أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - بداية .. ونهاية















المزيد.....

بداية .. ونهاية


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رغم اللطمات المهينة التى تعرضت لها فى العراق، أو بالأحرى بسبب هذا الفشل الذريع الذى لحق بها والإذلال الذى أصابها على يد المقاومة الوطنية العراقية، أصرت إدارة الرئيس جورج بوش أن تكون "نهاية" عام 2006 فاجعة. وفى محاولة يائسة لتعويض الفشل الميدانى فى بلاد الرافدين والفشل السياسى داخل الولايات المتحدة فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس تصرفت هذه الإدارة التعيسة بصورة أقرب إلى البلطجى منها إلى الدولة العظمى. وفى سياق هذا التخبط تفتق ذهنها المشوش عن حل شيطانى هو إعدام الرئيس العراقى الأسير صدام حسين فى نفس يوم احتفال العرب والمسلمين بعيد الأضحى المبارك، وقبل أن يلفظ عام 2006 أنفاسه الأخيرة بساعات معدودة.
ورغم أن هذه الإدارة ذاتها جربت هذا السلاح الخائب عشية انطلاق انتخابات التجديد النصفى حيث أصدرت تعليماتها إلى الحكومة العراقية التى وضعتها فى دست حكم المنطقة الخضراء ببغداد تحت حراب قوات الاحتلال الأمريكية، بأن تصدر حكم الاعدام على الرئيس العراقى الأسير صدام حسين فى هذا التوقيت بالذات رغم أنه كان عطلة رسمية فى العراق (!!!) على أمل أن يحسن وضعها الانتخابى وان يحبط المقاومة العراقية.
رغم فشل هذه المحاولة الخائبة حيث خسر الجمهوريون أغلبيتهم فى كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ لأول مرة منذ سنوات وعقود، ورغم أن المقاومة الوطنية العراقية تصاعدت فى أعقاب حكم إعدام صدام حسين بصورة غير مسبوقة حيث اعترف جيش الاحتلال الأمريكى بأن شهر ديسمبر كان أصعب الشهور عليه وأن قواته منيت بخسائر فادحة خلاله ..
رغم ذلك لم تتعلم الإدارة الأمريكية الغبية الدرس، وتصورت أن تنفيذ حكم الاعدام فى هذا التوقيت الشاذ وبهذه الطريقة الهمجية يمكن أن يحقق لها اليوم ما فشلت فى تحقيقه بالأمس.
لكن تقديرات وحسابات الإدارة الأمريكية انهارت بسرعة مذهلة.
وبدلاً من أن تساعدها هذه الخطوة الوحشية على تحقيق أى مكسب، فإنها أغرقتها فى المزيد من الوحل بالعراق كما أحرجتها فى كل مكان فى العالم، لدرجة أنها حاولت التنصل من مسئوليتها عن تنفيذ حكم الاعدام فى الرئيس العراقى الأسير صدام حسين فى هذا التوقيت وبهذا الشكل، وحاولت تحميل المسئولية لحكومة المالكى العراقى، لكنها كانت محاولة خائبة وفاشلة لأن هذه الحكومة لا تستطيع أن تحرك ساكناً دون أن تحصل على تصريح من جيش الاحتلال الأمريكى، فضلاً عن أنها لم تختطف الرئيس العراقى الأسير صدام حسين من قوات الاحتلال وإنما تسلمته منها. وكان مجرد تسليمه لها بمثابة أمر باغتيال الرجل الذى لم يحظ بمحاكمة عادلة بشهادة كل المنظمات الدولية المعنية، بل كانت محاكمته مهزلة حقيقية ألحقت العار بواشنطن وأصبحت وصمة جديدة فى جبين هذه الإدارة الأمريكية التى انتهكت حقوق الإنسان الأمريكى قبل ان تغتال حقوق الانسان العراقى والعربى والمسلم، والتى ضبطها العالم المتحضر متلبسة بالكذب وتضليل الشعب الأمريكى ومؤسساته الدستورية.
لقد حاولت إدارة بوش الفاشلة تعويض فشلها الميدانى فى العراق أمام المقاومة الوطنية العراقية بتقديم رأس صدام حسين إلى الكونجرس وتصوير هذا الاغتيال البربرى لرئيس العراق الأسير على أنه انتصار عسكرى وسياسى، على أمل أن يساعدها ذلك فى الحصول على موافقة الكونجرس على زيادة عدد قوات جيش الاحتلال الأمريكى فى العراق، وموافقة الكونجرس على زيادة الاعتمادات المالية المخصصة لهذه الحرب التى تم شنها ضد مشيئة الشرعية الدولية، وبالتالى موافقة الكونجرس على "الاستراتيجية الجديدة" التى وعد بوش بتقديمها من أجل تحقيق "النصر" فى العراق.
وعلى الصعيد العربى تصورت إدارة بوش أن شنق صدام حسين، فى هذا التوقيت وبهذا الشكل ، سيعزز موقف حلفائها وينهى تردد الباقين، الأمر الذى يمكن أن يحسن وضع الخطة الإمبراطورية الأمريكية – الإسرائيلية المعروفة باسم "الشرق الأوسط الجديد" بعد العثرات التى تعرضت لها فى العراق ولبنان وحتى فلسطين.
وعلى الصعيد العراقى تصورت إدارة بوش أن تأرجح جسد صدام حسين فى حبل المشنقة والتمثيل به حياً وميتاً يمكن أن يحبط المقاومة العراقية من جانب وأن يزيد اشتعال الفتنة الطائفية والحرب الأهلية بين الشيعة والسنة وكل هذا يصب فى مصلحة الاحتلال الأمريكى.
لكن على عكس كل هذه الحسابات، وعلى طول الخط، جاءت النتائج مخيبة لآمال أكثر الإدارات الأمريكية غباء وصلفاً وعنصرية.
