا روي بطرق شتى وتم توزيعه على ازمنة وأشخاص مختلفين؟ IV. بهرام جور وبهرام شوبين من المؤكد أن ما نسب الى الرشيد من أحداث يعود في حقيقة الأمر لكسرى أبرويز خلال العهد الساساني الأخير، ولذلك يجب إعادة دراسة هذه الحقبة ابتداء من الملك فيروز بن يزدجرد بنبهرامجور، وربما ابعد قليلا ابتداء من عهد بهرام جور الذي تربي في الحيرة وساعده النعمان بن المنذر الأول على اعتلاء عرش الإمبراطورية الساسانية بعدما انقلب عليه الاعيان وارادوا تمليك شخص آخر اسمه خسرو، والملاحظ ان هناك تشابها غريبا لاتخطئه عين الباحث المتفحص بين الاحداث التي تنسب الى كل من بهرام جور وخسرو، وبهرام شوبين وخسرو( أبرويز)، بل حتى الشخصيات المؤثثة للفضاء في حكاية الملكين والثائرين خسرو وبهرام تتشابه الى حد التطابق . ارتبط اسم بهرام الساساني بلقب جور او كور، وبهرام المهراني بلقب كوبين أو جوبين، وكلا اللقبين لهما علاقة بالبقر، ولذلك يقال: بقر، وبقير، وبيقور، وباقر، ويقال للجماعة منها قطيع، وإجل، وكور، قال الشاعر: فسكّنتهم بالقول حتى كأنّهم … بواقر جلح أسكنتها المراتع وقال أيضا: ولا شبوب من الثيران أفرده … عن كوره كثرة الإغراء والطّرد قال أميّة: سنة أزمة تخيّل بالنّا … س ترى للعضاه فيها صريرا إذ يسفّون بالدّقيق وكانوا … قبل لا يأكلون شيئا فطيرا ويسوقون باقرا يطرد السّهـ … ل مهازيل خشية أن يبورا عاقدين النّيران في شكر الأذ … ناب عمدا كيما تهيج البحورا أما لقب شوبين أو جوبين فأصله كوبين، من كلمة كاو او كاوان أي البقر، مثل كور، أي القطيع من البقر، فبهرام كور الملك الساساني وبهرام كوبين الثائر على حكم الساسانيين ارتبط اسمهما بالبقر، كإشارة لانتمائهما للكيانيين الجبابرة أصحاب المجد الإلهي. ويقال كور حمار الوحش . ويقال "كُور" تعني كور الحداد المبني من طين، والكِير: زِقّ الحداد . وورد في لسان العرب: وكُورُ الحَدَّاد: الَّذِي فِيهِ الجَمْر وتُوقَدُ فِيهِ النَّارُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ مِنْ طِينٍ، وَيُقَالُ: هُوَ الزِّقُّ أَيضاً. والكَوْرُ: الإِبل الْكَثِيرَةُ الْعَظِيمَةُ.... والكَوْرُ: الْقَطِيعُ مِنَ الْبَقَرِ . فالكيانيون هم رعاة البقر، وفي نفس الوقت هم الحدادون والقينيون المشهورون بصناعة السيوف الهندية، وإليهم ينتسب كاوه الحداد الذي صنع العلم المشهور باسم درفش كافيان أي العلم الكياني، وربما كانوا يقدسون الكوكب الأسود زحل الذي يسمى كاوان. لهذه السلالة المجيدة انتسب كل من بهرام كور وبهرام كوبين، ولذلك نجد ان بهرام كوبين لما تولى العرش حمل لقب "كي"، أي اعلن انتماءه الى الكيانيين. كان بهرام جور يقول الشعر بالعربية وكان محبا للموسيقى فسوى بين الطبقتين من الندماء والمغنيين، ورفع من اطربه وان كان من اوضع الدرجات الى الدرجة الأولى. واليه تنسب القصة المشهورة انه احضر من الهند جماعة من اللور اجداد الغجر حتى لايحرم سواد الناس من الاستمتاع بالموسيقى . وهي إشارة للكيانيين الذين كانوا جبابرة، وشعراء ومغنيين ومطربين ، مثل بودا ساكياموني، الذي كان يلقب "ماها كافيا" « Maha Kavya » أي الشاعر الكبير .