أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار













المزيد.....

ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8237 - 2025 / 1 / 29 - 18:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بِئس أنواع البشر هؤلاء الذين لا يفعلون المعروف إلا طمعاً في ثواب أو خوفاً من عقاب! مثل هؤلاء في حيواتهم وتصرفاتهم الجمعية أقرب إلى البهائم منهم إلى البشر. لا شيء يميز الإنسان من الحيوان أكثر من القدرة على المودة والتعاطف مع أخيه الإنسان، حين يضع نفسه مكانه ويتخيل نفسه في ورطة أو ضائقة أو مصيبة هذا المسكين. يتميز البشر بملكة الخيال، التي تمكنهم من التفكير أفقياً ورأسياً عبر الزمان والمكان، وتقمس أنفسهم في أوضاع غيرهم. حين يضعون أنفسهم- خيالاً- في عز أو نعمة أو صحة أو ثراء أو سلطة من يعلونهم، تنشط في نفوسهم ملكات التنافس والغيرة، التي تتفاقم إلى الحقد والبغضاء والتناحر كلما اتسعت الهوة بين الطبقات. كذلك، في خيال الشخص نفسه، هو لا يحب أبداً أن يرى نفسه في مكان مريض أو محتاج أو مكروب، لذا يحاول إبعاد هذه التعاسة قدر المستطاع بعيداً عن نفسه وعياله وأحبته عبر الصدقة والإحسان ومد يد العون لتعساء الحظ دون انتظار رداً منهم. لا هو يطمع في أموالهم الشحيحة، ولا هو يخاف من انتقامهم المعدوم. تلك هي طبيعة فطرية في البشر، قبل الأديان وتحتها ومن دونها.

لو افترضنا حسن النية في مؤسسي الأديان وحراسها وحفظتها وشراحها ومفسريها الأوائل، سنقول إن "الجنة والنار" كانت مجرد "كذبة بيضاء" منهم لتطويع قلوب غُلف، كليلة الحس والخيال، لمزيد من تشجيهم ولو بالكذب للإقبال على أفعال المودة والتعاطف فيما بينهم خاصة مع أخوتهم المكروبين؛ أو كذبة لكن ذات مقاصد نبيلة- تدعيم غريزة طبيعية وفطرية من دونها- أو في حال تراجعها- تصبح حياة البشر في جماعات أشبه بحياة المفترسات في الغابة. لكن بمرور القرون الطويلة، تضخمت الكذبة الصغيرة لتتحول إلى جبل صلد أشم يجثم بكل ترابه وصخوره فوق خيال المؤمنين. لقد تحولت الكذبة البيضاء إلى ثابتة عقدية لا يأتيها الباطل أو السؤال أو الشك أو المراجعة من أي مكان. وبالتالي، ارتحل خيال المؤمنين من عالم البشر إلى عالم آخر، ترك الموجوعين والمكروبين والمحتاجين من حوله على الأرض لألمهم ومصيرهم البائس دون مواساتهم والتخفيف عنهم وحلق عالياً وبعيداً سعياً وراء الجائزة الكبرى- الجنة الموعودة. حين يغادر الخيال البشري دنيا البشر ومشاكلها بهذا الشكل، يصطحب معه بالضرورة ملكة التعاطف الفطرية والضرورية لكي تسود المحبة والتعاطف والمودة بين الناس. امتلت أدمغة المؤمنين عن آخرها بخيالات وجنان وعذابات سامية وسماوية أخروية لا تترك متسعاً للتعاطف والتسامح والمودة بين الناس بالأسفل، في دنيا البشر. هكذا تجردت أدمغة المؤمنين من الحِس بوجيعة الآخرين، الذي ملئ مكانه طمع شره في ملذات زائفة بعيدة المنال وخوف شل قدرته على التفكير والعمل والعيش الطبيعي، والحلم بمستقبل معقول وفي المتناول. في مثل هذا الوضع، لا يمكن أن ينمو الخيال والتعاطف الطبيعي، الذي لا يصدر عن طمع في ثواب ولا عن خوف من عقاب. ليس على كروب وأوجاع أخوتهم المساكين، بل على الفوز بالجنة أو النجاة من النار أصبح ينصب جل خيال المؤمنين وتعاطفهم- وصدقاتهم.

حين يخسر الإنسان طبيعته الإنسانية الفطرية بهذا الشكل، لا تستغرب أن يُنفق ويستثمر فيما سوف يشتري له نعيم الجنة ويُنجيه من عذاب النار أضعاف مؤلفة مما يستثمره في تحسين أوضاع ومعيشة أقرانه من بني شعبه. في الحقيقة، نحن المسلمون نشتري أفدنة في الجنة أضعاف مؤلفة مما نستصلح لإطعام وسد جوع الملايين من أشقاء الوطن ممن يعانون من الأنيميا المزمنة. ونحن المسلمون أيضاً، كطريق مختصر وسريع إلى بوابة الجنة، نبني من المساجد والأضرحة والمزارات الدينية أضعاف مؤلفة أكثر مما نبني من المدارس لتسليح أطفالنا بالعلم الذي يُخرجهم من جهل وفقر وبؤس آبائهم؛ أكثر مما نبني من المستشفيات لمداواة عجائزنا ومرضانا غير القادرين على تحمل نفقات العلاج؛ أكثر مما نبني من المساكن لإيواء النازحين والمشردين غير القادرين على تدبير سكن يحفظ لهم كرامتهم ويحافظون فيه على عرضهم؛ أكثر أضعاف مؤلفة مما نستثمر في الجامعات ومؤسسات الفكر والبحث العلمي الحر والجاد حتى نستطيع التخيل والتفكير والعمل لمستقبل أفضل قليلاً من حاضرنا المُزرى.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
- السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة
- في معرفة الواحد
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
- تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!
- رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية
- باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد
- الأنانية في المجتمع والدولة


المزيد.....




- انا البرتقالة أنا البرتقالة .. تردد قناة طيور الجنة 2025 الج ...
- بابا الفاتيكان يدعو لرفع العقوبات عن روسيا
- رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في لقاء مع الرئيس الفلسطيني: نؤ ...
- أمين عام حزب الله: المشروع الأمريكي خطر على الدول العربية وا ...
- الشيخ نعيم قاسم: الثورة الاسلامية في ايران هي انموذج للحياة ...
- الشيخ نعيم قاسم: المشروع الامريكي خطر على الدول العربية والا ...
- إيهود باراك يحذر نتنياهو من العودة للحرب في قطاع غزة
- السيسي يناقش -خطة غزة- مع رئيس الكونغرس اليهودي وولي عهد الأ ...
- الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو ...
- السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار