أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أبوبكر المساوي - شخصية السِّي مّوح المحترم















المزيد.....


شخصية السِّي مّوح المحترم


أبوبكر المساوي
...

(Aboubakr El Moussaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 02:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الحديث التالي عن عينة من الناس الذين ينتمون إلى هذا التجمع البشري الذي يستوي فيه المتعلم والجاهل، والذي يتزاوج فيه الجهل بالعلم بطريقة غريبة حينما يتعلق الأمر بالمقدسات الموروثة التي تغلغلت في وجداننا بفعل التلقين المغلف بالعاطفة، والمصحوب بالوعد حينا وبالوعيد أحيانا، وفي ثقافة المجتمع الذي أنتمي إليه تمثل الشخصية الرئيسية في مقتطفات الأحداث التي ستلي تركيبا من كلمتين تدلان على معنيين متناقضين "السِّي" التي تضاف إلى اسم الإنسان المتعلم، وتحديدا الذي يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية ويحفظ ما تيسر له من نصوص مقدسة وبعض أساطير الأولين، ويملك القدرة على الانفراد بالحديث في مجالس غير المتعلمين ويتعمد تنميق حديثه بكلمات وجمل لا يفهمها أحد من الحاضرين، وقد لا يفهم معناها هو أيضا.
وكلمة "موح" التي تستعمل لنعت شخص بالجهل أو قلة التجربة أو الغباء وما شابه هذه النعوت.
ما أكثر أفراد "السي موح" عندنا، لكن هذه العينة موضوع الحديث دفعته ظروف خارجة عن إرادته إلى الشك والتساؤل والبحث، ولا يمتاز عن باقي جماعته بأية ميزة، إلا أنه قرر رفع القداسة عن الموروث العقدي وقراءته بحيادية وموضوعية، ومساءلة ما يدعو إليه ونقده دون أدنى اعتبار للخطوط الحمراء، إلا أنه يبقى مجرد السي موح في ظل المناخ العام وفي ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيش فيها.

لحم البعوض وعصير الباذنجان

هذا هو السي موح،
كان شديد الإيمان والتصديق بما علمه آباؤه وأجداده الذين تعلموا ذلك بدورهم من آبائهم وأجدادهم، دون أي تساؤل عن مدى صحة أو جدوى ما تعلموه، فكان من بين ما آمن به في سنوات شبابه الأولى أن من نام بالليل واستيقظ بالنهار مذنب، ومن أكل لحم البعوض وشرب عصير الباذنجان يدخل في خانة الآثمين ويجب أن يعاقب هنا وهناك، لا يهم إن كان هذا ينسجم مع معايير العقل أم لا، ولكن المهم هو اللمسة الجديدة أو البصمة التي ستميز هذا الهراء عن غيره من الذين سبقوه.
دافع السي موح عن ما ورثه بكل ما أوتي من قوة ومن رباطة جأش ليرهب بها خصمه وخصم نصوصه المقدسة التي لا تقبل النقد والنقاش، والتي تتجاوز حدود اللياقة والأدب إلى أن تبلغ حد الاستهزاء والسب والشتم حين يتعلق الأمر بنصوص الخرافات الأخرى، وبسبب تماهيه مع الأقوال الواردة في النصوص المقدسة التي ورثها، وشعوره بأن نقد تلك الأقوال إهانة مباشرة لشخصه، أصبح يشتعل غضبا ويثور في وجه كل من تسول له نفسه نقد إرثه الثمين ويعتبره ازدراءً، بل وتهديدا لتلك العلاقة العاطفية القوية التي تجمعه بالكائن الذي نهى عن أكل لحم البعوض وشرب عصير الباذنجان، وقد بلغت به شدة التزامه بتطبيق التعاليم إلى نتيجة حتمية وهي نوع من الأمراض النفسية التي لا يصاب بها إلا هو وجماعته، كالهوس القهري والخوف المرضي من كائنات اختلقها الإنسان البدائي في أزمنة غابرة لتفسير بعض الظواهر في الكون، أو لتأويل بعض التصرفات الغريبة للناس أو لفك عقدهم النفسية، أو بحثا عن العزاء حين فراق الأحبة بسبب الموت، أو بحثا عن علاج لأمراض باطنية يستعصي الكشف عنها بالعين المجردة.

