أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - إياس الساموك - طبيعة وحدود اختصاص رئيس الدولة في إصدار القوانين















المزيد.....


طبيعة وحدود اختصاص رئيس الدولة في إصدار القوانين


إياس الساموك

الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 16:39
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


يعرّفُ الفقهُ إصدار القوانين هو شهادة من السلطة التنفيذية بمولد القانون الجديد، وأمر صادر من رئيسها إلى عمالها بتنفيذه كتشريع(1).
ويأتي إصدار القانون بعد استكمال الإجراءات التشريعية المتمثلة في الاقتراع والمناقشة والتصويت عليه وتصديقه(2).
ويُمثلُ الإصدار إعلاناً بإتمام إجراءات إقرار القانون بأنه قانون نهائي، ويتضمّن الأمر بتنفيذه كقانون من قوانين الدولة النافذة من جانب أعضاء السلطة التنفيذية(3) ، كما أن الإصدار يشملُ أيضاً الأمر بنشره في الجريدة الرسمية حتى يحددُ بذلك تاريخ سريانه(4).
ومن ثمَّ، فإن رئيس الدولة بوصفه رئيس السلطة التنفيذية يأمر أعضاءها باحترام القانون، والعمل على تنفيذه كل بحسب اختصاصاته، وأن أول مراحل التنفيذ هو نشر القانون حتى يتحقق العلم على النحو المألوف(5).
فإذا تمَّ سن التشريع سواء أكان أساسياً أو عادياً أو فرعياً، فإنه يوجد قانون، ولكن الوجود القانوني للتشريع لا يعني دخوله مرحلة التنفيذ بعد، إذ ينبغي لذلك تسجيل هذا الوجود القانوني والأمر بتنفيذه من خلال الإصدار، وهي عملية تسبق إعلان الناس به وتحديد موعد نفاذه عن طريق النشر(6).
ويتم إصدار التشريع عن طريق توقيع رئيس الدولة على القانون ويشار إليه برقم مسلسل خلال السنة التي صدر فيها(7).
وحيث تَسنُ التشريع سلطة أخرى غير السلطة التنفيذية التي تضعه موضع التنفيذ، فيحتاج الأمر إلى أن تقوم السلطة الثانية بإصدار ما سنّتهُ السلطة الأولى (السلطة التشريعية)، ذلك أن واضع التشريع الذي تم سنّهُ في مثل هذه الحالات موضع التنفيذ يقتضي تسجيل وجوده القانوني وتكليف رجال السلطة التنفيذية بالقيام على تنفيذه، ومثل هذا التكليف لا يتصور صدوره إلا من السلطة التنفيذية نفسها ممثلة في شخص رئيسها، لأن المكلفين بالتنفيذ هم عمالها فلا تملك عليهم سلطة أخرى أي كانت، منها السلطة التشريعية، حق الأمر والتكليف(8).
وهذا يعني: أن إصدار القوانين بواسطة السلطة التنفيذية هو نتيجة لازمة لنظرية الفصل بين السلطات؛ لأن السلطة التشريعية لا تملك تكليف رجال السلطة التنفيذية بتنفيذ القوانين، كما أن هؤلاء لا يتلقون أمر التنفيذ من السلطة التشريعية، لذلك كان لابد من أن يصدر ذلك من رئيس السلطة التنفيذية(9).
ويرى اتجاه فقهي أن الإصدار يمثل اثبات وجود التشريع، ويشهد أن هذا التشريع قد تم وضعه على النحو الذي يتفق مع أحكام الدستور(10).
لكن هناك اتجاه آخر يعترض على القول بأن رئيس الدولة هو الذي يقر بتوافر الشروط الدستورية في القانون، فمناط ذلك إلى القضاء الدستوري، وليس لرئيس الدولة أن يراقب سير عمل مجلس النواب والتحقيق من مطابقة إجراءاته لنصوص الدستور والقانون(11).
وبهذا، فإن إصدار التشريع أمر واجب على رئيس الدولة، فإذا تقاعس عن ذلك فإنه يكون قد عطّل تنفيذ القانون، وفي هذا اعتداء على السلطة التشريعية، لذا ليس له الامتناع عن الإصدار أو تأخيره(12)، ولا يكون الإصدار حق له إلا إذا كان يملك الاعتراض على التشريع وعدم إصداره(13).
وحتى لا تتراخى السلطة التنفيذية في إصدار القوانين، جرت بعض الدساتير على تحديد مدة معينة يجب على رئيس الدولة أن يقوم بإصدار القانون خلالها(14) ، وإذا لم يحدد الدستور موعداً فإن الإصدار يكون فور تمام سن التشريع(15).
كما انتقل السجال الفقهي إلى حجية الإصدار، فيما ذهب اتجاه إلى أن القانون يصبح بعد نشره حجة ملزمة على الكافة ويجب العمل بمقتضاه في جميع أنحاء الدولة(16)، رأى اتجاه آخر أن الحجية المطلقة كانت قد تأسست على اعتبارات خاصة بمكانة رئيس الدولة قديماً وسمو وضعه، لكنها لم تعد، بعد انتشار الفكر الديمقراطي، سائغة ومقبولة في الوقت الحاضر، على أساس أن حجية الإصدار نسبية، إذ أنه لا يغلق الباب أمام الطعن بعدم دستورية القانون(17).
