|
الحركة الطلابية بين الحقيقة والتشويه: الرد على البوكريوي
خالد المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 23:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في عالم النضال الطلابي، تبقى الحقيقة ضحية سهلة للتشويه حين يُستغلّ الوعي الجماعي بطريقة انتقائية، كما فعل أمين البوكريوي في مقاله الأخير. مقال امتلأ بالاتهامات المجانية، محاولًا رسم صورة سوداوية عن تجربة الحركة الطلابية بموقع تطوان، دون الالتفات إلى السياق التاريخي والمعطيات التي تثبت عكس ذلك.
تطوان: تاريخ من الوحدة والنضال المشترك
لطالما كان موقع تطوان نموذجًا للوحدة الطلابية ونبذ العنف، حيث عُرفت الساحة الجامعية بمعارك نضالية طلابية موحدة شاركت فيها فصائل مثل طلبة اليسار التقدمي والقاعديين التقدميين. هذا الإرث لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة سنوات من العمل المشترك المبني على احترام التعددية الفكرية والسياسية.
لقد شهدت تطوان سنوات من التنسيق الفعّال مع مختلف الفصائل في معارك نضالية مهمة، كمعركة 2016، والمساهمة في ندوة 23 مارس، ومعركة استرجاع مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. هذه المحطات تؤكد أن الوحدة كانت ممكنة وفعّالة طالما وُجدت الإرادة السياسية الصادقة.
العنف: ممارسات دخيلة أم نهج مقصود؟
من المؤسف أن يتحول النقاش السياسي إلى منصة لتبرير العنف أو التغاضي عنه. لقد تعرض فصيل طلبة اليسار التقدمي للعنف من طرف "الكراس" سنة 2020، في حادثة لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال. صحيح أن أحداث 2018 شهدت عنفًا متبادلًا، لكنها كانت استثناءً ولم تكن لتحدث لولا تراجع القيم التي لطالما حكمت نضالنا المشترك.
منذ 2011، دعونا "الكراس" للعمل الوحدوي والانخراط في نقاشات بناءة، لكنهم اختاروا طريقًا مختلفًا. بدلًا من تعزيز الوحدة، مالوا أكثر نحو نهج إقصائي يعتمد على العنف كأداة "نضالية". هذا التحول جعلهم نسخة من تيارات كانت دائمًا ترفض الوحدة وتستخدم العنف كوسيلة لحسم الخلافات، بدلًا من تطوير نهج نقدي ذاتي قادر على تجاوز أخطاء الماضي.
الكراس: من تجربة نضالية إلى أزمة هوية
تجربة "الكراس" التي يستند إليها كاتب المقال كانت في الأصل تجربة طلابية تسعى للدفاع عن مصالح الطلاب. لكنها تحولت، مع مرور الوقت، إلى مجرد أداة لتصفية الحسابات السياسية. فبدلًا من تطوير خطاب نقدي بنّاء، أصبحت تجربة محصورة في جلد الذات وتوزيع الاتهامات.
إن تاريخ "الكراس" ليس مجرد لحظة عابرة في تاريخ الحركة الطلابية، بل هو تجربة نضالية بدأت في الثمانينات والتسعينات، حيث كان رفاق "إلى الأمام" وقياديوه جزءًا من هذا السياق النضالي. ومع بداية الألفية الجديدة، تطورت هذه المسيرة لتشكل قاعدة قوية للعمل المشترك القائم على مبدأ الحوار والاحترام المتبادل، وذلك حتى حدود 2011.
في هذه الفترة، كنا نعمل على تنسيق الجهود الطلابية لتحقيق مطالبنا المشروعة، ورفضنا الانقسام أو التقسيم الذي كان يسعى البعض لفرضه. فقد تفجرت العديد من المعارك النضالية بمشاركة رفاق من مختلف التيارات التقدمية الطلابية، بما في ذلك القاعديون التقدميون وفصيل طلبة اليسار التقدمي.
إلا أنه مع تطور الأحداث، بدأنا نشهد تحولًا في المواقف، مما أفضى إلى انحراف عن المبادئ الأساسية التي طالما دافعنا عنها. المفارقة أن الذين يتهمون الآخرين بالعمالة للبوليس هم أنفسهم من مارسوا العنف ضد زملائهم، وانتهجوا الإقصاء بدل الحوار. كيف يمكن لمن يدّعي الدفاع عن مصالح الطلاب أن يلجأ للعنف ضدهم لمجرد اختلاف في الرأي؟
لقد ذاق هذا العنف من كانوا بالأمس يتبنون معهم نفس الأفكار، فقط لاختلاف رؤيتهم وتشبثهم بالنهج الديمقراطي وحزب الطبقة العاملة، عوض البقاء حبيسي النزعة الذاتية والفردانية الضيقة. هذه النزعة تجلّت بوضوح حين انقسموا على بعضهم البعض في إحدى ليالي تطوان، بينما كان الطلبة منشغلين بالنضال المشترك لتحقيق المطالب بكلية الحقوق، اختار "أبطال الكراس" استعراض العضلات ضد بعضهم البعض، فقط بسبب مقال كُتب في مدينة أخرى ولا علاقة له بتطوان.
