ماهر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 10:16
المحور:
القضية الكردية
تحررون الأرض؟ عجبًا! عن أي تحرير تتحدثون؟ هل تقصدون تلك المهزلة التي لا تعدو كونها مجموعة من الشعارات الفضفاضة التي تطلقونها على عجل، ظنًا أن ذلك كافٍ ليمنحكم صكوكًا مزعومة للحرية؟ لا، أنتم لا تحررون شيئًا من الأرض، بل تمارسون هوايتكم المفضلة في دعشنة المكان. تتشدقون بالكلمات الرنانة وتطلقون شعارات لا تُسمن ولا تُغني.
تصرخون وتلوحون برايات الوطنية، ولكن كل ما تفعلونه لا يختلف عن مهرج يركض في السيرك ممسكًا بعلم، ظنًا منه أن رفع الراية كافٍ ليجعله قائدًا. في حين أن الأفعال التي تنفذونها لا تعدو كونها محاولات ساذجة لتغطية الحقيقة، وهي أنكم لا تقومون إلا بتحقيق أجندات خارجية ضيقة، دون النظر إلى مصلحة الوطن الذي تدّعون أنكم تدافعون عنه.
أي منطق يقودكم لادعاء أنكم “تحررون” بينما تتركون الأراضي في الجولان والقنيطرة وغيرها في حالة من الإهمال والسكوت؟ ألم يكن من الأولى أن تحرروا تلك المناطق التي لا تبعد كثيرًا عن مكان مؤتمركم؟ لماذا تركزون فقط على مكان الكُرد بينما تغضون الطرف عن المناطق الأخرى؟ لماذا لم تنطلق حماستكم لتحرير تلك الأراضي؟ هل هو تجاهل لواقع جغرافي بعيد عن مصلحتكم السياسية؟ أم أن في معادلاتكم الحسابية العداء موجّه فقط ضد وجود الكُرد؟
تدّعون أنكم تحررون الأرض، لكن في الواقع، كل ما تفعلونه هو تحرير الأوهام من عقالها، وإطلاق العنان لأحلامكم المتضخمة التي لا تتعدى كونها فقاعات تنتفخ بكلام رنان ثم تنفجر عند أول اصطدام بالواقع. تفرغون المنطقة من مكوناتها الأصلية بينما تتظاهرون بأنكم حملة لواء الوطنية، وتغلفون مشروعكم العنصري بورق السلوفان المزيف، لكن المشكلة أن هذا التغليف المهترئ لا يخدع إلا من اختار أن يكون أعمى. أما من يملك ذرة من وعي، فبإمكانه رؤية الحقيقة واضحة: أنتم مجرد أدوات، ومشروعكم ليس أكثر من عرض مسرحي رديء، لا يصلح حتى ككوميديا سوداء.
أين كانت غيرتكم الوطنية عندما بيعت عفرين وسري كانيه وكري سبي بأثمان بخسة، وكأنها مجرد عقارات في مزاد التنازلات؟ أين كانت حماستكم للتحرير حين اقتلعت أشجار الزيتون التي سبقت وجود أجدادكم في المنطقة؟ حين مُسحت قرى كاملة من الخريطة واستُبدلت بأوكار للمرتزقة الذين لا يعرفون من الأرض سوى أنها غنيمة حرب؟ أم أن “الوطنية” في قواميسكم لا تُستدعى إلا عندما يكون المستهدف هم الكُرد؟
ومن المفارقات التي تكاد تكون مادة دراسية في كتب النفاق السياسي أنكم، يا دعاة “تحرير الجزيرة”، لا تجدون في الاحتلال التركي مشكلة تُذكر، بل تغمضون أعينكم عن وجوده، وتمجدونه، وتصفقون له بحرارة، وكأنه جيش فاتح جاء ليحرركم من أنفسكم! لكنكم، في الوقت ذاته، تصابون بحساسية مفرطة عندما يتلقى الكُرد أي دعم دولي، فتتحولون فورًا إلى فقهاء في “مكافحة الاستعمار”، وتلقون علينا محاضرات جوفاء عن الخيانة! فهلا تفضلتم وأوضحتم لنا كيف تكون أنقرة “محررة”، بينما يصبح أي دعم يُقدم للكُرد مؤامرة استعمارية؟ أم أن موازين الوطنية لديكم تُضبط وفق حجم الامتيازات التي تحصلون عليها من الممولين؟
