|
شهادة المعطي منجب: بنسعيد آيت إيدر، رجل حر ومقاوم مغربي
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 8246 - 2025 / 2 / 7 - 02:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
على صفحات المنصة الرقمية (orientxxi)، نشر المعطي منجب هذه الشهادة في الأسبوع الأول من شهر مارس 2024، أي بعد مرور شهر تقريبا على وفاة سي محمد بنسعيد آيت إيدر. بمناسبة حلول الذكرى الأولى لوفاة الرجل الثوري الذي عاصر ثلاثة ملوك، أقدم على ترجمة المقالة التي دبجها المعطي منجب بالفرنسية تعبيرا منه عن اعترافه باليد البيضاء لصديق الشعب المغربي وأفضاله على يسارنا الذي يدين له بالشيء الكثير. نص الشهادة: توفي المقاوم المغربي والزعيم السياسي والمعارض التاريخي للنظام الملكي المستبد، محمد بنسعيد آيت ايدر، يوم سادس فبراير 2024، عن عمر يناهز 99 عاما. في جنازته، مثل الملك محمد السادس شقيقه الأصغر. ولِد محمد بنسعيد آيت ايدر حوالي عام 1925 في منطقة سوس، في الجنوب الغربي للمغرب، على مقربة من مستعمرة سيدي إفني الإسبانية. تابع دراسات قرآنية ودينية تقليدية في مسقط رأسه، ثم هاجر إلى مراكش لإكمال تعليمه الثانوي، قبل أن يلتحق بمدرسة ابن يوسف الشهيرة في أواخر الأربعينيات. في العشرينيات من عمره، بدأ يهتم بالسياسة من خلال القراءة الدؤوبة للمجلات والصحف الواردة من الشرق الأوسط العربي. لكن شعلة النضال اتقدت فيه تحت تأثير المعلومات، التي بثتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) العربية وجريدة (العلم)، لسان حال حزب الاستقلال، عن المجازر التي ارتكبت في فلسطين عام 1948. خلال الخمسينيات من القرن العشرين، أسس مجموعة مقاومة أصبحت في ما بعد الجناح الجنوبي لجيش التحرير المغربي. سمعت لأول مرة عن محمد بنسعيد آيت إدر عندما كنت في السادسة عشرة من عمري. أحتفظت بصورة المكافح المقاوم ضد الاستعمار الذي لم يستسلم أبدا لأي قوة. بداية من الملك الحسن الثاني، في ذروة مجده الوطني وهوسه القمعي خلال السبعينيات والثمانينيات. لقد أخبرني ذات مرة، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في الدار البيضاء، عندما كنا نتحدث عن المصالحة الوطنية، أن الرئيس فرانسوا ميتران كان محقا في وصف الحسن الثاني بأنه "قاسٍ بلا داع". كما ذكرنا اعتقاله الأول بعد سنوات قليلة من حصول المغرب على الاستقلال: "لقد عذبونا كالمجانين، رغم أنهم كانوا يملكون كل المعلومات عن مجموعتنا وعنّي شخصياً". هؤلاء هم "عملاء الأمن السياسي الذي أنشأه الحسن الثاني، حتى قبل اعتلائه العرش العلوي عام 1961. تجسسوا على المعارضين، وهددوهم، وعذبوهم، وفي بعض الأحيان قتلوهم. وقد تم تنظيمهم في مجموعات متنقلة تشبه فرق الموت في الأنظمة الدكتاتورية في أميركا اللاتينية. وأضاف بنسعيد: "عذبونا فقط ليجعلونا نعاني قدر الإمكان. حتى نفقد كرامتنا قاموا بتعليقنا في الهواء بشكل أفقي قبل أن يضربونا حتى النزيف. بدا أن هدفهم هو كسر عمودنا الفقري، جسديا ومعنويا... نعم، هناك نوع من العمود الفقري الأخلاقي في كل إنسان؛ عندما ينكسر الإنسان، فإنه قد يتحول إلى كائن بلا كرامة. كائن مستعد لوضع نفسه في خدمة الأقوى أو من يعطي أكثر". رجل المفارقات كانت قضية حياته عبارة عن أربعة عقود من معارضته للحسن الثاني، الذي كان يكره شخصه وسياساته. وسلط الضوء على "ارتباطات" هذا الأخير بالقوى الاستعمارية الجديدة. ولكنه لم ينطق قط بكلمة "خيانة" في حق الملك، ولا شك في ذلك احتراما للملكية، وهي الممارسة السائدة بين أغلبية المغاربة. ومع ذلك فقد أكد لي ذات يوم من عام 2008 في الرباط، خلال محادثة في المعهد الملكي للأبحاث حول تاريخ المغرب، أن هناك بالفعل تحالفا على الأرض بين الجيش المغربي الرسمي والجيش الفرنسي، أثناء حرب تحرير الصحراء الغربية بقيادة حركة تحرير المغرب الإسلامي التي كان جزء من قيادتها. قال بنسعيد: "كان لدى رجل مغامر [واحد