|
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة الثالثة عشر)
مسعدعربيد
الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 22:13
المحور:
القضية الفلسطينية
متابعة: وسائل الاستيطان الصهيوني وآلياته
ثانيًاً: تهجير الفلسطينيين
1- المشكلة الديمغرافية العربية
لقد تمسَّك عرب فلسطين بأرضهم وما زالوا بعد 76 عامًا من احتلال فلسطين. وسبَّبَ هذا معضلة مستعصية للمشروع الاستيطاني الصهيوني تقض مضاجع الحركة الصهيونية بوصفها التحدي الأكبر لها منذ نشأتها، وأكبر العراقيل في إقامة الكيان و"الدولة اليهودية" النقية. وسوف نعود لاحقًا إلى مناقشة هذه المسألة بمزيد من التفصيل، ولكن ما يهمنا الآن هو رصد التعامل الصهيوني مع هذه المعضلة. فقد أطلق الصهاينة على هذه المعضلة في العقود الماضية أسماءَ متعددة: "مشكلة العرب"، و"المشكلة الديمغرافية العربية"، و"المسألة الديمغرافية"، و"التهديد أو الخطر الديمغرافي"، وغيرها.
وبحسب الرؤية الصهيونية يكون التخلص من الفلسطينيين وتهجيرهم بعد الاستيلاء على أراضيهم، هو الحل الوحيد الذي لا بد منه لقيام دولة يهودية نقية وقابلة للحياة في فلسطين وتتمتع بأغلبية ديمغرافية يهودية.
2 - الترحيل الممنهج: اقتلاع وإحلال
نادت الحركة الصهيونية منذ البداية بفكرة تشريد عرب فلسطين، وأسست لجنة متخصصة أسمتها "لجنة النقل"، ومهمتها إجراء دراسات ووضع خطط وبرامج لـ "نقل" الفلسطينيين، وطردهم من فلسطين، عندما تسنح الفرصة. وهو ما حصل في مراحل المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين وفي أثناء الاحتلال البريطاني. واستمرت العملية بعد إقامة الكيان الصهيوني في العام 1948 على 78% من أرض فلسطين وتهجير ما يزيد عن ثلاثة أرباع الفلسطينيين، وصولاً إلى احتلال ما تبقى من أرض فلسطين في العام 1967 وتهجير ما يقارب 460 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزّة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه كان بين مهجّري 1967 نحو 230 ألفًا من مهجّري 1948، الذين كانوا يقيمون في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزّة عند احتلالها في العام 1967، أي إن هؤلاء هُجّروا مرتين: عامي 1948 و1967.
أ) تهجير الفلسطينيين بين الإستراتيجيا والتكتيك
تعامل القادة الصهاينة مع مشكلة "العرب" في فلسطين والتخلص منهم وترحيلهم بأساليب ووسائل متعددة.
إستراتيجيًا، ظلّ الاستيلاء على الأرض وتهجير الفلسطينيين الخيط الرابط لكل أنماط الاستيطان الصهيوني على تنوع أساليبه وأدواته: - الاستيلاء على أرض فلسطين بالنهب والسرقة والقوة العسكرية والاحتلال المباشر، أو عن طريق بعض المحاولات النادرة لشراء الأراضي التي انتشرت الأكاذيب بشأنها و"كيف باع الفلسطينيون أرضهم".
- طرد الفلسطينيين واقتلاعهم من قراهم ومدنهم بطرق العنف المختلفة وقوة السلاح والقمع والخداع والتخويف والإرهاب.
أمّا من الناحية التكتيكية، فقد تعددت أساليب الحركة الصهيونية في ترحيل الشعب الفلسطيني وسرقة ارضه، وتميزت وسائلها بالبراغماتية والعمل وفقًا لظروف "الحرب والسلم"، وعلاقاتها مع المحتل البريطاني، والظروف السياسية والميدانية التي سادت كلَّ مرحلة من مراحل المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
ب) التهجير بين الحرب والسلم
- رأى القادة الصهاينة أن ظروف الحرب وتصاعد الأعمال العسكرية، تُعد فرصة سانحة لترويع عرب فلسطين ثم تشريدهم من أرضهم، فعمدوا إلى اقتراف المذابح والمجازر في المدن والقرى الفلسطينية وتدمير كل ما تقع عليه أيديهم.
- أما حين يسود "السلم"، فإن مهمة الترحيل (وخاصة الترحيل الجماعي) تصبح عسيرة التنفيذ دون إراقة الدماء، لذا عمدت المنظمات الإرهابية الصهيونية إلى اتباع سياسة الطرد الجماعي، بذريعة أو بدونها، وإن احتاج الأمر فتلفيقها. ومن ذلك على سبيل المثال، ادعاء "الرد" على أعمال المقاومة الفلسطينية التي كافحت من أجل التمسك بالأرض والحفاظ عليها في مواجهة سياسة النهب الصهيونية لأراضي فلسطين.
