|
خواطر صباحية في محطات دروب الحياة
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 10:16
المحور:
قضايا ثقافية
الصباح بداية يوم جديد وأمل جديد وفرصة جديدة ليستمتع الإنسان بالحياة ويترك بصمته فيها ، سواء بموقف نبيل او كلمة مضيئة تنير دروب الآخرين أو بمجرد تحية الصباح.
ما أحرى بنا جميعا صباح كل يوم ، مهما كانت ظروفنا ، أن نفتش في أنفسنا وذواتنا ومحيطنا عن رائحة الأمل ورسائل السلام وعناوين التفاؤل ومقاييس السعادة الحقة وعناوين المحبة الصادقة ، وقبل كل ذلك منابع الكلمة الطيبة ومكامن النية الصافيه ، لنطلقها على سجيتها وطبيعتها ، لنجد بعد ذلك حقا ان يومنا هذا يبقى حافلا بكل ما نراه جميلا يدخل البهجة للنفس والسعادة للروح. صباحا جميلا ويوما اجمل سواء اصبحنا نعيشه واقعا او أتى وقعه في أعماق أنفسنا لما نجد المحيطين بنا يعيشون فيه فرحا غامرا ، عامرة قلوبهم فيه بمحبة الحياة ومن فيها.
ومهما كانت الاحوال لابد ان نردد ، ان الحياة بعدالتها ستضمد جراحنا لتنبت مكانها ورودا وازهاراً ولو بعد حين، ليكفي بعدها تفائلنا ديمومة لحياتنا بصبر جميل وامل يحفز ذواتنا لغد أجمل.
صبر جميل وامل كبير ، قد تحفزه فينا كما اشرت كلمة طيبة او موقف بسيط عفوي جميل دون تكلف ، يأتينا من إنسان آخر يمر من امامنا وهو في مشوار طريقه وان كنا لا نعرفه الا بعنوان إنسانيته. كلمة وموقف قد تنير حياة الكثير و تبين لهم كيف السبيل لغد اجمل بصباح اجمل.
تقول اليزابيث جليبرت: لا اعلم لماذا قد يحبس الناس الكلمات الجميلة في قلوبهم ، بينما لو نطقوها لأزهرت بساتين الورد في صدورهم و صدور أحبتهم. وفق قوانين الطبيعة، يولد الإنسان بفطرته محبًّا للحياة، لكنه قد يبتعد عن إدراك هذه الحقيقة بسبب بيئته التي ينشأ فيها ، ولكن إلى حين ، تصقله الحياة وتجاربها قبله ، حين يتمكن فيه أن يترجم هذه الفطرة إلى عطاء ومحبة، تعكس جمال الشمس والقمر، وعبير الورود، وعطاء الأشجار، وتغريد الطيور. حين سيأتي يومه ، عندما يدرك فيه الإنسان أن العطاء دون مقابل، حين يكون خالصًا من أجل الآخرين، هو أرقى وأجمل تجسيد لقوانين الحياة، التي تقوم على العدل، والتي تكمن فيها ديمومة الوجود وسر استمراريته. ولعلّ هذا ما يجعل الكثيرين يرددون في وقت متأخر من حياتهم أن الموت حق، وكأنهم يشيرون إلى حتمية الفناء ضمن منظومة الحياة العادلة. ومن يدرك أن الموت حق يدرك معه الكثير من معاني الحق.
يقول غازي القصيبي: ستدرك في وقت متأخر من الحياة أن معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداثٍ هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية. وبعد ذلك كتب: وعدت من المعارك لستُ أدري علامَ أضعت عمري في النزالِ.
ما أجمل أن يعيش الإنسان مدركا معنى وجود الآخرين، ومعنى ان يسعى إلى مساعدتهم. و حين يفعل ذلك، يكتشف أن لا شيء يحرّره من أنانيته ويطلق عظمته الداخلية مثل الإيثار. غير أن هذا لا يتحقق إلا بوجود ضمير حيّ يقيس مدى إنسانيته أولًا، ومدى امتثاله لمقاييسها.
رحلة الإنسان في الحياة قد تجرّه بعيدًا عن فطرته، لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يستطيع أن يعود إليها ويجسدها في أفعاله، ذلك أن مجرد التفاته او أبسط مساعدة ممكن ان يقدمها الإنسان ، حين تكون نابعة من القلب، قد تغير مسار حياة شخص آخر. التفاتة ربما تكون مجرد ابتسامة صادقة، لكنها قد تمنح ذلك الشخص ما يكفي ليستند إليها، فينهض من عثراته، ويبدأ حياة تليق به، أو يجد فيها عزاءً حين ترهقه متاعب الحياة وتضعف إرادته.
يقول أحد الحكماء: إن كثيرًا من الناس وصلوا إلى أبعد مما ظنوا أنفسهم قادرين عليه ، وذلك فقط لأن شخصا آخر اخبرهم أنهم قادرون على ذلك. ما اجملها من حكمة يفترض ان يرددها كل منا على مسامع نفسه قبل غيره.