فيما يتعلق بمسألة الكاميرات التي أثارها أمين البوكريوي
من الواضح أن خوفه من الكاميرات ليس مبررًا سوى بسبب ممارسة العنف التي قد تشوه صورته وصورة من معه. إذا كان النضال قانونيًا وحقًا مشروعًا، فما المشكلة إذن في الكاميرات التي توثق الأحداث؟ إنها في النهاية أداة تحمي الجميع وتكشف الحقائق. هل من المعقول أن نخشى الكاميرات في حين أن النضال الطلابي كان ولا يزال حقًا مشروعًا؟
الطلاب في الجامعة ليسوا مجهولي الهوية بالنسبة للإدارة، بل هم جزء من مجتمع أكاديمي يُفترض أن يحترم القوانين. إذا كانت الكاميرات تؤثر على بعض التصرفات، فهذا يعود في الواقع إلى سلوكيات غير قانونية أو غير أخلاقية، مثل ممارسة العنف أو تخريب ممتلكات الجامعة، وهي مسؤوليات يجب على المناضلين تحملها. لذلك، من غير المقبول أن نجد من يرفض توثيق الأحداث خوفًا من كشف ممارساته السيئة. هذا ليس سلوك المناضلين الحقيقيين، بل هو محاولة لإخفاء الحقيقة والتظاهر بالبطولة، وهو أمر لا يمكن تبريره.
أما بالنسبة لظاهرة الحشيش
فهي قضية اجتماعية يجب مناقشتها في سياق مختلف بعيدًا عن هذا النقاش السياسي. خلطها مع موضوع العنف في الحركة الطلابية هو محاولة للهروب من معالجة القضية الأساسية. وقد رأيت بأم عيني مناضلين يُقدّسهم البعض، يظهرون كمثل جيفارا، بينما هم أنفسهم يدخنون الحشيش داخل الجامعة. هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة جادة، وليس ربطها بمسائل أخرى لتشويش النقاش وتجنب المسؤولية.
من الجيد عدم التطرق إلى ذكر أسماء الأشخاص الذين يستهلكون الحشيش، حتى وإن كان ذلك ضروريًا لتوضيح الفكرة. هذا من باب الحذر وتجنب إعطاء مبررات لمن يختارون تشويه النقاش أو اتهامنا بتقديم أسماء المناضلين للنظام. هدفنا هنا ليس استهداف أفراد بعينهم، بل نقد ظاهرة اجتماعية يجب أن يتم تناولها بحذر وفي سياقها الصحيح، بعيدًا عن تجريح الأشخاص أو الانزلاق في الاتهامات غير المستحقة.
من أجل نضال طلابي حقيقي
لولا أنني رأيت أن هناك من أمثال أمين البوكريوي، ممن انتهوا مثلي من فترة الجامعة ولا زالوا يكتبون حولها لتشجيع ارتكاب العنف داخلها، لما كتبت هذه الأسطر. لكن واجب الحقيقة يدفعنا للرد على مثل هذه المحاولات التي تعيد إنتاج خطاب العنف والتفرقة بدلًا من فتح آفاق جديدة للحركة الطلابية.
لسنا هنا للدفاع عن أي فصيل بعينه، فكل فصيل له من التجربة ما يكفي للدفاع عن نفسه. لكن من واجبنا فضح كل أشكال العنف، بغض النظر عن مصدرها. النضال الطلابي الحقيقي لا يُبنى على الأكاذيب ولا يُدار بالعنف، بل يقوم على النقد الذاتي والتعلم من التجارب السابقة.
ضرورة إعادة بناء أوطم: من أجل حركة طلابية ديمقراطية وجماهيرية
إن الأزمات التي تمر بها الساحة الجامعية اليوم تؤكد أكثر من أي وقت مضى الحاجة الملحة لإعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطم) كإطار نقابي موحد، ديمقراطي، جماهيري ومستقل. لا يمكن مواجهة تحديات المرحلة الحالية إلا من خلال منظمة طلابية قادرة على استيعاب التنوع الفكري والسياسي، وعلى تأطير نضالات الطلبة بشكل ديمقراطي بعيد عن منطق العنف والإقصاء.
إن إعادة بناء أوطم ليست مجرد ضرورة نقابية، بل هي أيضًا مشروع سياسي وثقافي يعزز ثقافة الحوار الديمقراطي بين الطلبة. وحدة الصف الطلابي لا تعني ذوبان الاختلافات، بل تعني القدرة على تنظيمها ضمن إطار يحترم التنوع ويصون الحقوق والحريات. وهذا لن يتحقق إلا بإرادة جماعية صادقة تتجاوز خلافات الماضي وتؤسس لمرحلة جديدة من النضال الطلابي الحقيقي.
وفي النهاية، يبقى السؤال الحقيقي:
هل نحن مستعدون لتجاوز خلافات الماضي وبناء حركة طلابية حقيقية قائمة على الوحدة ونبذ العنف؟ أم سنظل أسرى للخطابات المتشنجة التي لا تخدم سوى أعداء الحركة الطلابية؟.
#خالد_المغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الرمضانين هنا وهناك الكل سيان
-
عذرا كتالونيا
-
واقع الجامعة الراهن بالمغرب والنضال ضد خوصصتها
-
في ذكرى ناجي العلي: حنظلة وأنوار الحجارة
-
تاريخ الصراع الطبقي بمصر: حقائق لا تنسى
المزيد.....
-
بعد زيارة وزير خارجية أمريكا.. بنما لن تجدد اتفاق -الحزام وا
...
-
اتهامات بالتحريض وترهيب الشهود.. النيابة الإسرائيلية تفتح تح
...
-
سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإ
...
-
إسرائيل تصعد عملياتها العسكرية في جنين: نسف 21 منزلا وسقوط خ
...
-
لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلان
...
-
كيف تتلاعب روسيا بالرأي العام في أفريقيا؟
-
هل نجح نتنياهو بتغيير ملامح الشرق الأوسط؟
-
الأطفال الفلسطينيون المرضى والجرحى يصلون إلى مصر بعد فتح معب
...
-
المتمردون من حركة -إم 23- يدعون حكومة الكونغو الديمقراطية لل
...
-
مصر.. خطاب للسفارة الأمريكية اعتراضا على تصريحات ترامب
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|