|
المصير الأخروي للتبعية السياسية - غافر
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 09:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انتهى الاستبداد الفرعوني بانهيار عسكري شامل، طال الرأسمالية القارونيه والإقطاعية والبراغماتية التي راهن عليها سياسيا بان لا عودة للدين الى الواجهة من جديد، حتى بات مثله يضرب على كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، فالذي وعده بعذاب دنيوي وفيه به ،ولن يتركه يوم القيامة دون عذاب ، قلنا في موضوع سابق ان العذاب الدنيوي ليس أمرا حتميا لأنه سيعتمد على المعطيات الميدانية كالتحولات العقائدية الفردية أو الجماعية ، وبالرغم من الأضرار المادية التي تعرض لها الاقتصاد الفرعوني بالآفات الزراعية ، كالجراد والقمل والضفادع والدم وانغلاق القنوات الاروائية بالرواسب الطينية النهرية ، إلا أن آل فرعون أصروا على رفض الإيمان بالله واليوم الأخر ، وعلى مدى نصف قرن وآل فرعون في كل يوم يعرضون أنفسهم على نار جهم ، بسبب الإعراض عن دعوة موسى ، قال الله النار يعرضون عليها غدوا في الصباح وعشيا في المساء ، ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون اشد العذاب
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{46}
ما لا يقبل الشك ان التوتاليتارية الشمولية التي اتبعها فرعون استقطبت أصحاب الأهواء الرغبوية والحريات الشخصية من أصحاب الدخل المحدود ، كأبناء الديانات الوثنية التي لا تؤمن بالله واليوم الأخر ، وأبناء الطبقة الفلاحية لزجهم في السلك العسكري كقوة منكلة بالمؤمنين من بني إسرائيل ، نطلق على تلك الشريحة اسم الضعفاء ، لان دخلهم المعيشي ارتبط بالاستبداد العسكري الفرعوني ، وضعفاء أيضا لأنهم تبعية ولائية قد تتعرض للبطش في حالة التمرد على فرعون ، أما المستكبرين هم طبقة الأغنياء والرأسماليين والإقطاعيين والمنتفعين اقتصاديا من فرص الاستثمار التي يحصلون عليها في مجال الصناعة والزراعة والأراضي وثروات البلاد ، فما قصده القران بآل فرعون هم الحاشية المنتفعة اقتصاديا من الاستبداد الفرعوني ، في القرن السادس الميلادي اطلع التنزيل الدين السياسي لابني إسرائيل على المصير الأخروي للضعفاء ، للانتباه الى حالة التشرذم للكف عن الولاء والتبعية لمنظري الدين السياسي ، قال الله وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء، هم التبعية المولية للاستبداد الفرعوني ، للذين استكبروا أعضاء المجلس وقادة عسكريين وأصحاب النفوذ السلطوي ، أنا كنا لكم تبعا ، تابعين لكم سياسيا وعسكريا فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار ، قال الذين استكبروا إنا كل فيها ان الله قد حكم بين العباد
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ{47} قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ{48}
لم يلاحظ الضعفاء للمستكبرين أي دور أخروي فاعل كما كان في الدنيا ، وهذا يعكس حالة التشرذم الأخروي للتبعية المساندة للاستبداد الفرعوني ، ان فشكل المستكبرين أخرويا من تقديم العون للضعفاء ، أدى الى اللجوء الى خزنة النار، طالبين منهم تخفيف العذاب ولو ليوم واحد ، البعد العقائدي من عرض التبعية المتشردمة أخرويا على الدين السياسي لبني إسرائيل للكف عن الجدال بآيات الله محذرا ومؤكدا ان التبعية الطائفية لن تغني عنكم شيئا يوم القيامة ، وقال الذين في النار أي الضعفاء( التبعية )، لخزنة جهنم ادعوا ربكم ، أي اطلبوا من الله ان يخفف عنا يوما من العذاب ، قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلا ، قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ{49} قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ{50}
لم يبعث الله نبيا ولا رسول الى قوم إلا وأمره بالصبر على ألأذى ، ولكي تتضح الصورة أكثر لمحمد والذين امنوا معه ، ضرب الله لهم مثلا تاريخا ، أثنى به على موسى والمؤمنين من بني إسرائيل ، لصبرهم على قمع واضطهاد فرعون ، مطمئنا بان النصر مع الصبر، منذ بداية الخليقة والله يحث الأنبياء والرسل والمؤمنين على الصبر ليعكس للأمم في كل العصور والأزمنة التاريخية ان النصر سنة الله في الأرض ولن تتبدل ولن تتغير مهما تعددت وتوسعت موازين القوى ، قال الله إنا لنصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ{51} يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ{52}
