|
السعادة .. في بلد مفتقد الأمان
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 08:03
المحور:
قضايا ثقافية
الإنسان في النهاية عبارة عن ماكينة ..مصنوعة من خلايا حية .. تربطها شبكة مركبة من الاعصاب ..تنقل إشارات كهربائية .. تحرك أجزاؤها ..و شبكة دم ,تحافظ علي تواجد الخلايا دون تضرر بتزويدها بالطاقة المكونة من الأكسجين و الغذاء مضافا لها .. بعض الإفرازات الكيماوية المسماه هرمونات تنتجها غدد متخصصة .. بصورة غير إرادية إستجابة للمؤشرات البيئية الخارجية .. يسيطر علي هذه الخلايا و الشبكات كومبيوتر حيوى فائق الكفاءة ..له برنامج يطلق علية (D.N.A) وظيفته أن يحافظ علي إستمرار الحياة .. يبدع الفنون و الدراسات و الفلسفات و العلوم..و يدير الحوار اليومي . مستخدما الصوت و الصورة ..والذوق و الشم و اللمس . هذه الماكينة تعمل لعشرات السنين دون توقف للحظة واحدة ..و علي الإنسان المحافظة علي تزويدها بالشراب و الطعام ..و الهواء المحمل بالأوكسجين ..و يحافظ عليها من التلف .. يغسلها ..و ينظفها .. و يجرى بها للطبيب في حالة شذوذها عن حركتها اليومية المعتادة . كل هذا كان مجهولا .. قبل عصور النهضة ..و السماح بتشريح جثث الذين غادروا ..ليصبح البشرى .. محل دراسة ..وعلوم متخصصة فرعية .. كل منها يفحص و يهتم بجزء صغير من الاداء المعجز للبدن ... و لدراسات نفسية ..و إجتماعية و سلوكية .. لتفهم الاسباب التي تجعل منا كائنات رغم تشابهها إلا أنها متفردة .. كل شخص حالة تخالف الاخرين حياة البشر علي الأرض .. ( 8 مليار نفس ) ليست متساوية أو حتي متقاربة .. إن أجسادنا تعمل بنفس الصورة ..و لكن حياتنا تختلف ..في بعض الاحيان إختلافات لا يمكن تجاهلها ..بسبب البيئة والمجتمع الذى ينشأ فيه الشخص. أبسط صور الحياة تحتاج لتغطية الإحتياجات الأساسية (التنفس ، الطعام ،الماء، المأوى ،الجنس، الإخراج ،النوم ) .. و هو أمر صعب أو حتي مستحيل عند بعض البشر ..يكفي زيارة لقرى الصعيد لتعرف أن هذه الاشياء البسيطة تمثل مشكلة وجود . مع إرتقاء المجتمع يأتي إحتياج الشعور بالأمان (السلامة ، ضمان العمل او الوظيفة ،إستمرار الموارد و تأمين الصحة و العائلة و الممتلكات )..و أكاد أن اقول أن أغلب المصريين بعد خطط الحكومة لإفقار الشعب أصبحوا يفتقدون هذا الشعور بالأمن . فالإنسان منا ينام ..و لا يدرى أن باكر سيطلبون منه مغادرة منزله لان أسيادنا لهم خططهم في إستغلال الأرض و الموقع .. أويجدهم قد خفضوا سعر العملة المحلية لتتدهور القوة الشرائية لمدخراته ..أو فرضوا ضرائب و رسوم و أتاوات تعجز ميزانيته .. والشخص منا يسير في الشارع يتوقى أن يجد من يوقفه و يفتش تليفونة ..و يسحبة لغرف التهذيب .. بالتعذيب .. الأمن يعني عقد إجتماعي .. و دستور و قوانين عادلة ..و نظام قضائي متطور ناجز .. و تبادل سلمي للسلطة ..و قدرة علي المعارضة ..والمحاسبة دون التعرض للاضرار فإذا ما تحقق ذلك تتصاعد إحتياجات الإنسان لتصبح من إهتماماته إشباع التوافق الإجتماعي (الصداقة ، العلاقات الاسرية و النشاط الديني و الثقافي و الرياضي ..والإنتظام في الاحزاب و مؤسسات المجتمع المدني و الاندية ).. بمعني يصبح شخصا إيجابيا .. جزء من حركة مجتمعية نشطة .. تظهر فيها قدراته و مواهبة ..و يتطور أداؤة السياسي و الإجتماعي .