|
انتكاسة الديمقراطية في العراق .. ويبقى الأمل الجزء الثاني
مهند شهيد شمخي
الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:46
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ووفق ما تقدم في الجزء الأول ، نجد بما لا يقبل الشك ، إن سلوكياتنا هي السبب الرئيسي في عدم انتقالنا إلى مفهوم الدولة العربية الديمقراطية ، حيث يتحقق مضمونها بقدرتنا على لعب دور ايجابي ضمن الشكل العام المرسوم لنظامنا السياسي ، فيه درجة عالية من الإدراك لطبيعته ومكوناته ، وان تتملكنا المشاعر والأحاسيس الايجابية تجاهه ، ومعرفة نقاط القوة التي أضافها هذا الشكل لهذا الدور واستغلاله استغلالا" امثل للتغيير في مجريات الأحداث السياسية .
إن من الأسباب الرئيسية لانتكاسة الديمقراطية في العراق إنها بنيت من قمة الهرم الاجتماعي ، والذي تمثله الطبقة السياسية ومؤسساتها ، دون العناية أو الرعاية أو الانتباه إلى طبيعة الثقافة السياسية الساندة بين طبقات الشعب العراقي الأخرى ، الذي مورست بحقه أبان الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على حكمه ، أبشع صور الاستبداد الفكري والثقافي والسياسي ، والذي لم يستطع معه مجاراة طبيعة تغير الأوضاع السياسية في البلاد ، واستيعابها ، بالشكل الذي وفر فرصة سانحة للسياسيين الجدد ، وفق اعتبارات الاصطفاف والتخندق اللذان اختاروهما طريقا" للعمل السياسي ، في عراق ليس لهم فيه رصيد شعبي ( إن صح التعبير ) فبل دخول أول دبابة أميركية إلى بغداد ، وبدلا" من العمل على رفع المستوى الفكري والثقافي بين الجماهير من خلال التأسيس لثقافة العيش المشترك وتقاسم السلطة وتقبل الآخر ، فوجئنا بخطاب سياسي ذات دلالات اقصائية وتهميشية ، تحمل بين طياتها التهديد والوعيد ، حتى بات الشعب الموحد مفرق إلى طوائف ومذاهب وقوميات ، سبقتهم في ذلك ميليشياتهم المسلحة والتي جهدت نفسها محاولة فرض مفاهيمها وإيديولوجياتها الفكرية والسياسية على الشارع العراقي تحت تهديد السلاح ، مما خلق فجوة كبيرة بينه وبين العملية السياسية برمتها ، وأضعفت حالة التعاطف معها ، وهي لا زالت تحبوا خطواتها الأولى ، والتي كانت في حاجة لدعمها ومؤازرتها في أدق وقت من مراحل التغيير نحو العراق الجديد .
لقد أضافت الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأميركية في العراق ، الزيت على النار المتأججة في الصدور ، بعد حل الجيش والشرطة ، لتضيف أفرادا" مقاتلين ومدربين عاطلة عن العمل إلى تلك الميلشيات ، وانتشرت كشبكات عنقودية استطاعت أن تتمركز وتتحصن فيما يشبه العصابات المنظمة ، بعد أن استولت على إمكانات الدولة المنهارة ، لتخلق بذلك وسائل ديمومة حيوية ، بشكل أصبح معه من الصعب خلق مؤسسات دولة جديدة قوية ، لان ذلك الانتشار العنقودي لأعضاء الميليشيات جعل من السهولة اختراق هذه المؤسسات ، وبالفعل ولدت تلك المؤسسات ( وخاصة مؤسستي الجيش والشرطة ) مشوهة ، فيها ولاءات مختلفة ومتضادة ، تتسلم أوامرها من مرجعياتها المتحاربة من خارج هاتين المؤسستين ، وهذا ما يعرف اليوم بـ(فرق الموت ) .
لقد كان ضعف الأداء السياسي للسياسيين العراقيين الجدد ، وخاصة الليبراليين والعلمانيين ، أحد الأسباب الأخرى ، للاصطفاف الديني المذهبي والطائفي ، بعد آن قرؤوا المعادلة العراقية بالمقلوب ، عندما وطأت أقدامهم على ارض خالية من صدام ، وزوال نظام يحكم بالحديد والنار ، حيث لا قانون ولا دولة ، لم يبقى فيه إلا الواعز الديني أساسا" في تنظيم المعاملات الاجتماعية ، فأوحى لهم بان المد الديني هو السائد في العراق ، فبدؤوا يتملقون القوى والتشكيلات السياسية الدينية ، بحثا" عن موطأ قدم في السلطة الجديدة ، بينما الأمر لم يكن كذلك ، وإنما هو كان رد فعل طبيعي ونتيجة حتمية للجوء الإنسان للدين في المحن والشدائد ، وليس من محنة تعرض لها البشر كتلك المحنة التي تعرض إليها الشعب العراقي أثناء الحرب الأميركية لخلع صدام ، ومن يصدق إن سياسيا علمانيا من طراز الدكتور احمد الجلبي يؤسس ما عرف بـ( البيت الشيعي ) وانه انضم للقائمة الدينية الأبرز ( الائتلاف الموحد ) وانه قد قال أبان فرز نتائج أول انتخابات بعد الاحتلال ما معناه (إذا لم نفوز بالانتخابات فإننا سنحمل السلاح !! ) ، أما الدكتور أياد علاوي فسبقه بارتكاب خطأ فادح عندما أشرك الجيش العراقي في ضرب مدينة الفلوجة ( أم المساجد ) كما يحلوا للسنة العرب تسميتها ، وكذلك ضرب مدينة النجف ( الأقدس ) لدى الشيعة ، في فترة هي الأصعب والأخطر في تبلور صيرورة العراق الجديد ، وبدلا" من الصورة التي أراد عكسها عن ذلك العراق بان لا مكان لحمل السلاح خارج اطار حكومته، ترسخت مكانها ، إن العلمانيين هم عملاء أميركا وأدواتها ، وكان من الأولى به عدم زجه للجيش الجديد في هكذا معارك تحتاج لحصار مدن تحسبا" لنقمة الأهالي ، وترك الأمر للقوات متعددة الجنسية ، واستبصار النتائج السياسية الباهظة التكاليف لهذه الخطوة غير المحسوبة .
إننا لا زلنا نأمل بدولتنا الجديدة خيرا" ، وخاصة بعد أن جرب الشعب العراقي تشكيلاته السياسية الدينية التي وضعته على شفا حفرة من النار ، أو ربما وسط النار ، ونحمد الله إننا لازلنا نملك شكلا" ديمقراطيا" لنظامنا السياسي ، وان كان مضمونه اليوم غير متحقق ، إلا إن الأمل باق ما دام إن هناك سياسيين ليبراليين وعلمانيين وقفوا ضد تصرفات هذه التشكيلات وفضحوها ، رغم كل مغريات السلطة ، سياسيون من نمط مثال الالوسي والسيد أياد جمال الدين ، والقيادات الليبرالية الشبابية المنبثقة من رحم العراق وماسيه ، سيبقى الأمل بعراق ليبرالي ، فيه جميع الحقوق مصانة ، وأولها الحقوق الدينية ، لنحقق الدولة الديمقراطية في الشكل والمضمون .
#مهند_شهيد_شمخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتكاسة الديمقراطية في العراق .... ويبقى الأمل
المزيد.....
-
السعودية.. إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.2 مليون حبة كبتاغون
...
-
القبض على وشق بري يتجول بحرية في ضواحي شيكاغو
-
إصابة جنديين إسرائيليين في إطلاق نار قرب البحر الميت .. ماذا
...
-
شتاينماير يمنح بايدن أعلى وسام في البلاد خلال زيارته لبرلين
...
-
كومباني: بايرن يسير في الطريق الصحيح رغم سلسلة نتائج سلبية
-
سرت تستضيف اجتماعا أمنيا
-
انطلاق الاجتماع السنوي لمجلس أعمال بريكس
-
ميزة جديدة تظهر في -واتس آب-
-
يبدو أنهم غير مستعجلين.. وزير الدفاع البولندي ينتظر -أغرار-
...
-
قوات اليونيفيل: تم استهدافنا 5 مرات عمدا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|