|
الدولة المستحيلة
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 22:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقودنا مداورة فصول المسرحية المفجعة التي تتالى في فضاء بلاد الشام إلى البحث عن مصادرها . يأخذنا نهج هذا السلوك إلى القرن التاسع عشر حيث دخلت الدولة العثمانية في طور الانحطاط ، و تأكد تقدم الدول الأوروبية و تفوقها العلمي و التقني واستطرادا ، العسكري . يستوقفنا هنا عدد من عناوين من شأنها أن تضيء لنا من و جهة نظرنا ، المأساة المتواصلة منذ بضعة عقود من الزمن ، بين شبه جزيرة سيناء غربا و الخليج الفارسي شرقا : ـ عودة الشيخ المصري الأزهري رفعت الطهطاوي سنة 1831 ، إلى مصر ، بعد أن مكث خمس سنوات في فرنسا ، مرشدا لبعثة علمية ، أرسلها محمد علي والي مصر ،للاطلاع على الانجازات التي تحققت في تلك البلاد فكانت وراء نهضتها . أصدر الطهطاوي في سنة 1934 كتابا ضمنه ملاحظاته و أفكاره فيما يخص الحكم و الإدارة و القانون ، بالإضافة إلى ترجمة للدستور الفرنسي آنذاك . و من الأفكار التي حملها وجوب تقيد الحاكم ببنود الدستور واحترام المساواة بين الناس بحسب القانون و الاعتراف بكفاءة الفرد دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الرأي . الأمر الذي أقام الدنيا الأزهرية الإسلامية المحافظة ، ضده و لم تقعد ، ناهيك من أن الكتاب لم يرق للسلطة أيضا . ـ من البديهي ان انقلاب ميزان القوى لصالح الدول الغربية كان مقلقا للدولة العثمانية ، حيث كان رد فعلها لمعالجة الأمر ، متأخرا و مرتبكا ، تمثل بالعمل على تقوية الجيش عن طريق استيراد " العلوم " العسكرية و السلاح ، و إطلاق سياسات تنموية و اصلاحية في مجالات الإنتاج و التعليم و تطوير البنية التحتية ، نجم عنه وقوع البلاد تحت مديونية أثقلت كاهلها من جهة و أخضعتها أكثر فأكثر لشروط الدول الغربية المُدينة انتقصت من سيادتها من جهة ثانية ، و أدخلتها في فترة عرفت " بالتنظيمات " ، حيث تتابعت خلالها اقتراحات الخطط الإصلاحية و الإدارية و الدستورية. لم ترض عنها " التيارات الإسلامية المحافظة ، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية و إلغاء التمييز بين أتباع الملل و الطوائف استجابة لمطالب الدول الغربية وصولا إلى حد تبني كل دولة أتباع ملة أو طائفة ، وصولا لمنحهم جنسيتها و اعتبارهم من رعاياه ، و عملائها في الدولة العثمانية نفسها ، ثقافيا و سياسيا و تجاريا . بعد هذا العرض المقتضب للأحوال في الإمبراطورية العثمانية التي تماثل اليوم ، إلى درجة ما ، أحوال بلاد الشام و العراق . نكتفي بالتذكير أن التنازع بين الدول الأوروبية على " الأماكن المقدسة " قاد لحرب القرم ، و في جبل لبنان إلى الحرب الطائفية 1841 ـ1860 التي تمددت نارها إلى إلى دمشق . بالعودة إلى الأوضاع الراهنة ، خصوصا في سورية ، في سياق الحرب الإسرائيلية المتدحرجة على مدى المنطقة ، حيث سيطرت جماعات الإخوان المسلمين على السلطة ،نقول أن هذا تتويج لصراع بدأته منذ سنة 1963 : حركة التحرير الإسلامي (تأسست في حلب ، زعيمها عبد الرحمن أبو غودة ، لجأ إلى السعودية ، كان عرابها معروف الدواليبي مستشار الملك السعودي ) ثم ظهرت " كتائب محمد " في سنة 1965 ( مروان حديد ، تسلم قيادتها من بعده عبد السلام الزعيم ) و أخير هناك ، حزب التحرير الإسلامي الذي اتخذ من الأردن قاعدة له . تحسن الإشارة بهذا الصدد إلى أن هذه الجماعات نفذت الكثير من العمليات الدموية على شكل وضع متفجرات ، و مهاجمة مواقع رسمية و عسكرية ، بالإضافة إلى عدد كبير من الاغتيالات على أساس الهوية الطائفية ، و إلى أن هذا النزاع احتدم أكثر فأكثر في سنوات السبعين ، بعد استيلاء حافظ الأسد على مقاليد الحكم (16.11,1970 ) حيث بلغ اشد الشناعة في 16.06.1979. في مجزرة مدرسة المدفعية في حلب التي لقي خلالها تلامذة ضباط حتفهم ، بأمر من نقيب مشرف في المدرسة ، يدعى أبراهيم اليوسف ، رميا بالرصاص من مسلحين أستقدمهم الأخير من خارج المدرسة ، فقط لان هؤلاء التلامذة من الطائفة العلوية (Michel Seurat : L’Etat de barbarie ) . لنقول في خلاصة هذه المراجعة ، أن حركة الإخوان المسلمين في سورية "تضخمت" على الأرجح نتيجة لمطامع الدول الغربية و من ضمنها إسرائيل ، و الدول الخليجية . فكانت سورية منذ جلاء الاستعمار الفرنسي على الدوام مهددة بالخطر من محورين : ـ المحور الغربي : ممثلا بحلف بغداد التذي تأسس سنة 1955 من ، بريطانيا و تركيا و العراق و إيران و الباكستان و كان يهد ف إلى ضم سورية ، أو إلى إلغائها و تقسيمها بين تركيا و إسرائيل ، و الدولة الكردية . ـ المحور الخليجي : خوفا من أن تتكرر تجربة " الوحدة العربية " بين مصر و بلاد الشام و العراق هذا من ناحية . أما ناحية ثانية طموح الدول الخليجية ( الاستعماري ) في الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ، لتصدير نفطهم و التواصل مع الدول الأوروبية. هكذا نمت في أغلب الظن ، تيارات الإخوان المسلمين ،مستفيدة من بيئة غير متجانسة ، لأسباب ذاتية و خارجية كما ورد أعلاه ، جعلتها غير مستقرة . اللافت للنظر أنهم تعاونوا مع جميع الذين لم يكن لهم مصلحة في وجود كيان و طني سوري وطني ، يتعارض مع مشروع الدولة الإسلامية الذي يصبون إلى تحقيقه . فكان بديهيا أن يقاتلوا مع داعش في العراق ، و بديهيا أيضا ألا يرضوا بدولة علمانية في سورية ، تحت قيادة حزب البعث أو أي حزب علماني آخر ، لا سيما أن الأحزاب العلمانية كما هو معلوم ، هي جاذبة لأبناء الأقليات الدينية و العرقية ، تخلّصا من هيمنة الأكثرية السياسية ،العرقية أو الدينية ، فما بالك إذا كان العلمانيون على رأس قيادة هذا الحزب .
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطن للمواطنين !
-
أنا شارلي ,, أنا ثوري
-
جيوش بلا دول تتصدى لدول بلا جيوش ! !
-
هويات موسمية و أوطان مؤقته !
-
حصان طروادة في سورية
-
أكثر من حرب طائفين و أقل من ثورة و طنية !
-
دولة الرئاسة و دولة الخلافة !!
-
داوها بالتي كانت هي الداء !!
-
الحل الأفغاني و الحل الغزاوي !
-
ثورة أو استثارة ؟
-
ثورات الجملة
-
أما و قد سقط الرئيس !
-
السياسة الدينية !
-
تأملات في متغيرات جبل الجليد !
-
شريط أخبار سورية !
-
الحرب و الحرث
-
هجمات شُرَطية !
-
القانون هو ما تقتضيه مصلحة الشعب الالماني !
-
النازية و الصهيونية !
-
التطهير العراقي وسيلة لإستعادة الأهلية !
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|