|
عن الطوفان وأشياء أخرى (27)
محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 00:22
المحور:
القضية الفلسطينية
-عن "الشعب الأبدي الذي لا ينسى" بمثل تلك الشعارات تراهن الطبقة السياسية الحاكمة في المستعمَرة... على كل ما هو مؤقت ومؤجل. وسيكون رهانها هائلاً بلا شك؛ فيمكن -خلال هذا المؤقت- أن تنفجر تعارضات جديدة بما هو أكثر من حالة الانقسام الحالية في الجسد الفلسطيني (لعل المستعمَرة متأكدة أنها ستكون حكماً في هذه الصراعات). ليس لدى المستعمَرة ما تقدمه من تنازلات "مهمة" على الأرض دون تعريض وجودها لخطر داهم - بحكم طبيعتها التي تحكمها عقدة وجودها كدولة تعرّف نفسها بأنها يهودية. ولذلك (وفي ظل الغياب العربي الرسمي من معادلة الفعل العسكري) يبقى الفلسطيني هو الوحيد الذي يقبل بمخاطر مواصلة الصراع الذي تحكمه فكرة الوجود الاصطناعي غير الآمن للمجمع الاستعماري الإسرائيلي. فالسياسي الصهيوني -أيّاً كان موقعه وأهميته*- الذي يدرك ويعي وقادر على استقراء تاريخ هذه المنطقة، لا يتولد لديه الوهم باستحالة إمكانية بقاء كيان غريب ومصطنع دون الاعتماد على قوة متفوقة تمنع من اختزال هذا الكيان ليصبح معرضاً لضربات شعب لديه كل الإحساس بأحقيته في وطنه. -السور الحديدي وهزيمة "الفلشتيم" المكان: شارع شينكين؛ تل أبيب. الزمان: عصر أي يوم مليء بالضجر. يجلس رجلان بالغان في أحد المقاهي يراقبان من وما حولهما؛ ثم يميل أحد الرجلين وهو من "المزراحيم" نحو زميله الذي تشير سحنته إلى أنه "أشكنازي" ويقول: "لماذا تتعثر عملية السلام معهم؟" [ويقصد الفلسطينيين]؛ فيجيب الثاني (الأشكنازي) لأنه يا حبيبي نتنياهو لا يريد "للفلشتيم" الاستسلام وهم يضعون ربطات عنق" على أن الأمر ليس صراعاً عصابياً كما ترى الطرفة السابقة، ففي زمن سابق؛ قال أحدهم "وهو أشكنازي بلا ريب" لا يمكن هزيمة "الفلشتيم" والعرب إلا من خلال القوة العسكرية. وليس صعباً الاستنتاج بأن صاحب القول هو فلاديمير جابوتنسكي (أحد آباء الصهيونية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي). وأدون جابوتنسكي هذا -يا طويلين العمر- هو مبتدع نظرية "الجدار الحديدي" التي أسست -إلى جانب مقولة يهودا ليطاني "جدار وبرج"- للعقيدة العسكرية الصهيونية في العقود التالية. لذا كان من الضروري للييشوف، المدعوم من الحركة الصهيونية بناء مجتمعه بمعزل؛ بالأحرى عن "الآخر" بما يسمح للتمثيل السياسي له، أي الصهيونية، الهيمنة على هذا الآخر دون السعي لاحتوائه أو استيعابه أو دمجه في سياقاتها، الأمر الذي سيؤدي -وفقاً لتصوراتهم- إلى محوه وجودياً، أي ارتشافه شيئاً فشيئاً، كما يرتشف الجسم خلاياه الضعيفة، وبالتالي يفقد قدرته على استعادة هويته المادية أو أي هوية أخرى تجعله قابلاً للتعريف اجتماعياً في حاضره، فما بالك بماضيه. غالباً ما ترافقت عمليات التمثيل هذه مع مسوغات تضع في حساباتها "اعتبارات حضارية" وتمايز "ديني قومي [عرقي]" لتؤثر بنيوياً على ما يمكن تسميته مع الزمن بـ "الواقع ". وقد أدى هذا التلاعب دوراً سحرياً في الجذب "الأخلاقي - الديني" لليهودي المترحل" الأشكنازي بالدرجة الأولى". وكان السبيل إلى هذا الطموح بجعل مجتمع المستعمِرين في فلسطين، (وإسرائيل لاحقاً)، ليس مجتمعاً قوياً فحسب، وإنما مجتمعٌ يمتلك فائضاً من القوة يجعل أعدائه يفكرون ألف مرة قبل مهاجمته. وراهن هذا العقل الصهيوني على الزمن و"التاريخ الرسمي"؛ فصورة "اليهودي المرتحل" و "الوطن المحمول" نقلت انطباعاً بأن التجربة اليهودية -باستثناء الإسرائيلية منها- هي تجربة تشرد عميقة الجذور، لا تفتقر إلى إقليم حقيقي أصيل فحسب، ولكن أيضاً إلى استمرارية مستقرة ضمن حدود سلطة إقليمية ثابتة مستقرة، أي إلى مكانية جوهرية أساسيّة أو الارتباط بمكان. لقد أسهم تفكك المجتمع "المشتبك"، أو المجتمع "الانضوائي المعبأ أو المُجيش" كما يطلق عليه في إسرائيل، وتراجع النزعة الجماعية الصهيونية/الاشتراكية مع تقدم اليمين النيوليبرالي في أواخر السبعينيات إلى مواقع