أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بوتان زيباري - حصون التخلف: رحلة إلى فهم الثقافات المغلقة وفتح الأفق نحو التقدم














المزيد.....


حصون التخلف: رحلة إلى فهم الثقافات المغلقة وفتح الأفق نحو التقدم


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 09:38
المحور: قضايا ثقافية
    


في عصرنا الحالي، حيث يتسارع التطور وتتوفر وسائل الاتصال الحديثة التي تجعل العالم قرية صغيرة، نجد أن بعض الثقافات ما زالت محصنة داخل قلاعها التقليدية. هذه الحصون الثقافية تمثل كيانات مغلقة، تعمل على منع أي فكرة جديدة من التسلل إليها، مما يؤدي إلى حالة من الجمود العقلي الذي يتناقض مع التحولات السريعة في العالم من حولها. رغم وجود جميع وسائل التحديث والتعليم، تظل هذه الثقافات عالقة في قناعات قديمة لا تواكب العصر.

إن مرور السنوات والقرون دون أن تتأثر هذه المجتمعات بمستجدات الفكر والعلم، يعكس حقيقة صادمة. لا يتعلق الأمر بغياب الموارد أو الفرص، بل بوجود تحصينات ثقافية تجعل من الصعب على الأفراد التفكير بما يتجاوز حدود المألوف. على الرغم من أن العالم أصبح أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، إلا أن المجتمعات المغلقة ترفض التأثر بعوامل العصر، ويستمرون في التمسك بنظريات وأيديولوجيات سابقة، ربما لم تواكب أي تغيير في بنية الحياة اليومية.

ولكن حتى في ظل هذه الحواجز، أثبتت التجارب العملية عبر التاريخ في مختلف أنحاء العالم أن التغيير الثقافي لا يحدث إلا إذا كانت هناك مجهودات فكرية ضخمة، تتوجه إلى كل فئات المجتمع، وليست محصورة فقط في فئة المثقفين أو الدارسين. إن إدخال ثقافة العصر إلى المجتمعات المغلقة يتطلب حملات فكرية موجهة بعناية تستفيد من وسائل الإعلام والتعليم والحوارات العامة، ليس فقط لإيصال المعلومات، ولكن لإيقاظ الشعور بالحاجة إلى التغيير، وتحفيز الأفراد على التفكير النقدي.

وفيما يتعلق بالفشل المستمر في أنظمة التعليم وخطط التنمية في العديد من هذه المجتمعات، يعود السبب في ذلك إلى غياب رؤية واضحة لمعالجة قضايا الفكر والتكوين الثقافي. من الضروري أن يكون هناك وعي بأهمية الثقافة في تشكيل العقول والسلوكيات، إذ إن التعليم لا يقتصر على تزويد الأفراد بالمعلومات فقط، بل يتطلب تغييرا في الطريقة التي يفكر بها المجتمع ويشعر.

أحد الوسائل الفعالة التي يمكن أن تسهم في تحرر المجتمعات من الجمود الثقافي يكمن في النقد الذاتي. إن المجتمعات التي لا تفتح المجال لنقد أفكارها ومعتقداتها تكون عرضة للبقاء في دائرة مغلقة من التفكير، مما يعوق أي تطور حقيقي. لا بد من تشجيع ثقافة النقد الداخلي، التي لا تقتصر على رفض العادات السائدة، بل على إعادة تقييم المعتقدات بشكل منهجي يمكن أن يقود إلى التغيير والتحسين.

في هذا السياق، من المفيد أن نعود إلى الفلسفة اليونانية، التي كانت بداية الطريق نحو التفكير العقلاني النقدي. الفلاسفة اليونانيون، رغم انتمائهم إلى ثقافة تختلف عن ثقافتنا، تركوا إرثًا مهمًا في كيفية التعامل مع المعرفة. من أبرز ملامح هذه الفلسفة أنها كانت تؤمن بالجهل كخطوة أولى نحو العلم، حيث كان الفيلسوف يعتقد أن معرفة الإنسان محدودة ويجب أن يسعى دائمًا للتحرر من الأحكام المسبقة. لقد شكلت الفلسفة اليونانية دعوة للبحث المستمر عن المعرفة، بعيدًا عن الثقة المطلقة، وهو ما جعلها قوة تحررية من القيود الفكرية.