و الفكرى .. يصحب هذا الحاجة إلي التقدير (للنفس ،الثقة ،الإنجاز ،تبادل الإحترام مع الأخرين ) .. لتندر تلك الأمراض النفسية المصاحبة لنظم حكم الفاشيست المتمركز كل خيوط السلطة في يد واحدة فإذا ما تم تغطيه هذه الأحتياجات يصبح الهدف النهائي .. تحقيق الذات و الإبتكار و حل المشاكل ..و تقبل الحقائق بعقل متفتح ... لقد أصبح إنسانا . الإنسان خلال أطوار حياته ( طفل ، صبي ، شاب ، ناضج ، كهل ،مسن ) يحتاج لرعاية أسرية ، مجتمعية و إنسانية .. لمدينة نظيفة ..و وسائل مواصلات متيسرة .. و حدائق و أماكن للدراسة و الترفية و الرياضة والعلاج .. و نظام حكم ديموقراطي و حرية لا تمس ..و حقوق محترمة .. من الجميع .... الواقع يقول أنه مع عدم إشباع مرحلة لا ينتقل الناس إلي المرحلة التالية.. بمعني أن عدم توفر الطعام و الماء .. يجعل البشرى غير قادر علي تحقيق الذات أو الإبتكار .. و في ظل الفوضى و عدم الأمان لا ينتج أو يشعر بالثقة .. أو يتبادل الإحترام مع الأخر مهما أنشات الحكومة من خدمات و بنت قصورا و دور الاوبرا و المساجد و الكنائس .. فسيبقي المواطن تعسا ..غير متحققا. العلاقة بين التكوين الجسدى ..و ما يحمله من أسرار تخص طريقة عمل الأعضاء المختلفة خصوصا العقل..و قدراته غير المحدودة من جهه .. و المجتمع الذى ينشأ فية البشرى من جهه أخرى .. تقوى بعض العوامل الوراثية و تضعف اخرى ..و تمحو ثالثة . . طفل . موهوب موسيقيا .. نشأ في حارة العوالم و المزيكاتية .. أمسك صفيحة فارغة و خبط عليها مقلدا .. ثم مزمارا و أخرج الحانا بدائية .. مستقبل هذا الطفل مغني شعبي من بتوع المهرجانات .. و هو في ذلك غير شابة صغيرة موهوبة .. ذهبت للكونسرفتوار ..و تعلمت لمدة خمسة عشر سنة ..و خرجت لتعزف في أوركيسترا سيمفوني ..الحان عباقرة الموسقي .. غير شاب .. إستخدم برامج الذكاء الصناعي لينتج موسيقي مسلسلات و أفلام ..كل هؤلاء يخالفون من يماثلهم و يعيش في نيويورك أو فينا أو غابات إفريقيا .كل منهم له طريقة في تطوير موهبته . كلهم ماكينات بشرية .. و لكن المجتمعات جعلت منهم شخصيات مختلفة ... لهم تعليم و توجهات متفاوتة .. يتحركون علي درحات متدرجة من سلم إشباع إحتياجاب البشر ... المجتمع الإنساني لم يتزن حتي الأن ليغطي الإحتياجات الاساسية لكل افراده .. السبب أن أعداد الناس تزيد .. و معدل الوفيات يقل ..و إمكانيات الكوكب تستهلك بإفراط .. لتنخفص بصورة درامية و تعجز عن تلبية مطالب مليارات البشر و الحيوانات .و النباتات ..فتصبح القوة وسيلة .. لضمان حصول البعض علي ما يجعلهم يعيشون في يسر .. و سعادة ... و علي الباقي أن تتقيح جروحهم ... ما معني سعادة.. تلك التي يصبوا إليها الجميع هي عكس تعاسة ..و التعاسة تصيب الناس عندما يعجزون عن تغطية إحتياجاتهم بصورة منتظمة .. أو عندما يتوقف نضجهم عند مراحل متدنية .. فتصبح الإحتيجات الاولية هي هدف الحياة .. بكلمات أكثر تحديدا .. في المراتب الدنيا من التواجد البشرى .. يصبح الطعام ..و الشراب و الجنس متعة جالبه للسعادة ..فإذا اضيف لها الملجأ حتي لو لم يكن مزودا بالمياة و الصرف الصحي و الكهرباء و الغاز ..اصبح رضا ..و الحمد لله ... و لكن كلما تصاعدت درجة التقدم ..و العلم .. واصبحت الإحتياجات الأولية متوفرة دون عناء .. يشعر الشخص بأن له إحتياجات أعلي .. اهمها الامان .. بمعني تغيير بنية المجتمع ليوفر هذا الإحتياج للجميع ..