أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بركات - الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (4)














المزيد.....


الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (4)


محمد بركات

الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 20:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفرض الذي يقول به باركلي لا بد له، لكي يرضي الموقف الطبيعي للإنسان، من أن يسلم بوجود ذهن معين غير ذهننا (وأعظم منه). فليس ثمة وسيلة أخرى تحفظ وجود الكون، وليس ثمة وسيلة أخرى تتيح تفسيرًا كافيًا لإحكام إدراكاتنا واتساقها. وهكذا ربط باركلي مذهبه كله بذلك المفهوم الواحد، مفهوم «الله». فإدراك الله يحفظ للكون وجوده، سواء أكانت أية أذهان بشرية تقوم بواجبها الإدراكي أم لا. وذهن الله يضمن أيضًا اطراد إدراكاتنا: فعندما ننظر من نفس النافذة كل يوم نرى نفس الأشجار والمباني في الخارج؛ لأن وجودها الحقيقي يتوقف على الوعي الإلهي بها. إننا نحن قد نذهب ونجيء، وننظر من النافذة أو لا ننظر، غير أن الله يحفظ باطراد وجود كل الأشياء الطبيعية التي تمر بتجربتنا مرورًا عارضًا غير منتظم ولا دائم. والواقع أننا مهما نقُل عن إله باركلي، فمن المؤكد أنه ليس متهاونًا أو مهملًا في الاضطلاع بواجباته الإدراكية! فهو مواظب على القيام بالعمل، أربعًا وعشرين ساعة في اليوم، كل يوم من أيام السنة. وبطبيعة الحال، فإنه لما كان ذا علم محيط، فإنه يدرك كل ما يوجد، وضمنه الكثير مما لم يره الناس ولن يروه قط.

الدور الرئيسي لله في مذهب باركلي: لن نكون مغالين إذا قلنا إن لله من الأهمية في مذهب باركلي ما له في أي بناء لاهوتي؛ ذلك لأن باركلي، حين استعان بالذهن الإلهي ورصيده اللامتناهي من الإدراكات، قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد: (١) فهو علَّل وجود العالم الخارجي كما يطلب الموقف الطبيعي. (٢) وفسَّر استمرار إدراكاتنا واتساقها (فالذهن الإلهي يتولى العمل عندما ننام أو ننشغل بإدراكات أخرى، وبذلك يحفظ وجود الأشياء جميعًا، ويجهزها لكي تدركها الأذهان المتناهية عندما تستيقظ من جديد أو تتحول مرة أخرى إلى هذا الاتجاه)، (٣) وفسَّر التشابه في إحساساتنا عندما ندرك شيئًا واحدًا مشتركًا (ما دام الشيء يوجد بوصفه فكرة واحدة في الذهن الإلهي، فليس من المستغرب أن ندركه كلنا على نفس النحو): (٤) وحطم المادية بالقضاء على العالم المادي المستقل عن الفكرة، (٥) وفند الإلحاد بأن جعل الله حقيقة لا غناء عنها في كل وجود. وليس من شك في أن بركلي كان يؤمن بإخلاصٍ بأن محو فكرة الله من الذهن سيؤدي إلى تدمير الكون — ناهيك بتدمير مذهب باركلي ذاته.
وإذن فقد اعتقد باركلي أنه تمكَّن من تفسير كل هذه الأمور وإثباتها. وكان لا بد للفلسفة أن تنتظر جيلًا آخر حتى يبين هيوم، الفيلسوف الاسكتلندي الشكاك اللامع، أن منطق باركلي سلاح ذو حدين، يبتر من هذا الجانب ومن ذاك. ذلك لأننا إن لم نبدأ بالإيمان بوجود الله، فليس ثمة وسيلة لإثبات أن إدراكاتنا لها ركيزة موضوعية في الذهن الإلهي. فمثلًا، لو كان وجود أي شيء يتوقف على كونه مدرَكًا، فمن أين يأتي وجود الله، ومن الواضح أنه ليس موضوعًا إدراكيًّا إلا بالطبع إذا شنقنا أنفسنا بالمنطق فأكدنا أن الله يستطيع أن يولد ذاته بإدراك ذاته؟!