ومن هذا المنطلق، تعتبر الحضارة الغربية من أبرز الأمثلة على التقدم والتحرر الثقافي. على عكس العديد من الحضارات القديمة، التي كانت تعتمد على التوسع والغزو، قامت الحضارة الغربية على تغييرات نوعية في الفكر والتنظيم الاجتماعي. هي حضارة لم تكن مجرد امتداد لحضارات سابقة، بل قفزت إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال تقديم فرص حقيقية للإنسان لبناء ذاته، بعيدًا عن الرقابة أو الخضوع. هي حضارة أعطت للفرد حرية التفكير وأخذت من الإنسان مركزًا لها، وقد أكدت على أن الإنسان هو الذي يملك القدرة على اتخاذ قراراته وتحقيق طموحاته.

لكن من الجدير بالذكر أن الحضارة الغربية ليست بمعزل عن الحضارة الإسلامية والعربية. ففي حين كانت الحضارة الإسلامية قد أبدعت في مجالات متعددة، خصوصًا في العلوم الدينية والفقهية، إلا أن الفكر الفلسفي والعلمي ظل محدودًا في نطاق ضيق. قد أسهم الفلاسفة الإسلاميون في نقل وتطوير الفكر اليوناني، لكنهم في الغالب لم يجدوا قبولًا من مجتمعاتهم التي امتنعت عن استيعاب هذه الأفكار، بل تم اضطهاد بعض المفكرين وأحرقت مؤلفاتهم. رغم ذلك، لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته الحضارة الإسلامية في نقل العلم والحفاظ عليه، رغم التحديات التي واجهتها.

الليبرالية، كما هو معروف، هي مفهوم يتضمن حرية الإنسان، لكنها في جوهرها حرية منضبطة ومسؤولة، تتماشى مع الشرع والأخلاق والقانون. من المفارقات أنه في العالم العربي، لا يزال هذا المفهوم يعاني من تشويه وغموض، خاصة فيما يتعلق بالفهم الشامل للليبرالية. فالكثير من الناس يربطون الليبرالية بالحريات الاقتصادية فقط، بينما هي تشمل أبعادًا ثقافية واجتماعية وسياسية أوسع. ونحن بحاجة إلى تغيير هذا الفهم القاصر، الذي يحرمنا من الاستفادة من الفكر الليبرالي في تطور المجتمع والإنسان.

إن قبول الليبرالية في العالم العربي يتطلب تحولات جذرية، فقد نشأ المجتمع العربي على رؤية أحادية مغلقة ترفض التعددية الثقافية والسياسية. سواء كان ذلك من قبل الأنظمة السياسية أو القوى الاجتماعية التي تملك السلطة، فإنهم غالبًا ما يرفضون فكرة التعددية، وبالتالي فإن فكرة الليبرالية لم تجد قبولًا في معظم الأوساط. ولكن إذا فهمنا الليبرالية كفكر يحترم حرية الإنسان ويدعمه في بناء ذاته، قد تكون هذه هي الخطوة التي تحتاجها مجتمعاتنا للانفتاح نحو التغيير.

ختامًا، لا بد من التأكيد على أن الأخلاق لا يمكن اختصارها في القواعد السلوكية فقط، بل هي جوهر الفكر الذي يتشكل من خلاله الإنسان. الأخلاق تتجسد في كيفية التعامل مع العلم والفكر والفنون، ولا يمكن أن تقتصر على المظاهر السطحية.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكورد بين لهيب التاريخ ونور الحرية: ملحمة إرادة لا تنكسر
- بناء الذات الثورية: فلسفة الانعتاق وصياغة المصير
- كوباني ذاكرة الصمود الكردي ورمز سوريا الجديدة
- الكورد في سوريا: جدلية الهوية والسلطة في متاهة التاريخ


المزيد.....




- ضربات -تركية- على نفق أسلحة لقوات سوريا الديمقراطية.. ما حقي ...
- مصدر مصري لـCNN: السلطة الفلسطينية تستعيد إدارة معبر رفح.. و ...
- 12 سؤالا للحفاظ على صحة دماغك طوال الحياة
- سوريا: مقتل 15 في انفجار سيارة مفخخة في منبج
- مقتل مؤسس كتيبة المتطوعين في جمهورية دونيتسك بانفجار في مبنى ...
- البحرين.. عبد العاطي يؤكد التزام مصر بأمن الخليج
- طريقة رصد المناطق المحمومة في العالم
- سقوط سيارات من فوق جسر في تركيا
- صحة غزة تنشر حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- إيران ترسل 4 سفن حربية إلى الإمارات لمناورات مشتركة


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بوتان زيباري - حصون التخلف: رحلة إلى فهم الثقافات المغلقة وفتح الأفق نحو التقدم