- إذا تعذر التهجير القسري وبقوة السلاح، فيلجأ الصهاينة إلى خلق أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة بحيث تصبح حياة الفلسطينيين وظروفهم المعيشية لا تطاق، فيضطرون الى مغادرة وطنهم، وهو ما شاهدناه في مراحل عدة من تاريخ الصراع العربي - الصهيوني.
■ في هذا الصدد، يذهب يسرائيل شيب – إلداد، وهو من كبار قادة "حركة أرض إسرائيل الكاملة" وكان عضوًا في قيادة ليحي (عصابة شتيرن) في سنة 1948، يذهب إلى دعوة الفلسطينيين أن يهاجروا من موطنهم الأصلي بوصفه الخيار الأفضل لهم. ويرى أن "الأخلاق اليهودية" وإن كانت قد حرَّمت الطرد الجماعي دفعة واحدة إلَّا في زمن الحرب، فإن الخيار الأفضل في رأيه هو استدراج العرب إلى الهجرة الواسعة النطاق، عن طريق تعمد خلق صعوبات اقتصادية في "الأراضي المحررة". غير أن عددًا من الكتّاب والباحثين الذين درسوا ما سمح الكيان الصهيوني بنشره من وثائق أرشيفه، ينفون أنَّ عرب فلسطين رحلوا لأسباب اقتصادية أو سياسية بحتة، ويؤكدون أن 70% من الهجرة العربية كانت نتيجة العمليات العسكرية الإرهابية الصهيونية التي نفذتها عصابات الهاغاناه وغيرها.
■ هذا ما توضحه مقولة عضو الكنيست يشعياهو بن فورت في العام 1972: "لا صهيونية دون استيطان، ولا دولة دون إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم وتسييجها". فالاستيلاء على الأرض واستيطانها هما أساس العقيدة الصهيونية.
■ اقترح آرثر روبين في أيّار/مايو 1911، وكان آنذاك مدير دائرة الاستيطان الصهيوني، "ترحيلًا محدودًا" للفلاحين العرب بعد تجريدهم من أراضيهم وأملاكهم إلى منطقتي حلب وحمص في شمال سورية. فتجريد المزارعين العرب من أراضيهم وإجلاؤهم عنها، كما كتب روبين بعد تسعة عشر عامًا (أي قرابة 1930) أمر لا مفر منه، لأن "الأرض هي الشرط الحيوي لاستيطاننا في فلسطين. لكنْ لمّا لم يكن ثمة من أرض قابلة للزراعة إلَّا وهي مزروعة من قبل، فقد نجد أننا حيثما نشتري أرضًا ونسكنها لا بد لزرّاعها الحاليين من أن يطردوا منها... وستتزايد في المستقبل صعوبة شراء الأراضي نظرًا إلى أن الأراضي القليلة السكان قلما توجد. وما يتبقى إنما هو الأراضي ذات الكثافة السكانية [العربية] العالية."
ج - التهجير بين السرية والعلنية
كانت فكرة التهجير أو الترانسفير من أبرز أفكار الحركة الصهيونية، وهي تصوّرات ومخططات تعود إلى كتابات ثيودور هرتسل، مع أنها لم تخرج إلى العلن في بعض الأحيان. وقد كان دافيد بن غوريون من أكثر الزعماء الصهاينة الالتزام بسرية العمل وإخفاء مخططات وسياسات تهجير عرب فلسطين والتنكيل بهم.
ثالثًا: الوسائل والآليات
1- مركزية العنف الاستعماري.. وسيلةً وضرورة
إن طمس تاريخ البلدان المُستعمَرة وشعوبها، وحتى نفي وجودهم وإنسانيتهم، أطروحاتٌ مستقرة عميقًا وجذريًا في العقل الاستيطاني الإمبريالي. وقد وُظفت هذه الأطروحات العنصرية والإبادية لشرعنة العنف الاستعماري في السيطرة على الأرض المُستعمَرة "الجديدة" وإبادة سكانها. وعلى النَّسَق ذاته، ارتكز المشروع الاستيطاني الصهيوني على التنكر لوجود العرب الفلسطينيين وهويتهم وتاريخهم وإنسانيتهم، كي يتسنى للصهاينة شرعنة استيطانهم أرض الفلسطينيين واستخدام العنف في إبادتهم وتهجيرهم.
كان العنف دومًا في صلب وجوهر الآليات والوسائل التي استخدمتها الصهيونية في تنفيذ مشروعها. وهو ما يفسر المقولات التي لم يتوقف الزعماء الصهاينة عن ترديدها، مثل: "أين هم الفلسطينيون؟"، و"الكبار يموتون والصغار ينسون"، أو مقولة "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، التي تجعل من فلسطين أرضًا “خالية من السكان"، ومن ثَمَّ تغدو موقعًا لإقامة الكيان الصهيوني ودولته. وقد أكّدت الأفكار والمخططات، التي صاغها الصهاينة لتنفيذ مشروعهم على أرض فلسطين، مركزيةَ العنف والإرهاب في العقيدة الصهيونية، وأنه (العنف) جزءٌ لا يتجزّأ من البنية الفكرية والسياسية للمشروع الاستيطاني الصهيوني. وكذلك أسهمت الفتاوى الحاخامية والادعاءات التوراتية في شرعنة وترسيخ هذه الأفكار والهلوسات في مجتمع المستوطنين الصهاينة. وليس مشهد الحرب الإبادية الجارية منذ أكتوبر 2023 في غزة والضفة الغربية ولبنان ولم تتوقف حتى كتابة هذه السطور سوى دليل على تأصل العنف في العقيدة الصهيونية، واستدخال أتباعها لضرورته وتقبله تنفيذًا للتعاليم الدينية والإرادة الإلهية.
