|
سوريا بعد طوفان الأقصى الذي جرف نظامَها.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 02:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل الذين صفقوا لطوفان الأقصى وباركوا غباء حماس وتهورها، لم يتوقعوا حجم الدمار الذي سيحدثه، وكذا معالم الشرق الأوسط الجديد الذي تمت إعادة رسم حدوده ومكوناته في غيبة أن أهله. لقد عجّل الطوفان بالموعد بأن ألقى بصانعيه وداعميه إلى المحرقة. وكان في المقدمة الضحايا من المدنيين (47,107 قتيل و 111,147 جريح منذ السابع من اكتوبر للعام 2023م إلى 21 يناير 2025). أما الضحايا اللبنانيين فقد بلغت أعدادهم، حسب وزارة الصحة اللبنانية، إلى حدود 24 نوفمبر (تشرين الثاني): 3768 قتيل و15699 جريح على الأقل منذ أكتوبر 2023. وتكبد قطاع الزراعة خسائر تجاوزت 1.1 مليار دولار. ووفقا لتقرير البنك الدولي الصادر في 14 نوفمبر بخصوص التقديرات الأولية للأضرار والخسائر التي لحقت بلبنان، فقد بلغت نحو 8.5 مليارات دولار. أما تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان (تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية جزئيا أو كليا) فتقدر بنحو 2.8 مليار دولار. أما خسائر إيران، فرغم التكتم المطبق عليها من طرف سلطات طهران، فقد قال النائب الإيراني محمد منان رئيسي، في جلسة مغلقة للبرلمان الإيراني، يوم الاثنين 9 دجنبر 2024،"قدمنا نحو 6000 شهيد، وأنفقنا المليارات، وفي النهاية سلمنا سوريا للمتطرفين في أسبوع واحد". فطهران، على حد إقرار النائب رئيس، دفعت ثمنا باهظا على مدار سنوات الحرب لدعم الأسد في مواجهة المعارضة السورية، وبذلوا الكثير من الجهد والمال من أجلها، "انهارت في أسبوع واحد". إن الإسرائيليين فعلوا ذلك بالضبط في 26 أكتوبر عندما دمروا منشأة أبحاث الأسلحة النووية النشطة في بارشين بإيران. بتدمير شبكة دفاعها الجوي بسبب الضربات الإسرائيلية الجراحية، باتت إيران الآن مكشوفة وضعيفة. انهيار تحالف المتاجرين بفلسطين. على مدار حكم حزب البعث في سوريا ونظام الملالي في إيران، لم يتلق الفلسطينيون من هذين النظامين غير ما يشتت وحدتهم ويخرب بيوتهم. أما ما يعالج مرضاهم وينشر العلم والمعرفة بين أبنائهم فلم يثبت أن النظامين موّلا بناء مستشفى أو جامعة أو معهد عالي، أو جهزوا الطرقات والبنيات التحتية لتسهيل الحياة على الفلسطينيين. الأمر الذي يؤكد تحالف النظامين وإصرارهما على التصدي لكل جهود البحث عن حلول للقضية الفلسطينية، والتي كان آخرها اتفاق أوسلو الذي جاء نتيجة أطفال الحجارة وليس العمليات الفدائية. لأجل هذه الغاية التدميرية تم خلق حماس وحركة الجهاد الإسلامي لتكونا بديلا عن حركة فتح؛ كما تم خلق حزب الله لكي يظل الصراع مع إسرائيل مفتوحا على الساحة اللبنانية، ويكون أداة لضرب أي نزوع إلى السلم مع إسرائيل من طرف الدول العربية. انهار نظام بشار بعدما انهارت قبله حماس، وفقد حزب الله قوته وقياداته؛ وهم جميعا أذرع وأدوات تخدم أهداف إيران ومشروعها التوسعي. لقد ترك مصير سوريا مجهولا تتحكم فيه قوى إقليمية ودولية بعدما أذاق شعبها كل صنوف التعذيب الذي يظل سجن صيدنايا شاهدا على وحشية النظام ودمويته. بانهيار هذا التحالف ينهار معه المخطط العدواني التخريبي الذي يستهدف المغرب عبر تدريب عناصر البوليساريو على تنفيذ الأعمال الإرهابية والهجمات المسلحة ضد الجيش في المناطق الصحراوية المسترجعة. إسرائيل الرابح الأكبر. لقد تمكنت إسرائيل من ضمان أمنها على مدى عقدين أو ثلاثة على الأقل، خصوصا من جهة حدودها مع غزة ولبنان وسوريا. فحماس لن تعود حماس التي كانت قبل 7 أكتوبر، وكذلك حزب الله. أما سوريا فقد باتت دولة معزولة السلاح بعدما كانت تحتل المرتبة الثامنة عالمياً، بمجموع دباباتها التي دمرت إسرائيل غالبية، فيما نهبت الباقي؛ فضلا عن تدمير 500 طائرة مقاتلة سورية بجميع أنواعها. بالإضافة إلى تدمير منظومة صواريخ (إس 300) المتطورة التي حصلت عليها من روسيا مؤخراً، وكذا مخزون الأسلحة الكيماوية. لم تكتف إسرائيل بتدمير الترسانة العسكرية السورية ونهب الأجود فيها، بل استطاع