عن الطوفان وأشياء أخرى (26)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)

الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 09:18
المحور: القضية الفلسطينية
    

-اجتياح الضفة، تفصيل القتل المبرر حسب خطة داغان
ما إن توقف العدوان على غزة حتى بدأ جيش المستعمَرة ومخابراته العسكرية عملية اجتياح ممنهجة ومعدة مسبقاً لأراضي الضفة الغربية تحت عنوان "السور الحديدي" الذي يذكر بمقاربة جابوتنسكي لحل "مشكلة السكان الأصليين" في فلسطين. وتذكر عدة تقارير أن عمليات الجيش في الضفة (جنين على وجه الخصوص) تجري بالتنسيق مع مرتزقة عزيزي الرئيس محمود عباس سليل طبقة بيروت الفاسدة. وما يقال عن حديث بأن هدف العملية هو التخلص من "الخارجين عن القانون" ليس سوى تعابير فظة عن حقيقة ما يجري في الضفة؛ فعلاوة على ركاكة هذا التبرير؛ فإمكانية دحضه لا تحتاج إلى كبير جهد. وكما احتاج الأمر -للبعض- اكتشاف أن هدف شارون من إخلاء مستوطنات غزة كان لتحويل هذه الأخيرة إلى معسكر اعتقال مفصول -حرفياً وليس مجازاً- عن العالم. فإن النظرية الأمنية الجديدة لجيش المستعمَرة هدفها منح المستوطنين اليد العليا لكسر إيقاع الحياة اليومية للفلسطينيين هناك في إطار عملية طويلة الأمد هدفها النهائي طرد الفلسطينيين خارج حدود فلسطين التاريخية عبر قتل وإرهاب المدنيين والقضاء على ممتلكاتهم وعلى حيزهم العام ومواردهم المختلفة.
ويذكر في هذا الصدد خطة داغان، التي يُشار إليها أيضاً باسم "عملية الانتقام المبرر"، وهي خطة إسرائيلية من إعداد الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تُنسب إلى الجنرال مئير دغان (عمل رئيساً للموساد ما بين 2002-2011*). الذي كان مستشاراً أمنيا خلال الحملة الانتخابية لأريئيل شارون؛ وتمت المباشرة الفورية في إعداد الخطة في شباط 2001؛ حالما فاز شارون في الانتخابات. وحسب الحيثيات التفصيلية للخطة، كان هدف الخطة المباشر الرد على الهجمات الفلسطينية (خاصة الهجمات الانتحارية)، سياق الانتفاضة الثانية وتصاعد العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبذات الوقت بتوجيه ضربة قوية للسلطة الفلسطينية، بهدف زعزعة استقرارها وتفكيك بنيتها، وإخراج الرئيس ياسر عرفات نهائيا من المعادلة السياسية ودائرة الفعل والتأثير**، فضلاً عن تقسيم الأراضي المحتلة جغرافياً إلى مناطق منفصلة وعزل الضفة عن قطاع غزة، والعمل على تشكيل إدارات محلية في كل منطقة على حدة، يما يسهم في ضعف السلطة الفلسطينية وتعزيز الانقسام الداخلي في المجتمع الفلسطيني وخلق بيئة غير تصالحية بين الفصائل.
كان للخطة بعد عسكري -بطبيعة الحال- يشمل سيناريو تفصيلي لغزو عسكري شامل للأراضي الفلسطينية بذريعة أو رد فعل على هجمة أو هجمات فلسطينية ضد الإسرائيليين، وسوف تستمر خطة الغزو لشهر أو أكثر حسب مقتضيات الحاجة، دون الوضع في الاعتبار كم ستخلف من ضحايا بين الفلسطينيين، وسيتم اجتياح الأراضي الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية بنحو 30 ألف جندي بمهمة محددة تتمثل في تدمير البنية التحتية للقيادة الفلسطينية ومصادرة الأسلحة التي بحوزة عناصرها وطرد أو قتل قيادتها العسكرية***، ويعد أن ينهك الفلسطينيون أو يكادون، ستقوم إسرائيل بالتفاوض مع القوى المحلية الفلسطينية التي تم تحديدها مسبقاً، دون أن يشمل هذا التفاوض الفصائل الفلسطينية، وسوق يتم تنسيق المفاوضات إسرائيلياً بشكل منفصل بين مناطق الضفة ومناطق قطاع غزة.
اختارت قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية البدء بتنفيذ الخطة بالتزامن مع العمليات الاستشهادية، ويهذا كان قتل المدنيين الفلسطينيين مبرراً "لأسباب إنسانية". وسوف يعقب الهجوم مرحلة الطرد الجماعي للسكان (كانت الخطة تقضي فتح حدود غزة مع مصر للسماح بنزوح السكان)، وكثيراً ما أشار شارون في حديثه إلى مقاربة "حل 1948" أي طرد الفلسطينيين والبحث عن دولة تستقبلهم غير إسرائيل؛ كان شارون يفضل الأردن حتى أنه أطلق جملته الشهيرة "الأردن هو فلسطين"****