وكانوا حدادين مثل كابي الحداد، ونعرفهم في التاريخ الإسلامي باسم القيان أي المغنيين، وباسم القينيين صانعي السيوف، والقن كذلك هو العبد، ولذلك وصف عنترة بالعبد، وبأنه أسود اشارة للحدادة، ووصف بأنه شاعر كبير، وبأنه ابن شداد أي ابن الجبار، والجبابرة الأشداء هم الكيانيون. لا يقتصر التشابه بين سيرة بهرام جور وبهرام كوبينفي الانتماء الى الكيانيين فقط، بل يتجاوزه الى مراحل أخرى في حياتهما كما سنرى. لما مات يزدجرد الأول عارض عدد من الاعيان تمليك ابنه بهرام جور أو الاعتراف به ملكا، من بينهم بسطام اصبهبذ السواد، الذى تدعى مرتبته هزرافت، ويزدجشنس فاذوسفان الزوابي، وفيرك الذى تدعى مرتبته مهران، وجودرز كاتب الجند، وجشنساذربيش كاتب الخراج، وفناخسرو صاحب صدقات المملكة، وغير هؤلاء من اهل الشرف والبيت ، الذين ساندوا تمليك شخص آخر اسمه خسرو (كسرى). وساند تولية بهرام جور ملك العرب النعمان بن المنذر، الذي ساعده بجيشه في تولية العرش. هذه الأحداث نجد شبيها وموافقا لها في عهد خسرو (كسرى) أبرويز، حيث عارض بسطام ويزد كشناسب (مهران كشناسب) وبندويه ويزدك الكاتب وغيرهم تمليك بهرام جوبين وساعدوا خسرو أبرويز من اجل الوصول الى السلطة. فهل ساند النعمان بن المنذر تولية بهرام كوبين عرش لامبراطورية الساسانية؟ وبالتالي نفهم سبب نقمة كسرى ابرويز عليه. وقد لمح المؤرخون لذلك عندما ذكروا بأن النعمان رفض تسليم فرسه اليحموم لكسرى ليهرب عليه (ها) من أمام بهرام كوبين. لما ذهب ابرويز الى بلاد الروم وأتي بجيش الى منطقة أذربيجان، ارسل بهرام كوبين الى الأرمن الذين كانوا في صف ابرويز يحثهم على مساعدته مقابل ان ينالوا الاستقلال (انظر تاريخ سيبيوس)، ولكنهم رفضوا، فهل أعطى بهرام كوبين نفس الوعد للنعمان بن المنذر مقابل مساعدته؟ يبدو أن هذا ما حدث بالفعل. يعلق كريستنسن على بسطام والزوابي ويزد كشناسب بقوله : بسطام هو الحاكم العسكري للعراق (السواد) ويزد كشناسب وكيله الإداري على ولاية الزوابي مع لقب بادكوسبان . اضيف الى ذلك ان فيرك الذي تدعى مرتبته مهران ليس الا شهربراز المهراني ، الذي يلقب ب: بيرج أو فيراق او فيراخ او فرخان. اما جوذرز كاتب الجند فهو يزدك كاتب الجند. بهرام جور تشبه شخصيته شخصية بهرام شوبين، فكلاهما ذو بنية جسمانية قوية، وكلاهما مولع بصيد البقر الوحشي، وبرمي النشاب. فيقال إن بهرام جور كان مضرب المثل في الرمي بالنشاب، ولا يزال التصوير الفارسي يمثل وقائع بهرام في الصيد ومهارته في الرمي . كذلك الشأن بالنسبة لبهرام كوبين الذياستعمل مهارته في رمي النشاب لقتلبغاوير أخي الخاقان التركي الذي كان لا يحترم أخاه الملك ويتجبر عليه، فرماه بهرام بنشابة من بعيد وقتله بتواطؤ مع الخاقان. وترد حكايات كثيرة واحداث مختلفة تروى أو تنسب لهذا مرة ولذاك مرة أخرى، منها أن بهرام شوبينذهب الى بلاد الترك حيث استقبله ملكها وساعده في التخلص من أخيه وعدوه بغاوير وابدى شجاعة فائقة، نفس الشيء بالنسبة لبهرام جور الذي ذهب الى الهند وساعد ملكها على اعدائه وابدى ضروبا من الشجاعة لاتتوفر لغيره. ومنها كذلك أن بهرام جور حارب الترك وانتصر عليهم في جيش قليل العدد، وقتل ملكهم الخاقان ثم حارب البيزنطيين، نفس الشيء بالنسبة لبهرام شوبين، الذي انتخباثنىعشرالفرجلمنالفرسان فقط،ليسفيهمالامنانافالأربعين، فلما سمع الملك بالخبر قالله: لملمتنتخبالاهذاالمقدار،وانماتريدانتسيربهمالىثلاثمائهالفرجل؟ ورغم ذلك انتصر عليهم، وحارب كذلك البيزنطيين. أوجه التشابه لا تنتهي هنا فهناك المزيد: • لما أرسل الملك هرمز بن كسرى انو شروان جيش بهرام شوبين لملاقاة ملك الترك ومنازلته خاف الا يستطيع هذا الجيش القليل العدد الصمود في الحرب، فأرسل رجلا من مرازبته يسمى هرمزد جرابزين (فرخ هرمز)، وكان من أدهى العجم، واشدهم خلابة وكيدا، وامره ان يعلم ملك الترك انه رسول الملك، ارسله لمصالحته، واعطائه الرضى، فأتاه هرمزد جرابزين، فاستعمل فيه الخديعة، وكفه بها عن الفساد في ارض خراسان، فلما علم هرمزد ان بهرام قد دنا من هراة خرج ليلا، فلحق به . • نفس هذه القصة تنسبلبهرام جور، ذلك انه لما استتب له الملك آثر اللهو على ما سواه، حتى عتبت عليه رعيته، وطمع فيه من كان حوله من الملوك، فكان أول من شخص صاحب الترك، فانه نهض في جموعه من الاتراك حتى اوغل في خراسان، فشن فيها الغارات، وانتهى النبأ الى بهرام، فترك ما كان فيه من الاستهتار باللهو، وقصد عدوه، فأظهر انه يريد اذربيجان ليتصيد هناك، ويلهو في مسيره إليها، فانتخب من ابطال رجاله سبعه آلاف رجل، فحملهم على الإبل، وجنبوا الخيل، واستخلف على ملكه أخاه نرسى، ثم سار نحو اذربيجان، وامر كل رجل من اصحابه الذين انتخبهم ان يكون معه باز وكلب، فلم يشك الناس ان مسيره ذلك هزيمه من عدوه، واسلام لملكه، فاجتمع العظماء والاشراف، فتامروا بينهم، فاتفق رأيهم على توجيه وفد منهم الى خاقان صاحب الترك بأموال، يبعثون بها اليه ليصدوه عن استباحة البلاد . • بهرام جور ذهب عند ملك الهند في صورة رسول فتزوج ابنته، وطلب منه ملك الهند قتل الكركدن والثعبان اللذين استفحل شرهما وعظم امرهما في بلاد الهند، فنزل عند طلبه وقتل الحيوانين الهائلين . • نفس الشيء وقع لبهرام شوبين الذي ذهب عند ملك الترك، فطلب منه هذا الأخير تخليص البلاد من ثعبان يشبه التنين كان قد ابتلع بنته، فامتثل لأمره وذهب الى الجبل حيث قتل الثعبان وزوجه الخاقان بابنته وجعله صهره .اما في حالة بهرام جور فان الدينوري ذكر انه تزوج بخاتون زوجة الخاقان بعد ان قتله . كما لاحظنا فهذه الروايات تتعلق بحدث واحد نسب الى شخصين وزمانين مختلفين، فالمكلف بحرب الاتراك اسمه بهرام، والاعيان الذين في العاصمة لم يثقوا فيه لأنه ذهب في جيش قليل العدد، فأرسلوا هدايا الى ملك الترك من اجل رشوته وصده عن استباحة البلاد، ولكن بهرام انتصر في الحرب رغم قلة جنوده.
#شريف_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاريخ المبكر للاسلام كما لم تقرأه من قبل
المزيد.....
-
فيدان يرحب باقتراح عراقجي لعقد اجتماع طارئ للدول الإسلامية ب
...
-
عراقجي: يجب اتخاذ موقف اسلامي حازم لمواجهة المؤامرة ضد شعب ف
...
-
عراقجي: يجب عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي حول خطة
...
-
عراقجي: أدعو لاجتماع طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي بشأن خطة ت
...
-
لجان أسرى القدس: الاحتلال يبعد 4 مقدسيين تحرروا اليوم عن الم
...
-
استقبل فورا تردد قناة طيور الجنة 2025 على الأقمار الصناعية ب
...
-
عراقجي: يجب عقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي حو
...
-
بزشكيان: ستتمكن الدول الاسلامية عبر التعاون فيما بينها من اع
...
-
الحية لقائد الثورة: هذا النصر العظيم هو نصر مشترك لنا وللجمه
...
-
قائد الثورة الاسلامية خلال لقائه وفد حماس:تغلبتم على اميركا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|