أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسين سليمان - الشمس المعتمة - 2














المزيد.....


الشمس المعتمة - 2


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 8232 - 2025 / 1 / 24 - 08:12
المحور: قضايا ثقافية
    


كان الأتراب الأكراد المسلمون يسخرون من الاصدقاء المسيحين عما يقال إنهم يقدمون عروسهم في الليلة إلأولى الى القسيس.... يتهكمون قائلين: أنت يا كميل بكرا لما تتزوج تقدم عروستك للقسيس في الليلة الاولى!

كانت هذه الفكرة الوثنية قد جاءت من أطراف بلاد فارس والهند. حين تمتد الديانات الى داخل الأنا، يتفشى فيها الزور والجور. منذ فترة قريبة شاهدت فيلما هنديا اقتبس من قصة حقيقية، يتحدث عن هذا الأمر، بين وقت وآخر تمنح إحدى العذراوات الجميلات جسدها للكاهن ... وهذا أيضا كان في بابل العراق حيث طقوس الجنس المقدس الشائعة، والتي اقتبست منها بعض الطوائف في العصر الحديث عادات منح المرأة نفسها للشيخ المعمم. انتفض كميل بصورة أخلاقية وجدانية على هذا الأمر، ما جعلني أميل الى جانبه وأترك جانبهم المتعالي الذي يقول الشرف من دون أن يكونوا شرفاء تماما.

هناك كلمة أخرى وسوف أذكرها في الصفحات المقبلة عن تملك الرجل للمرأة، فلولا التملك لما وقفنا هذه الوقفات الشائنة عديمة الحب.

أمطار القامشلي أمطار كأنها مدربة، تهطل بعنف، والبحر العميق يرتفع كي يتلوى ثم يتساقط ... وليس ثمة وقت إلا القليل منه حتى تستحيل الأرض أمامنا الى بحيرة معوام. في ذلك اليوم تصاعد من بيت في الطرف المقابل دخان أسود امتزج مع المطر والغيم.

المكان الذي اكتب عنه هو المكان الذي كتب عنه الكاتب الكردي سليم بركات في "هاته عاليا هاته الى آخره". وما يُـكتب هنا ليس سيرة ذاتية ولا مذكرات، إنه شيء آخر.

دخان اسود سناج. الفكرة المفارقة أن النار كانت تحيا مع المطر. لم يكن هناك برد، كان المطر مياه ربيع. وقف بعض السكان على الرصيف ورفعوا أذيال بناطلهم وحمل بعضهم المساحي يتأهبون لعبور ذلك المستنقع لإطفاء الحريق. الوجوه لم تكن وجوه الحاضر بل كانت وجوها قديمة فيها قوة الزمن. حسبت أنني رأيت انسان الشرق المولود منذ القدم، وعلمتنا عنه الأديان والطقوس. جلجامش. أي بطل يبادر مجتازا الصعاب. رفعوا أصواتا ليست عربية وهم يجتازون المستنقع، وليست سريانية أو كردية، كانت أصواتهم أصوات أول اللغة يفهمها الصغير والكبير – من أجل اطفاء الحريق- تفهمها الحجارة والجبل وما ينض عنه من سائل جبار في الربيع ترتفع من أجله الأنهار وتفيض.

أحد معاني الحريق أنه يكشف لنا الحجب عن المادة التي نعيش في كنفها،
يكشف لنا المادة التي ليست هي سوى سراب،
والنار لا تعيد المادة الى أصلها إلا لكي تدحض الحياة، وتخرج عنها الديمومة.

أتت على الأثاث بكامله، حين وصل الرجال، النار سريعة، أسرع من الفكرة وما يجول في الخاطر، وقفوا أمام المنزل الذي لم يكن سوى غرفة واحدة لعائلة فقيرة خرجت تبكي تحت المطر.
كان معيل الأسرة الصغيرة يشرح للجميع بصوت مبحوح لم أفهم منه شيئا سوى تلك العذابات التي تخرج من الرجال عند المصاب الجلل.

ومن البعيد المتأخر- ناقلة حمراء تحاول الوصول فعلقت في المستنقع، خرج منها رجال مهما يدفعونها فلا حول لهم ولا قوة. قال أحدهم: سلكت الإطفائية الطريق الخطأ.

تساءلت وأنا أرى الرجال يحملون المساحي إن كانت تلك المساحي أطفأت النار عن حق؟ كنت أنظر بعين طفل لأتعلم منهم، نبقى نحن الصغار نتعلم من الكبار وفي النهاية لن نكون سوى الفكرة التي تعيش في رؤوس الأباء والمربين.

حين انتهى كل شيء هبطت من العلى طيور النورس والزرازير كانت تريد أن تغير المزاج وتحول المستنقع الى يابسة.

بعض الأحيان اتخيل أنني في قارب أجوب عالم المستنقع ذاك، أمر بالمدن العربية وبالقرى التي غمرتها المياه.
نحن لا نعيش على اليابسة.
دوما في مياه أمواج الماضي، تضرب القارب لتهز الحاضر
الذي على ما يبدو سيكون المستقبل بعيدا عنه أشد البعد.

في البيت كان علي أن أتخلص من اللباس الذي بلله المطر ولطّعه طين المستنقع. لن يأتي الدفء من الحميمية التي في الداخل، لن يأتي من حرارة المدفأة بل من حرارة الأهل، من الأم، حين تكون لديك أم فسيكون هناك دفء، فهي كل شيء. أغلب الأطفال يعانون من فقدان الأم، فلا أم لدى الكثير منهم، حتى لو كانت هناك أم فوق رأس كل طفل فهم بحاجة الى أم.

وللحق فإن الأمهات حاضرات في كل مكان، في كل بيت، هن الولادات، والزوجات، وعاملات المطبخ، لكنهن لسنا أمهات، إما يهملن أبنائهن أو يخافنا عليهم ذلك الخوف المزمن، خوفا غير معدل، لم يكتب له أن يكون خوفا إنسانيا.
حين دخلت البيت ركضت نحوي وساعدتني في خلع الجزمة والبنطال... ثم لفتني بمنشفة دافئة وضمتني الى صدرها تبكي. جعلني بكاؤها وإيحاءات وجهها الذي يشكر الله أنني عدت سالما من دون أن يصيبني أذى، جعلني أشعر بالآمان وللتو ولدت فكرة فاسدة (أنانية) في داخلي لا أساس لها، لا أدري كيف ولدت وهي ربما كانت تدل في إحدى جوانبها على تنبؤ حاسم بانحطاط أجيالنا القادمة، إن هناك فرقا بيننا حيث توفرت أسباب الحفظ والرعاية، وبين أولئك الناس الذين يواجهون الحريق والبرد. رفع الله حاجزا (عنصريا) بيننا وبينهم، هم الذين عليهم أن يتحملوا هذه المصائب ولسنا نحن، إن الله لسبب ما نقلهم بعيدا عنا، الى عالم البؤس والفاقة.

في النهاية وبعد سنوات طويلة سأتعلم أن الذي يبني العالم من حولنا هو أفكارنا ومشاعرنا.



#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشمس المعتمة
- سبب اختفاء انسان النياندرتال
- منبع الحب - وجه الوحي (3)
- منبع الحب، وجه الوحي - 2
- الحب والحرية ، وجه الوحي -1
- المقام العراقي
- شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة
- كتابة ميت ينظر بعينه ويكتب بقلبه
- زمان حلب - تحية الى روح مصطفى العقاد
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر:( -حسن مطلك- جبران ...
- ردا على المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
- معنى الظلام
- النبي اليهودي شبتاي صبي
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- حريق غابات جديد في لوس أنجلوس.. وأوامر بإخلاء 50 ألف شخص
- ليبيديف: قتلى وإصابات باستهداف قافلة عسكرية أوكرانية في مقاط ...
- حاول الأمريكيون شراءها عام 1946: قصة غرينلاند التي يريد ترام ...
- انتشار غير مسبوق لـ -بوحمرون- في المغرب والسلطات تعلنه وباءً ...
- حرائق مدمرة تضرب سان دييغو: تهديد للحياة البرية وإخلاءات طار ...
- إسرائيل تتسلم قائمة بأسماء أربع رهينات ستفجرج عنهم حماس
- مكتب نتنياهو: قائمة الرهينات المنتظر الإفراج عنهن تختلف عن ت ...
- تونس.. إقرار إدانة المحامية سنية الدهماني مع تخفيف العقاب ال ...
- الخارجية الأمريكية: واشنطن لا تدعم استقلال تايوان وتدعو لحل ...
- مراسلة RT: سقوط قتلى في قصف إسرائيلي استهدف سيارة في قباطية ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسين سليمان - الشمس المعتمة - 2