و علي هذا الأساس تقاس السعادة مؤشر السعادة العالمي (Happy Planet Index - HDI) يقوم بترتيب الدول من حيث متوسط عمر الافراد، حريتهم ، الصحة العامه ، الحالة النفسية ، ظروف العمل وتوافر فرصه ومدى استقلالية الناس فى اعمالهم، حجم الدعم الاجتماعى الذى تقدمه الدولة، مدى انتشار الفساد ومكافحته، اجمالى دخل المواطن ومدى تحقيق التوازن بين الحياة الإجتماعية والعملية. بلدنا تتذيل الدول علي هذا المؤشر ..و إذا إطلعت علي التقرير الذى تصدره الأمم المتحدة .. ستجد الاسباب كلها تتصل بنظم الحكم البدائية ..و كيف يجرى .. إشاعة الخوف بين الناس ..و السيطرة علي افكارهم .. و حجم معاناة الاطفال و النساء و الشيوخ ..و زيادة نسبة البطالة ..و نقص الإحتياجات الاولية لنسبة مرتفعة من المواطنين . السؤال الذى يقفز بعد قراءة تقرير الامم المتحدة .. هل أنت سعيد ..و هل سعادتك بسبب تغطية إحتياجاتك .. أم بسبب الرضي بالقليل كما تعلمت من الكهنة علي اساس انه نصيبك .. أنا .. كنت خلال مراحل حياتي المختلفة تعسا .. طفل محاصر في منزله .. مراهق لا يستطيع التعبير عن نفسه .. شاب مسحوق في الدراسة .. رجل يدور في حلقات كسب العيش الصعبة لتوفير اسباب حياته لا مجال لتحقيق الذات ثم كهلا يرغب الجميع في التخلص من أعبائه ..و مشاكله ..و طلباته ... و في كل الاحوال لم اشعر بالحرية .. و لم استمتع إلا قليلا .. حتي عندما لجأت لدراسة الفن و التعرف علي الإبداع العالمي .. كنت مثل الاطرش في الزفه .. فناس بلاد الواق الواق سبقونا .. في كل شيء ..و أسسوا لسعادة مواطنيهم هناك ..و تركوا لنا الاحزان و الغم و الصراع ..و الوشوش العكرة التي تصب كل يوم في مصلحتنا فنفتقر نحن ..و يزيد غناهم . سعادة البشر تحتاج لوعي باهميتها ..ولدراسة .. و عمل مجتمعي . ونظام حكم غير متوفر في هذا المكان لذلك احتلت مصر المركز 130 ضمن 156 دولة تضمنها تقرير الامم المتحدة للسعادة ... و قد يكون الوضع الان أكثر سوءا ..
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما ييحكم العالم أشخاص عاديين
-
فليأخذ حبات عيونهم .. مش مشكلتي
-
كأن الإمبراطورية الرومانية قد عادت
-
الإرث المجهول
-
توازن القوى في صالح الدولة
-
فلنعيد كتابة ((وصف مصر )).
-
أحداث 2011 هل كانت مدبرة
-
الأخت جيمني
-
يتحكمون.. يكسبون و نحن نعمل
-
درس تاريخ للاطفال
-
هل يعود الأنوناكي لنتعلم منهم الإنسانية
-
هذة العقائد ستذهب لمتاحف الأنثروبولجي
-
الإسلام دين و ليس حضارة لها فن
-
أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ
-
عندما تختفي الجيوش و تترك بلادها للنهيبة
-
الإنكشارية تعيد إحتلال المنطقة
-
الإرهاب الشرقي نمط حياة
-
لازال طريق المقاومة هو الدرب الصحيح
-
لماذا يشترى الخلايجة في سوق غير مشجع
-
البردية المجهولة(كمان و كمان ).
المزيد.....
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
-
حافلات تقل 50 جريحا ومريضا فلسطينيا تصل معبر رفح في طريقها إ
...
-
بينهم 18محكوما بالمؤبد.. دفعة جديدة من السجناء الفلسطينيين ا
...
-
تساؤلات.. صحة ومهظر مقاتلي حماس والرهائن الإسرائيليين بعد عا
...
-
شاهد لحظة إطلاق حماس سراح المواطن الإسرائيلي الأمريكي كيث سي
...
-
تسليم الأسير عوفر كالدرون إلى الصليب الأحمر في خان يونس
-
يعود إلى إسرائيل دون زوجته وطفليه.. الإفراج عن ياردين بيباس
...
-
ماذا نعرف عن تحطم الطائرات في الولايات المتحدة؟
-
مأساة في سماء فيلادلفيا: انفجار طائرة إسعاف طبية بعد إقلاعها
...
-
لحظة إفراج -القسام- عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال
...
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|