|
-الجنرال السيسي .. وسرقة القرن-..المخاطر الاستراتيجية لإنشاء الصندوق السيادى لمصر(1)
عبدالخالق فاروق
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 19:48
المحور:
الفساد الإداري والمالي
منذ أن طويت الحقبة التجارية فى الاقتصاد الأوربى ، أو ما عرف بالفترة الماركينتيلية Mercantilism التى أمتدت من مطلع القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر ، ودخلت أوروبا إلى العصر الرأسمالى الحديث القائم على الميكنة والتجميع الصناعى الكبير manufacturing ، لم تعد قضية تراكم الفوائض المالية المتمثلة فى الذهب والفضة ، تمثل ركيزة الثروة والنفوذ فى الدول والمجتمعات الأوروبية ، بقدر ما أصبحت دورة الانتاج والتشغيل والاستثمار هى مقياس القوة ومناط النفوذ فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية . لقد تميزت المرحلة الميركنتيلية ( التجارية ) بسمات مميزة هى : الأولى : أن التوسع فى الانتاج قد أستدعى بالضرورة وصاحبه اقتحام الدول لأسواق الشعوب الأقل انتاجا فى آسيا وأفريقيا والأمريكيتين ، ولهذا لم يكن غريبا أن تتكون الإمبراطوريات الإستعمارية الأوربية من الدول الساحلية الأساسية فى القارة العجوز ( البرتغال – أسبانيا – فرنسا – انجلترا – إيطاليا ) . الثانية : أن هذا الفائض فى الانتاج والتوسع فى الكشوفات الجغرافية والغزو الاستعمارى قد أديا إلى تحقيق فوائض مالية ضخمة تمثلت فى المعادن الثمينة وخصوصا الذهب والفضة ، اللتين أمتلأت بهما خزائن الملوك والنبلاء والتجار الأوربيين ، فشكلت بذلك ركيزة أساسية من ركائز القوة والنفوذ ومقياسا للثراء فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية فى ذلك الوقت (1). ومع إنتقال بعض تلك الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية إلى النموذج الرأسمالى الصناعى الحديث بدءا من القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين ، حدث التحول الهائل فى المفاهيم الاقتصادية وآليات العمل الاقتصادى ، فلم يعد الفائض والثروات من الذهب والفضة والمعادن الثمينة مقياسا للقوة وتعبيرا عن النمو ، وأنما أصبح النمو والقوة تتمثل فى قدرة هذه الدولة أو تلك ، وهذا المجتمع أو ذاك على توظيف فوائضه وإعادة إستثمارها فى توسيع الطاقة الانتاجية الصناعية ، وهكذا أنتقل مفهوم الثراء من تكديس المال فى الخزائن إلى إعادة الاستثمار وتوسيع دورة الانتاج والتشغيل ، فيما عرف بالانتقال من التراكم المالى Financial Accumulation إلى التراكم الرأسمالى الحديث Capital Accumulation . وبقدر هذا التوسع الذاتى للنماذج الرأسمالية الصناعية الحديثة ، على المستوى الأفقى ( زيادة خطوط الانتاج والمصانع والطاقة الانتاجية ) ، وعلى المستوى الرأسى ( التطوير التكنولوجى المكثف والمتسارع ) ، بقدر السيطرة الاقتصادية والسياسية عبر تجاوز الحدود الجيو- سياسية ، من خلال الأشكال الجديدة للإستنزاف ونهب ثروات الشعوب الأقل تطورا المتجسدة فى الشركات عابرة القومية ، أو ما أطلق عليها أستاذنا د. محمد دويدار المتعدية الجنسية Cross – national Enterprises(2) . وهكذا لم تعرف النظم الرأسمالية الحديثة فكرة تخزين الفوائض المالية ، بالمعنى القديم ، إلا مع النظم الريعية النفطية منذ مطلع عقد الثلاثينات من القرن العشرين ، حينما جرى إكتشاف النفط بكميات كبيرة ، فى ظل بنية إجتماعية وسياسية قائمة على القبيلة والعائلة ، وفى ظل علاقات داخلية شديدة التخلف والرجعية . ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه الحالة السيالة ، قد أستدعت من الدول الاستعمارية وشركاتها النفطية الكبرى ، العمل على تحويل تلك المناطق الجغرافية الشاسعة فى الصحراء العربية إلى كيانات جيو- سياسية ، فأنشأت دول وإمارات ومشيخات مثل السعودية والكويت وأبو ظبى والبحرين وسلطنة عمان و قطر وغيرها ، وتحولت بذلك الإقطاعيات العائلية ( مثل عائلة الصباح ، وآل نهيان ، وآل سعود ، وآل ثان ، وآل خليفة ، وآل سعيد .. الخ ) إلى دول وفقا للشكل الحديث للدول ، وإن ظلت على علاقاتها وبنيتها الاجتماعية والسياسية شديدة الرجعية والتخلف . وخلال الفترة الأولى من تجربة هذه الدول / المشيخات ، التى