لصگع، كان هذا تعبيره] من مقاتلي فكرة مفاجأة الجيش (الرسمي) بالجرم المشهود. ألقى القبض على الضابط والسائق والجنود (على متن) شاحنة عسكرية على طريق معزول. سألهم دون أن ياخذ مني إذنا. يبدو من تصريحاتهم أن الشاحنة المحملة بالمؤن متجهة نحو فم لحسن لتزويد المركز العسكري الفرنسي المحاصر من قبل جيش التحرير". واضاف أن محمد الخامس لم يكن من المفترض أن يكون على علم بتصرفات ابنه، لأنه " لم يكن يسيطر على الخدمات". ويضيف أن محمد الخامس لم يكن من المفترض أن يكون على علم بتصرفات ابنه، لأنه "لم يكن يسيطر على الاجهزة". كان نظام التقديس الرسمي الذي جعل الحسن الثاني ملكاً-إلهاً لا يطاق بالنسبة إليه. لقد أزعجته غطرسته المزعجة. في الواقع، كان الملك، "على خلاف سلفه وخليفته، يزرع احتقارا للمغاربة" مهما كانت رتبهم، معارضين كانوا أو موالين له، خدما فاسدين أو وطنيين فخورين. وبحسب بنسعيد فإن مثل هذا الموقف يستعبد الشعب المغربي. وعلى هذه الخلفية من التناقض السلوكي، وقعت عدة مواجهات مباشرة وغير مباشرة بين الملك والمقاوم. سأذكر منها اثنتين فقط. الصدام الشخصي مع الحسن الثاني كانت الحادثة الأولى، التي تقول الكثير عن شخصية بنسعيد كرجل حر، قد وقعت في ثمانينيات القرن العشرين. فقد وافق المكافح المقاوم على أن يكون عضوا في وفد من الزعماء الوطنيين المكلفين بالدفاع عن الموقف الرسمي للمغرب بشأن الصحراء المغربية لدى منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي الآن). وبعد عودتهم من أديس أبابا، استقبلهم الحسن الثاني في قصره بفاس بكل حفاوة وتكريم. مع مرور الوقت، أصبحت البيانات الجزئية التي توفرها بعض الأرشيفات متاحة، وهذا ما دفعني إلى الاعتقاد بأن الملك أراد أن يظهر للشعب أن بنسعيد قد انصاع إلى إرادة الشعب. لكن ما حدث هو العكس، فكانت خيبة أمل كبيرة للحسن الثاني . رحب الملك بالزعماء الوطنيين المذكورين الذين ظهروا أمامه في الصف المعتاد. كان الملك مبتسما، وبدا أنه يستمتع بهذه اللحظات البروتوكولية التي تمثل إذلال عظماء الأمة. انحنوا، واحدا تلو الآخر، أكثر أو أقل لاحتضان اليد الملكية الممدودة، دون أي تحفظ. ولكن عندما جاء دور بنسعيد، سلم على الحسن الثاني شفهياً دون انحناء، لكنه تمكن مع ذلك من وضع يده على كتفه. وكاد الملك أن يختنق من الغضب، ثم أحيط بنسعيد علما بذلك عن طريق وزير الداخلية إدريس البصري. بعد سنوات قليلة، وفي إطار التحضير لحفل استقبال في القصر، قال البصري نفسه لبنسعيد بلهجة جدية إن الحسن الثاني طالبه بالامتثال للبروتوكول. رفض آيت إيدر مرة أخرى، مع رسم ميل طفيف. وأخيرا تم التوصل إلى تسوية مؤقتة بين الرجلين. صحيح أن الزعيمين يكرهان بعضهما البعض. لم يناد الملك على بنسعيد باسمه الحقيقي مطلقًا، بل بلفظ يشير إلى منطقة ميلاده، شتوكة آيت باها. فعل الشيء نفسه مع معارضين آخرين بارزين مثل محمد الفقيه البصري، الذي أطلق عليه لقب دمنات (نسبة إلى دمنات، وهي بلدة صغيرة في الأطلس الكبير). لم تكن تلك عادة ملكية مستهجنة. في ذهنه، كان الأمر يتعلق بوضع الزعماء الوطنيين الذين وقفوا في وجهه في مكانهم: يبدو أن الملك يعني بذلك "أنهم مجرد محليين". وعلى نفس المنوال، يقال إن الحسن الثاني أعرب عن رغبته في رؤية مؤسس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحيم بوعبيد، يترشح في الانتخابات التشريعية لعام 1977 في منطقته الأصلية، شمال الرباط. وبدلاً من ذلك، سيختار الزعيم الاشتراكي الجنوب الغربي البعيد، الذي تسكنه أغلبية أمازيغية إلى حد كبير. لكن وزارة الداخلية كانت تراقب الأمور عن كثب. وبما أن رغبات الملك هي الأوامر، فسيتم رفض الزعيم. لن يكون من بين الممثلين المنتخبين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رغم أنه الأكثر شعبية. قضية الكتاب غير الموقر أما الحكاية الثانية فتعود إلى يناير 1996. اقترح محمد بنسعيد آيت إيدر على هيئة تحرير جريدة (أنوال) المعارضة، التي كان مديرها السياسي، أن تنشر، في أجزاء متتالية، كتابي الذي صدر قبل بضع سنوات في باريس تحت عنوان "الملكية المغربية والصراع على السلطة" (لارماتان، 1992). وكان من المفترض أن يتم إصدار هذا العدد في شهر رمضان من نفس العام، لأن عدد القراء يكون أكثر خلال الشهر الفضيل. لكن هذا العمل ليس محظوراً في المغرب فحسب، بل لكونه أكاديمياً، نظر إليه في القصر على أنه غير محترم. أعربت هيئة تحرير جريدة (أنوال) عن مخاوفها من المنع لبنسعيد الذي لم يتراجع. وبمجرد ظهور الصفحات الأولى، هددت وزارة الداخلية هيئة التحرير، التي استمرت رغم ذلك. وبعد ذلك اتصل البصري ببنسعيد هاتفيا ليطلب منه التوقف عن إصدار الحلقات. ثم قابله شخصيا وقال له بالحرف الواحد: الملك يأمرك بالتوقف عن النشر حتى تلتئم الجروح بين القصر والحركة الوطنية. وجوابه لا لبس فيه: لا مجال للشك في ذلك، فلا ضرر من نشر كتاب يستحضر أحداثاً وقعت منذ عدة عقود. أمر الملك يأمر بمصادرة الجريدة وتم ذلك بعد نشر الجزء السابع. روى لي بنسعيد هذه القصة، التي أطلق عليها "نزاع حول الكتاب"، في عام 2001. وبعد بضع سنوات، في عام 2008، أدلى بشهادة مخطوطة عن هذه الحادثة باللغة العربية. ثوريا وملكيا، أمازيغيا وقوميا عربيا، مناضلا من أجل مغربية الصحراء وصديقا للجزائريين، مسلما متحمسا ونصيرا لليسار الراديكالي، ممولا أول لحزبه ومفلسا إلى الأبد، معانيا منذ شبابه من مشاكل صحية، توفي محمد بنسعيد آيت ايدر في 6 فبراير 2024 عن عمر يناهز مائة عام.
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
النسخة 17 من المعرض الدولي للفلاحة تضع الماء واستدامة الفلاح
...
-
الاتحاد المغربي للشغل يعلن عن إضراب عام يومي 5 و6 فبراير
-
خطة ترامب الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من غزة شنيعة للغاية،
...
-
عودة إلى إدريس بن علي بمناسبة حلول الذكرى 12 لوفاته
-
الصخيرات: متى يوضع حد لتهرب أصحاب سيارات الأجرة الكبيرة من خ
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الشهادة الضريبية وثيقة تثقل كاهل السوق العقاري في نظر الموثق
...
-
وزارة التربية الوطنية تصدر مذكرة تتضمن تدابير للتصدي لانتشار
...
-
إقليم الحوز: تصاعد حملة التضييق على نشطاء تلات نيعقوب وسط دع
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
مستفز ومعادٍ للإسلام.. من هو سلوان موميكا، مُدنس القرآن الكر
...
-
الكدش تستعد لخوض معركة ضد -الهجوم المُمنهج على الحقوق والمكت
...
-
غاسبار كونيغ: -ممارسة السياسة تتطلب من الفيلسوف توضيح الأفكا
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الجبهة الوطنية للكرامة وحقوق الإنسان: قرار الطالبي بإحالة ري
...
-
مجموعة مراكش 1984 تطالب بتصحيح الاختلالات التي طبعت عملية إد
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
ترامب يريد من الأردن ومصر أن تستقبلا الفلسطينيين من أجل -تطه
...
-
كيف أصبحت شركة هواوي رمزا للنزاع بين ترامب والصين خلال ولايت
...
المزيد.....
-
دانيل ليفي لـCNN: إذا كان ترامب يعتقد أن دول الخليج ستدفع تك
...
-
خبير إسرائيلي يقوّم خطة ترامب للسيطرة على غزة وترحيل الفلسطي
...
-
حديقة حيوانات أوريغون تحتفل بولادة فيل صغير جديد بعد 20 شهرً
...
-
الأمن الروسي: احتجاز 4 نساء جندتهن المخابرات الأوكرانية لتنف
...
-
بريدنيستروفيه تؤكد استمرار عملية حفظ السلام الروسية
-
جندوا الثعابين والعقارب وجعلوا الأرض تطلق النار على الغزاة!
...
-
الرئيسان الإماراتي والفرنسي يبحثان تعزيز العلاقات الاستراتيج
...
-
هيئة الإذاعة البريطانية تعترف بتلقي تمويل من الـUSAID
-
مباشر: خطة إسرائيلية لتسهيل مغادرة سكان غزة وروبيو يزور تل أ
...
-
غالانت يكشف تفاصيل هجوم البيجر على حزب الله وإدارة الحرب بغز
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|