2 - الحرب النفسية
أدَّت الحرب النفسية التي اتبعتها المنظمات الصهيونية على مدى مراحل المشروع الصهيوني الاستيطاني دورًا كبيرًا في ترحيل الفلسطينيين وإخلاء القرى العربية من سكانها. وقد شملت هذه الحرب أعمال الكذب والخداع وتلفيق الأخبار والشائعات عن هروب السكان وانتشار التيفوئيد، إضافة إلى استخدام المتفجرات ذات الأصوات العالية والمجازر المنظمة والقتل العشوائي.
وتكشف وثائق "لجنة الترانسفير" في أرشيف الكيان الصهيوني عن الكثير من التفاصيل عن كيفية عمل الجيش والمنظمات الإرهابية الصهيونية ومسؤولي الحرب النفسية على تشريد الفلسطينيين. وتبيّن الوثائق مسؤولية عصابة الهاجاناه عن احتلال القرى والمدن بغرض طرد سكّانها، وأثر ذلك في القرى المجاورة، ما أدى إلى تهجير 55% من المواطنين في عامي 1948 و 1949.
3- توظيف بروباغندا الهولوكوست
لقد كُتب وقيل الكثير عن الهولوكوست (المحرقة النازية) بحق اليهود وغيرهم في أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945). ولا ننوي هنا الدخول في جدل الهولوكوست بقدر ما نود الإضاءة بإيجاز على بعض النقاط الهامة والمتصلة بموضوعنا: أي استثمار الصهيونية لبروباغندا الهولوكوست، إحدى وسائل الحرب النفسية في خدمة غاياتها.
أ) تنبع أهمية فهم دور الحركة الصهيونية وسرديّتها للهولوكوست من استخدامها غطاءً "أخلاقيًا" في محاربة كل من يشكك أو ينتقد "شرعيّتها" واحتلالها لفلسطين، وسياساتها الاستيطانية والإبادية تجاه الشعب الفلسطيني.
ب) لم تأتِ فكرة استثمار معاناة اليهود واضطهادهم في البلدان الأوروبية بعد المحرقة النازية أو نتيجة مباشرة لها. فهي كانت تسكن العقل الصهيوني قبل ذلك بعقود، وتقع في صلب المنطق الصهيوني وسعيه الدؤوب لتحقيق مشروعه في إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين. ولا ينبغي أن ننسى أن كتابات هرتسل التي سبقت دعوته الى المؤتمر التأسيسي للحركة الصهيونية (1897)، جاءت إثر اضطهاد اليهود في روسيا القيصرية في ثمانينيات القرن التاسع عشر.
ج) لقد استقر في الرأي العام العالمي وخصوصّا الغربي وبعض العربي أيضًا، على مدى العقود، أن المحرقة النازية استهدفت اليهود دون سواهم، وهو ما يخالف حقائق التاريخ. والحقيقة أن البرنامج الإبادي النازي استهدف أفرادًا من إثنيات وقوميات وفئات اجتماعية وحتى أديان أخرى، نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر: السود، والرومان (الغجر)، والقوميات السلافية، والرجال المثليين، وأتباع ديانة شهود يهوه، والأشخاص المعاقين، والمعارضين السياسيين، وغيرهم.
خلاصة واستنتاجات
- لم يكن تهجير الفلسطينيين وتفريغ البلاد واستيطانها ممكنًا دون دعم وتواطؤ الاستعمار البريطاني والإمبريالي الغربي، ودون مشاركته الفعلية في سياسات وخطط الإبادة الجماعية لعرب فلسطين.
- كان من أهم خطط التهجير والإبادة التي تمّ وضعها وتطويرها قبل النكبة بسنوات، الخطة التي عُرفت بـ” الخطة د”.
- قامت الإستراتيجيا الصهيونية على تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين وترويعهم لإجبارهم على الرحيل لتفريغ الأرض. ولتحقيق هذا الهدف شنّت العصابات الإرهابية الصهيونية حملات إبادة ضد الشعب الفلسطيني فطالت جرائمها كل مجالات الحياة الفلسطينية.
- وفي استشراف آفاق الصراع مع العدو الصهيوني - الإمبريالي ومستقبله، فسيواصل الكيان الصهيوني إرهابه وحروبه الإبادية على الشعب الفلسطيني، فالصراع مع هذا العدو صراع وجود.
#مسعدعربيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|