|
أكراد سوريا: بين هوية مهددة ومستقبل مجهول
أزاد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8237 - 2025 / 1 / 29 - 02:53
المحور:
القضية الكردية
يشكل الكورد أحد أكبر القوميات العرقية في الشرق الأوسط،من دون دولة موحدة تجمعهم إذ يتوزعون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، مع وجودهم التاريخي الراسخ في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا. يقدر عدد الكرد في سوريا بأكثر من 4 ملايين نسمة، يشكلون نحو 15% من السكان. على الرغم من وجودهم القديم وأعدادهم الكبيرة، إلا أن الكورد عانوا من تهميش واسع النطاق عبر سياسات قمعية، عنصرية استهدفت هويتهم الثقافية واللغوية، وأجبرتهم على العيش بين مطرقة التهميش وسندان الاضطهاد.
يُعد الكورد من أبرز الشعوب التي حرمتها الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية سايكس بيكو (1916) ومعاهدة لوزان (1923)، من تحقيق حلمهم التاريخي في إقامة وطن يجمع شتاتهم. في سوريا تحديدًا، تعرض الكورد على مدى عقود لسياسات منظمة هدفت إلى طمس هويتهم، وتجريدهم من حقوقهم الثقافية والسياسية والاقتصادية، مما جعلهم يعيشون في حالة من القلق المستمر بشأن مصيرهم ومستقبلهم.
تاريخ طويل من التهميش على الرغم من أن الكورد كانوا جزءًا أساسيًا من النسيج السوري منذ عصور قديمة، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تعترف بهويتهم الوطنية. بدأ التهميش الفعلي للكورد يتبلور بشكل ممنهج في منتصف القرن العشرين مع ظهور سياسات تهدف إلى نزع صفة “الأصالة” عن وجودهم في شمال وشرق سوريا. 1. الحزام العربي: في ستينيات القرن العشرين، وتحديدًا عام 1962، نفذت الحكومة السورية مشروع “الحزام العربي”، الذي كان يهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للمناطق ذات الأغلبية الكردية. شمل هذا المشروع تهجير عشرات آلالاف من العائلات الكوردية من أراضيها، وتوطين عشائر عربية مكانها، في خطوة واضحة لتغيير الهوية العرقية لتلك المناطق. امتد الحزام العربي على طول الحدود الشمالية مع تركيا، حيث فُرضت قيود مشددة على الكورد، وأُجبروا على التخلي عن أراضيهم التاريخية. 2. تعريب أسماء المدن والقرى الكوردية: ضمن سياسات طمس الهوية، عمدت الحكومات إلى تعريب أسماء المدن والقرى الكردية في شمال سوريا. تحولت أسماء مثل “قامشلو” إلى “القامشلي”، و”ديريك” إلى “المالكية”، وكوباني الى عين العرب في محاولة لإلغاء أي دلالة على الوجود الكوردي . 3. الإحصاء السكاني الجائر: عام 1962، أجرى النظام السوري إحصاءً استثنائيًا في محافظة الحسكة، أدى إلى تجريد أكثر من 120 ألف كوردي من الجنسية السورية، ووضعهم في خانة “الأجانب”. ترك هذا القرار الكورد دون حقوق أساسية مثل التعليم، العمل، والملكية، مما دفعهم إلى العيش في ظروف صعبة على مدى عقود.
الهوية الكوردية : بين التهديد والمقاومة تُعد الهوية الكوردية مزيجًا غنيًا من اللغة، والثقافة، والعادات، والتقاليد التي تعرضت لضغوط مستمرة من الأنظمة القمعية. 1. اللغة الكوردية: تُعتبر اللغة الكوردية ركيزة أساسية للهوية الكوردية. ومع ذلك، واجه الكورد في سوريا حظرًا رسميًا على تعليمها واستخدامها في الأماكن العامة. لُقنت الأجيال الكوردية المناهج باللغة العربية فقط، في حين حُرمت اللغة الكوردية من الاعتراف بها رسميًا. 2. الثقافة والتقاليد: حاول الكورد الحفاظ على تقاليدهم الغنية، بما في ذلك الاحتفال بـ”عيد نوروز”، الذي يُعد رمزًا للمقاومة والحرية. ومع ذلك، كانت هذه الاحتفالات تُقابل غالبًا بالقمع الحكومي. 3. الدين والتنوع: معظم الكورد في سوريا مسلمون سُنّة، لكن هناك أيضًا أقليات يزيدية ومسيحية. على الرغم من التنوع الديني، إلا أن الكورد تمكنوا من الحفاظ على تماسكهم المجتمعي في وجه السياسات التمييزية.
دور الكرد في الثورة السورية عند اندلاع الثورة السورية عام 2011، وجد الكورد أنفسهم أمام خيار معقد بين المشاركة في الثورة ضد النظام السوري، أو التركيز على قضاياهم القومية. اختار كثير من الكورد الانخراط في الحراك الثوري، مطالبين بالحرية والكرامة. 1. عسكرة الحراك الكوردي: مع تحول الثورة إلى صراع مسلح، شكل الكورد وحدات عسكرية لحماية مناطقهم، وأبرزها وحدات حماية الشعب (YPG). لعبت هذه الوحدات دورًا بارزًا في محاربة تنظيم “داعش” وتحرير مناطق واسعة من قبضته، ما أكسب الكورد احترامًا دوليًا، لكنه أثار غضب تركيا التي رأت في هذه القوات تهديدًا لأمنها القومي. 2. الإدارة الذاتية: مع انسحاب النظام السوري من بعض المناطق ذات الأغلبية الكوردية، أعلن الكورد مع المكونات الأخرى ( عرب -سريان -أشوريين -أرمن ) الى إقامة إدارة ذاتية ديمقراطية في شمال وشرق سوريا. تضمنت هذه الإدارة محاولات لبناء نظام حكم قائم على التعددية والمساواة، لكنها واجهت تحديات سياسية واقتصادية كبيرة.
