|
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
أمنية مجدي
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 15:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تُجرى الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا في شهر فبراير، ومن المرجح أن يصبح الحزب الفاشي “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) ثاني أقوى حزب في البرلمان. لماذا تشهد ألمانيا صعودًا جديدًا للفاشيين، وماذا يمكن للاشتراكيين فعله لمواجهتهم؟
تُجرى الانتخابات البرلمانية في ألمانيا في 23 فبراير. هذه الانتخابات كان من المقرر إجراءها في سبتمبر من العام الجاري. ولكن في نوفمبر العام الماضي، انهار الائتلاف الحكومي الحاكم المكوّن من ثلاثة أحزاب (الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD، وحزب الخضر Grüne، والحزب الديمقراطي الحر FDP) الذي يدير البلاد منذ عام 2021، لكن في بداية نوفمبر 2024 اندلعت الخلافات داخل الائتلاف بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة.
طالب الحزب الديمقراطي الحر بتقليص الإنفاق العام وإيقاف التشريعات الجديدة. ومع تصاعد التوترات، أقال المستشار أولاف شولتز (SPD) وزير المالية من الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر. أدى ذلك إلى انسحاب الحزب الديمقراطي الحر من الائتلاف الحكومي وانتقاله إلى صفوف المعارضة، مما دفع شولتز إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في عام 2025. حاليًا، يدير الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر الحكومة كحكومة أقلية في البرلمان.
انتصارات حزب AfD في انتخابات الولايات لعام 2024 تشير استطلاعات الرأي إلى أنه في الانتخابات القادمة، سيكون اليمين واليمين المتطرف هم الفائزين. في سبتمبر الماضي، أظهرت ثلاثة انتخابات في ولايات شرق ألمانيا حصول الحزب الفاشي “البديل من أجل ألمانيا” على نسبة كبيرة من الأصوات. ففي ولاية تورينغن حصل الحزب على 32% من الأصوات، وهو أقوى حزب في الولاية، يليه الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) بنسبة 23%. وفي ولاية ساكسونيا، جاء الحزب في المركز الثاني بنسبة 30%، بفارق ضئيل عن CDU بنسبة 31%. أما في ولاية براندنبورج، حصل الحزب على 31% من الأصوات، مقارنة بـ 33% للحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD.
في جميع الولايات الثلاث (تورينجن، ساكسونيا، براندنبورج)، لم يدخل حزب AfD في أي حكومة ائتلافية إقليمية بسبب تركيبات الائتلافات الأخرى التي منعت ذلك. ومع ذلك، يظل للحزب تأثير كبير في البرلمانات المحلية في هذه الولايات. وحاليًا، لدى حزب AfD مقاعد في 14 من أصل 16 برلمانًا محليًا على مستوى الولايات في ألمانيا.
منذ سقوط النظام النازي في عام 1945، تعتبر نتائج انتخابات حزب AfD في تورينجن، ساكسونيا، وبراندنبورج هي المرة الأولى التي يُمثل فيها حزب فاشي بهذه الدرجة في الانتخابات الإقليمية الألمانية. تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة للانتخابات الفيدرالية القادمة في فبراير أن حزب AfD هو ثاني أقوى حزب بنسبة 21.5% (مقارنة بـ 10.4% في انتخابات 2021). وتشير الاستطلاعات إلى أن الحزب الديمقراطي المسيحي CDU يحظى بنسبة 31%، والحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD بنسبة 15.5%، وحزب الخضر بنسبة 13.5%، وحزب “تحالف سارة فاجنكنخت” (BSW) بنسبة 6%. السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الحزب الديمقراطي المسيحي CDU سيدخل في ائتلاف مع حزب AfD على المستوى الفيدرالي، وهو ما نفاه مسؤولو الحزب حتى الآن.
صعود حزب AfD في سياق إثارة المخاوف العنصرية أدت سياسات التقشف التي اتبعتها الحكومة الألمانية إلى تدهور ظروف المعيشة للطبقة العاملة الألمانية. حتى أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك اعترفت مؤخرًا بأن الحكومة خفضت الإنفاق على البنية التحتية العامة مثل المدارس والنقل العام لصالح زيادة الإنفاق العسكري. لجأت الطبقة الحاكمة في ألمانيا مرة أخرى إلى استخدام الخطاب العنصري الذي يُحمّل المهاجرين مسؤولية جميع المشاكل الاجتماعية لإلهاء الجماهير عن حقيقة أن زيادة الإنفاق العسكري وتدهور البنية التحتية العامة لا يصبان في مصلحة الطبقة العاملة.