صحيح أن صور شنق صدام حسين أصابت العالم كله بصدمة، لكنها كانت صدمة ممزوجة بالغضب والاشمئزاز من إدارة بوش التى ضربت بالحذاء كل الأعراف والتقاليد والقوانين الدولية، التى كانت تحتم عليها ان تعامل صدام حسين معاملة أسير الحرب بكل ما تقرره القوانين الدولية من ضمانات وحصانات.
وفى العالم العربى والاسلامى كانت الصدمة مضاعفة، حيث أحس كل عربى وكل مسلم – باستثناءات نادرة متوقعة – بالاهانة الشخصية، وبأن تنفيذ حكم الاعدام صبيحة يوم عيد الأضحى ووسط جو الشماتة وصيحات الانتقام الهمجية من حفنة من الأوغاد الذين حضروا مشهد الاغتيال القضائى، إنما هو انتهاك أمريكى لكل الحرمات والمقدسات ولكل الخطوط الحمراء.
ولعل الإدارة الأمريكية مازالت تضرب أخماساً فى أسداس لمحاولة فهم سيكولوجية شعوب هذه المنطقة العجيبة، خاصة أن الغضب العارم الذى اجتاح المنطقة عقب إعدام صدام حسين لم يقتصر على أنصاره التقليديين داخل العراق وخارجه وإنما شمل أغلب العرب والمسلمين بمن فى ذلك خصومه وأعداؤه ومنتقدو سياساته الداخلية والخارجية.
فكيف نبذ الجميع خلافاتهم ووحدهم مشهد إعدام صدام؟!
هذا سؤال تقف أمامه الإدارة الأمريكية عاجزة عن التوصل إلى إجابة له .. وستظل كذلك لأن إجابته ليست فى كتب الاستراتيجية والتكتيك وموزاين القوى، وإنما فى كتب الحضارة وتاريخ الشعوب العريقة.
أما على الصعيد العراقى .. فان رئيس الحكومة، أو بالأحرى زعيم العصابة، التى نفذت الأوامر الأمريكية وقامت بتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس العراقى الأسير بهذه الصورة البربرية، فقد شاء أن تكون لعام 2007 بداية لا تقل إثارة .
حيث وقف أمام كاميرات التليفزيون العالمية والعربية مهدداً متوعداً كل البلدان العربية وغير العربية التى أبدت أى شكل من أشكال ما سماه بالاعتراض على "إرادة العراقيين".
وهو فى هذه التصريحات العنترية المقتضبة ارتكب عدة أخطاء مضحكة.
الخطأ الأول هو أنه صدق بالفعل أنه "رئيس حكومة" فى العراق، بينما العراق بلد محتل صاحب الأمر والنهى فيه الآن هو جيش الاحتلال الأمريكى. ويستطيع أصغر جندى فى جيش الاحتلال الأمريكى ان يمنعه هو شخصيا من دخول مكتبه وليس فى ذلك أدنى ذرة من المبالغة.
الخطأ الثانى هو أنه صدق بالفعل أن أوامره قابلة للسمع والطاعة، بينما لا يتجاوز نفوذه حدود المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية التى يحرسها جيش الاحتلال الأمريكى. بل إن حراسه الشخصيين من قوات المارينز!!
و"رئيس الحكومة" الهمام الذى لا يكف عن إصدار التصريحات العنترية لا يستطيع أن يسير فى شوارع بغداد أو أى مدينة عراقية أخرى، لا قبل إعدام صدام حسين ولا بعد ذلك، دون كتيبة من الحراس الأمريكان!
الخطأ الثالث أنه يعتبر أى تعليق من أى بلد عربى أو غير عربى على إعدام صدام حسين تدخلاً فى الشئون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة. ونسى سيادته أنه لا توجد سيادة لدولة تحت الاحتلال. وأنه إذا كان هناك من يتدخل فى شئون العراق فإن أولهم هم الغزاة الأمريكيون الذين ركب على دباباتهم ودخل معها إلى بغداد. وبالتالى فان تباكيه على "الشأن الداخلى" هو كوميديا سوداء.
وأما ادعاؤه بأن "إرادة العراقيين" قد أجمعت على إعدام صدام حسين، فى هذا التوقيت وبهذه الصورة، فانه كلام متهافت، على الأقل من زاوية أن البلاد منقسمة حول كل شئ ابتداء من الموقف من الاحتلال الأمريكى وانتهاء بحكومة سيادته التى تقف هى وجيش الاحتلال الأمريكى فى خندق واحد فى مواجهة جبهة المقاومة الداخلية العراقية.
والأعجب أن أحد المزاعم التى تذرع بها المالكى وأمثاله للاستقواء بجيش الاحتلال الأمريكى من أجل اسقاط نظام الرئيس صدام حسين كانت هى أن حقوق الانسان ليست مجرد شأن داخلى، بل إنها قضية عالمية يجب الحصول على المساعدة حتى من الشيطان دفاعاً عنها.
فلماذا كان تحريضه بالأمس للأمريكيين لغزو بلاده دفاعاً عن حقوق الانسان العراقى، ولماذا يصبح حديث أى شخص اليوم عن حقوق الانسان العراقى تدخلاً غير مقبول فى الشئون الداخلية العراقية ؟!
لقد نسى المالكى، ونسى صقور الإدارة الأمريكية قبله، أن الموضوع ليس هو شخص صدام حسين، ولا حياته ولا موته.
بل إن الرجل فى هذه الملابسات، وبشموخه الفردى أثناء اللحظات العصيبة فى مواجهة الموت، وبغباوة جلاديه وسوء تقديرهم لسيكولوجية الشعوب، قد تحول من سياسى مثير للجدل ومختلف عليه أثناء حياته إلى "رمز" لبلد يحاول الحفاظ على وحدته التى يريد البعض تفتيتها، ولشعب يحاول البقاء رغم مؤامرات الاقتتال الطائفى والعرقى، ولحضارة وهبت الانسانية أول التشريعات والقوانين فى وقت لم تكن فيه على خريطة العالم دولة اسمها أمريكا.
والآن .. طويت صفحة صدام حسين من كتاب التاريخ الحديث للعراق لماله وما عليه .. لكن لتبدأ صفحة جديدة فى تاريخ ليس له نهاية.




