|
حنا مينه.. نورس المرافئ البعيدة والسفن القادمة فهل تغفو عيناه؟..
يوسف الحمدان
الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 11:32
المحور:
سيرة ذاتية
مثله لم ولن يرحل ولن ينتهي ولن يغادر ولن يختفي من المشهد الثقافي والأدبي والفكري في وطننا العربي، إنه الروائي المبدع السوري حنا مينه الذي ترك أثرًا قويًا في نتاجات أجيال جاليته وأجيال انحدرت من سلالة إبداعه الثر، هو المبدع القامة الذي نهلت من معين تجربته العميق منذ ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا أغلب التيارات والاتجاهات الثقافية والأدبية والمسرحية إن لم يكن كلها في وطننا العربي، والتي أجمعت على رصانة وعمق إبداعه الروائي، بالرغم من اختلاف بعضها معه، لم لا وهو الذي أسهم في تأسيس أول كيان أدبي عربي انطلقت أجنحته في سوريا وحلقت في كل أفضية الثقافة والأدب في وطننا العربي كله دون استثناء.
هو الروائي العربي الذي تقاطعت إبداعاته الروائية مع أهم الروايات الكلاسيكية العالمية كرواية العجوز والبحر لأرنيست همنغواي ورواية زوربا لنيكوس كازانتازاكيس، والتي حين يشار إليهما يُذكر بالجانب منهما أو بمحاذاتهما الروائي العربي حنا مينه، هذا الروائي الذي انصهرت تجربته الحياتية الصعبة مع أفق التحدي النيرفاني لرسم لوحة النجاة من عذابات البحر ودياجيره، والوقوف على حواف المرافئ بعين نورس تترقب لحظات الارتكاز على رأس (دقل) أو صواري السفن البعيدة التي تبدو كفنار ضال في التيه.
هو الروائي المبدع الذي تجاوز بإبداعه وسعة إنسانيته كل الصراعات المفتعلة والمبررة بين أدبائنا ومثقفينا العرب، ليمضي مبحرًا ومترنمًا بأعذب كلمات وأحلام من رافق همه، وحلمه في الحياة والأدب، الشاعر التركي المناضل ناظم حكمت: «أجملُ البحار هو البحرُ الذي لم نذهبْ إليه بعد» مستحثًا دربه الشاق برؤيته له بوصفه نموذجًا للمبدع ذي الحس التاريخي الرفيع في نَبذِه للتعصب والانغلاق، وفي تمسكه بالموقف السمح المنفتح.
وأذكر أنه في فترة دراستي الأكاديمية بدولة الكويت في منتصف السبعينيات الثاني من القرن الماضي، كان الراحل الباقي الخالد حنا مينه متربعًا على عرش اهتماماتنا الثقافية وقراءاتنا الروائية والأدبية، وكما لو أنه مقرر دراسي إلزامي ينبغي على الطلبة كلهم بمختلف تخصصاتهم وسنوات دراستهم فهمه واستيعابه جيدًا، لأن هذا المقرر يكتنز بمنهج ثقافي حياتي نضالي نحتاجه فترة الدراسة وبعدها.
وفي هذا الصدد أذكر الزميل عبدالمنعم إبراهيم مدير تحرير صحيفة أخبار الخليج البحرينية حاليًا، حين رآني مهتمًا بالأدب والمسرح كانت هديته لي في اليوم الثاني رواية (الثلج يأتي من النافذة) وكنت حينها في السنة الأولى دراسة، تخصص نقد وأدب مسرحي، وكانت هذه الرواية مفتاح علاقتي الأدبية بالروائي حنا مينه الذي سرّع من لهاثي لقراءة أغلب ما كتب من روايات.
وأذكر أيضًا أن كتابه الحياتي الوامض العميق (كيف حملت القلم؟) الذي يتآخى مع كتاب (التجربة.. السجن.. الحياة) لناظم حكمت كيف تحول إلى زاد مهم لا غنى لي عنه في أثناء التحاقي صحفيًا بمجلة صدى الأسبوع في العام 82، وأذكر أني تناولته عرضا وقراءة ونشرته في زاويتي بالمجلة (مسرح الفكر)، وكان حنا مينه، بالرغم من اشتغالاتي النقدية الحداثية المغايرة حاضرًا في الذاكرة وكما لو أنه نبراس الطريق الأول الذي لا يخبو ضوؤه مهما تقادمت بنا التجارب وتقادم العمر.
ومثلما أغوت رواياته منتجي السينما في سوريا، ومن بينها روايتا الشمس في يوم غائم وبقايا صور، كذلك أغوت منتجي المسلسلات التلفزيونية، ويأتي مسلسل (نهاية رجل شجاع) الذي تصدت لإنتاجه شركة الشام الدولية للإنتاج السينمائي والتلفزيوني عام 1994، وأخرجه نجدة إسماعيل أنزور، ليصبح أحد أهم المسلسلات التلفزيونية في الوطن العربي حتى يومنا هذا، وقد لعب دور البطولة فيه بجانب نخبة من نجوم الدراما السورية الفنان والنجم العربي الكبير أيمن زيدان الذي تصدى لشخصية مفيد الوحش، والذي أيضا لم تبرح عذاباته ومغامراته وأحزانه وأوجاعه وتحدياته مرافئ البحر أيضًا.
