أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - تاج السر عثمان - في ذكرى جيلي عبد الرحمن















المزيد.....


في ذكرى جيلي عبد الرحمن


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 12:07
المحور: قضايا ثقافية
    


في ذكرى جيلي عبد الرحمن:
كيف حاول أن يعيش هذا الكون وأن ينظر إليه من منظار الوطن؟

1
عاش جيلي حياة مليئة بالحيوية والنشاط، وكان مهموما بقضايا الوطن رغم غربته، وكان مفهوم الوطن عنده يتطور ويتحول مع عمق تجاربه في الحياة.
أذكر ونحن طلبة في المرحلة الثانوية والجامعية كنا نتداول باهتمام دواوين شعره مثل: "السيف والجواد المكسور"، و " قصائد من السودان" الذي أصدره الاشتراك مع الشاعر تاج السر الحسن، الخ.
جيلي معروف في الأوساط السودانية والعربية، ونشر أشعاره على صفحات المطبوعات الدورية في مصر ولبنان والبلدان الأخرى وصدرت في دواوين خاصة معروفة وتحظى بشهرة واسعة، هذا إضافة لنشاطه في النقد الأدبي، وأبحاثه في قضايا الأدب السوداني والعربي، فضلا عن نشاطه الأكاديمي كدكتور في الآداب.
من المهم جمع تراث جيلي عبد الرحمن في الشعر والنثر، وتجميع أبحاثه الأدبية في الأدب السوداني والعربي ونشرها. باعتبار ذلك هو الخطوة الأولى لدراسة ذلك التراث، ودراسة تطور الشعر السوداني والأدب السوداني خلال فترة تاريخية كاملة عاشها جيلي كانت مليئة والإخفاقات والنجاحات و التبدلات والتغيرات، كحلقة من حلقات كثيرة يجب المسك بها لدراسة تطور الأدب السوداني خلال تلك الفترة الممتدة من بداية الخمسينيات وحتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين.
2
منذ ان كان طالبا في مصر في مطلع الخمسينيات دخل جيلي عالم الشعر وانخرط في الحياة الثقافية والسياسية، ومعلوم أن تلك الفترة كانت عاصفة، كان فيها الشعبان المصري والسوداني يطالبان بالتخلص من الاستعمار البريطاني، وانخرط جيلي مع الشخصيات الثقافية والكتاب والشعراء التقدميون بدور هام في التحركات المعادية للاستعمار، كما انخرط في حركة أنصار السلام المتصاعدة، يقول جيلي عن تلك الفترة:
" وأذكر التأثير الشديد الذي تركته قصيدة عبد الرحمن الشرقاوي" من أب مصري إلي الرئيس ترومان" على رفاق القلم والقراء الاعتياديين، لقد توجه الشاعر إلي رئيس الإدارة الأميركية آنذاك يطالب بالوقوف إلي جانب أطفال العالم وأمهات العالم في طموحهم إلي العيش في سلام ودون خوف من خطر الحرب، وكيف تجاوب الأدباء بحماسة مع انعقاد مؤتمر باندونغ، وهو حدث تاريخي شكل خطوة كبيرة نحو توطيد تضامن شعوب آسيا وأفريقيا في النضال من أجل السلام وسياسة الحياد الإيجابي".
وعندما وقع انقلاب عبود عام 1958، ناضل جيلي مع غيره من الأدباء التقدميين بسلاح الشعر ضد النظام العسكري الذي صادر الحريات الديمقراطية، بعد أن نال الاستقلال الوطني ، وفرض على الشعب المعونة الأمريكية المقترنة بشتى الشروط، كما ناضل مع غيره ضد ديكتاتورية انقلاب 25 مايو 1969 حتى سقوطها في انتفاضة مارس – ابريل 1985.
كان جيلي يرى أن الفن ولاسيما الفن الشعري يستوعب الواقع بوسائله الجمالية الخاصة، ولكى تولد القصيدة، على الشاعر أن يصوغ تجربته انطباعاته الحياتية بعد أن ينصهر في بوتقة روحه، بحيث ينعكس العالم مجددا في الشعر عبر التعبير والصور والرؤى والأحلام والخيال.
كما كان يرى أنه لايمكن أن نعيش الأنواع الفنية كلها مقياس واحد المسرحية مثلا: أكثر ملموسية وتحديدا من الشعر العاطفي، والشاعر العاطفي يمكن أن يتغزل بجمال المرأة أو زهرة، ويمكن أن يعبر عن لحظة معينة، قد تكون شروق الشمس او غروبها، وليس ثمة موقف مفترض نحشر فيه السياسة حشرا.
3