أدى هذا الخطاب العنصري، الذي شاركت فيه تقريبًا جميع الأحزاب في البرلمان، إلى تطبيع النقاط الرئيسية التي يطرحها حزب AfD. كما طالبت الأحزاب مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر وحزب “تحالف سارة فاجنكنخت” بزيادة عمليات الترحيل ومراقبة ما يُسمى بـ “الإسلاميين” وتقليص الهجرة إلى ألمانيا. مناورة استخدام العنصرية التي تلقي اللوم على المهاجرين لتشتيت الانتباه عن السياسات الاقتصادية الرأسمالية العنيفة قد عززت بشكل فعال حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الذي يسعى بدوره إلى تخفيضات ضريبية ضخمة للأغنياء.
في الأشهر الأخيرة، سمح التهويل العنصري الذي شاركت فيه جميع الأحزاب تقريبًا في البرلمان بانتشار خطاب حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD). شارك كل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحزب الخضر، وكذلك التحالف اليساري-المحافظ الذي تأسس حديثًا (تحالف سارة واجنكينخت) في الدعوة إلى مزيد من الترحيل، ومراقبة “الإسلاميين”، وكذلك تقليص الهجرة إلى ألمانيا. سارة واجنكينخت، عضو سابق في الحزب اليساري الإصلاحي المؤيد للصهيونية (دي لينكه)، الذي تراجع عدد أعضائه بسبب سياساته الغامضة في القضايا الرئيسية، كانت تدعو منذ سنوات إلى أن اللاجئين والمهاجرين يأخذون وظائف الألمان. جادلت واجنكينخت – بدعوى حماية العمال الألمان بشكل قومي- بأن المهاجرين هم سبب تراجع الأجور، وليس الطبقة الرأسمالية. حاول خطاب واجنكينخت خلق صدام بين أعضاء الطبقة المستَغلة من أجل كسب العمال الألمان البيض من خلال نقاط حوار عنصرية. الحزب الذي تنتمي إليه واجنكينخت يدير حاليًا حملات بشعل: “بلدنا يريد تقليل الهجرة!” وعلى الرغم من أن الحزب يعارض التسلح والحروب الإمبريالية، إلا أن الحزب قد خفف من مواقفه ليكون جزءًا من حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU).
من جانبه عارض حزب اليسار الإصلاحي المؤيد للصهيونية (Die linke) الترحيل وتجريم المهاجرين. ومع ذلك، شارك دي لينكه في عمليات الترحيل في كل حكومة ولاية كان الحزب جزءًا منها. وفيما يتعلق بقضية فلسطين، فقد الحزب مصداقيته بالكامل حيث ينشط أعضاء الحزب في دعم إسرائيل.
فضلًا عن ذلك، وخلال الحملة الانتخابية الحالية، دعا مرشح حزب الخضر لمنصب المستشار، روبرت هابيك، إلى إعادة اللاجئين السوريين الذين “لا يعملون” إلى سوريا. وطالب حزب الخضر بالمزيد من عمليات الترحيل وحذر من “مخاطر الإسلاموية”، وهو فزاعة تجعل خمسة ملايين مسلم في ألمانيا مشتبهين محتملين.
على الجانب الآخر، أثار مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس العديد من القضايا العنصرية، على سبيل المثال، جادل العام الماضي بأن اللاجئين يأخذون مواعيد الأطباء من الألمان. مؤخرًا، طالب بسحب الجنسية الألمانية من الألمان مزدوجي الجنسية إذا ارتكبوا “جرائم”. ولم يحدد ما هي هذه الجرائم. ومع ذلك، في بلد يُعتبر فيه قول “من النهر إلى البحر، فلسطين حرة” دعاية إرهابية قد تؤدي إلى اتهام جنائي، فمن الواضح من سيتأثر بمثل هذا القانون. مثل هذا القانون سيجعل كل ألماني غير أبيض من أصول مهاجرة مواطنًا من الدرجة الثانية. لا يمكن سحب الجنسية من الألمان البيض الذين ليس لهم أصول مهاجرة لأنه سيجعلهم بلا جنسية، وهو نتيجة لإلغاء تجنيس اليهود الألمان خلال فترة النازية.