في فيديو على اليوتيوب نشر قبل عدة سنوات، تناول جانبا من حفل تخرج بجامعة أمريكية مرموقة، تم اختيار الطالبة الأولى على الجامعة، وكانت شابة جزائرية الأصل تحمل الجنسية الأمريكية، لإلقاء كلمة أمام الحضور. بعد شكرها للجامعة التي منحتها فرصة اكمال دراستها ، كان أبرز ما جاء في كلمتها يتمثل في تعبيرها عن امتنانها العميق لرجل جزائري مجهول ، الذي لم يكن يدري أن لقاءه العابر بوالدتها التي لا تجيد القراءة سيغير مجرى حياتها وحياة اطفالها . و روت الطالبة كيف استوقفته والدتي الارملة لتساله عن فحوى ومضامين اعلان استرعى انتباهها ، معلق قبالتها في أحد الأرصفة في مدينتها الجزائرية ، فاوضح لها انه يتعلق بفرص الهجرة إلى الولايات المتحدة والشروط المطلوبة لتحقيق ذلك. ولم يكتفِ الرجل بقراءة الإعلان فحسب، بل شرح لها تفاصيل ذلك ،بما ساعدها على فهم الإجراءات، لتجد والدتها الأرملة أن ذلك يشكل طوق النجاة لها ولأطفالها وهي الفقيرة المعدمة. اختتمت الخريجة كلمتها بالقول: وها أنا اليوم أقف أمامكم، متخرجة بامتياز، بفضل مشورة ذلك الرجل الجزائري المجهول، الذي ربما لم يدرك يومها أن قراءته للإعلان وكلمات تشجيعه لوالدتي كانت بداية رحلة غيرت حياتنا إلى الأبد.
كم هو كبير ان يترك الانسان وراءه أثرا جميلا ، عندما يكون كالشمعة التي لا تخسر شيئاً عندما تضيء شمعة أخرى. وما أحرى بكل منا ان يقول كلمته بعفويه وصفاء نيه ويمشي في طريقه . ولكن تلك الكلمة ستبقى طويلا بفعلها وأثرها وتأثيرها.
ويبقى علينا ان تختار كلماتنا برفق وعناية لانها قد تبني نفوسا أو تهدمها.
بالمقابل نجد العديد ممن يتكلم كثيرا عن مدح نفسه ولا يعنيه واقع غيره ، دون ان يدرك ان مدح النفس احيانا لا يكون الا بتصحيح المسار وبيان الأخطاء والاعتذار عنها ، ليسموا بنفسه ويكبر أمام ناظريه قبل غيره وتلك صفة النبلاء.
وبالمقابل ايضا يتوجب على الإنسان أن يُذكّر نفسه كيف كان وإلى ما أصبح عليه.
الامتنان يُعلِّم الانسان كيف يحيا، كيف يُلاحِظ التّفاصيل الصغيرة، كيف يستمتِع برحلة الحياة ، كيف يشعر، و يتأمل ، بل كيف يتعلَّم او يعتبر حتى من الاحزان ، ذلك ان الكثير من المواقف الصعبة يتخطاها الإنسان عندما يتذكَّر كيف تخطّى غيرها، وكيف يكون مُمتنًّا لأكثر اللّحظات إحباطًا، لأنّه بسببها وحدها فقط، تعلم وأدرك بعدها كيف يَستمتِع باللّحظات السّعيدة ويقدّرها.
لنردد صباح كل يوم ما كتبه أحد حمله تلك الشموع المضيئه: سلاما على من ينشرون طيب كلامهم مهما كانت قلوبهم مثقلة بالأوجاع والهموم. سلاما على من يقدمون الزهور بأيادي مجروحة.
سلاما على من لا يتعذرون بظروفهم للاخرين و لا يتذرعون بأحزانهم أعذارا لما اصابوه من جرح لغيرهم. سلاما على من يسندون أنفسهم ومن حولهم بجبر الخواطر و بالكلمه الطيبه، ولا ينشرون الا ربيعا مهما كان ظرفهم خريفا يملأ صدورهم.
طاب صباحكم على كل خير
ب. د. خالد محمود خدر / استاذ جامعي
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني
-
لم يعد عند الكثير ذلك الاهتمام المفروض في قراءة الكتب الثقاف
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمه المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمه المياه في إقليم كوردستان / العراق (الأسباب والحلول) / ا
...
-
يبقى العالم المنشود هو العالم الذي تجمعه القيم والفضائل الإن
...
-
فقدان الارادة بين الانتظار واتخاذ القرار يفقد الإنسان الكثير
...
-
هكذا ينبغي ان تكون وتبنى النفوس ليرتقي الجميع بأنفسهم ومجتمع
...
-
كن منشدا للسلام لتببني جسوراً من الفهم المتبادل لردم الخلافا
...
-
محبتك للناس تبدأ بمحبتك لنفسك ليسهل انتدابها للأعمال الجليلة
-
عش كل يوم من ايام حياتك كيوم جديد وسيكون هكذا
-
قراءة لدروس الحياة في محطاتها
-
الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال
-
وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا
...
المزيد.....
-
-حرب- التعريفات الجمركية بين الصين وأمريكا.. كيف ستستجيب بكي
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس وزراء يلتق
...
-
إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى إلى مصر مع إعادة فتح معبر رفح
-
تعيين اللواء إيال زمير رئيسا جديدا لأركان الجيش الإسرائيلي
-
كاميرا تلتقط لحظة انفجار طائرة في فيلادلفيا في كارثة جوية جد
...
-
بوتين يهنئ البطريرك كيريل بذكرى تنصيبه الكنسي
-
قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مركبتين في مدينة جنين (فيد
...
-
الحرس الثوري الإيراني يكشف عن صاروخ كروز البحري بمدى يتجاوز
...
-
طالبة صينية أول ضحية لقانون ترامب بترحيل الطلاب المؤيدين لفل
...
-
ترامب يأمر بتوجيه -ضربة دقيقة- لاستهداف أحد زعماء -داعش-
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|