أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - من اللامركزية إلى وحدة الوجود: درس من دروب السياسة والحقوق














المزيد.....


من اللامركزية إلى وحدة الوجود: درس من دروب السياسة والحقوق


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8246 - 2025 / 2 / 7 - 05:50
المحور: القضية الكردية
    


في بداية الألفية الثالثة، كانت الأرض تتخبط في دوامة السياسة، وشعوبٌ تبحث عن هويتها، وقوى تبحث عن سبيل للحفاظ على وحدة أوطانها، وسط أمواجٍ من الصراع. وكان المصطلح الذي يطفو بين الحين والآخر على السطح: اللامركزية. هذا الكلمة السحرية التي بدت وكأنها مفتاح حل اللغز الكبير، لكنها في الحقيقة كانت تقبع داخل صندوق مليء بالغموض والتحديات.

في بلاد بعيدة، على ضفاف الفرات، كان الجدل يزداد حدة حول نوع اللامركزية التي يجب أن يتبناها النظام: هل هي اللامركزية السياسية أم اللامركزية الإدارية؟ لكل منها هويتها وأبعادها السياسية والفكرية، وكل منها يعكس رؤية مختلفة في إدارة الدول والشعوب.

اللامركزية السياسية: بين الفيدرالية وحلم الأمم

هناك حيث تتوحد الإرادات وتتشابك المصالح، نجد أن اللامركزية السياسية تحمل في طياتها شكلًا خاصًا من الحكم، ليس مجرد فوضى إدارية، بل هي دليل على فهم عميق لوحدة الدولة وتنوعها في آن واحد. في الدول الفيدرالية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يكون لكل ولاية حرية ممارسة سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء على أرضها الخاصة، في ظل الوحدة الكبرى التي تجمعها تحت راية واحدة. وكأنها لوحات فنية تم رسمها بشكلٍ فني دقيق، كل لوحة تحمل تفاصيلها الخاصة ولكنها تتمازج مع باقي اللوحات لتشكيل صورة واحدة واضحة.

وفي مثل هذا النظام، لا يُمكن فهم "اللامركزية السياسية" إلا من خلال هذه الفكرة الفيدرالية التي تبني الدولة على أسس جغرافية، قومية، وسياسية معًا. هناك حيث لكل ولاية حقها في التشريع والمشاركة في إدارة شؤونها، ما عدا تلك القضايا المتعلقة بالأمن القومي، والدفاع، والتمثيل الدبلوماسي، وهي القضايا التي تتعلق بالوحدة الكبرى للأمة. هذه اللامركزية السياسية كانت ثمرة لرؤية فلسفية مفادها أن الحكومة لا تُمسك بكل خيوط النظام، بل تتيح للمكونات الفرعية أن تكون لها يد في إدارة شؤونها بما لا يتعارض مع المصالح الكبرى.

اللامركزية الإدارية: فخ الوعي المغلق

وفي الجانب الآخر، تنبثق اللامركزية الإدارية من قلب النظام البسيط. هي نظام إداري وظيفي بحت، لا يرتبط بالحقوق أو السياسة أو حتى بمفهوم وحدة الدولة. هي مجرد تقسيم إداري، كأنها تفصيل تنظيمي يهدف إلى تخفيف الأعباء عن المركز، ولكنها في النهاية لا تخرج عن كونها تفعيلًا لمهام إدارة بسيطة من دون أن تتعداها إلى أي شكل من أشكال الحكم.

كان ذلك هو الحال في النظام السوري الساقط، وفي النظام التركي الحالي، حيث يمكن تطبيق اللامركزية الإدارية في الدول البسيطة كما في حالة سوريا، وكذلك في الدول الاتحادية كما في ألمانيا. إنها مجرد أدوات إدارية لا تحمل من السياسة سوى الاسم، ولا من الحقوق سوى الإشارة. فالمسألة هنا لا تتعلق بصراعٍ على حكمٍ أو دستور، بل هي مجرد ترتيبات قانونية وجغرافية لا تأثير لها على جوهر النظام الحاكم.