التخلف الذي لا ينتهي لحكمة لا يعلمها إلا هو

ففي غياب ما توصل الإنسان إلى صنعه في عصرنا من آلات مساعدة على الكشف عن المرض أو أدوية وطرق للعلاج، وفي غياب التفسير العلمي الدقيق، كان يجب على الإنسان البدائي أن يجد أي تفسير في حدود إمكانياته العقلية ليهدأ بها قلقه الوجودي وخوفه من المجهول، ففعل ذلك بشتى الطرق التي تنم عن بدائيته، وهذا ليس عيبا بالنظر إلى مسار تطور العقل البشري -فسوف نكون نحن بدائيون جدا ومتخلفون بالنسبة لمن سيعيش على هذا الكوكب بعد مائة عام- لكن العجز عن إيجاد تفسير منطقي وعقلاني دفع الإنسان إلى التحايل على العقل فترة من الزمن، حيث عزى عدم قدرته على حل المشكلات التي تواجهه إلى كائنات غيبية من ابتكار خياله، أو برر ذلك بمحدودية العقل أو ب"حكمة" كائنات اعتقد أنها تتحكم في العالم، وهذه الحكمة لا تعلمها إلا هي، وليس في مقدور الإنسان العادي الكشف عنها، إلا من كُشف له الغطاء عن الغيب.

الرضا والنور وتسليم الأمور لصاحب الأمور

بعد الأزمات والضوائق التي سقط فيها السي موح، تارة برغبة مجنونة منه وتارة أخرى بسبب عوامل خارجة عن إرادته، أو أنه اختار إخراجها من نطاق إرادته خوفا من تبعات (حرية الإرادة) ومن القلق الوجودي المصاحب للتساؤل عن المسلمات والموروث، أو إيثارا منه لدفء القطيع على صقيع الشرود والمغامرة والبحث والخوض في المحرم والمجهول، جاء الفرج من عند نفس الكائنات التي كان يعتقد أنها صاحبة اليد الفاعلة في تعقيد حياته وتحويلها إلى جحيم بسبب إحساسه الدائم بعقدة الذنب. جاء الفرج -حسب اعتقاده- بعد أن أعدته الكائنات الخرافية إعدادا جيدا لتلقي المكافأة التي هي في الواقع حل جزء كبير من الضوائق التي تنغص عليه حياته وتفرمل خطواته رغم أنها متعثرة أصلا، وتعوق انطلاق مشاريعه رغم أنه لا يحمل أي مشروع يذكر، ولذلك قرر السي موح أن يرد الجميل بتقديم قرابين لائقة بحجم المكافأة التي تلقاها، والمداومة على تطبيق التعاليم الموروثة وعلى الطاعات، رغم أن طبعه عنيد ولا يحتمل الطاعة العمياء وممارسة الطقوس التي ينخرط فيها الجميع، إلا أن الصدف أو المقادير شاءت وقررت أن تجعل في طريقه ما يكفي من الأشخاص لجعله لينا قادرا على تقبل الطقوس وتوابعها، ويمارسها على الشكل الذي يليق بشخصيته التي تميل إلى التحلي بالكمال والتدقيق في التفاصيل، والبحث عن الطرق الأمثل لإرضاء الكائنات الغريبة الأطوار التي قد تجعل حياة الإنسان عيشا رغدا، والتي تملك القدرة على أن تعصف بها ريحا سموما تحولها إلى صحراء قاحلة لا أثر فيها لمظاهر الحياة، وتملك ما لا يعد وما لا يحصى من القدرات الخارقة التي تنتهي كلها في مفهوم المطلق.
مع مرور الزمن ومع تطور طرق التفكير تصالح الإنسان مع العقل وقطع مع الممارسات البدائية التي لا تجدي نفعا، وتحرر من ثقل وأغلال المعتقدات الموروثة، إلا أن نسبة مهمة من الناس يفضلون إثقال كواهلهم بأحمال ينحصر كل دورها في تعذيب النفس وجلد الذات، فكيف لإنسان ينتمي لزمننا أن يجعل عقله رهينة لطريقة تفكير إنسان العصور الوسطى، ويضعه تحت رقابة قوانين مهترئة عفا عنها الزمن رغم أنه يعلم الكثير، ورغم أن العقل البشري على مر السنين أثبت إمكانية حل الكثير من الرموز والشيفرات وحل الكثير من المشاكل التي استعصت على الإنسان البدائي؟

دفء القطيع أو السلام الداخلي والتخدير الجماعي المقدس

ذاق السي موح دفء الانتماء إلى القطيع فتبناه وجعل منه أسلوب حياة، واستمتع به مدة من الزمن، ومع مرور الأيام زادت جرعة ذلك الدفء، وزاد معه شعور بعدم الرضا، فكان يسمع صوتا يناديه من دواخله العميقة يدعوه إلى الإقلاع عن إدمان عادات القطيع والتخدير الجماعي المقدس، لكنه أصر أن يجعل بينه وبين عقله سدا منيعا بسبب خوفه المرضي من ذلك المجهول، ويجعله قاصرا ويسلمه للمرتزقة والغربان الذين يعيشون على مخلفات القبور، ومن نشر ثقافة الموت عوض ثقافة الحياة وظلام الخرافة عوض نور العقل، والنتيجة أنه حين يغيب العقل قد ينحدر الإنسان إلى درجة أقل من الذين يمشون على أربع، أو قد يعيد ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها في الماضي بصيغ مختلفة.

... مصيدة الكلاب

شعر السي موح بحجم الخطأ الذي ارتكبه، لكن بعد فوات الأوان، بعد أن غاص جيدا في ركام الوحل الذي أعده لنفسه إعدادا جيدا، وكأنه فعل ذلك مع سبق الإصرار وبنية إلحاق الأذى بنفسه أو بنية الانتقام منها، فغرس آخر مسمار في نعش حريته في وقت كان في أمس الحاجة إلى شم ريحها ومعانقتها والغوص في بحور عشقها.

...عسى أن تكرهوا صدمة ويجعل العقل فيها خيرا كثيرا

بعد أن اكتشف السي موح شناعة ما اقترفه في حق نفسه حاول بكل ما أوتي من قوة فك أغلاله والخروج من الوحل، لكن ذلك لم يكن بالعمل السهل. وفي غمرة هذه الغيبوبة التي أصيب بها فترة من الزمن نعق ناعق من بين غربان القبور: أيها الناس، إني أرى بينكم من يعتنق حكاية الآخرين ويعظمها ويجهر بذلك، ويمدح سواد عيونهم ويحاول إعلاء شأن كلمتهم. أيها الناس، أوصيكم وأوصي نفسي بالتطبيل والتهليل لسوادنا، لأن سوادنا أفضل من سوادهم، وعندنا على ذلك الدليل القاطع من صاحب السواد ومبدعه شخصيا، ومن تجرأ على مدح سواد الآخرين واتباعه وذم سوادنا سنذيقه عذاب التفتيش والمتابعات وتلفيق التهم، ولَنَقذفنَّ به في غياهب السجون؛ فأكثروا من الإعجاب بحلكة سوادنا وأبغضوا حلكة سوادهم لعلكم من العقاب تفلتون.

من خارج الكهف

انزوى السي موح وعكف على طرح الأسئلة التي كان أغلبها عبارة عن كفر بَواح وخوض في المحرمات -حسب اعتقاده واعتقاد جماعته- لكنه سمح لنفسه بارتكاب السيئة لإيمانه بأنه إن أتْبَعَها الحسنة تمحها، وأن العبرة بالخواتيم. ونظرا لاطلاعه الواسع على ما يوجد بداخل كهف الموروث، ونظرا لإحساسه بنوع من الإشباع من هذه الناحية قرر إلقاء نظرة ولو خاطفة على ما يقال وما يكتب من خارج الكهف عن الكهف وما فيه، فوجد ما خدش كبرياءه وما عرَّض علاقته بالكائنات المقدسة وبمجتمعه للخطر، فاستعاذ بالذي يستعاذ به في مجتمعه ثم تراجع عن السؤال والبحث على ألا يعود لذلك أبدا، لكن ذلك لم يدم طويلا، فقد كان ذلك القدر القليل مما سمعه وما قرأه كافيا ليستفز جوانب من عقله وليشعره بنوع من الحلاوة الفكرية والنشوة التي لم يسبق له أن ذاق طعمها، وليزعزع بعض أركان فكره وليجذبه ويعود مرة أخرى لمتابعة البحث والسؤال، حيث وجد نفسه وبرغبة جارفة وحماس طفولي منقطع النظير يواصل ما بدأه. وبعد مدة ليست بالهينة وصراع مرير بين الموروث ومعايير العقل شعر معه بتمزق في داخله، وصلت إلى مسامعه أخبار عن واحد من الذين امتلكوا الجرأة قبله لمساءلة ما يوجد بداخل الكهف من خارجه، فاستمع إليه أكثر مما قرأ له، ربما لأن ذلك الذي يتحدث عن الكهف من خارجه ذكي بالقدر الكافي، وله من القدرات والمهارات في الإلقاء ما يمكنه من إيصال الأفكار بسلاسة ويسر، وله من الحجج ووسائل الإقناع ما يجعل العقل المتحجر يلين، إلا من كان عنيدا متعصبا أو كان صاحب مصلحة مباشرة في مواصلة حمل أثقال الموروث، أو خائف لا يملك الجرأة الكافية لمساءلة المسلمات، فكانت النتيجة بعد الاطلاع على فكر هذا الخارج والاستماع والقراءة لآخرين أن امتلأ جوف السي موح بخليط من الخوف والحماس والغبطة والسرور، وأحاسيس أخرى جديدة لم يسبق له أن اختبرها نظرا لما توصل إليه من نتائج قد تقلب حياته رأسا على عقب.