كما قلنا حث التنزيل محمد والذين امنوا معه على الصبر، مستشهدا بموسى والمؤمنين معه كمثل عقائدي ، مفكك للتاريخ والتراث الديني لبني إسرائيل ، ليتسنى للقاعدة الجماهيرية الاطلاع على الكيفية التي ورث بها بني إسرائيل كتاب موسى ، فما لا يقبل الشك هنالك مؤمنين من بني إسرائيل تعرضوا الى قمع واضطهاد على يد التحالف الوثني المكي ، فما عليهم إلا الصبر ليرثوا كتاب القران ، كما ورث آبائهم كتاب موسى من قبل ، قال الله ، ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب ، ولكي ترث يا محمد الكتاب وأنت والذين امنوا معك ما عليك إلا الصبر، قال الله فاصبر ان وعد الله حق وعد النصر سيتحقق لا محال ، واستغفر لذنبك ربما بدر منك استياء من جراء الجدال مع الرافضين للحق ، فاستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ{53} هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ{54} فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ{55}
كِبْرٌ تعني استحواذ الملذات الدنيوية على الفكر والعقل والعاطفة والشعور الى درجة الانغلاق ، فلا فرصة للتخلي عنها مهما قدم لها الدين من تهديد ووعيد دنيوي وأخروي ، فالدين السياسي أكثر الأديان ترغيبا للملذات الدنيوية لأنه يكفر عن الخطيئة بأبسط الوسائل المتاحة لديه وبدون توبة ، فكلما كثرت المكفرات كلما ازدادت المعاصي ، فأكثر الأفكار جدالا للحق تلك هي التي تحافظ على أيديولوجية الفكر الطائفي ، لمنعه من الانجراف وراء أي تغير عقائدي مفكك للتبعية والولاء ، أما المنتفعين سياسيا اقتصاديا من وراء خرافات وأساطير الدين السياسي هم الأكثر جدالا لآيات الله قال الله ، ان الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ، دليل من الله على صدق ما يقلون ، ان في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغه ، بمعنى غير قادرين على التغلب عليه ، فاستعذ بالله انه هو السميع البصير
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{56}
عندما يتحول الكِبْرٌ الى جحود مستشري في قلوب المجادلين ، تصبح إمكانية التخلص منه غير ممكنة ، إلا ما شاء الله وإذا أردنا تفكيكه عقائديا فالأمر يتطلب إما الى زخم من الآيات القرآنية، وإما الى أدلة مادية اكبر من حجم الإنسان ، فلا بد من إخراج الفكر الجدلي السياسي من قوقعة الملذات الدنيوية الى ما هو اكبر ، لذا ضرب الله للمجادلين من بني إسرائيل مثل فكري واقعي له بعد أخروي للمقارنة المادية ما بين خلق الناس ، وخلق السماوات والأرض ، فقال لخلق السماوات والأرض اكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وبموجب هذا المثل سيتحرك الفكر إما بالاتجاه الصحيح ، وإما بالاتجاه العكس اي الإصرار على الجدال السياسي ، وبالتالي سينعكس الوعي واللاوعي والإيمان والكفر ميدانيا على سيكولوجية العمل ، وما يستوي الأعمى والبصير ، والذين امنوا وعملوا الصالحات ، ولا المسيء قليلا ما تتذكرون
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{57} وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ{58}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار بين الوجودية واليمين الديني - غافر
-
الدكتاتورية بين البراغماتية والدين السياسي – غافر
-
أيديولوجيا الخطيئة والمقت السياسي - غافر
-
ديالكتيكية التوبة والعقاب - غافر
-
انثروبولوجيا المجتمعات والحساب الأخروي - الزمر
-
كورنولوجيا الرأسمالية والمصير الأخروي - الزمر
-
الإسراف الرأسمالي والبعث والنشور - الزمر
-
فوبيا الوطأة وشفاعة شركاء الله - الزمر
-
راديكالية المتشاكسون على شركاء الله - الزمر
-
جيوبوليتيكية المهجر والردة عن الدين - الزمر
-
الدين الخالص وخرافة أولياء الله - الزمر
-
ميتاترون وخرافة الملأ الأعلى – ص
-
الباراسيكولوجيا وخرافة الملأ الأعلى – ص
-
التوتاليتارية الرأسمالية الدينية - ص
-
التوتاليتارية بين القضاء والزعامة الدينية - ص
-
التوتاليتارية بين الدين السياسي والتنزيل - ص
-
الديانة الإبراهيمية بين مكة وأمريكا – الصافات صفا
-
الاثنوغرافيا وتراثية الاعتقادات البشرية - الصافات صفا
-
إبراهيم بين الكسمولوجيا والأديان السياسية-الصافات صفا
-
الاسترولوجيا بين الرجعية والتقدمية- الصافات صفا
المزيد.....
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
-
قائد الثورة الاسلامية: المقاومة التي انطلقت من ايران نفحة من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|