والخلاف الآخر الذي ظهر بشأن إصدار القوانين، يتعلق بطبيعته فهل هو من مكونات العملية التشريعية أم لا؟، ويمكن إجمال أبرز الآراء على النحو الآتي:
الرأي الأول: إن الإصدار يعد عملاً مكمّلاً وضرورياً ولازماً للعملية التشريعية، فالإصدار مرحلة من مراحل التشريع، ولا يتم التشريع إلا به(18).
الرأي الثاني: إن عملية الإصدار هي عمل تنفيذي تتضمن إعلاناً خارجياً عن وجود القانون وضرورة الالتزام بأحكامه، وإسناد هذا العمل إلى رئيس الدولة أمر منطقي ذلك أنه رمزها وممثلها، والمنوط به تحقيق وحماية سيادة القانون في الدولة، ومن ثم تبقى عملية الإصدار بعيدة عن صنع القانون(19).
الرأي الثالث: إن الإصدار إن لم يكن عملاً تشريعياً خالصاً، فهو أقرب إلى هذه الأعمال، ولا محل للاعتراض على ذلك بالقول إن رئيس الدولة لا سلطة تقديرية له في هذا الشأن، وأنه لا يمكن إلا إصدار القانون، فالقانون غير مكتمل الوجود القانوني دون إصدار، والدليل على ذلك أنه لا يجوز الحديث قبل الإصدار عن أي آثار ملزمة له(20).
وبالنظر إلى المادة (73) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، التي تنص على الآتي: "يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية:... ثالثاً: يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها"، فيما نصت المادة (128) على الآتي: "تصدر القوانين باسم الشعب".
وهذا يعني أن الدستور أناط صلاحية إصدار القوانين برئيس الجمهورية، وأوردها مع المصادقة، لكنه حدد مهلة بانتهائها يُعدُّ القانون مصادق عليه حكماً، دون الإشارة إلى تحديد مدة للإصدار.
وظهر من خلال الواقع، أن رئيس الجمهورية امتنع عن إصدار قوانين رغم انتهاء مدة المصادقة عليها، منها على سبيل المثال قانون تنظيم عمل المستشارين، لكن المحكمة قضت بإلزامه بإصدار ونشر القانون وأكدت في قرارها أن رئيس الجمهورية ليس له الحق في الامتناع عن إصدار القانون، على أساس عدم امتلاكه حق الاعتراض عليه بموجب المادة (73) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، وبما أن القوانين تعد مصادق عليها بعد مرور 15 يوماً، فيصبح لازماً على رئيس الجمهورية إصدارها ونشرها(21).
وبالنظر إلى قرارات المحكمة الاتحادية العليا، فنجد أنها لم تسبغ الصفة التشريعية على عملية الإصدار، وجاء في قرار النص الآتي: "يتولى رئيس الجمهورية واستناداً لأحكام المادة (73/ ثالثاً) من الدستور المصادقة واصدار القوانين التي يسنها مجلس النواب وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تأريخ تسلمها، وإن تلك الصلاحية لا تعني أن يكون رئيس الجمهورية هو جزء من العملية التشريعية للقوانين بل إنه واستناداً لأحكام المادة (66) من الدستور، جزء من مكونات السلطة التنفيذية الاتحادية والتي تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء"(22).
كما أشارت المحكمة الاتحادية العليا إلى أن عملية الإصدار غير مرتبطة بنفاذ التشريع وسريانه، لارتباط مفهوم المصادقة والإصدار بالتوقيع والنشر في الجريدة الرسمية، وليس التشريع الذي يُعدُّ من اختصاص السلطة التشريعية، التي لها أن تقرر عدّ القوانين نافذة من تاريخ التصويت عليها أو من تاريخ صدورها أو نشرها في الجريدة الرسمية أو بتاريخ سابق أو لاحق لتاريخ صدورها أو سريانها بأثر رجعي استناداً للضوابط المشار عليها بالمادة (19/ تاسعاً) من الدستور التي تنص على "ليس للقوانين أثر رجعي ما لم ينص على خلاف ذلك، ولا يشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم"، ولا معقب على المشرع في ذلك، إلا مراعاة المصلحة العامة في حدود السلطة التقديرية الممنوحة له، في سبيل تحقيقها، ولاسيما أن عدم المصادقة وإصدار القوانين من قبل رئيس الجمهورية الذي تولى مجلس النواب تشريعها تعد نافذة بمضي مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها(23).
وهذا يعني: أن القضاء الدستوري في العراق، أقرّ بأن الإصدار هو واجب على رئيس الجمهورية بمجرد انجاز عملية المصادقة أو انتهاء المدة المحّددة لها، وليس له أن يمتنع عن الإصدار بناءً على أساس أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) لم يمنحه حق الاعتراض، كما أن عملية الإصدار غير مرتبطة بنافذ التشريع وسريانه، وهي ليست جزء من العملية التشريعية.