أما عن مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي أولاف شولتز، فقد أعلن في أكتوبر 2023، بعد بداية الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد غزة، “أنه يجب علينا الترحيل على نطاق واسع”. وقد طالب الحزب الديمقراطي الاجتماعي بتمكين عمليات الترحيل إلى أفغانستان وسوريا. على أمل كسب الناخبين من خلال تنفيذ سياسات عنصرية. قال شولتز إن من “يمجد الجرائم الإرهابية” يجب أيضًا ترحيله. عواقب هذا الأمر خطيرة، حيث أن ما يعنيه “تمجيد الجرائم الإرهابية” غير واضح. فالإعجاب أو مشاركة منشور مؤيد لفلسطين عبر الإنترنت قد يُعتبر بالفعل دعمًا لـ “دعاية إرهابية”، كما أكدت وزيرة الداخلية نانسي فايزر بفخر. وبالمثل فقد أعرب الحزب الديموقراطي الحر FDP ومرشحه، كريستيان ليندنر، أيضًا عن رغبته في تمكين عمليات الترحيل إلى أفغانستان. ويزعم حزب FDP أن اللاجئين “يهاجرون إلى دولة الرفاهية” ويحذرون أيضًا من تهديد “الإسلاموية”.
سمح هذا المناخ العنصري لحزب البديل من أجل ألمانيا الفاشي بنشر أفكاره في ”وسط“ المجتمع. ومع ذلك، لا يمكن فصل المناخ العنصري عن الإبادة الجماعية في غزة.
إبادة غزة والتحول نحو اليمين في المؤسسة السياسية الألمانية بعد السابع من أكتوبر 2023، صوتت جميع الأحزاب في البرلمان الألماني، بما في ذلك حزب اليسار المؤيد للصهيونية (دي لينكه)، الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU)، الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD)، الحزب الديمقراطي الحر (FDP)، حزب الخضر، وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) بالإجماع (لأول مرة في تاريخ ألمانيا) على اقتراح يمنح الدعم الكامل والتضامن مع إسرائيل. كما نص القرار على أنه يجب سحب تصاريح الإقامة من المهاجرين إذا كانوا يدعمون المقاومة الفلسطينية.
منذ ذلك الحين، دعمت تقريبًا كل الأحزاب التدابير الاستبدادية ضد حركة التضامن مع فلسطين. وعلى مدار أكثر من عام من الإبادة في غزة، لا تزال الأحزاب الحاكمة في ألمانيا تقف وراء الدولة الصهيونية بشكل غير مشروط – عسكريًا، وسياسيًا، وفكريًا.
في خطاب لها في 10 أكتوبر 2024 أمام البرلمان الألماني، صرحت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك من حزب الخضر قائلة: “الدفاع عن النفس يعني، بالطبع، ليس فقط مهاجمة الإرهابيين ولكن تدميرهم. لهذا السبب كنت واضحة جدًا عندما يختبئ إرهابيو حماس وراء الناس، وراء المدارس، فإننا نواجه مسائل صعبة جدًا، لكننا لن نتراجع. لهذا السبب أوضحت للأمم المتحدة أنه يمكن أن تفقد الأماكن المدنية وضعها المحمي لأن الإرهابيين يسيئون استخدامها. هذا ما تمثله ألمانيا، وهذا ما يعنيه أمن إسرائيل بالنسبة لنا.”
تزامن الخطاب مع مجزرة أخرى في غزة، حيث حُرق المدنيين في مستشفى الأقصى وهم أحياء. تظهر مقاطع الفيديو المروعة المرضى وهم مستلقون في أسرتهم في خيام المستشفى، غير قادرين على التحرك، وبعضهم ما زال متصلاً بأنابيب التغذية، بينما تحيط بهم ألسنة اللهب الناجمة عن القصف الإسرائيلي على المستشفى. تشرعن بيربوك حرق الفلسطينيين أحياءً من خلال تأكيد دعمها للهجمات الإسرائيلية على المناطق المدنية وكذلك إبادة الشعب الفلسطيني في غزة بشكل عام.
