يحيي الوزكاني
الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقديم: العلمانية , وجهة نظر:
تعددت المواقف وتباينت بخصوص موضوع العلمانية بعد ظهور هذه الأخيرة كرد فعل على أعمال الكنيسة التي شرعنت الظلم الذي كان يمارسه الحكام الظالمون آنذاك على المحكومين, بين الأصولية الاسلاموية التي اجتهدت كثيرا في تعريف العلمانية باللادينية بل ذهبت بعيدا إلى حد جعلها ملازما ومرادفا للالحاد وبأنها مؤامرة غربية تستهدف الإسلام ويجب التصدي لها بكل ما أوتيت من قوة. وبين الحداثيين التقدميين المنتصرين للعلمانية كنظام عام عقلاني ينظم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات فيما بينها وفي علاقتها مع الدولة على أساس مبادئ وقوانين في إطار من المساواة بين جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن الدين أوالعرق أواللغة أوالانتماء...
لاشك بأن الديمقراطية في أي بلد كان بماهي إتاحة الإنسان إمكانية ممارسة حقوقه وحرياته الكاملة دون أية قيود في فضاء تسوده قيم الإيمان والاختلاف والتعدد والتسامح, لن تقوم لها قائمة دون تبني نظام مجتمعي قادر على تجاوز التناقضات والصراعات الطائفية والمذهبية والاثنية على كافة مستويات الحياة العامة وهذا ما تتيحه العلمانية باعتبارها جملة أفكار ومواقف تشمل فصل الدين عن الدولة بمعنى عدم تدخل الدولة في الشأن الديني للمواطن وبالتالي تصبح المواطنة أساس العلاقة بين الدولة والمواطن وأساس الانتماء الوطني, والإقرار بحقوق مختلف المذاهب والطوائف والقوميات والمساواة بين الرجل والمرآة وغيرها من القيم العامة التي لا تتعارض نهائيا مع جوهر وروح مختلف الديانات الإسلامية وبهذا فان العلمانية هنا لا علاقة لها بما تلصقه الأصولية الإسلامية من مماهاة بينها وبين الإلحاد ومن الاعتقاد بأنها مؤامرة تستهدف الإسلام. غير أنه يجب التنبيه إلى فكرة أساسية مفادها أن إنجاح الانتقال إلى دولة مدنية عصرية رهين بتوفر مجموعة من الشروط والمحفزات في مقدمتها التفاف جميع الفاعلين أحزاب ومنظمات وجمعيات حول مطلب العلمانية وأن تكون الدولة قد قطعت شوطا في طريق الديمقراطية وتحسين الأوضاع الاجتماعية لمواطنيها.
أما في المغرب فقد ارتبطت العلمانية بالحركة الامازيغية ولاسيما خلال السنوات الأخيرة خصوصا وأنها الحركة الوحيدة- بعد تخلي اليسار القديم والجديد عن هذا المطلب- التي صرحت في أكثر من مرة سواء من خلال جمعياتها ومنظماتها ومؤخر ا الحزب الديمقراطي الأمازيغي أو من خلال بعض الفعاليات الامازيغية عن تبنيها الدفاع عن هذا المطلب . فما موقع العلمانية في خطاب الحركة الامازيغية ؟ وهل تبني الحركة لهذا المطلب هو خيار استراتيجي يخدم القضية الأمازيغية؟
العلمانية في خطاب الحركة الامازيغية:
لم تطرح مسألة العلمانية في المغرب بحدة مثلما طرحت في الآونة الأخيرة خصوصا من طرف الحركة الأمازيغية التي أعني بها جميع الأشخاص والفعاليات والجمعيات والحزب الديمقراطي الامازيغي والمنابر الإعلامية المهتمة بالقضية الامازيغية والمستقلة عن الدولة والأحزاب السياسية. فالحركة الامازيغية عبر تاريخها تستمد مرجعيتها من مبدأ العلمانية زيادة على مبادئ النسبية والعقلانية والحداثة والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان, غير أن تبنيها لمبدأ العلمانية والدفاع عنه ومطالبة الدولة بإقراره لم يتأت لها إلا في السنوات الأخيرة حيث أصدرت مجموعة من الفعاليات الأمازيغية ما سمي بميثاق المطالب الأمازيغية بشان مراجعة الوثيقة الدستورية والذي جاء في سياق سياسي مناسب لكون الحركة الأمازيغية تعيش في حالة من الانتظارية والجمود النضالي خصوصا بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية, هذه الوثيقة التي طالبت بد سترة العلمانية كمطلب أساسي ضمن جملة مطالب أخرى كد سترة أمازيغية المغرب وإقرار المساواة اللغوية والاعتراف بترسيمها ود سترة اللغة الامازيغية كلغة رسمية وإقرار الجهوية... كما طالب رفاق ارحموش في الشبكة الامازيغية من أجل المواطنة التي نصت في قانونها الأساسي على مبدأ العلمانية, الدولة بإقرار دستور علماني يفصل الدين عن الدولة.
