أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رأسُ السنة الصينية... في دفء القاهرة














المزيد.....


رأسُ السنة الصينية... في دفء القاهرة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 11:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تُبهرني الحضاراتُ القديمة الضاربة بجذورها في عمق الزمان، وتوقظ فضولي للمعرفة والتأمل. لذا، صقلتُ مرايا حواسّي وشحذتُ نصالَ حدسي؛ لكي أعيشَ هذا اليوم، “رأس السنة الصينية”، بكامل وعيي، مستغرقةً في تفاصيل الطقوس والفلسفات القادمة من أقاصي الشرق؛ "الصين"، تلك البلاد المدهشة التي صنعت إحدى أعرق الحضارات وأسهمت في تشكيل ملامح الإنسانية. ولأنني أنتمي إلى واحدة من أقدم حضارات التاريخ، فإن شغفي بالعراقة تشكّل مبكّرًا جدًّا؛ منذ بدأت رحلتي في القراءة وتحصيل المعارف.
صديقي المصري "هاني"، وزوجته الصينية الجميلة "آليس"، وأبناؤهما الذين تشكّلت ملامحهم ومعارفهم من امتزاج تلكما الحضارتين العريقتين، كانت دعوتهم لي بمثابة قراءة "كتاب جديد"، طُبعت منه نسخةٌ واحدة من أجلي. كتابٌ كُتبت سطورُه بخلطة حبرٍ مدهشة من مياه "النيل" ونهر "هوانغ هو". إنها الحضاراتُ النهرية التي نشأت على ضفاف الأنهار ما سمح لأبنائها بالاستقرار والتشييد والعمران، ومن ثم ابتكار العلوم والفنون والمعارف وبقية مفردات الحضارة. فحين يرفعُ التاريخُ طبشوره ليكتب عن الحضارات العريقة التي شكّلت وجه الإنسانية، تتصدّر اللوحةَ مصرُ والصيُن؛ بوصفهما أقدمَ حضارتين وأطولها استمراريةً ورسوخًا. كلاهما لم يكن مجرد بلد، بل مهدًا للفكر والفنون والسياسة والعلوم والفلسفة والعمارة، ما جعلهما قوتين ثقافيتين هائلتين، شكلتا وجدان العالم، قديمه وحديثه.
رأس السنة الصينية يقع في يوم بين نهايات يناير وبدايات فبراير وفقًا لدورة القمر، في النظام القمري. وهذا العام ٢٠٢٥، كان الاحتفال بالعام الصيني الجديد يوم ٢٩ يناير، وهو عام "الأفعى الخشبية"، الذي يرمز للحكمة والأناقة ودِقّة الحدس. والاحتفال به يُعدُّ تجسيدًا عميقًا للهوية الثقافية والقيم العائلية والتقاليد المتوارثة في الصين منذ فجر التاريخ
في مزرعةٍ قصيّة، في غرب القاهرة، احتضنتنا الأشجارُ بثيابها الخضر، والنخيلُ بشهوق جذوعها، والبحيراتُ بصفحاتها الزرقاء، لنقضي يومًا لا يُنسى، بدعوة كريمة من "آليس"، التي قدمّت لنا الهدايا والطعام بيد المحبة وقلب الترحاب. ولم تنس أن تقدم لصغيري "عمر" ذلك المظروف الأحمر الأنيق، "هونغ باو"، وداخله عيدية العام الجديد الذي يُقدّم للصغار في الصين مطويًّا على أمنيات الحظ والبركة، وكأنما منحته خيطًا من تقاليد وطنها العريق. ابتسم "عمر"، فأضاءت ابتسامتُه قلبي، مثلما تضيء الفوانيس الحمراء سماء بكين في الليلة ذاتها. كانت "آليس"، ابنة الشرق الأقصى، توزّع ابتسامتها علينا مع صحون الطعام، فكانت سفيرة رائعة لتلك الطقوس الطيبة التي ورثتها عن قَدامى أسلافها. واستكمالا لطقس بداية العام، اجتمعنا حول مائدة مستديرة، كما يفعل الصينيون في مناسباتهم. فالمائدة المستديرة وراءها فلسفة تقول: لا أحد في المقدمة، لا أحد في المؤخرة، الجميع متساوون، يشاركون ذات النكهة ويتشاركون اللحظة ذاتها. وتعرفنا يومها على الأكلة الشعبية في الصين: "هُوُو غُوُو"، ومعناها "القِدْر الساخن"، وهي بدورها "فلسفة" وليست مجرد طعام، بل تجربة تفاعلية، حيث يغمس كلُّ فرد ما يشاءُ من الخضروات الطازجة وشرائح اللحم الرقيقة وفواكه البحر، في المرق المغليّ، وكأننا نمزجُ ذوائقنا المختلفة داخل القِدر الواحد، فتسري نكهاتُ الطعوم وتتمازج مثلما يتمازج البشرُ ليصنعوا الحضارات الإنسانية. التقطتُ بعصوات الطعام الصينية قطعةً من الفِطر، ووضعتها في طبق "عمر"، ثم أطعمته بيدي، تمامًا كما تفعل الأمهات الصينيات في طقس يرمز للحب والرعاية. فالأم في جميع ثقافات العالم، تتشابه في إطعام ابنها أولاً، كي تضمن له عامًا دافئًا مشبعًا بالحب والحنو.
وعندما حلّ المساءُ، انطلقت في السماء الألعاب النارية، تتفجر بين الغيوم بالألوان والبريق، وكأنها ترسم أمنياتنا بحبر من ضوء. وتلك كذلك "فلسفةٌ" مُستقاة من روح الاحتفالات الصينية: حين كان الصينيون في القرون الأولى يشعلون المفرقعاتِ لطردِ الأرواحِ الشريرةِ التي تُحوِّم حول المدينة، فيصفو وجهُ الطبيعة ويستقبلون العام الجديد بصفحةٍ بيضاء. وكما كان القدماءُ يؤمنون بأنَّ الدويَّ القويَّ لتلك المفرقعات يبثُّ الحياةَ في السنةِ القادمة، كذلك شعرنا بخفق الفرح يدقُّ في قلوبنا ونحنُ نرقبُ الألوانَ وهي تتفتحُ فوق رؤوسنا كزهورِ "الفاوانيا" في شنغهاي، وزهرة “اللوتس” التي تتفتّح في طِيبة.
الليلة، تحتفل مصرُ بأسبوع الفن الصيني في دار الأوبرا المصرية، بالشراكة مع اتحاد الدوائر الأدبية والفنية الصينية، وسفارة جمهورية الصين الشعبية في القاهرة، من خلال مؤتمر الترويج للسينما والتليفزيون والأعمال الإلكترونية الصينية، والعرض الأول للفيلم الوثائقي "صالون".
سعيدةٌ بالتعرف على هذه الأسرة المصرية/الصينية الجميلة، وسعيدة بأن أولى الجوائز الشعرية التي حصدتُها في مشواري الأدبي كانت من "هونج كونج": "أفضل ديوان شعري عربي لعام ٢٠٠٦ عن مخطوطة ديواني "قارورة صمغ" الذي تُرجم عامئذ إلى الصينية والإنجليزية، وصدر عن دار "ندوة بريس" بالصين. شكرًا للحضارة، وشكرًا للمحبة.