.........................................

الهوامش
1- د. أنور سلمان، المبادئ القانونية العامة، الدار الجامعية الجديدة للنشر، مصر، 2005، ص119.
2- د. رافع خضر صالح شبر، الطبعة الأولى السلطة التشريعية في النظام البرلماني، مكتبة زين الحقوقية والأدبية، 2017، ص159.
3- د. عبد الغني بسيوني عبد الله، سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، ص202.
4- د. سليمان مرقس، في شرح القانون المدني- 1- المدخل للعلوم القانونية، الطبعة السادسة، من دون دار طبع،1987، ص189.
5- د. سليمان محمد الطماوي، السلطات الثلاث، دار الفكر العربي، مصر، 1967، ص123.
6- د. إدريس العلوي العبدلاوي، أصول القانون، الجزء الأول: نظرية القانون، الطبعة الأولى، مطابع دار القلم، لبنان، 1971، ص549.
7- د. محمد حسين منصور، المدخل إلى القانون، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2010، ص117.
8- د. حسن كيره، المدخل إلى القانون، منشاة المعارف بالإسكندرية مصر، 1969، ص238.
9- د. عبد الرزاق احمد السنهوري، د. احمد حشمت أبو ستيت، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر، 1950، ص174.
10- د. غالب علي الداودي، الطبعة السابعة، دار وائل، الأردن، 2004، ص112.
11- د. جابر جاد نصار، الوسيط في القانون الدستوري، دار النهضة العربية، مصر، 1996، ص424.
12- د. محمد حسين منصور، مصدر سابق، ص118.
13- د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر، 1974، ص312.
14- د. رمزي طه الشاعر، الوجيز في النظام الدستوري المصري، من دون دار نشر، مصر، 2022، ص310.
15- د. عبد المنعم فرج الصدة، أصول القانون، القسم الأول، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباني الحلي وأولاده، مصر، 1965، ص96.
16- د. يحيى الجمل، القانون الدستوري والنظام الدستوري المصري، دار النهضة العربية، مصر، 2006، ص311.
17- د. فتحي فكري، وجيز القانون البرلماني في مصر، من دون دار نشر، 2006، مصر، ص416.
18- د. يحيى الجمل، مصدر سابق، ص311.
19- د. جابر جاد نصار، مصدر سابق، ص424.
20- د. فتحي فكري، مصدر سابق، ص415.
21- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (237/ اتحادية/ 2023).
22- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (102/ اتحادية/ 2021).
23- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (1/ اتحادية/ 2020).



#إياس_الساموك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأمم المتحدة: طرد سكان الأراضي المحتلة محظور تماما
- العفو الدولية:مقترحات ترامب بشان غزة عبثية وغير اخلاقية ولاش ...
- معتقل غوانتانامو لم يُغلق أبدًا.. المهاجرون من أمريكا آخر ال ...
- أوضاع المخابز والبلديات في مدينة غزة بعد عودة النازحين
- 76 منظمة حقوقية تدعو لتحقيق أممي مستقل في الانتهاكات بشرق ال ...
- الولايات المتحدة: بدء عمليات ترحيل مهاجرين معتقلين جوا إلى غ ...
- اليونيسف: المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة لا تكفي ...
- الأونروا: الوكالة تقدم خدمات أساسية لنحو 6 ملايين لاجئ في من ...
- الاتحاد الدولى لعمال البناء والاخشاب يدين الاضطهاد والترحيل ...
- السعودية تنفذ حكم الإعدام بحق مواطنين اثنين متهمين بخيانة ال ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - إياس الساموك - طبيعة وحدود اختصاص رئيس الدولة في إصدار القوانين