قبل أيام من خطاب أنالينا بيربوك، أعلن المستشار أولاف شولتز من الحزب الديمقراطي الاجتماعي في البرلمان أن ألمانيا قد سلمت أسلحة إلى إسرائيل وستواصل القيام بذلك. ألمانيا هي ثاني أكبر مصدر للأسلحة إلى إسرائيل بعد الولايات المتحدة، حيث توفر حوالي 30٪ من أسلحة إسرائيل.
لحماية مصالحها الإمبريالية من خلال الدعم غير المشروط للإبادة الجماعية في غزة، ترى الطبقة الحاكمة في ألمانيا في نفس الوقت ضرورة سحق حركة التضامن مع فلسطين داخل ألمانيا. تظهر الاستطلاعات أن 70٪ من الألمان لا يدعمون أفعال إسرائيل في غزة. ولمنع هذا الرقم من الارتفاع ضد الإنفاق العسكري أو صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، هاجمت الطبقة الحاكمة في ألمانيا، سواء سياسيًا أو من خلال ماكينة الدعاية الإعلامية البرجوازية، حركة التضامن مع فلسطين بشكل عنيف. من خلال تجريم الحركة وقمعها، يتم إخبار الغالبية العظمى من الألمان بأن أولئك الذين يدعون إلى فلسطين حرة أو حتى إنهاء الإبادة الجماعية هم “إسلاميون”، و”معادون للسامية”، و”إرهابيون”. بما أن الأفكار السائدة هي أفكار الطبقة الحاكمة، يجب ألا نتفاجأ بعد عام من الإبادة بأن آلة الدعاية البرجوازية لا تزال تكرر نفس الروايات لأكثر من عام، إن لم يكن لعقود، لأن دعم الكيان الصهيوني هو في مصلحة الإمبريالية الألمانية.
صب اتفاق المؤسسة السياسية بأن التضامن مع فلسطين يشكل دعاية إرهابية في مصلحة حزب البديل من أجل ألمانيا. في نوفمبر 2024، تم تمرير قرار في البرلمان حول “حماية الحياة اليهودية” الذي قدمته SPD، الخضر، FDP، وCDU، والذي جادل بأن “معاداة السامية المستوردة من المسلمين” تشكل تهديدًا لألمانيا. كما جادل القرار بأن “المعادين للسامية من المسلمين” يجب ترحيلهم. وشكرت بياتريكس فون ستورش من حزب البديل (حفيدة وزير المالية في عهد هتلر) حزب الخضر في خطابها في البرلمان بعد ذلك، قائلة إن حزب الخضر قد تبنى أخيرًا مواقف حزب البديل حول معاداة السامية المستوردة من المهاجرين المسلمين. يعتبر حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) من أقوى مؤيدي إسرائيل وقد أعلن مرارًا وتكرارًا دعمه للإبادة ضد غزة.
تستخدم المؤسسة السياسية الألمانية المسلمين والمهاجرين واللاجئين (خاصة أولئك النشطاء في حركة التضامن مع فلسطين) ككبش فداء لتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية، مثل ارتفاع التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، أو البنية التحتية السيئة – المشاكل التي تتحمل الطبقة الحاكمة في ألمانيا مسؤوليتها. وبالتالي، يصبح السرد كالتالي: ليس الإنفاق على الجيش بمقدار 100 مليار يورو أو الزيادة بنسبة عشرة في المائة في صادرات الأسلحة إلى إسرائيل هو المشكلة، بل المهاجرون والمسلمون. لقد لعب هذا التهويل لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا. ولكن من هو حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)؟
حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) هو تهديد فاشي يُعتبر حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) حزبًا فاشيًا، حيث يُعتبر بيورن هوكي (الفاشي المعروف)، أحد قادته الذين تم إعادة انتخابهم في البرلمان المحلي في تورينغيا، من أبرز الشخصيات في الحزب.