أمتدت من ثلاثينيات القرن العشرين حتى عشية حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، لم تكن الفوائض المالية من الضخامة بحيث تزيد عن أحتياجات التحديث المتواضع للمجتمع ( مدارس – مستشفيات – إدارة حكومية ) ، وحسابات مصرفية وخزائن مملؤوة للحكام وعائلاتهم ، ومقتضيات شراء الولاءات للقبائل المتناثرة داخل حدودهم الجديدة ، فلم يستدع الأمر إنشاء صناديق سيادية ، ووسائط مالية دولية كبرى ، ولم يكن هناك مسافة بعيدة بين الجيب الشخصى للملك أو الأمير أو الشيخ ، وبين ميزانية الدولة فكليهما تحت طوع وأمر الملك / الشيخ . حرب أكتوبر عام 1973 والفوائض المالية الهائلة : بإندلاع حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، أنتقل مركز الثقل المالى والسياسى لصالح الدول المنتجة للنفط عموما ، والدول العربية خصوصا ، لقد زاد سعر برميل النفط من أقل من ثلاثة دولارات عشية الحرب إلى 5.18 دولار فى أواخر نوفمبر عام 1973، ثم أخذ فى التزايد يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر حتى سبتمبر عام 1980 ، وهكذا زادت إيرادات الدول العربية الثمانية أعضاء منظمة أوبك من حوالى 5.2 مليار دولار عام 1972، إلى 124.0 مليار دولار عام 1979 (3) ، فدولة مثل السعودية زادت إيراداتها وبعد زيادة الأسعار الأولى أثناء حرب أكتوبر من 5.1 مليار دولار فى نهاية عام 1973 ، إلى 54.2 مليار دولار عام 1979 ، وكذلك الكويت من 1.9 مليار دولار إلى 13.3 مليار دولار ، وبالمثل الامارات من 900 مليون دولار إلى 9.7 مليار دولار خلال نفس الفترة وهكذا لبقية الدولة / المشيخات الخليجية والدول العربية الأخرى المنتجة للنفط مثل الجزائر وليبيا والعراق . وبهذا الكنز الهائل أو كما عبر وزير الخزانة الأمريكية فى ذلك الحين " وليم سيمون " فأنهم لم يكونوا سوى غفراء على هذا الكنز النفطى لا أكثر ولا أقل " these people do not Owen the oil they only sit on it وهنا أسقط فى يد تلك الدول / المشيخات ، فقد كانت الثروة الجديدة أكبر كثيرا حتى من أحتياجاتها من كافة الإستخدامات المشروعة ( كالتنمية والتحديث ) ، وغير المشروعة ( السرقات العائلية ، والتبديد والإنفاق السفيه ، وتوزيعات الغنائم ، وشراء الولاءات القبائلية والعشائرية بل وحتى الدولية )، فلجأت تحت مشورة الخبراء الغربيين - وجلهم تقريبا أمريكيين وبريطانيين - إلى أنشاء صناديق ، أطلق عليها فيما بعد زورا وبهتانا " صناديق سيادية " Sovereignty Funds ، توضع فيها تلك الفوائض المالية ، ويتولى الخبراء القائمون عليها – وجلهم أمريكيون وبريطانيون كما أشرنا - إعادة إستثمارها وتوظيفها فى الخارج ، وتكوين محافظ مالية ضخمة مكونة من أسهم شركات ، وسندات وأذون خزانة على تلك الحكومات الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية ، وإيداعات مصرفية فى تلك الدول الغربية أيضا ، وأصبحوا بالتالى فريسة ولعبة فى عمليات إبتزاز غربى من جهة ، ومرهونة بالإنهيارات المتعددة فى أسواق المال الغربية ولعبة البورصات ، والأزمات العاصفة التى مرت بها تلك الاقتصادات الغربية بصورة مستمرة . ومع كل أزمة من الأزمات التى مر بها الاقتصاد الرأسمالى العالمى وتقلص الفترات البينية لتلك الأزمات أو الدورات فى المتوسط من عشر سنوات ، إلى أقل من خمس سنوات ، مثل الأزمات العاصفة التى تكررت على مدار السنوات ( 1971، 1973 ، 1982 ، 1987 ، 1989 ، 1994 ، 1997 ، 1999 ، 2000 ، 2001 ، 2002 ، 2003 ، 2008 ) ، وسواء كانت هذه الأزمات العاصفة شاملة للاقتصاد الرأسمالى العالمى ككل ، أو أزمات لبعض مكوناته الإقليمية الهامة ( مثل جنوب شرق آسيا عام 1997 ) ، أو المكسيك عام 1994 ، أو الأزمة الروسية الكبرى عام 1999، أو الأرجنتين عام 2000 ، أو البرازيل عام 2003 ، أو فى غيرها (4). فقد كانت الصناديق " السيادية " العربية تخسر مئات المليارات ، وكان أصحاب الأموال العرب يخسرون بدورهم لقد خسر العالم من جراء الأزمة العاصفة عام 2008 فى أسابيعها الثمانية الأولى ، ما يتجاوز خمسة عشرة تريليون دولار، منها حوالى تريليون دولار لأصحاب فوائض النفط العربى فى الخليج ، وما زال الحبل على الجرار صحيح أن بعض تلك الأموال " العربية " قد ساهمت فى إقراض وتمويل مشروعات تنموية فى بعض الدول العربية وغير العربية من خلال إنشاء صناديق للتنمية وأبرزها الصندوق الكويتى ، وصندوق أبو ظبى ، والصندوق العراقى – قبل تدمير العراق بحروب صدام حسين المتتالية –بيد أن الغالبية الساحقة من تلك الأموال " العربية " قد ذهبت إلى الأسياد الغربيين فيما عرف فى الأدبيات الاقتصادية الغربية إعادة التدوير Recycling أذن من الناحية الشكلية كانت هذه الدول العربية / المشيخات ، لديها فوائضSurplus مالية يجرى توظيفها فى قنوات إستثمارية فى الخارج ، بصرف النظر عن الملابسات والملاحظات والمخاطر المحيطة بها ، بما فى ذلك إحتمالات التجميد وفقا للقوانين الأمريكية مثل قانون صلاحيات الرئيس أثناء الحرب أو الطوارىء الصادر عام 1977 ، والذى جرى إستخدامه فعلا ضد ليبيا والعراق وغيرها من الدول (5) . وهنا يستحضرنا نموذجان متناقضان في تاريخ هذا النوع من التجارب ، الأول الصندوق السيادي الورسي الذي أطلق عليه " لجنة أملاك الدولة " في مطلع التسعينات من القرن الماضي في عهد الرئيس الروسي المخمور " بوريس يلتسن " والعصابة الصهيونية التي أحاطت به ، ومجموعات المافيا الروسية بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، والذي جرى عزل مديره الشريف " الدكتور فلاديمير بوليفانوف " بعد ستة أشهر فقط من تعيينه تحت ضغط الأمريكان من ناحية وعصابات المافيا الروسية التي أحاطت بالرجل وحكمه وخربت روسيا تماما ، وأوصلت البلاد إلى الكارثة والخراب ، حتى برزت قيادة الرئيس " فلاديمير بوتين " أواخر عام 1999 وبداية عام 2000 فأنقذ البلاد من حالة ضياع وخراب لم تشهده روسيا في تاريخها من قبل . وعلى النقيض من هذا تجربة صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي تأسس منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي مع بواكير ظهور الثروة النفطية والغازية في بحار النرويج ، ويعد حاليا أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم ويضم حاليا ( عام 2022) محفظة تقدر بحوالي 1.4 تريليون دولار ( يعادل 15.2 تريليون كرونة نرويجية ) وهو أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم الذي تغذي عائداته شركات النفط والغاز النرويجية ، وقد استثمر الصندوق في نحو 850 شركة صينية بقيمة نحو 42 مليار دولار بحلول نهاية العام 2022 ، كما يستثمر 1.4 مليار دولار في 76 شركة إسرائيلية حتى مطلع عام 2024 . فتعالوا تأملوا صندوق السيسي السيادي ؟ ...................................................
(1)لمزيد من التفاصيل حول هذه الحقبة التاريحية يمكن الرجوع إلى : - نك روبينز " الشركة التى غيرت العالم " ، ترجمة كمال المصرى ، القاهرة ، مكتبة الشروق الدولية ، 2009 - جون إم . هوبسون " الجذور الشرقية للحضارة الغربية " ترجمة منال قابيل ، القاهرة ، مكتبة الشروق الدولية ، 2006 . - ها . جون تشانج " ركل السلم بعيدا .. استراتيجيات التنمية والتطور قديما وحديثا " ، ترجمة سجينى دولارمانى وعمر الرفاعى ، القاهرة ، مكتبة الشروق الدولية ، 2007 . (2) د. محمد دويدار " الاتجاه الريعى فى الاقتصاد المصرى " الأسكندرية ، منشأة المعارف ، 1983 . (3) لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتابنا " النفط والأموال العربية فى الخارج .. خمس دراسات فى الاقتصاد الدولى المعاصر " ، القاهرة ، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية ، 2002 ، ص 74 وما بعدها . (4) كما يشير بذلك Alan Beatty فى جريدة الفايننشيال تايمز بتاريخ ( 28/أكتوبر عام 2008 ) . (5) عبد الخالق فاروق " النفط والأموال العربية فى الخارج " ، مرجع سابق . https://www.snabusiness.com/article/1651138-%D8%A7%D9%94%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%BA%D9%84%D9%82-%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8%D9%87-%D8%B4%D9%86%D8%BA%D9%87%D8%A7%D9%8A
#عبدالخالق_فاروق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الجنرال السيسي .. وسرقة القرن-..المخاطر الاستراتيجية لإنشاء
...
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|