قيادة المجتمع هناك، في ظهور روايات وخطابات مختلفة. فتحدى من يعرفون باسم "المؤرخين الجدد"، وبعضهم ممن يوصف بانتمائه لأفكار ما بعد صهيونية، الرواية الصهيونية فيما يتعلق بجذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحرب 1948، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين. ويقول بيني موريس أحد أهم رموزهم (قبل انقلابه على نفسه) "عوملت كعدو للدولة وبقيت هذه الصورة عالقة. لقد نبذت، فلم أكن أدعى للمؤتمرات، وبطبيعة الحال، لم يقدم لي أي منصب جامعي". خلق ظهور المؤرخون الجدد حالة سجال عنيفة هزت الوسط الأكاديمي فضلاً عن الشعبي في إسرائيل لما تنال أعمالهم من "الروح والأساطير القومية" ولما تعرض "الهوية الصهيونية واليهودية" لمخاطر لا تحمد عقباها، ولخص الآثاري زئيف هرتسوغ هذا السجال الشرس (على مستوى علم الآثار هنا) بقوله: "لا تثبت الأدلة الأثرية والكتابية قصص البطاركة والخروج، وفتح كنعان، ووجود المملكة الموحدة في عصر داود وسليمان...". وفي لحظة إحباط وجودي تتصارع فيه القيم المختلفة، لا سيما الأخلاقية، مع المعايير العلمية الصارمة؛ يقر هرتسوغ (بوصفه ابناً للشعب اليهودي) وتلميذاً للمدرسة الآثارية الكتابية، بخيبة أملٍ وأسىً على "شعبه". ويتكهن بأن المجتمع الإسرائيلي مستعد للاعتراف بالظلم الذي وقع على الفلسطينيين، لكنه مازال غير قوي بما يكفي لقبول الحقائق الأثرية التي تحطم أسطورة الكتاب [المقدس]. ..... *في تشرين الأول 2022، صرّح جدعون ساهار /رئيس قسم جراحة القلب في مركز سوروكا الطبي في بئر السبع: "نحن نغرق بمواليد الفلسطينيين.. وعلينا فرض غرامات على الأمهات الفلسطينيات اللواتي يلدن خمسة أطفال للحد من معدل الإنجاب عندهن". وبعد حوالي 100 من عدوان جيش المستعمَرة على قطاع غزة قال نتنياهو بما معناه:" لن يوقفنا أحد في غزة لا لاهاي ولا "محور الشر".. . أي عالم بائس هذا الذي يتحداه نتنياهو، بعد إبادة البشر والحجر.. والتّعديل على جغرافية غزة...مشروع غزة الكبرى!
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استثمار الكارثة بين العقاب الإلهي والشخصنة والتأويل
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (22)
-
مختبر فلسطين: تسويق وتصدير تقنيات الاحتلال
-
الطوفان وأشياء أخر (21)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (20)
-
علم الآثار الكتابي في إسرائيل: حين يغمّس -إسرائيل فنكلشتين-
...
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (19)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (18)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (17)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (16)
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
-
عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (14)
-
عن الطوفان واشياء أخرى (12)
-
عن الطوفان واشياء أخرى (13)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (11)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (10)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (9)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (8)
المزيد.....
-
تضارب بين البيت الأبيض وترامب حول مدة إعادة توطين سكان غزة
-
هل يؤثر تصريح ترامب عن غزة على اتفاق وقف إطلاق النار؟.. مسؤو
...
-
تطوير أرضية للطرق ذاتية الإصلاح تحاكي عملية التئام الجروح
-
خبير يوضح كيف يتم التجسس عبر الهاتف
-
الحيتان القاتلة تصطاد أحد أخطر الحيوانات البحرية المفترسة!
-
علويون في سوريا ينددون بهجمات عليهم ويطالبون بالعدالة بعد سق
...
-
إسرائيليون يسخرون من خطة ترامب للسيطرة على غزة: -غير واقعية-
...
-
وساطة إماراتية بين روسيا وأوكرانيا تنجح بإطلاق 300 أسير
-
اصطدام في 10 دقائق.. الكشف عن سبب -الأخدود العظيم- على القمر
...
-
فيديو يرصد خطف عامل في مصر والفاعل -غير متوقع-
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|