نتانياهو أن يحقق لإسرائيل حلماً لم تكن تحلم به، منذ 50 عاماً والمتمثل في الاستيلاء على "جبل الشيخ" دون أدنى مقاومة. فسوريا التي اتخذت منها إيران قواعد لميليشياتها المسلحة لمهاجمة إسرائيل، باتت مهددة بالتقسيم إذا لم تراع القوى المتدخلة فيها والتي ترسم مستقبلها، التنوع العرقي والطائفي والديني للمجتمع السوري، في تحديد معالم نظام سياسي يضمن الحقوق لكل مكونات سوريا. ولن يكون هذا النظام إلا مدنيا علمانيا. وما يعطي بصيصا من الأمل، هو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في حماية أكراد سوريا من التغول التركي، ثم الضغوط الإسرائيلية لضمان حق الدروز في المساهمة، إلى جانب بقية مكونات المجتمع السوري في تحديد معالم النظام السياسي المقبل، وكذا ضمان أمن إسرائيل على المدى البعيد. ولعل تصريح أحمد الشرع، الزعيم المفترض لسوريا الآن، قائلاً: "نحن منفتحون على الصداقة مع الجميع في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل. ليس لدينا أعداء سوى نظام الأسد وحزب الله وإيران. ما فعلته إسرائيل ضد حزب الله في لبنان ساعدنا كثيراً"؛ من شأنه أن يطمئن إسرائيل وبقية دول الجوار بألا خطر يأتيهم من سوريا. إن سوريا في مفترق الطرق، فإما مؤتمر وطني تشارك فيه كل مكونات المجتمع، يتولى تحديد معالم النظام السياسي، ويضبط معايير تشكيل لجنة صياغة الدستور، ثم ينتهي بإقرار المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي، لتوفير المناخ السياسي لإعادة إعمار سوريا وإطلاق دينامية التنمية؛ وإما "الصوملة" بما تعنيه من تطاحن بين الفصائل ينتهي حتما إلى تقسيم البلد لا قدر الله، خصوصا وأنه منذ إعلان "قسد" دحر داعش من آخر معاقله في عام 2019، تحتجز الإدارة الذاتية قرابة 56 ألف شخص بينهم12 ألف عنصر داعشي وثلاثين ألف طفل في 24 منشأة احتجاز ومخيّمين. الأمر الذي يشكل تهديدا خطيرا لأمن الشرق الأوسط برمته في حالة فر الإرهابيون من السجون. لهذا على الدول المتدخلة في سوريا ألا تترك المجال لأي جهة تنفرد برسم مستقبل سوريا. إذ لا بد من اعتماد المقاربة التشاركية تفاديا للتطاحن الداخلي الذي ينتهي بالتقسيم.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جراندو -الشيطان الذي ينهى عن المنكر-.
-
للخيانة عنوان يا سي بنكيرن.
-
الفقيه الريسوني الذي لم يُنصف المرأة إطلاقا.
-
ما لم يتذكّره توفيق بوعشرين.
-
مناورات البيجيدي للالتفاف على تعديلات مدونة الأسرة.
-
عن أهمية تعديل مدونة الأسرة في هذه الظروف، - حوار لفائدة جري
...
-
اجتهادات مجلس العلماء دون انتظارات الملك والنساء.
-
هل تؤمن جماعة العدل والإحسان بحقوق الإنسان حتى تحتمي بها؟
-
وقاحة عزيز غالي.
-
هل يتعظ القومجيون؟
-
بوعلام صنصال يفضح سماسرة حقوق الإنسان.
-
النضال الارتزاقي.
-
الصحافة لا تضمن الحصانة.
-
أما آن لملف الصحراء أن يُغلق؟
-
فرنسا: من التردد والضبابية إلى الوضوح والاعتراف.
-
إلى جماعة العدل والإحسان: المتاجرة بمآسي غزة لم تعد مربحة.
-
لا منزلة بين الوطنية والعمالة.
-
خالد مشعل في جلباب بن لادن.
-
عام على طوفان الأقصى: التكلفة والمآل.
-
مسؤولية أوروبا في التصدي لجذور الهجرة غير النظامية.
المزيد.....
-
مصادر فلسطينية: قوات الاحتلال تعتقل اربع سيدات من المسجد الا
...
-
مجلس الشورى الاسلامي يدين بشدة القرار الأخير للبرلمان الأورو
...
-
عودة الآلاف لشمال غزة ارتبطت بالإفراج عنها... من هي أربيل يه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى تحت حماية شرطة
...
-
حماس:المسجد الاقصى عنوان الصراع وستبقى القدس العاصمة ابدية
-
حماس:المسجد الاقصى عنوان الصراع وستبقى القدس عاصمة ابدية
-
بدء عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة بعد موافقة حماس ع
...
-
الجهاد الاسلامي: هذه العودة تأتي ردا على كل الحالمين بتهجير
...
-
الجهاد الاسلامي:صمود شعبنا سيبدد احلام الصهاينة لسرقة الفرح
...
-
الجهاد الاسلامي:تم افتعال مشكلة اربيل يهود بهدف قتل فرحة اهل
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|