كان جيلي يرى إن أي ظاهرة إنما هي لحظة انسانية، لحظة تاريخية يحتوى فهمها حتما على جانب فلسفي، ومهما كانت الذرائع الفلسفية التي يلجأ لها دعاة "الفن للفن" سواء اكتسبت صوت النخبوية أو صوت العزلة والتجريد، وأن الحقيقة تبقى حقيقة. أذ أن الإنسان لايستطيع أن يعيش خارج المجتمع. هذا لا يعنى أنني أفترض في الفن موقفا سياسيا مباشرا، ولكن الفن شكل من أشكال الوعي الاجتماعي يعبر بطرائقه الخاصة عن الجوانب الهامة في محيط الإنسان الطبيعي والاجتماعي، وفي هذا التعبير موقف سياسي شئنا أم أبينا.
كان جيلي يكتب في شعره عما يتعين عليه أن يعيشه ويشعر به ، وكان الجنين إلى الوطن الذي اضطر لتركه مبكرا ولفترة طويلة أحد أهم مصادر شعره والتي غذت إبداعه.
من أشكال الحنين إلي الوطن الصغير نذكر قصيدته عبري التي يقول فيها:
أحن اليك يا عبري
حنينا ماج في صدري
ويتشابك الحنين للوطن في شعر جيلي مع حب الناس البسطاء وحياتهم البسيطة، هذا إضافة إلي أن شعره عكس التحولات الاجتماعية التي مرّ بها السودان وغيره من بلدان العالم الثالث ، بإشارته إلي موضوع التناقض بين القرية والمدينة الرأسمالية التي وأن كانت أكثر "تمدنا"، إنما تمزقها تناقضات اجتماعية حادة.
4
ومع تراكم خبرة جيلي الحياتية والسياسية والأدبية أصبح محتوى مؤلفاته الشعرية أكثر تنوعا، وانعكس تنقله الكثير في مختلف أنحاء العالم وزيارته لبلدان كثيرة، انعكس ذلك في شعره وتركت تلك الانطباعات بصماتها على شعره.
يقول جيلي " واليكم مثالا واحدا فقط إن طبيعة ادي النيل التي اعتدت عليها طبيعة بسيطة و هادئة، وتنطوى على شئ من الرتابة، وشهور السنة أو فصولها لا تكاد تختلف لاتكاد تختلف وهي تتعاقب عن بعضها البعض إلا بنزول كمية أكبر أو أقل من المطر، الا بدرجة حرارة أعلى أو أدنى بعض الشئ، ولكن في أماكن أخرى رأيت الطبيعة عظيمة وأحيانا أخرى رهيبة، تعرفت على فصول السنة حيث الخريف الذهبي يعقبه الشتاء الثلجي الذي يليه الربيع الأخضر الدفاق، وأصبحت مرارة فراق الوطن أكثر عمقا وتعقيدا من حيث المحتوى واغتنى التعبير الشعري عنها بألوان جديدة".
يواصل جيلي ويقول: " والشئ نفسه ينطبق على تنوع مظاهر الحياة الاجتماعية التي تعيّن علىّ التعرف عليها في مختلف البلدان ، فحاولت امتصاص هذا الشئ الجديد ممتزجا بتجاربي وذكرياتي القديمة، بالإضافة إلى مساهمتى العملية في معركة شعبي من أجل الحرية والديمقراطية ، وفي أشعاري شئ من حبي وغربتي وحنيني ، وشئ من الحماسة والنضال.الخ، فليس هناك موضوع محتكر أو مجتر أو مكرر، إنما أحاول على قدر طاقتي أن أعيش هذا الكون وأن أعبر عما تجيش به نفسي".
كان جيلي عميقا في كدحه الثقافي، امتلك صوته الشعري الخاص، ولم يكن لديه مثال أعلى ، ولكنه استمد الكثير من الكنوز الفنية للفن العربي المتنوع ، و بالدرجة الأولي من الشعر الكلاسيكي، ومن تراث شعراء الماضي العظام من أمثال: بشار بن برد وأبي نواس وابن الرومي والمتنبي، كما أنه تأثر بالموجة الشعرية الجديدة في العالم العربي التي شهد بعضها في الخمسينيات من القرن العشرين، وكان جيلي من الذين شاركوا في صياغة هذا التيار الذي كان من أبرز ممثليه: عبد الوهاب البياني، بدر شاكر السياب، شوقي بغدادي، والفيتوري. الخ.
كما تأثر جيلي أيضا بالأدب الروسي الذي انفتح أمام العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية والذي كان الأدباء العرب قليلا ما كانوا يعرفون عنه.بالتالي تعرف جيلي مع غيره بعمق أكثر على عوالم دوستوفسكي وتشيخوف وغوركي وماياكوفسكي.الخ، والذين كان أثرهم قويا عليه.
وكتب جيلي في ذلك الحين قصيدة" شوارع المدينة" التي قال عنها النقاد أنها متأثرة بجوركي.
وبعد ذلك عاش جيلي وعمل في الاتحاد السوفيتي وتعلم الروسية ، وقرأ الأدب الروسي والسوفيتي في مصادره الأساسية ، وامتزج بحياة الشعراء السوفيت والروس وساهم في ترجمة الكثير من الشعراء السوفيت أمثال: بوريس باسترناك، و يفغيني يفتوشينكو ورسول حمزتوف وبوريس روتشيوف وغيرهم.
وكان هذا الشعر كما يقول جيلي قد انتقل به نقلة واسعة من ناحية تكوين القصيدة أكثر تركيزا وتخلص من الزوائد والتفاصيل النثرية وبعيدة عن التقريرية والنهايات السعيدة التي كانت سمة لإنتاجه في الخمسينيات. كما تخلص من الفهم السطحي للواقعية من ناحية العلاقة بين الخاص والعام وانصهار هذه العلاقة في القصيدة، كما اغتنت إلي حد كبير وسائله الفنية، وكان في أيامه الأخيرة يلتجئ أكثر فأكثر إلي التراث الثقافي السوداني، وإلي بعض القيم الصوفية الإيجابية من أجل تحقيق درجة جديدة من التعبير.
5
كيف تناول جيلي الوطن والديمقراطية والفن؟
كان جيلي يرى أن كل إنتاج حي يولد في التربة الوطنية بكل سماتها وخصائصها، ولا يمكن أن يكتسب أهمية عالمية شاملة، إلا إذا عبر عن هذه الخصائص بوضوح وعمق يرفعانه إلى مستوى الانساني العام.
كما كان يرى أن عملية التفاعل المتبادل بين الآداب أخذت طابعا عالميا شاملا بالفعل، فلم يعد الفنان قادرا اليوم على الانطلاق في الأطر القومية الضيقة، ولايستطيع أن يتحول أيضا إلي "كوسموبوليتي" وأن يتجاهل الفوارق القومية التي يضيفها الإنسان في مكان معين إلي خريطة الانسانية بكاملها.
كما كان يرى أن الديمقراطية لازمة كالماء والهواء بالنسبة للإنسان والحيوان والنبات لازدهار الفن والشعر السوداني، وأن الشعراء السودانيين يقفون في المقدمة على الأقل للمستوى العربي ، على الرغم من أنهم ليسوا معروفين على نطاق واسع في البلدان العربية الأخرى، وهذا راجع لغياب الديمقراطية وخاصة خلال فترة الـ 16 سنة لنظام نميري الديكتاتوري الذي خنق الفكر الديمقراطي الحر وشجع انتشار الكتابات الرديئة.
ويرى أن ترسيخ الديمقراطية والحوار مع مختلف التيارات الأدبية والنقدية يرسخ ماهو جيد وايجابي وسليم.
للمزيد من التفاصيل ، راجع جيلي عبد الرحمن " احاول أن أعيش هذا الكون"، مجلة قضايا السلم والاشتراكية، أكتوبر 1987).



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطورات الأحداث والطريق لوقف الحرب والديمقراطية
- في ذكرى محمد عبد الحي (٢/٢)
- في ذكرى محمد عبد الحي (١/٢)
- كيف قاد تجاوز إعلان قوى الحرية والتغيير الي اجهاض الثورة؟
- كيف كان موقع الثورة المهدية في ثورات القرن التاسع عشر؟
- عرض الكتب : الأرض والصراع الطبقي والاجتماعي في السودان
- حصاد تجربة الاسلام السياسي في السودان
- عرض الكتب : دور ثورة 1924 في تطور الحركة الوطنية والثقافية
- الخطاب العنصري الاسلاموي ومواصلة الابادة الجماعية
- في شهرها ال ٢٢ استمرار جرائم الحرب في الجزيرة
- كيف تدمر الرأسمالية البيئة؟
- أثر العقوبات الأمريكية والتدخل الخارجي في حرب السودان
- تجربة نشأة وتطور اتحادات المزارعين (١٩٤٥ ...
- في شهرها ال ٢١ وقف الحرب وعدم إعادة انتاجها
- في ذكراها الثالثة كيف كان صدى استقالة حمدوك؟
- من القصائد الوطنية خلال ثورة 1924
- سفر الولاء وثورة 1924 وأول مظاهرة في تاريخنا الحديث
- إفادة صالح عبد القادر عن ثورة 1924
- في ذكراه ال ٦٩ لترتفع عاليا رآية الاستقلال ووحدة ...
- تطور المدينة في فترة الحكم البريطاني - المصرى (١٨& ...


المزيد.....




- -يا إلهي-.. رد فعل عائلة بفيديو وثق بالصدفة لحظة تصادم طائرة ...
- ماذا نعلم عن طياري المروحية العسكرية بحادث الاصطدام بطائرة ا ...
- إليكم أبرز الرؤساء العرب الذين هنأوا الشرع على توليه رئاسة س ...
- العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية
- أسير أوكراني يروي كيف أنقذ الأطباء الروس حياته
- على شفا حرب كبيرة: رواندا والكونغو تتصارعان على الموارد
- ألمانيا تمدد 4 مهام خارجية لقواتها قبيل الانتخابات
- مرتضى منصور يحذر ترامب من زيارة مصر (فيديو)
- -الناتو- يخطط لتقديم اقتراح لترامب بدلا من غرينلاند
- مشهد -مرعب-.. سماء البرازيل -تمطر- عناكب والعلماء يفسرون الظ ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - تاج السر عثمان - في ذكرى جيلي عبد الرحمن