|
العلويون بين الطائفية التقليدية و الطائفية المرتدة
مفيد عيسى أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 18:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في بداية عام 2013 فازت روايتي (الماء و الدم) بجائزة الرواية العربية من إحدى المؤسسات التي تعمل على رعاية الإبداع و التنمية، و في اليوم التالي للفوز تمّ حجب الجائزة بحجة أني (شبيح)، علماً أنني لا ألامس هذه الصفة بشيء، لكن كوني أنتمي إلى طائفة معينة هي (العلويين) تمّ اعتباري أني من فئة (الشبيحة ) التابعين للنظام، ففي نظر الكثيرين؛ خاصة من هم خارج سورية كان كل علوي شبيح. بعد يومين تم نقلي إلى (خان الشيح) المنطقة المشتعلة جنوب دمشق، من قبل مدير المؤسسة (العلوي) التي كنت أعمل فيها (مؤسسة الإسكان) بناء على تقرير كتبه ضابط أمن في تلك المؤسسة تضمّن ثلاثة عشر اتهاماً، منها تشكيل تنسيقية معارضة، و تسخير السيارة المسلمة لصالح المعارضة لنقل السلاح و غيره، إضافة إلى اتهامات أخرى. في حين كان السبب الرئيسي لذلك رفضي الخروج في وجه المتظاهرين من المعارضة، فقد كان يتم تجميعنا في مكان معرض دمشق الدولي القديم ليتم توزيعنا على الأماكن التي تخرج فيها مظاهرات، و كنت مع قلة نتهرب و نرفض الخروج في وجه المتظاهرين، إضافة إلى أسباب أخرى منها رفضي اعتبار من يغيب يوم الجمعة غياباً غير مشروع، و هو اليوم الذي تخرج فيه المظاهرات و قد تم جعله يوم دوام للعاملين في المؤسسة دون إصدار صك رسمي بذلك، و سبب آخر هو الأهم و هو اعتباري لست مؤيداً لبشار الأسد و ذلك بناء على ما وصله عني من كلام. ما زالت المسألة الطائفية من المسائل الإشكالية المزمنة في المجتمعات العربية ذات التنوع الطائفي؛ حيث لم تصل هذه الدول إلى حل بخصوص هذه الحالة، فالسلطة في هذه المجتمعات لم تقم بما هو جدي لاستيعاب هذا التنوع في سياق مجتمعي و وطني؛ و في إطار مفهوم المواطنة الحقيقية التي يمكن أن تكون حلاً لها. على العكس من ذلك؛ نجد من يسلّم بوجودها و يتعامل على أساس هذا التنوع بشكل صريح فيما يخص السلطة السياسية و الإدارية، ففي بعض الدول هناك ترويكا طائفية معلنة وواضحة كلبنان و العراق، بينما تضمر دول أخرى هذه الترويكا و تطبقها بشكل غير معلن كسورية في ظل النظام البائد. بعيداً عن الترويكا و تقاسم السلطة تعتبر الطائفية مسألة اجتماعية بطيفها الواسع، حيث تتخطى تأثيراتها مسألة السلطة و النفوذ لتصل إلى خلخلة البنية الاجتماعية للمجتمع، هذا ما يحدث عندما تصل إلى اعتبار الطائفة هي الهوية الأساسية على حساب الهوية الوطنية، و هذا ما يجعل من هذه المجتمعات مهيئة للتناقضات و الصراعات السياسية بعقابيلها الاقتصادية و الثقافية و نهباً لها، خاصة عندما تستغل القوى السياسية و أصحاب النفوذ التنوع الطائفي و العصبية لبناء ركيزة سياسية، و في هذه الحالة تتحول الطوائف إلى الأدلجة القائمة على أساس ديني، أي أيديولوجية بعمق غيبي و هي الحالة الأخطر أيديولوجياً. لو عدنا إلى مصطلح الطائفية سنجد أن الطائفة تعني لغوياً حسب المعجم الوسيط: الجمــــاعة و الفـــرقة من الناس. و الطائفيـــة مصطلح مشتق من جذر لغوي هو ( طاف، يطوف، طوافاً، فهو طائف). و الطائفية تنسب إلى الطائفة، فهي تقوم أساسا على وجودها، و هي تعني في أبسط تعريف لها: التعصب لطائفة معينة. أي أن التنوع يكون طبيعياً بدون التعصب، و لا يصل إلى حد الطائفية التي تحدد بشكل عمودي مفارق الأنا و الآخر. ما حدث معي أظهر طائفية أخرى مختلفة عن الطائفية بمفهومها التقليدي المعروف، نمط آخر من الطائفية يمارس ضمن الطائفة الواحدة، يمكن تسميتها الطائفية المرتدة، حيث يمارس أبناء الطائفة الواحدة بحق أبناء طائفتهم تمييزاً سلبياً يصل إلى حد الاضطهاد و التعسف كي يظهروا لأبناء الطوائف الأخرى أنهم غير طائفيين. في هذه الحالة تصبح الطائفية ذات حدين: الطائفية القائمة على التمايز و الطائفية المرتدة التي تمارس من قبل أبناء الطائفة على بعضهم. الكثير من العلويين وقعوا بين حدي هذه الحالة؛ الطائفية التقليدية و الطائفية المرتدة التي يتعرضون لها بشدة أكبر من قبل أبناء طائفتهم و التي كانت تحسب عليها السلطة، حيث يمارس عليهم أبناء طائفتهم؛ خاصة من هم في مواقع السلطة و المتنفذين اضطهاداً يفوق اضطهاد الطائفة الأخرى و ذلك لإظهار أنهم ليسوا طائفيين، فهم يعاملون أبناء طائفتهم معاملة أسوأ تصل إلى حد هضم الحقوق و الاستبداد، كي يضرب المثل بهم و يقال عمن يفعل ذلك: ليس طائفياً، انظروا ماذا يفعل بأبناء طائفته... ينقسم هذا النمط من الطائفية إلى قسمين رئيسين: - الطائفية الممارسة من قبل من ينشقون عن طائفتهم بحق أبناء طائفتهم السابقة، و ذلك بغرض إظهار إخلاصهم للطائفة الجديدة التي انتموا إليها، خاصة إذا كانت طائفة أقوى، حيث يبالغون برفض كل ما له علاقة بطائفتهم السابقة. هذا ما نجده لدى المنشقين من كافة السويات و الفئات الاجتماعية، فمن الملاحظ أن هذه الفئة تكون أشد تعصباً، و المفارقة أن هذا التعصب يشتد مع الزمن و كأنّ انتمائهم السابق كان عاراً عليهم، و أنهم يكرسون انتماءهم الجديد بهذا التعصب و يمحون انتماءهم السابق. - الطائفية الممارسة من قبل من هم من نسيج الطائفة الواحدة، و ذلك للظهور بمظهر اللاطائفيين تجاه أبناء الطوائف الأخرى خاصة الأغلبية. و أكثر ما نجد ذلك عند أصحاب النفوذ و السلطة و من الأقليات، فنجد أن من رجال السلطة بمختلف مستوياتها من يعمل على مرعاة و إرضاء أبناء الطوائف الأخرى، و خاصة طائفة الأغلبية على حساب حقوق أبناء طائفته، و قد يصل الأمر إلى حد الظلم و الاضطهاد بحقهم، و ذلك تأكيداً منه على أنه ليس طائفياً. هناك حالة نلمسها إدارياً في إقصاء الكوادر على أساس طائفي معكوس، أي إقصاء رجل السلطة للعاملين من أبناء طائفته و تهميشهم لغايتين: الظهور باللاطائفية كما أسلفنا. و الحفاظ على موقعه في حال كان ضمن سياق الترويكا الطائفية. فابن طائفته إن كان من المؤهلين قد يشكل خطراً؛ أما أبناء الطوائف الأخرى فلا خطر منهم. هذا إضافة إلى الحرفية في تطبيق القانون و التعليمات على أبناء طائفته إلى حد التعسف، ففي حالات كثيرة يبدو ذلك متعمداً ليصبح من يقع تحت هذه الحالة مثلاً، يقابل ذلك التراخي عندما يتعلق الأمر بأبناء الطوائف الأخرى، على افتراض أنّ أبناء طائفته يتحملون ذلك كونه من طائفتهم، و هو بذلك يظهر أنه حريص على تطبيق القانون بشكل كبير و نزيه كونه يفعل ذلك على من يخصوه في