العلمانية والقضية الأمازيغية:
إن طموح الحركة الأمازيغية بجميع مكوناتها في مغرب أخر يعترف بأمازيغيته ويتصالح مع تاريخه وثقافته أمر لا يتجادل فيه اثنان غير أن تحقيق ذلك لن يكون بالأمر السهل فهو يتطلب التعامل مع القضية الأمازيغية كقضية سياسية مع ما يعنيه ذلك من تحديد للأهداف والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف, كما يتطلب الوعي بموازين القوى السياسية والدخول في تحالفات مع القوى الأساسية بالمشهد السياسي المغربي وأعني بالذكر المؤسسة الملكية والحركة الإسلامية. إن خلق جو من الثقة بين الحركة الامازيغية وتكلديت من شأنه إن يدفع بالقضية الأمازيغية إلى الأمام ما دامت هذه المؤسسة هي التي ترسم التوجهات العامة السياسية والثقافية بالبلاد.كما أن من شأن التحالف مع الحركة الإسلامية أن يشكل ورقة ضغط على الدولة للاستجابة للمطالب الامازيغية .إن التحالف مع الحركة الإسلامية التي تمثل التيار الأكثر شعبية في المغرب يعتبر خيارا استراتيجيا سيزيد من قوة الحركة الامازيغية هذا مع العلم بوجود تيار أمازيغي مهم داخل الحركة الإسلامية والا فكيف نفسر إعلان بعض الأحزاب التقدمية بالمغرب استعدادها للتحالف مع حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة . ومن هذا المنطلق فرفع الحركة الامازيغية لشعار العلمانية يجعل هذه التحالفات مستحيلة فالمؤسسة الملكية التي تستمد شرعيتها من إمارة المؤمنين لن تقبل أبدا بحليف يطالب بتحرير الدين من سيطرة الدولة كما لن يقبل بذلك التيار الإسلامي الذي يستمد هو الآخر شرعيته ووجوده من الدين.
ولا أظن أن اليسار المغربي المتسم بالضعف والتشرذم والذي يتقاطع في بعض النقط مع الحركة الامازيغية سيفيد القضية الامازيغية في شئ.
إننا كأمازيغ متفقون على مبدأ العلمانية كشرط من شروط الحرية والديمقراطية ومتفقون أيضا على أن التقدم نحو الحرية والديمقراطية لن يتم دون إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية ووضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الامازيغ فالامازيغية ورش من أوراش المشروع الديمقراطي الحداثي وعنوان للمساواة الحقوقية وأساس للمواطنة الكاملة.غير أن المبدأ شئ والسياسة شئ أخر, فنظرتنا للقضية الامازيغية يجب أن تكون نظرة سياسية بالأساس لا نظرة مبادئ وشعارات , والا فإننا لم ندرك بعد ما معنى أن تكون القضية الامازيغية قضية سياسية.
#يحيي_الوزكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