سقوط الوصاية

فكان من أهم ما توصل إليه أنه لا تفريط في العقل بعد اليوم، ولا مجال لقبول أية وصاية من أي نوع. ثم انطلق يشاكس هنا وهناك بأسئلة وأفكار زجت به في نقاشات تحولت بعدها إلى صراع وخصام في بعض الحالات وآتت أكلها في حالات أخرى.

بين سندان الكهف ومطرقة حراسه

بقي السي موح متذبذبا بين رغبته في التخلص من أحمال الموروث والخوف من رد فعل حراس الأحمال، إلى أن عرض عليه مجموعة من الصِّدِّيقين والصالحين ما توصلوا إليه في بحثهم، فأطلعوه على بعض المراجع وعلى تجارب لأشخاص من الذين يعملون جاهدين على تجميل وتخفيف أحمال الموروث، ومجموعة من الذين بدلوا أثقالا بأخرى وقليل من الذين تمكنوا من التخلص منها نهائيا وآخرين يحاولون ذلك.

القمار الحلال

فكانت فرحة السي موح عارمة بما سمعه وما تلقاه من أخبار، لأن ذلك أعانه على التخلص من التردد الذي أصابه بخصوص قراره المتعلق بالخلاص من ثقل الموروث الذي يجثم على صدره منذ أن أتى لهذا العالم، والذي جعل منه كائنا يخبط خبط عشواء كباقي أقرانه، حيث كان كل ما وصل إلى تحقيقه عبارة عن ضربات حظ أو نتيجة صدفة أو حادث لا مجال فيها للدراسة والتخطيط ولا وجود لهدف محدد مسبقا، وكانت الكائنات الخرافية هي صاحبة دور البطولة في حياته، هي التي تعطي وهي التي تمنع، وهي التي تشاء وتقرر وتفعل، وما مشيئته في كل هذا إلا كمن يلعب النرد، ولعل أمانيه وطموحاته كمن يكتب رسالة لكائن قد يوجد في الطرف الآخر من الكون أو في كل مكان منه، وقد لا يوجد أصلا، ثم يضعها في زجاجة ويلقيها في الفضاء لعلها تصل إلى المرسل إليه، ولعل هذا الأخير يختار رسالة السي موح من بين أعداد لا حصر لها من الرسائل لقراءتها، ولعله يقتطع من وقته رمشة عين ليكتب ردا ل السي موح، أو يتفاعل مع مكتوبه فينقله من حال إلى حال قبل أن يرتد إليه طرفه، أو ليسخر منه ومن جهله بكل ما أوتي من مكر، أو ليتجاهله ويتركه يشوى على نار جهله التي تزيد حرارتها كلما زاد انتظار السي موح وإصراره على التشبث بأهداب عرش الخرافة.

الجواب الشافي

أم أن هذا من نسج خيال السي موح وخيال أمثاله فاختلقوا لأنفسهم كائنات ليحملوها مسؤولية أخطائهم وعجزهم، أو لتعويض نواقصهم وملء فراغات في دواخلهم، أو للإجابة على تساؤلاتهم بأجوبة جاهزة عوض مواجهة الواقع وطرح الأسئلة الصحيحة ومحاولة الإجابة عنها بطريقة عقلانية بعيدا عن الأجوبة الشافية والقطعية الصالحة لكل زمان ومكان، والتي تكون في أغلب الأحيان مثل المخدر يذهب العقل إلى حين الإصابة بصحوة والعياذ بالله.