#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبحان مغير الأحوال: علاوى ومبادرته المثيرة 2-2
- سبحان مغير الأحوال: علاوى ومبادرته المثيرة!
- حكومة »ديجيتال« تستخدم أسلحة العصر الحجري
- المجتمع الأهلي.. فى إجازة
- جهاز حماية المستهلك يحتاج إلى حماية
- مطلوب سحب درجة الدكتوراة من رسالة تكفير روزاليوسف
- رسالة إلي بهاء طاهر.. ليست بعلم الوصول!
- محمد عودة .. -جامعة متنقلة-
- صراع »الإخوان«.. لا يبدأ بالحجاب.. ولا ينتهي بالميليشيات
- إهانة رفح
- العبث بالديموقراطية
- المحطة الأخيرة
- اغتيال مجلة .. وتكفير عقل أمة
- خطايا النظام العربى الرسمى .. فى لبنان
- انتبهوا أيها السادة: دورنا الثقافي يتراجع
- عرب أمريكا
- في بيروت.. إنه الطوفان!!
- صدق أو لا تصدق : انتخابات نزيهة فى بلد عربى
- انتخابات نزيهة .. ونتائج محيرة
- ربيع المنامة 2


المزيد.....




- في دبي.. شيف فلسطيني يجمع الغرباء في منزله بتجربة عشاء حميمة ...
- وصفه سابقًا بـ-هتلر أمريكا-.. كيف تغير موقف المرشح الذي اختا ...
- كوبنهاغن تكافئ السياح من أصدقاء البيئة بالطعام والجولات المج ...
- بوتين خلف مقود سيارة لادا أثناء وصوله إلى افتتاح طريق سريع ب ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لقصف مواقع تابعة لقوات كييف باستخد ...
- إسرائيل.. شبان من الحريديم يعتدون على ضابطين كبيرين في الجيش ...
- ماذا تخبرنا مقاطع الفيديو عن إطلاق النار على ترامب؟
- إصابة 3 إسرائيليين في إطلاق نار في الضفة الغربية، والبحث جار ...
- مؤيدو ترامب يرون أن نجاته من الموت -معجزة إلهية-
- جو بايدن: أخطأتُ بالدعوة -لاستهداف- دونالد ترامب


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - بداية .. ونهاية