ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 14:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في صيف 2015، وفي ذروة الصراع المحتدم بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، كان لدينا موعد مع ندوة سياسية في قرية مشقيتا بريف اللاذقية. انطلقنا في سيارة خاصة تعود ملكيتها لأحد الرفاق، وكنا خمسة أشخاص في الرحلة، وكلنا حماسة لما ستحمله الندوة من نقاشات وأفكار.
عند وصولنا إلى مدخل القرية، كانت بوابة الحاجز العسكري بانتظارنا، كأي حاجز آخر في المناطق الريفية أو الحضرية. توقفت السيارة، واقترب منا أحد عناصر الحاجز، الذي كان ينتمي إلى ما كان يُعرف بـ "قوات الدفاع الوطني". طلب منا إبراز هوياتنا الشخصية، ثم جمعها وبدأ يتأملها واحدة تلو الأخرى، وهو يبتسم ويقول بلهجته الريفية المحببة:
"العمى شو هاد؟! شو هالصدفة العجيبة؟! والله هاي أول مرة بحياتي بشوف مجموعة مع بعض، كل واحد من ديرة شكل! أقسم بالله شي بِحطّ العقل بالكفّ!" ثم نادى على رفيقنا الذي ينحدر من إدلب، وكانت تلك الأيام بمثابة "تهمة" لمن يحمل بطاقة شخصية تشير إلى تلك المحافظة:
- "وينو هاد ابن إدلب؟"
ابتسم رفيقنا وقال: "حاضر". فحص العنصر هويته جيداً، ثم أعادها إليه وهو ما يزال مبتسماً. ثم نادى مجدداً:
- "وينو تبع ركن الدين من الشام؟"
أجاب رفيقنا بابتسامة: "هون محسوبك"، ثم قدم له هويته. تكرر الأمر مع رفيقنا من اللاذقية، وآخر من مصياف، وآخر من القامشلي. كان العنصر يطرح علينا أسئلته باندهاش، قائلاً:
- "لعند مين رايحين بالقرية؟"
أجاب أحدنا: "زيارة لأحد الأصدقاء"، ثم تابع العنصر بلهجته المرحة:
- "وشو اسمه؟ وشو قصتكم يا جماعة؟! واللهِ وبكسر الهاء مع عم صدّق اللي عم شوفو بعيني! يا أمة الله، كل واحد من ديره ومن دين ومذهب مختلف عن الثاني!"
ابتسم أحد الرفاق وقال له:
- نحن سوريون، وما يجمعنا يصعب على أذكى آلة حاسبة في العالم أن تعدد القواسم المشتركة التي تجمعنا.
تمنّى لنا العنصر زيارة موفقة، ثم انطلقنا في طريقنا.
نعم، كان رفيقنا صادقاً في كلامه، وفي تلك اللحظة أدركنا جميعاً أن ما يربطنا أعمق من الحدود التي فرضها النظام على أرضنا. في هذا البلد، لا تحدّنا المذاهب أو المناطق أو الهويات، بل ما يجمعنا هو الإنسانية، والحرية، والأمل في مستقبل أفضل.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