الحقيقة المرة: جريمة المصطلح

لكن في ظلال هذا الجدل الكبير، كان هناك من يصر على استخدام مصطلح "اللامركزية" بشكلٍ خاطئ، وكأنها تُلقي بثقلها على قضية أكبر وأعقد من مجرد تقسيم السلطات. فقد وردت كلمة "اللامركزية" في بيان المجلس الوطني الكوردي، دون تحديد واضح هل هي تعني اللامركزية السياسية (أي الفيدرالية)، أم هي مجرد إشارة إلى اللامركزية الإدارية التي لا علاقة لها بالحقوق أو السياسة. وفي هذا الخلط، يكمن الخطر. فمن خلال حديثٍ عن "اللامركزية" دون تحديد نوعها، كان البعض يطعن في قضية الشعب الكوردي ويشوهها.

كانت هذه الكلمات بمثابة جريمة سياسية وحقوقية. جريمة لم تكن ناتجة عن رغبة في تدمير الوجود الكوردي، بل عن جهلٍ بسيط في فهم الجوهر. جريمة لا ترتكب ضد الأرض فحسب، بل ضد الحق والهوية التي يجب أن تُحتفظ بها الشعوب، وخصوصًا شعب كوردي يُطالب بحقوقه في تقرير المصير.

الفكر الكوردي: بين حق تقرير المصير واللامركزية السياسية

في لحظة تأمل، نجد أن الشعب الكوردي لا ينبغي أن يتوقف عند مفردات بسيطة كـ "اللامركزية" التي تحاول أن تحصره في زوايا ضيقة، بل يجب أن يرتقي إلى ما هو أسمى من ذلك. حق تقرير المصير يجب أن يكون له الأولوية في مطالبه، حيث لا يمكن للفكر الكوردي أن يظل محصورًا في حدود اللامركزية الإدارية. بل يجب أن يناضل من أجل اللامركزية السياسية، التي تجسد الفيدرالية، بما يتوافق مع أسس ومعايير القومية والسياسة والجغرافيا، التي تضمن للشعب الكوردي إدارة شؤون حياته وفقًا لحقوقه التي نص عليها القانون الدولي.

الختام: بين الوحدة والتنوع

وفي النهاية، إذا كانت اللامركزية السياسية تعني حكمًا محليًا في دولة اتحادية، فلا بد أن نعي أن المراحل التالية من تطور الفكر السياسي الكوردي يجب أن تنطوي على ذلك التمييز الواضح بين الإدارة المحلية والحكم المحلي. هذا التمييز الذي يجب أن يُفهم في سياق الأبعاد السياسية والدستورية، فلا ينجرف الشعب الكوردي وراء المصطلحات العابرة التي قد تلتبس مع الواقع.

وها هنا، تظل اللامركزية مفتاحًا لفهم أن الوحدة لا تعني القضاء على التنوع، بل هي صورة جديدة من الحكمة السياسية التي تُبنى على الاحترام المتبادل للمكونات التي تجعل الأمة غنية ومتنوعة في آن واحد.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كردستان حلم مؤجل
- الاتحاد بين الرياح: تأمل في دروب المعارضة السورية والكورد
- حصون التخلف: رحلة إلى فهم الثقافات المغلقة وفتح الأفق نحو ال ...
- الكورد بين لهيب التاريخ ونور الحرية: ملحمة إرادة لا تنكسر
- بناء الذات الثورية: فلسفة الانعتاق وصياغة المصير
- كوباني ذاكرة الصمود الكردي ورمز سوريا الجديدة
- الكورد في سوريا: جدلية الهوية والسلطة في متاهة التاريخ


المزيد.....




- -قيصر- المصور الذي وثق جثث التعذيب في سوريا يكشف عن هويته بع ...
- ترامب يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.. ماهي؟
- ترامب:إجراءاتنا ضد المحكمة الجنائية الدولية قد تشمل حظر المم ...
- ترامب يوقع مرسومًا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ...
- ترامب يعاقب المحكمة الجنائية الدولية ويعلن الطوارئ الوطنية ض ...
- غزة.. دمارٌ وركامٌ ورياحٌ عاتية أجهزت على ما تبقى من ملاجئ و ...
- ليبيا.. ترحيل طوعي لمهاجرين مصريين غير شرعيين
- الاحتلال الإسرائيلي يفرض تدابير تحول دون الانجاب في قطاع غزة ...
- بسبب إسرائيل.. ترامب يقر عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ...
- جالانت: أعطينا أوامر للجيش بقتل الأسرى مع آسريهم


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - من اللامركزية إلى وحدة الوجود: درس من دروب السياسة والحقوق