عندما تم تأسيس حزب البديل من أجل ألمانيا في عام 2013، كان هدف الحزب في البداية هو الخروج من منطقة اليورو وإعادة تأسيس عملة وطنية. وقد جذب هذا التحرك تحالفًا واسعًا من المشككين في اليورو، والقوميين، والمحافظين، الذين توحدوا في المطالبة بتقليص دور الدولة، وتقليص الضمان الاجتماعي، وزيادة الرأسمالية بلا قيود. في عام 2013، كان من غير الواضح القوى التي ستدفع هذا الحزب الجديد. ولكن منذ ذلك الحين، أصبح الحزب فاشيًا بالكامل يسعى لإقامة نظام رعب في ألمانيا.
لقد لعب هوكي، الذي يستخدم بانتظام خطابًا نازيًا في خطاباته، دورًا مركزيًا في هذا التحول. في عام 2015، شارك في تأسيس تجمع قوموي متطرف يسمى “الجناح” (Der Flügel)، ونظم جهودًا لوضع الحزب على مسار يميني أكثر. بينما كان هوكي يثير الإعلام من خلال تصريحاته العنصرية، والمعادية للإسلام، والعدائية تجاه المثلية والمتحولين جنسيًا، كان آخرون أكثر حذرًا وعملوا خلف الكواليس لتعزيز تأثير الجناح داخل الحزب.
ومع زيادة أعداد اللاجئين القادمين من سوريا وأفغانستان منذ 2015، استطاع حزب البديل استغلال كراهيته للأجانب، والعنصرية، والإسلاموفوبيا. لقد تسللت إيديولوجية حزب البديل العنصرية إلى سياسات جميع الأحزاب القائمة، مما أدى إلى تأجيج الكراهية والإنقسام. في عام 2016، اقترحت السياسية البارزة آنذاك في الحزب، فراوكه بيترى، إطلاق النار على اللاجئين على الحدود. تحت حكم أنجيلا ميركل، كان الشعور العام في ألمانيا هو شعار الحزب “نحن قادرون على ذلك”. اليوم، أصبح الرأي السياسي السائد هو تعزيز الحدود وبناء “حصن أوروبا”. ويرجع الفضل في ذلك أيضًا إلى سياسيي حزب البديل الذين سعوا دائمًا للحصول على منصة لتقديم تعصبهم العنصري، وتم دعمهم في النهاية من خلال القوانين التي سنتها الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والليبرالية.
على الرغم من أن “الجناح” قد تم حله رسميًا منذ 2020، إلا أن هوكي وأعضاء آخرين في حزب البديل مرتبطون بشكل وثيق مع البيئة النازية الجديدة على الصعيدين المحلي والدولي، مما يساعدهم في جهودهم للحصول على التبرعات وتنظيم إرهاب الشوارع. في 2018، قاد هوكي، جناحه في حزب البديل، والنازيون الجدد المسيرات في مدينة كيمنتز، حيث وقعت هجمات شبيهة ب”البوغروم” ضد اللاجئين والمهاجرين في وضح النهار. كما يدعم حزب البديل بشكل علني ويُعزز حركة بيغيدا اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام في دريسدن، التي تستخدم خطاب تفوق العرق الأبيض من “الاستبدال الكبير” في ألمانيا.
حاليًا، يستخدم حزب البديل علاقاته في البيئة النازية الجديدة لبناء مجموعات من البلطجية التي تزرع الخوف في الشوارع، خاصة في المناطق الريفية في شرق ألمانيا. حتى الآن، لم تظهر منظمة إرهابية مثل الجناح شبه العسكري للنازيين (SA)، لكن مستوى العنف في ازدياد مستمر. وفي إظهار لوجهه الحقيقي، كتب عضو حزب البديل ومالك العقارات في برلين أندرياس جيثي على تويتر “يجب أن نؤسس قوات العاصفة ونبدأ في تنظيف الأمور!” وقد يكون هو أيضًا مرتبطًا بأحزاب اليمين المتطرف المحظورة منذ التسعينات. يُوضح هوكي ومؤيدوه بجلاء أنهم يرون الديكتاتورية النازية في ألمانيا مجرد تفصيل صغير من تاريخ ألمانيا.
بمرور الوقت، أجبر التركيز المتزايد على السياسة اليمينية المتطرفة وتنظيم إرهاب الشوارع الأعضاء البرلمانيين، من غير الفاشيين، على مغادرة الحزب؛ ومن بين هؤلاء، قادة الحزب السابقين بيترى وميثين. بعض من المحافظين في الحزب، الذين كانوا قد وفروا غطاء ديمقراطي بورجوازي للجناح الفاشي، تم طردهم بشكل فعال من قبل هوكي ومؤيديه.
نظرًا لزيادة نفوذ جناح هوكي داخل الحزب مع خطابه النازي الواضح، ومقترحاته السياسية الفاشية، وجهوده النشطة لإقامة إرهاب الشوارع، أصبح الحزب حزبًا فاشيًا بكل ما تعنيه الكلمة. حزب فاشي يجب علينا، كاشتراكيين ثوريين، أن نفعل كل ما في وسعنا لمحاربته.
على الرغم من أن الأحزاب البرجوازية الألمانية السائدة تدعي أنها لا ترغب في الارتباط بحزب البديل، فإن العام الماضي كُشف أن الروابط بينهم أقرب مما يرغبون في الاعتراف به. قام صحفيون بالتسلل إلى اجتماع سري في بوتسدام حيث حاول أعضاء حزب البديل وضع خطط لترحيل اللاجئين والمواطنين الألمان من “أصول مهاجرة”، وأي شخص يُعتبر “غير ألماني”. ألقى هذا الاجتماع الضوء على الأيديولوجية الفاشية لحزب البديل من أجل ألمانيا التي تهدف إلى إقامة حكم الإرهاب. حضر هذا الاجتماع السري ليس فقط أعضاء من حزب البديل والجماعات اليمينية الأخرى، ولكن أيضًا أعضاء من الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ. وقد عُقدت اجتماعات مشابهة منذ عام 2021.
أثار هذه الكشف غضبًا وتظاهرات كبيرة استمرت لمدة قصي ضد حزب البديل. ولكن بدلاً من أن يظهر السياسيون من التيار السائد موقفًا واضحًا ضد الفاشيين، استمروا في تمرير السياسات التي خدمت مصالحهم، مما أدى إلى تحقيق المزيد من المكاسب لحزب البديل في استطلاعات الرأي. فما الذي يمكن أن يفعله الاشتراكيون ضد صعود اليمين المتطرف؟
نحن بحاجة إلى جبهة موحدة لقد جادل الإصلاحيون مثل حزب الخضر والديمقراطيين الاجتماعيين أنه يمكن هزيمة الفاشيين من خلال الانتخابات البرلمانية. وهم مخطئون. كما أن الدعوات لحظر حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) أيضًا خاطئة، حيث إن الدولة البرجوازية لا يمكن أن تكون شريكًا موثوقًا في مكافحة الفاشية. حظر الفاشيين لن يقضي على الأساس الرأسمالي الذي تنمو عليه الفاشية.
يجب هزيمة الفاشيين في الشوارع. نحن بحاجة إلى حركة جماهيرية مستدامة تدعمها النقابات وتحالف واسع من المنظمات التي تعمل ضمن جبهة موحدة لمكافحة حزب البديل من أجل ألمانيا الفاشي وحلفائه. ولا يمكن أن تكون الاحتجاجات الفردية إلا مجرد نقطة انطلاق. يجب أن يواجه النازيون حشودًا معارضة لهم في كل مكان يذهبون إليه. شهدنا ذلك في يونيو 2024 عندما اجتاحت الآلاف من مناهضي الفاشية مدينة إيسن للاحتجاج ضد اجتماع حزب البديل.
مؤخرًا، في 11 يناير 2025، سافر الآلاف من مناهضي الفاشية إلى المدينة الصغيرة ريزا للاحتجاج ضد اجتماع الحزب وحظره. تمكن المحتجون من تأخير التجمع الحزبي لمدة ساعتين. ومع ذلك، في النهاية، تمكن حزب البديل من عقد اجتماعه الحزبي، وتم انتخاب الفاشية أليس وايدل، التي اتهمت المحتجين بأنهم “نازيون باللون الأحمر”، كمرشحة للمستشار.
كان العنف الشرطي الذي تم استخدامه ضد المحتجين في ريزا قد تم اختباره لمدة 15 شهرًا على الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وبشكل خاص في برلين. أظهر الصحفيون الرئيسيون الذين كانوا في ريزا صدمتهم من مستوى العنف الشرطي، وهو ما رد عليه نشطاء من حركة التضامن مع فلسطين بأن ريزا كانت مجرد عينة صغيرة من الأضلاع المكسورة، ودخول المستشفى، والعنف بشكل عام الذي واجهوه أسبوعيًا لمجرد مطالبتهم بإنهاء استعمار فلسطين.
حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) والصهيونية: المواجهة المشتركة حزب البديل من أجل ألمانيا هو حزب مؤيد للصهيونية. قبل أيام من التجمع الحزبي في ريزا، قالت أليس وايدل، في مقابلة مع إيلون ماسك، إن هناك مؤامرة فلسطينية-يسارية تتبع إرث معاداة السامية لأدولف هتلر، الذي تدعي أنه كان في الواقع شيوعيًا. هذا التزوير التاريخي الفاحش مفاجئ ولكنه ليس مستغربًا إذا نظرنا إلى الطريقة التي ظل الفاشيون من حزب البديل من أجل ألمانيا يروجون فيها لسنوات بأن المهاجرين المسلمين والعرب هم من يتحملون مسؤولية معاداة السامية في ألمانيا. لقد دعم حزب البديل من أجل ألمانيا بحزم حرب إسرائيل الإبادية، بينما يدعي أن الديكتاتورية النازية كانت مجرد “فضلات مهملة” في السياق التاريخي. كانت الاحتجاجات في إيسن وريزا خطوات أساسية في التعبئة الجماهيرية ضد حزب البديل من أجل ألمانيا. ومع ذلك، لا بد من دافع لإعادة تنظيم الجهود على المستوى المحلي. يجب على مناهضي الفاشية أن يتنظموا تحت جبهة موحدة ويمنعوا الفاشيين من التواجد في أي مكان يظهرون فيه. التركيز على تجمعات حزب البديل من أجل ألمانيا ليس كافيًا.
نحن بحاجة إلى حركة جماهيرية مستدامة تدعمها النقابات وتحالف واسع من المنظمات التي تعمل ضمن جبهة موحدة لمكافحة حزب البديل من أجل ألمانيا الفاشي وحلفائه. يمكن أن تكون الاحتجاجات الفردية مجرد نقطة انطلاق. يجب أن يواجه النازيون حشودًا معارضة لهم في كل مكان يذهبون إليه.
شهدنا، في الوقت نفسه، أن الإصلاحيين وحزب “اليسار” المؤيد للصهيونية غير قادرين وغير مستعدين لدمج النضال ضد الفاشية والعمل المؤيد لفلسطين. يجب ربط النضال ضد الفاشية بالنضال ضد الإبادة الجماعية في غزة. يجب على الاشتراكيين الثوريين العمل للوصول إلى تلك الـ 70% من الألمان الذين لا يدعمون أفعال إسرائيل في غزة، والذين تسعى الدعاية البرجوازية لإبقائهم خاضعين وخائفين من الانضمام إلى الحركة المؤيدة لفلسطين. إن فاشيي حزب البديل من أجل ألمانيا هم من أشد الداعمين للفاشيين داخل الدولة الإسرائيلية ومشروعها الصهيوني، وهم في طليعة من يتهمون المسلمين والعرب والفلسطينيين بنشر “معاداة السامية المستوردة” و”الإسلاموية” و”الإرهاب”.
في الجبهات الموحدة ضد الفاشية، يجب أن نظهر أن النظام الرأسمالي يعتمد على الاستغلال والاضطهاد. الإبادة الجماعية في فلسطين هي عمل مربح لرأس المال الألماني. فقد رأينا أنه عندما تكون الرأسمالية في أزمة، يظهر الفاشيون وخطرهم، ففترات الأزمات المتصاعدة هي الأكثر فائدة للحركات الفاشية. ضمن هذه الجبهات الموحدة، يجب على الاشتراكيين الثوريين أن يظهروا لماذا نحتاج إلى بديل ثوري وأن نكسب الناس إلى صفوفنا. لذلك، فإن من واجبنا كمنظمة أن ننظم مقاومة ضد الفاشية لصالح الفلسطينيين والعرب والمسلمين، الذين هم حاليًا الهدف الرئيسي لكراهية اليمين. يجب ألا يتم فصل هذين الحركتين، بل يجب أن يكونا معًا بشكل عضوي.
#أمنية_مجدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
المزيد.....
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|