محمد السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 02:57
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إلى الرجل مكرم الطالباني !.
في يوم ٣ أيلول عام ١٩٨٧ ، أطلق سراحي ، ونجوت بإعجوبة من زنزانة رقم ٣ في بناية الشعبة الخامسة في مديرية الاستخبارات العسكرية في مدينة الكاظمية ، يوم ٤ أيلول وصلت إلى بيت الشيخ عطا الطالباني مدير بلدية كفري .
بقيت ١٧ يوماً في بيتهم ، كنت أصر على عودتي إلى الجبل بأسرع ما يمكن ، تحسباً للطواريء والتخلص من هواجس القلق والخوف من تداعيات الإعتقال مرة ثانية ، وفي أثناءها ، وفي لحظة وصولي والاطلاع على ملابسات وتداعيات الإعتقال ، ظل الشيخ عطا الطالباني يسأل ويراقب ويتابع عن تداعيات الموقف عبر خطوطه وعلاقاته الواسعة حول وضعي الأمني ، وكانت واحدة من حلوله الممكنة أن أبقى في بغداد ، أعيش بشكل طبيعي وأتجنب أي أتصالات والبعد عن أي نشاطات وننتظر ربما ستحدث مستجدات سياسية جديدة تؤدي إلى انفراج بالوضع السياسي وأفق لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية ، لكن هذه الحلول لم تروق لي ولا تطمأني وتثير في نفسي الفزع والتوجس ، ومن يقع بيدهم يعرف مدى تماديهم وقسوتهم وخطورتهم ودمويتهم . خلال هذه ال ١٧ يوماً زارنا الاستاذ مكرم الطالباني الوزير الشيوعي السابق ضمن إتفاق ميثاق العمل الوطني بين البعثيين والشيوعيين عام ١٩٧٣ . وأطلع بشكل كامل على تفاصيل قضيتي ، وحاولت شخصياً مع الشيخ عطا نضع أمامه دقائق التفاصيل تجربتي السياسية ووقوعي بيدهم والافلات من قبضتهم ورؤيتي الحالية ، كان ناصتاً ومتابعاً ومدققاً بأدق التفاصيل ، أيضاً طرح عليه مقترح الشيخ عطا العودة إلى بغداد والبحث عن عمل تملي به حياتك وممكن نحن نساعدك بهذا المجال ، وأضاف مكرم الطالباني لو حدث لك مكروه وتعرضت إلى الإعتقال ممكن أن أطلعك من غرفة الإعدام ، لكن كل هذه التطمينات لم تغير موقفي بقرار العودة إلى الجبل . أنتهى لقائي بالاستاذ مكرم الطالباني بعد أن أهداني مؤلفات كارل ماركس وحملتها معي إلى الجبل رغم ثقلها وسلمتها إلى المرحوم طه صفوك ” أبو ناصر ”. في منطقة ” كرميان ”. بحكم تجربتي السابقة ، والتي أمتدت لسنوات طويلة في العمل الحزبي ” السري ” ، كان الأخوين مكرم وعطا سياسيين بارعين في التعامل مع أمر الواقع السياسي العراقي ينم عن واقعية ودراية وفهم ، وعلى هذا الاساس يتعاملون مع مستجدات الوضع السياسي العراقي في مواجهة أساليب السلطة ونواياها ، رؤيتهم .. كانت البقاء في الداخل حتى وأن كنت صامت ويشار لك أنك شيوعي يشكل تهديد لأساليب السلطة وركيزة جذب وألتفاف الناس حولنا ، وقد شعرت بها بعد سنوات في الهجرة والبعد عن نبض الشارع والتبجح بشعارات لاتنم عن نبض الشارع العراقي ، فطوبى للذين قاوموا أساليب السلطة ، وهما تحت سطوتها وحروبها وحصارها ، كانوا أشجع في مواجهتها وهما صامتين . للتنويه : هذا مقال طويل ، كتبته قبل يومين من رحيل الاستاذ مكرم الطالباني وأرسلته إلى عدة رفاق وأصدقاء وأقتطع منه هذه السطور للإطلاع .
#محمد_السعدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