ويعتبر هذا الدور الذي تجسده أيمن زيدان واحدًا من أهم الأدوار الدرامية التي قدمتها الشاشة العربية طوال تاريخها الممتد حتى الألفية الثانية، وامتحانًا صعبًا جدًا لكل ممثل يعتزم خوض بحر مثل هذا الدور، ولعله أحد أهم الأسباب التي جعلت المشاهد العربي عاشقا للدراما التلفزيونية السورية، حيث كان مفيد الوحش الذي تتتبع أحداثه بشغف ونهم، وأنت تقرأ رواية (نهاية رجل شجاع)، ها هو يدعوك لمتابعته بشغف ونهم أكثر وأكبر، وهو يحيا ويتجسد في شخصية أيمن زيدان بكل تفاصيلها، وتضاعيفها الدقيقة العصية على كثير من الممثلين الإمساك بتلابيبها الدقيقة، ليجعل من هذه الشاشة رواية بصرية حية، وليجعل من هذا المسلسل الاستثنائي في إنتاجه وإبداعه أيقونة إبداعية حية خالدة على الصعيد الدرامي التلفزيوني العربي، ولتسهم هذه الأيقونة في توسيع رقعة انتشار الكاتب حنا مينه بين عامة الناس، وليس بين المثقفين والقراء فحسب.
وتأتي أهمية انتشار هذا المسلسل الرواية لجوسه عميقة في حياة الناس وكما لو أنها اللحظة تحدث وتُشَاهد وتُعَايش بينهم، بخلاف بعض المسلسلات التي أخرجها عنزور لاحقًا، فهي بالرغم من أهميتها الدرامية والفنية، إلا أنها أصبحت رهينة الفانتازيا والتاريخ المحاكى والمُسقط القائم والمتكئ على الاستعراض البصري والأدائي والجمالي الذي لا يجاري الروح الروائية التي تنبثق من واقعة حية تتنامى وتتجلى بالبحث في أعماقها واستثمار إمكانات فسح المجال التخييلي للمقترح الإخراجي من خلالها.
إنه الروائي المبدع حنا مينه الذي يصعب على كثير من المبدعين السوريين توثيق سوريا بلدًا وشعبًا وصراعات وحكايات وبحرًا وسجنًا وتفاصيل حياة مثلما وثقها هو، وهو الإبداع الذي يتملك أن يكون إبداعًا في كل فن، في السينما والدراما التلفزيونية وحتى في المسرح، وما أكثر القراءات المسرحية التي تصدى لها الفن خريجو قسمي الدراسات المسرحية والتمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بسوريا وذلك بقراءة مقاطع من روايات: «المستنقع» و«بقايا صور» و«الشراع والعاصفة»، وذلك في سياق محاولة لخلق جسور تواصل ثقافي تمتد بين النص الأدبي ومتلقيه.
لم لا والروائي حنا مينه بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية يقال إنها ضاعت من مكتبته فتهيب من الكتابة للمسرح، وأنا أزعم أن من ضاقت عليه الحدود في سوريا ليجد ضالته الإبداعية فيما هو أكثر اتساعًا من حدودها الجغرافية والاجتماعية، لا يتهيب الكتابة للمسرح، لأن فضاءه الحياتي أكثر اتساعًا من كل خشبات المسرح في سوريا، فنم أيها المبدع العملاق قرير العين، فوطنك تاريخ ينبض بالحياة في كل وقت وزمن..
#يوسف_الحمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قانون الأحوال الشخصية مفتاح الدخول إلى المستقبل
-
منابر لا تحتفي بالعقل!!
-
مجالس للاسترخاء و»الباقي« على الله!!
...
-
نعم.. لا للطائفية ولكن!!
-
بمناسبة الاحتفال بيوم العمال العالمي أول مايو2003 فرح عمالنا
...
المزيد.....
-
-كأنه منطقة حرب-.. فيديو شاهد يظهر عمليات الإنقاذ بحادث اصطد
...
-
فيديو يُظهر ما يبدو لحظة اصطدام طائرة الركاب وهليكوبتر وسقوط
...
-
عربات طعام بنكهات أصيلة واستوديو متنقل..كيف جذب هذا الحي في
...
-
السعودية.. فيديو مخالف للآداب العامة يثير تفاعلا والداخلية ت
...
-
ترامب يعلق على الحادث الجوي المروع في واشنطن (فيديو)
-
زيلينسكي يحيي ذكرى الجنود الذين تصدوا للهجوم البلشفي في يناي
...
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بـ16 تهمة
...
-
لحظة اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب قرب مطار رونال
...
-
-واتساب- يواجه في روسيا غرامة قدرها 18 مليون روبل
-
-ولادة عذرية- نادرة لسمكة قرش تثير حيرة العلماء
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|