وأيًّا كان تقديرنا النهائي لمذهب باركلي، فإننا نستطيع أن نرى بوضوح سبب إطلاق اسم «النزعة الذاتية» عليه، وسبب اعتماد كل المذاهب المثالية التي تطورت عنه على المنطق ونظرية المعرفة اعتمادًا كبيرًا. فكل هذه المذاهب تبني نظرتها إلى العالم على حقيقة لا تنكَر هي أن كل شيء يوجد، يبدو مرتبطًا بإدراكنا له ارتباطًا لا ينفصم. ومن هذه المقدمة يعتقد المثالي أن من المنطقي أن نستنتج أن الوجود بما هو كذلك يتوقف على الإدراك Esse est Percipi على أن صاحب هذه النظرية الواقعية في المعرفة، كما سنرى في فصلٍ تالٍ — يجد هذا الاستدلال فاسدًا. ومع ذلك فإن الأقرب إلى تحقيق غرضنا، عند هذه النقطة من العرض الذي نقدمه، هو أن نناقش بإيجاز ما يسمى «بمأزق التمركز حول الذات»، الذي ظهر أصلًا بوصفه حجة ضد النزعة الذاتية.


تلخيص للمثالية
كان تقديم المثالية بالطريقة الشاملة المعممة التي قدمناها بها في هذا الفصل أمرًا بالغ الصعوبة. ذلك لأنه كان هناك خطر دائم من أن نرتكب، خلال محاولتنا الأخذ بيد القارئ خلال هذه الغابة الفلسفية في جولة سريعة شاملة، خطأ تجاهُل هذه الحقيقة الهامة. وهي أن أية غابة مؤلَّفة من أشجار لا تتشابه منها اثنتان. ومن المعلوم أن الفوارق بين المدارس الفرعية المتعددة داخل المذهب المثالي كثيرًا ما تكون فوارق ملحوظة، بل إن المفكرين الأفراد يختلفون في آرائهم اختلافًا أكبر. ولقد كان أصعب الأسئلة إجابة، في تقديمنا لهذه الصورة العامة لمثل هذا الميدان المعقد، هو سؤال أفلاطوني، وأعني به: كيف يكون المرء مثاليًّا؟ … أو بعبارة أخرى: إذا استبعدنا كل الفوارق «المظهرية» وتغلغلنا في «الحقيقة» فما هي ماهية المثالية؟

تلخيص عام: إذا شئنا أن نلخص هذا الفصل ونختمه، فلنقل إن المثالية هي نظرة إلى العالم يكون فيها الذهن أو الفكر أو الروح الحقيقة الأساسية، وهي مذهب يتخذ من الذات العارفة (أي الذهن البشري الفردي المتناهي أو العارف المطلق، أيًّا كان نوعه) مركزًا للأشياء، ثم ينظم الكون حول هذا الوجود المركزي.. فالمثالية تصوِّر لنا عالمًا غالبًا، معقولًا، مفهومًا، والأهم من ذلك كله أنه إما خير في ذاته، وإما معنيٌّ أساسًا بالخير. إنه عالم لا يكون للقيم فيه وجود موضوعي فحسب، وإنما يعمل مسار الكون ذاته على تحقيقها وحفظها، بل إننا نستطيع أن نجد، في النظرة المثالية إلى العالم، أسبابًا للاعتقاد بأن الهدف الأول لهذه العملية الكونية تحقيق القيم إلى أقصى حد ممكن. وبذلك «لا يستبعد شيء مقدمًا بوصفه مستحيلًا في اتجاه أعلى أمانينا البشرية.»٧ ذلك لأن الكون في صميمه ملائم للإنسان ومُثله العليا.



#محمد_بركات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (3)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (2)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (1)


المزيد.....




- خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز ...
- القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام ...
- البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين ...
- حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد ...
- البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا ...
- تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
- شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل- ...
- أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
- مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس.. ...
- ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بركات - الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (4)