هل الوطنية في عرفكم تُقاس وفق عدد الصور التي تعلقونها لزعماء تركيا؟ أم أن سيادتكم تعمل بنظام الاشتراك المدفوع مسبقًا، ويتم تجديدها وفق آخر تحويل مصرفي يصلكم؟
ثم تعالوا نناقش خطابكم المتهافت حول “المحتلين” و”الغرباء”. هل تدركون أنكم ترددون مصطلحات لا تختلف عن أدبيات التطهير العرقي التي نُبذت في كل بقاع الأرض؟ من هو الغريب هنا، إن لم يكن ذلك المرتزق الذي أُحضر من مناطق بعيدة ليستوطن في بيوت أهلها الحقيقيين؟ كيف يكون الكُرد، الذين تعاقبت أجيالهم على هذه الأرض منذ قرون، هم “الغرباء”، بينما القادمون مع الغزاة هم “الأهالي الأصليون”؟ إن كان فيكم بقية من منطق، ففسروا لنا هذه المعادلة التي لا يقبلها عقل سليم.
من الذي يحدد من هو “الغريب” ومن هو “الأصلي”؟ هل يُعقل أن يُعتبر وجود الكُرد على هذه الأرض لأجيال طويلة دخيلًا، بينما أولئك الذين جاؤوا بصفقات مشبوهة من أماكن بعيدة ليحتلوا المكان ويستبدلوا سكانه الكُرد الأصليين، هم من يُطلق عليهم “الأهالي الأصليون”؟ هل كانت هذه هي المفاهيم التي تربيتم عليها؟ هل سمعتم يومًا عن حق الأرض في أن يبقى لأصحابها الحقيقيين؟
إن كنتم حقًا صادقين في تصريحاتكم، فلتوضحوا لنا كيف يمكن للكُرد، الذين أثبت وجودهم التاريخي في هذه المنطقة، أن يكونوا غرباء في أرضهم؟ وهل من المنطق أن يُعتبر القادمون لاحقًا “أهالي الأرض الأصليين” فقط لأنهم وجدوا في بلد منهك وفي ظروف مؤاتية لهم؟ تبريركم ليس إلا تهربًا من الاعتراف بالحقيقة وتزييفًا للتاريخ الذي لا يمكن لكم أن تشوهوه مهما حاولتم.
أما خطاب الكراهية الذي تحاولون تسويقه عبر منابر التحريض، فلن يكون له أي أثر سوى تعجيل سقوطكم في حفرة الفشل التي تحفرونها بأيديكم. أنتم تبنون مشروعكم على وهم أن الكُرد لقمة سائغة يمكن ابتلاعها بسهولة، لكن يبدو أنكم نسيتم، أو تناسيتم، من الذي وقف في وجه داعش حين هربتم، ومن الذي قدم التضحيات لحماية الأرض التي تزعمون أنكم جئتم لتحريرها.
يا من تنادون بتحرير الجزيرة، حبذا لو تبدأون أولًا بتحرير عقولكم من مستنقع الكراهية الذي غرقتم فيه، فالوطنية لا تكون بالإقصاء، ولا السيادة تتحقق بالتبعية، ولا يحق لمن ارتضى أن يكون بوقًا لأجندات خارجية أن يتحدث عن “حرية” لا يعرف عنها شيئًا سوى اسمها.
أنتم الذين تدّعون أنكم تعملون من أجل مصلحة الوطن، أولى بكم أن تبدأوا بتحرير أدمغتكم من التعصب والجهل الذي يعيق أي محاولة لبناء وطن حقيقي يعترف بحقوق الجميع
#ماهر_حسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