التحديات المستمرة رغم الإنجازات التي حققها الكورد في سوريا، إلا أنهم يواجهون تحديات معقدة تهدد مستقبلهم: 1. التهديدات الإقليمية: تتعرض المناطق الكوردية في شمال سوريا لتهديدات مستمرة من تركيا، التي شنت عدة عمليات عسكرية بذريعة محاربة الإرهاب. تسببت هذه العمليات في نزوح عشرات الآلاف من السكان الكورد وتدمير البنية التحتية. 2. التقسيم الداخلي: يعاني المجتمع الكوردي من انقسامات داخلية بين القوى السياسية المختلفة، مما يضعف موقفهم التفاوضي ويعرقل تحقيق أهدافهم الوطنية. 3. الأوضاع الاقتصادية: تعاني المناطق الكوردية من نقص الموارد والضغوط الاقتصادية، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية.
المستقبل: أمل محفوف بالمخاطر مستقبل الكورد في سوريا يظل مرتبطًا بالحل النهائي للأزمة السورية. إذا تحقق حل سياسي شامل يعترف بحقوق الكورد الكاملة في الدستور فقد يكون ذلك بداية جديدة. ومع ذلك، فإن التهديدات المستمرة من القوى الإقليمية والانقسامات الداخلية تجعل هذا المستقبل محفوفًا بالمخاطر.
ختامًا يمثل الكورد في سوريا نموذجًا لمعاناة الأقليات التي سُلبت حقوقها بسبب سياسات التهميش والاضطهاد. لكنهم، في الوقت نفسه، يشكلون رمزًا للصمود والتحدي. إن مصير الكورد في سوريا ليس مجرد قضية محلية، بل هو جزء من معضلة أكبر تتعلق بحقوق الإنسان والعدالة في الشرق الأوسط.
يبقى السؤال: هل ستتمكن القوى الدولية والإقليمية من تجاوز مصالحها الضيقة لدعم قضية عادلة؟ أم أن الكورد سيبقون عالقين في دوامة الصراعات الإقليمية؟
الإجابة على هذا السؤال ستحدد ما إذا كان الكورد سيستطيعون بناء مستقبل يليق بتاريخهم الغني ونضالهم المستمر.
#أزاد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية بعد الحرب: هل يتحول الاستقرار الهش إلى سلام دائم؟
-
-المسيحيون في سوريا: إرث تاريخي وحضاري تحت التهديد وخطوات دو
...
-
-الفتنة القادمة من منغوليا: سقوط غابة السلام-
-
“سوريا بين مطرقة الجهادية وسندان اللامركزية: فرصة ضائعة أم أ
...
-
الخوف الذي يهدد وجود الأقليات في سوريا: الكورد ، الآشوريون،
...
-
“توقف واقرأ جيدًا: الاستقلال حقٌ مشروع وليس انفصالًا يا هذا”
-
الثورات العربية: هل حققت الديمقراطية أم أعادت إنتاج الاستبدا
...
-
العنصريةُ في الإعلام العربي: إسكات الأصوات الكوردية وتهميش ا
...
-
-السجادة السحرية، الضبع الخسيس، والحمار البسيط صراعٌ على الس
...
-
الضباع والثعالب: قصة وادي الأحلام المغدور
-
بعد سقوط النظام: سوريا بين العدالة والانتقام
-
دراسة بحثية : الربيع العربي في الشرق الأوسط تداعياته الإقليم
...
-
قرية على شفا الهاوية
-
كوباني: رمز المقاومة وضحية التعريب المتعصب
-
الخيرات المفقودة: العراق وسوريا بين الفساد وسوء الإدارة والف
...
-
لم أقترف ذنباً لأنني ولدتُ كورديا
-
من سجن الغربة إلى وطن الحرية: حكاية عشر سنوات في السويد
-
المهاجرون السوريون: رحلة المعاناة بين الغربة والعودة
-
أرقام مثيرة حول أحتياطي النفط في سوريا
-
“سوريا: الاستقلال الثاني ومعركة إعادة بناء الهوية والنظام ا
...
المزيد.....
-
خان يونس..عاصفة جوية تقتلع خيام النازحين وتفاقم معاناتهم
-
اتهمه بالتطهير العرقي في غزة.. نائب أميركي يطالب بعزل ترامب
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية وا
...
-
مشروع ترامب للتطهير العرقي.. استهداف لفلسطين قضية وهوية
-
إصابات واعتقالات في الضفة والقدس
-
لماذا يُعتبر المغني بوب مارلي أيقونة لحقوق الإنسان؟
-
مسؤول إسرائيلي: حماس قد تحتفظ بالأسرى لعرقلة خطة ترامب
-
منظمة حقوقية: 5 أمريكيين على الأقل ما زالوا محتجزين في فنزوي
...
-
واشنطن تخطط لإيواء المهاجرين في خيام في غوانتانامو
-
إسرائيل تنسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|