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقسُ الشتاء والقراءة في -معرض الكتاب-
- المرأةُ وحقوقُها … في -منتدى القيادات النسائية-
- “خبيئة بيكار- … في صُوانِ طفولتنا
- إحدى خوالد: الدكتور -بدر عبد العاطي-
- “خالد العناني- … صوتُ مصرَ الحضاريُّ في اليونسكو
- “مكرم هارون-… واحدٌ من النبلاء
- صلاح دياب: -إيجي لاند- الفرعونية
- عيد الميلاد المجيد … مِحرابٌ ومَذبح
- سنة حلوة بالحب… شكرًا ستّ -عفاف-
- كسّارة البندق … عصا -نادر عباسي-
- قلوبُنا أخبرتنا …. ميري كريسماس
- أُهدي جائزتي …. إلى جريدتي
- لم أتسبّبْ في دموعِ إنسان!
- أنصتوا… الملائكة تغنّي …. في مسرح النيل
- سارقو الثورات والثروات
- “الملحد-… مغالطة: “الكتابُ يُقرأ من عنوانه-!!!!
- إشراقة -الأكسجين- في صالون -وسيم السيسي-
- خيال … -صلاح دياب-
- -نجم- … في قاعة -إيوارت-
- -دولة الأوبرا- … منارةُ البهاء


المزيد.....




- -ليس المسلمون فقط-.. نجيب ساويرس يثير تفاعلا عن رفضه مخططات ...
- الإفتاء بين الإرشاد الديني والتوظيف السياسي
- صحيفة إسرائيلية: ممثل يهودي يشبه أفعال إسرائيل بجرائم النازي ...
- “الأرنب والثعلب”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 Toyor ...
- “فرحي أولادك طوال 24 ساعة” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة ...
- بزشكيان: منظمة التعاون الاقتصادي تساهم في تعزيز التنسيق بين ...
- قائد الثورة الاسلامية يوافق على عفو و تخفيف عقوبة اكثر من 3 ...
- قائد الثورة الاسلامية يوافق على عفو وتخفيف عقوبة أكثر من 3 آ ...
- الإخوان في سوريا.. بين محاولات التسلل وحتمية الإقصاء
- عراقجي: موقف ايران واضح من السلاح النووي وفتوى القائد حسمت ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رأسُ السنة الصينية... في دفء القاهرة