من أول خطوات تنفيذ خطة داغان اجتياح مدن الضفة الغربية في عملية السور الواقي (2002) بعد هجوم انتحاري في نتانيا في آذار من ذلك العام. واستهدفت العملية تفكيك البنية التحتية الأمنية للسلطة الفلسطينية فاجتاحت إسرائيل المدن الفلسطينية الرئيسة في الضفة وعمدت إلى تدمير مقار السلطة والفصائل الفلسطينية وحصار ياسر عرفات في رام الله. وعلى صعيد آخر باشرت إسرائيل في تنفيذ سلسلة اغتيالات ضد قادة بارزين في حركة حماس، فقتلت أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في العام 2004، ثم باشرت في الانسحاب من غزة في العام 2005 وفرض حصار عليها في العام 2007 بعد اقتتال داخلي مع حركة فتح. فظهرت قيادتين فلسطينيتين منفصلتين ببرامج تكاد تكون متناحرة ... وكان هذا أحد أهداف إسرائيل على المدى البعيد؛ أي تقويض وحدة الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني.
.......
*لعب داغان دوراً أساسياً في حروب إسرائيل ضد غزة، لا سيما عدوان العام 2008 التي تعرف باسم الرصاص المصبوب***** والتي تشبه إلى حد بعيد العملية العسكرية التي قادها شارون ضد م ت ف في لبنان في العام 1982. كان الهدف من عملية الرصاص المصبوب استهداف بنية حماس العسكرية والأمنية وإضعاف المقاومة بصورة عامة، وإظهار أن إسرائيل موجودة دائماً وقوية رغم انسحابها من القطاع. ولعل اسم الخطة "القتل المبرر" يعود إلى ما اقترحه شاؤول موفاز في العام 2001 باسم "الانتقام المبرر" كبديل عن إعادة خوض معارك احتلال عسكري الضفة وغزة قد يتسبب بوقوع مئات الضحايا الإسرائيليين
** وردت في (Ellis Shulman, "Operation Justified Vengeance": a Secret Plan to Destroy the Palestinian Authority, March 2001)
*** (Washington Times, 19 March 2002). لم يتم تنفيذ الخطة في حينه بشكل كامل، لكن جميع معطيات الخطة بقيت عالقة في أذهان القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين بالتشاور مع المستوى السياسي؛ ومن يراقب الوضع الفلسطيني خلال ربع القرن الماضي لا بد من أن يلحظ ملامح الخطة في السلوك الإسرائيلي "الاستراتيجي والتكتيكي" مع الفلسطينيين.
**** انظر هنا، https://cemas.org.uk/index.php/mediterranean/9113-israel-s-move-to-destroy-the-palestinian-authority-is-a-calculated-plan
*****ما زالت عملية "الرصاص المصبوب " تشكل -حسبما أرى- جوهر ما يجري الآن في غزة والضفة ولبنان، وهي لم تبدأ بالهجوم على غزة كما تبدو ظاهرياً، بل بدأت قبل ذلك حين تسببت إسرائيل في موت، بالأحرى اغتيال ياسر عرفات في العام 2004 (وفقاً للعديد من المؤشرات)، فقد أعلن شاؤول موفاز -وزير الدفاع آنذاك- في آب 2003. "حرباً شاملة" على المسلحين الذين توعدهم بـ "الموت"؛ وبعد نحو شهر أقرت الحكومة الإسرائيلية قانونا للتخلص من عرفات، حيث أعلنت اللجنة السياسية في الحكومة الإسرائيلية أنه تقرر "إبعاد ياسر عرفات لأنه يكل عقبة أمام التوصل إلى سلام"؛ وعاد موفاز ليهدد عرفات بالقول: "سنختار الطريق الصحيح والوقت المناسب لقتل عرفات" وظهرت تلميحات إسرائيلية واضحة بهذا الشأن لجهة تحديد الوقت والطريقة والإجراءات المناسبة التي سيتم بموجبها تنفيذ عملية التخلص من عرفات. كما أيدت الولايات المتحدة قرار الحكومة الإسرائيلية (استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي للعام 2003. رداً على الهجمات الفلسطينية المتزايدة). غير أن "الاغتيال" بالأساس كان جزء من خطة داغان التي ظهرت في العام 2001، والتي كان من بين أهدافها القضاء على السلطة الفلسطينية وإثارة الانقسامات الداخلية وكذلك بين حركتي فتح وحماس. وسوف تكون ثمار الخطة تحويل حماس إلى "منظمة إرهابية" دولياُ وإقليمياً وتطبيق عملية "الكانتونات" في الضفة الغربية حسب الخطة؛ وثمة خطة أمنية إسرائيلية ظهرت في وثيقة إسرائيلية باسم "عملية حقول الأشواك" تعود لتشرين الأول 2000، أعدتها الأجهزة الأمنية، بناء على طلب رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك، اعتبرت أن عرفات يشكل، بصفته الشخصية، تهديداً خطيراً لأمن الدولة [أي إسرائيل]؛ وباختفائه سيكون حجم الضرر الناتج أقل بكثير من الضرر الناجم عن بقائه حياً" انظر المصدر السابق؛ تنقل تانيا راينهارت [انظر الهامش****] عن صحيفة معاريف التي نشرت الوثيقة يوم 6 تموز، 2001).

#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات