|
معايير الإعلام الفاشل الفاقد الرؤية.
عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 12:02
المحور:
الصحافة والاعلام
ُيُروى أن شارل ديغول رمز فرنسا الحرة، خلال الحرب العالمية الثانية ورئيسها لاحقاً، سأل حين دخوله باريس بعد تحرير بلاده من الاحتلال الألماني، عن الأحوال العامة، فقيل له إنها سيئة جداً. فسأل عن القضاء، ولما كان الجواب انه بخير، زاد ديغول قائلاً: "القضاء الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة". ولو حدث ذلك اليوم، في عصر الاتصال والمعلومات، حيث أصبح الإعلام قوة فاعلة في تغيير كيمياء العقول وصناعة الأحداث، فنرجح أن يستبدل ديغول في سؤاله الإِعلامَ بالقضاءِ. ولن يتردد بالقول، ما دام الإعلام بخير، فإن فرنسا قادرة على النهوض. لا ريب أنَّ الإعلام الذي يُعوَّل عليه للمساهمة بإحداث نقلات فارقة في مسارات الدول بمعايير النهوض والتقدم، هو الإعلام المهني الحر النزيه والديمقراطي المسؤول. لكن الإعلام، لا يصدر بذاته ولذاته. فهناك قائمون عليه، يصدرونه دائماً في واقع يؤثر فيه مثلما يتأثر به. من هنا، تكتسب مشروعية وازنة معادلة "أرني إعلامَ قومٍ أقُلْ لك من هم". وعلى هذه الأسس ومثيلاتها، تشكلت قاعدة "الإعلام سيف ذو حدين". وعليها، يمكن التأسيس للقول: مثلما يوجد إعلام ناجح، هناك إعلام فاشل. والحديث عن أي منهما، لا بد يلقي الضوء على الآخر، وفق قاعدة "بأضدادها تُعرف الأشياء". في سطورنا هذه، سنحاول قدر الإمكان بسط خزايا الإعلام الفاشل والمؤشرات الدالة عليه. أما المحددات التي نعتمدها للتمييز بين سَمين الإعلام وغثِّهِ، فنوجزها في ثلاثة: مستوى حرية الرأي والتعبير، استقلالية الإعلام، والمنتج الإعلامي المطبوع والمرئي والمسموع. إنطلاقاً من هذه المحددات، فإن أكثر مؤشرات الإعلام الفاشل ظهوراً يتمثل بمعاناته من أزمة المضمون. وتتغذى هذه الازمة عادة، من غياب الحريات عموماً والإعلامية خصوصاً، أو وجودها ضمن هوامش ضيقة تحت السيطرة. هذا النوع من الإعلام، مجال حيوي للسلطات الحاكمة. لذا، فإن أكثر ما يهمه التسبيح بحمد السياسات الرسمية، والإيحاء بأن وراءها عبقرية جبارة هي هبة من السماء للأرض، لكن الناس بطبعهم جاحدون ولا يقدرون النعمة!!! على صعيد الأسلوب، فإن مُنتَج هذا النوع من الإعلام الفاشل، مُنمَّط مكرور، وجامد مُسئِم، ومضلل يدابر الحقائق، حتى البائنة بينونة كبرى. فالموطن يقرأ ويسمع اخباراً وتقارير صحفية عن إنجازات، لكن ما يراه على الأرض يؤكد أن الأحوال من سيء إلى أسوأ. وبطبيعي أمره، فالإنسان لا يمكن أن يُكذِّب ما يلمس ويخادع ما تراه عيناه، مما يدفعه في المحصلة إلى فقدان الثقة بإعلامه ومتابعة وسائل اعلام خارجية. في سياق الأسلوب أيضاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتم التركيز على ترسيخ فكرة الدولة محدودة الإمكانات وشحيحة الموارد. والهدف الحقيقي لذلك، إصابة ثلاثة عصافير بحجر واحد. العصفور الأول، تحقيق مكسب سياسي للسلطة الحاكمة بإظهار ما تبذل من جهود "معجزة" للتعويض عن شح الموارد، في سبيل تسيير أمور الدولة على ما يرام وأحسن من دول أغنى. العصفور الثاني، إيصال الناس بالتدريج إلى تقبل اليأس من إمكانية تحقيق تقدم وتنمية يشملان الجميع بقدر مقبول من المساواة. أما العصفور الثالث، فيتجسد في تكريس قاعدة "حط راسك بين الروس..." بما يباطنها من استكانة واستسلام للأمر الواقع. إذن، نحن أمام إعلام سلطوي، ما ينشر ويبث يجب أن يستجيب ل"توجيهات" الفاعلين في السلطات الضابطة، وبشكل خاص الإعلام المرئي والمسموع لتفوقه في التأثير وصناعة الرأي. ولكي يكون الإعلام سلطوياً، فإنه بالضرورة فقيرٌ في الموضوعية. هنا، نجد أنفسنا أمام العنوان الثاني ضمن خصائص الإعلام الفاشل. أما آيات ذلك، فنجدها أولاً في النظرة الأحادية. فالإعلام، يرى الأحداث والتطورات بنظارات الحكومات أو الممولين فقط. وبذلك، فإنه يقدم مبرراً كافياً لوصمه بالفشل، بمعايير عصر التعددية وحرية الرأي والتعبير. اما تشويه الحقائق، فإنه ديدن هذا النمط من الإعلام. يتجلى ذلك في أوجه عدة، منها تحاشي استخدام المعلومات والأرقام والحقائق الموثوقة في الدراسات العلمية الرصينة، إلا إذا جاءت منسجمة مع المزاج السياسي للسلطة، أو لتوظيفها على طريقة " كلام حق يُراد به باطل". وعلى هذا المنوال، ينسج في أدائه عموماً. أما الهدف، فهو اضفاء المشروعية على واقع التخلف والضعف، واحباط أي فعلٍ واعٍ من شأنه إحداث تغيير إيجابي تقدمي. إن افتقار الإعلام للموضوعية، يعني أن مهنيته موضع شك، وبالتالي، يستسهل فبركة الواقع حسب أهواء مراكز القوى المسيطرة. وفي السياق أيضاً، يصعب أن نتصور إعلاماً في فلك السلطات المهيمنة سائراً، وللممسكين بصولجان الحكم والمتنفذين مُطبِّلاً ومُزمِّراً، ما لم تمارس بحقه أساليب الإرغام والإحتواء. وأظننا بذلك، نزيح القناع عن الخاصية التالية للإعلام الفاشل، وتتمظهر فيما يُعرف بالإعلام المرعوب. أول علامات هذا النمط من الإعلام، أن القائمين عليه موظفون أمنيون، بمسمى "اعلامي" أو "صحفي". ومن يشذ عن هذه القاعدة، فعليه ان يزرع بداخله رقيباً "يستأنس" بارشاداته ويمتثل لتعليماته. كتاب الإعلام المرعوب، يُسمون كتاب التدخل السريع أو التسرع الدخيل، لا فرق. هذا الإعلام يستخف بالعقول، لكنه بالمقابل غبي يَسهُل كشفه. فمن أساليبه، "الفزعات" التي يتم تحريكها عادة بالإيحاء والإشارات أو بالريموت كنترول، ناهيك بالتحذلق والكذب البائن، في عصر السماوات المفتوحة. ولا يفتأ بين حين وآخر يوظف الدين والعادات لقمع الحريات، كونه وكيل الإستبداد والفساد ليظل غَسَقُ الجهل والتخلف واقباً. باختصار، الإعلام المرعوب إعلام حكومات وأفراد وليس إعلام دولة. تأسيساً على ما تقدم، بمقدورنا القول إن من أبرز آي الإعلام الفاشل بمعايير الحاضر، التركيز على خطاب أحادي بغية تمريره، سواء كان خطاب سلطة حاكمة أو قوة سياسية ما. وعندما يكون الهدف فرض إعلام عمودي، فإن الفشل حتمي في إرساء قواعد إعلام أفقي يحلل وينتقد ويبني رأياً عاماً فاعلاً على أسس سليمة. لا ريب أن إعلاماً تجتمع فيه هذه الصفات، لا بد وأن يكون بلا رؤية تحظى بشىء من الإحترام وبقدر من الإعتبار، بمعايير الإعلام الحر النزيه والديمقراطي المسؤول. ونعتقد ان الصواب إلى جانبنا، إذا أضفنا أن الإعلام الفاشل بالخصائص التي ذكرنا، يستطيب الإقامة في أجواء الإستبداد والفساد والظلم. وعليه، لا غرابة أن يَتَكَثَّر الإعلام المستحق لصفة الفاشل في بلداننا العربية!
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاجآت غير سارة للكيان اللقيط
-
هل العقلية العربية خرافية؟!
-
من الذي فرض وقف إطلاق النار في غزة؟
-
الكيان اللقيط لم ينتصر
-
سلبطة أميركية
-
تلاعب السياسة والمصالح بالدين !
-
الإسلام دين وليس دولة
-
الأردن في دائرة الاستهداف الصهيوني
-
كلام في اشكالية السلطة السياسية !
-
من أسباب ضعفنا !
-
وماذا نحن في الأردن فاعلون؟
-
من أساليب انحياز الإعلام الأميركي للباطل !
-
مسؤولية الإنسان ولا ذنب للزمان
-
هل باعت روسيا نظام الأسد؟!
-
من وحي الزلزال السوري ودروسه.
-
المتآمرون بالفعل ضد العرب.
-
نمط تفكير بائس !
-
اسلام أردوغاني أم ماذا؟
-
ماذا تريد أميركا من سوريا الجديدة؟!
-
الإنسان والدين
المزيد.....
-
بكلمته لدافوس.. أبرز ما قاله ترامب عن حرب أوكرانيا والعلاقات
...
-
سياسي فرنسي: كايا كالاس تفتعل ترويع الأوروبيين وتأجيج الكراه
...
-
ابن فرحان: مستمرون بمساندة لبنان
-
حريق ضخم جديد سريع الانتشار بالقرب من لوس أنجلوس مع تزايد سر
...
-
أوروبا: هل من سبيل للتعامل مع تهديدات ترامب؟
-
الجيش الإسرائيلي: نرصد تركيزا للأنشطة الإرهابية في منطقة شما
...
-
موسكو: مستعدون لحوار متكافئ مع واشنطن
-
في كلمته بمنتدى دافوس.. ترامب يوجه سهامه نحو الاتحاد الأوروب
...
-
مدفيديف: انتصارات القوات المسلحة الروسية أفضل رد على -إنذارا
...
-
ترامب يصنف الحوثيين إرهابيين.. ماذا بعد؟
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|