العرف الطائفي. حالة أخرى من الارتداد الطائفي نجدها عند مختلف السويات الاجتماعية، نلمسها عند أفراد ممن يعيشون في وسط اجتماعي تغلب عليه سمة طائفية مغايرة، ففي مواجهتهم لهذه الحالة يلجؤون إلى تمثّل عادات و قيم هذا الوسط، و يتبنون حكم هذا الطائفة على طائفتهم و نظرتها إليها، فهم يسخرون من طائفتهم و يهزؤون من موروثها و معتقداتها، يسفهون ممارساتها و عاداتها الاجتماعية، و يبالغون في ذلك بشكل يفوق المتعصبين من الطائفة التي يعيشون في وسطها، و يحاولون بكل الوسائل التنصل من الانتماء لها، و يظهر البعض منهم و كأنهم يخجلون من هذا الانتماء، فيتجنبون كل ما يدل على ذلك، يصل الأمر إلى حد التشنج في رفض أية صلة لهم بطائفتهم؛ من تغيير اللهجة و العادات و الأسماء، و إنكار من يعرفونهم. مقابل ذلك هناك حالة من الطائفية المعكوسة تمارسها الذهنية الجمعية لطائفة معينة، حيث تعتبر بعض أفرادها خارجين عن الطائفة، خاصة أولئك الذين يخالفون موروثها؛ أنساقها الفكرية و السياسية و الاجتماعية، فيتهمون بالعداء لطائفتهم و يعاملون على هذا الأساس، إلى حد أنهم يبدون منبوذين، يعيشون غربة اجتماعية في وسط مجتمعاتهم. نجد ذلك عند العلمانيين المتنورين الذين يعيشون في وسط متدين أصولي، حيث يصل الأمر إلى تكفيرهم و اعتبارهم كالفئات الأخرى التي تعتبرها طائفتهم كفرة. لا تقل الطائفية المعكوسة خطراً عن الطائفية بمفهومها المعروف، فهي تعمل على تعميق التباينات و التقسيمات العمودية بين الطوائف من جهة، و داخل هذه الطائفة الواحدة من جهة أخرى. و التمييز الطائفي في هذه الحالة يكون أقسى و أكثر حدة، فمن يقع عليه هذه النوع من الطائفية؛ يخضع للطائفية المعروفة من قبل أبناء الطوائف الأخرى و الطائفية المعكوسة من قبل أبناء طائفته، أي أنه يكون ضحية طائفية مزدوجة، و الأخطر في هذا الأمر أن الطائفية المعكوسة تعمل على تحريض الطائفية التقليدية، حيث تحفّز ذوي النزوع الطائفي في الطوائف المختلفة، و تدفعهم إلى الممارسة الطائفية فعلاً و جهراً . يرتبط وجود هذا النوع من الطائفية ارتباطاً وثيقاً بالطائفية التقليدية، و بتأثيرات أخرى، كعلاقة الطوائف بالسلطة، و وجود طائفة أغلبية و طوائف أقليات، و بالظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
#مفيد_عيسى_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركات السياسية و التركيبة المقنعة للمجتمعات العربية
-
هويتي ..مكاشفة الذات و الآخر..لا تحطموا المرآة و لا تطلقوا ع
...
-
جوزف سماحة ..الموت و استحقاقات الحياة
-
خوف
-
سعد.. زعيم المقاومة ( الحريرية ) بالسموكن و ال / 5 / نجوم
-
ماذا يريدون من الحرب
-
التعقل إلى حد الطائفية
-
إعلان ( بيروت – دمشق ) عنوان باتجاهين و خطاب باتجاه واحد
-
أحلام الرجال تضيق
-
بالتأكيد ما رح تظبط
-
الوردة ..وجه ريم
-
أبو ليلى
-
لبنان ترويكا السياسة ..ترويكا الموت
-
تلفزيون المستقبل .الحقيقة.و إعلام لا تقربوا الصلاة
-
عبد الحليم خدام ...من العار أن تعضوا أيها الرفاق
-
الوطنية و المواطنة
-
كل هذا وليد جنبلاط
-
كل هذا .....وليد جنبلاط
-
سياسة الضحك
-
مطار عكرمة الجديدة
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|