عصا موحا

انكسرت العصا التي كان يتكئ عليها السي موح والتي كان يهش بها على غنمه والتي كان له فيها مآرب أخرى. اهتزت أركان فكره وزلزلت الأرض تحت قدميه، فتهاوى كل ما كان من فكر متهالك في عقله وأضحى معلقا في الخواء لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. استسلم صاحبنا لفترة غير قصيرة لسب ولعن كل ما يتعلق بأسلافه وما خلَّفوا، وقد تعمد في ذلك عدم التماس الأعذار لهم بحجة أنهم كانوا يملكون حرية الاختيار لكنهم لم يختاروا الأنسب والأفضل لهم ولذريتهم، وفي نفس الوقت حافظ على درجة لابأس بها من اليقظة والتركيز والجدية في البحث والسؤال، ومع مرور الوقت تخلص من رواسب البكاء على الماضي، لجأ للقراءة وعمل على تقوية ملكة النقد بناء على أسس منطقية وعلى تفادي الاندفاع في إصدار الأحكام على القضايا التي تواجهه أثناء بحثه الذي تسبب في تراكم الصدمات الفكرية وفي تناسل الأسئلة بشكل جنوني في عقله، أسئلة من نوع خاص لم يألفها بدأت تزيد أرقه حدة وتقض مضجعه إلى أن أصبحت عيناه غائرتين بسبب الأرق وكمية التبغ التي يستهلكها، حتى أن كمية الكيف التي يدخنها كل ليلة لم يعد لها ذلك الطعم ولا ذلك التأثير الذي كان أيام الرضا والتسليم بما ورثه عن آبائه، رغم التضاد الظاهر الذي يحمله هذا التصرف مع ما تعارف عليه كل أفراد مجتمعه على أنه الفضيلة، هذه الأخيرة التي تفرض على المبتلى أو مرتكب الخطيئة أو الفاحشة أن يستتر.
اقتنع صاحبنا في المراحل الأولى من صحوته بقدرة الأفراد على امتلاك حرية الإرادة والاختيار وتحمل مسؤولية هذه الحرية، وإنتاج أفعال عقلانية ومسؤولة قد تؤدي إلى ميلاد مجتمع أفضل إن رفعت الوصاية وانكسرت القيود، ونهل الناس من تعليم سليم خال من الخرافة وغَرَفوا من فكر راق يتعفف عن الخوض في مزبلة تاريخ الإنسانية، وينتقي الأفضل دائما ويتبناه ويورثه للأجيال القادمة لتبني عليه هي بدورها ما هو أفضل فتورثها للأجيال التي تأتي بعدها وللإنسانية عامة.

الخرافة سلاح الدمار الشامل

فكر السي موح كثيرا فيما يؤرقه ويقض مضجعه ويسبب في تخلف هذا المجتمع الذي ينتمي إليه، طلَّع وهبَّط وضرب الأخماس في الأسداس فوجد أن المسؤول الوحيد عن تخلفه هو وحل الخرافة الذي فرض بالسيف بدءً على أسلافه، والذي تحول إلى ابن بالتبني ثم ابن بيولوجي مع مرور الزمن، حيث أصبح أسلاف السي موح بارعين في إنجاب الخرافيين ذكرانا وإناثا -إلا بعض الطفرات الخارجة عن إرادتهم والتي أدخلوها على الدوام في خانة المغضوب عليهم ـ وهذه نتيجة حتمية يلعب فيها عامل التلقين المغلف بالقداسة وعامل التوريث دورا هاما للبقاء.

أعتقد أنها مسألة وقت قصير فقط إن بادرنا بالقضاء على الخرافة وكل ما يتصل بها ومحوها من حياتنا اليومية، قد لا تتعدى هذه المدة زمن جيل واحد وسينقرض أفراد السي موح ويعود الناس إلى الفطرة الحقيقية وتعود مكانة العقل، وبهذا قد يحقق الإنسان الجديد نهضة فكرية في هذه البقعة من الأرض التي ضاقت بأهلها من فرط تخلفهم وإصرارهم على أن التعلق بالخرافة هي الوصفة الوحيدة للنجاة ولتحقيق السعادة.
قرر السي موح أن يجعل مما توصل إليه دَيْدَنهُ وأنشودته الأبدية، ثم طوى صفحة من حياته ما كان لها أن توجد لولا التفكير الخرافي الذي دمر حياة أسلافه ودمر زمنا طويلا من حياته.
رفعت الجلسة الخاصة بصاحبنا وإلى اللقاء مع حمّو ن السي موح ومُوحا ن حمو ن السي موح وحِمِّي ن موحا ن حمو ن السي موح...



#أبوبكر_المساوي (هاشتاغ)       Aboubakr_El_Moussaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزحام
- خاطرة
- الرغبة واللذة
- الخوف
- الشيزوفرينية
- الحرية
- مثل ديك على حبل
- الغثيان والاشمئزاز والتقزز
- أجيال في الوحل
- جلد الذات
- عقدة الذنب عندنا
- -النحن- و -الأنا- و الفعل و رد الفعل
- الزوايا المظلمة من تاريخ الإنسانية
- التبن والشعير والحمير


المزيد.....




- خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب ...
- قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية ...
- من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس ...
- الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة ...
- اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي ...
- بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب ...
- مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
- التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج ...
- “سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن ...
- الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أبوبكر المساوي - شخصية السِّي مّوح المحترم