أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عيسى بدوي - الحركة الماركسية –اللينينية : التجربة والآفاق















المزيد.....



الحركة الماركسية –اللينينية : التجربة والآفاق


عيسى بدوي

الحوار المتمدن-العدد: 540 - 2003 / 7 / 11 - 13:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



 
في سنة 1970 تم تأسيس تنظيمين ماركسيين لينينيين الأول في 23 مارس والثاني في 30 غشت تشكلت النواة الرئيسية للتنظيم الأول من مناضلين ثوريين ماركسيين انفصلوا عن الإتحاد الوطني للقوات الشعبية-أقوى حزب معارض آنذاك – أما النواة الرئيسية للتنظيم الثاني فتشكلت من مناضلين ثورين شيوعيين انفصلوا عن حزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقا وحزب التقدم والاشتراكية لاحقا), في إطار العلاقات التنسيقية الهادفة إلى الوحدة الإندماجية فيما بينهما أطلق التنظيمان الفتيان على نفسهما إسم التنظيم "أ" بالنسبة للتنظيم المؤسس في 30 غشت والتنظيم "ب" بالنسبة للتنظيم المؤسس في 23 مارس.
في خريف 1971 ونظرا لخلافات داخل التنظيم "ب" انفصلت عنه مجموعة من المناضلين عرفت في البداية بالتنظيم "ج".
لاحقا وبعد فشل المحاولات الوحدوية الإندماجية بين التنظيمات الثلاثة أصبح التنظيم "أ" معروف بمنظمة " إلى الأمام" والتنظيم "ب" بمنظمة "23 مارس" والتنظيم الثالث بمنظمة "لنخدم الشعب".
هذه التنظيمات الثلاثة, مع بعض الإختلافات في التوجهات العامة والقضايا التكتيكية, كانت تتبنى الفكر الماركسي-اللينيني وهي التي شكلت ما يعرف بالحركة الماركسية اللينينية أو "اليسار الجدد".
 
-I في ظروف ودواعي تأسيس اليسار الجديد
لقد قيل وكتب الكثير عن ظروف ودواعي تأسيس اليسار الجديد وسنكتفي هنا بالتذكير بأهم هذه الظروف مع التركيز على أهم الأسباب التي كانت وراء هذا التأسيس.
على المستوى العالمي كان الوضع يتميز ب:
-         المد التحرري الوطني للشعوب التي ألحقت هزيمة تاريخية بنظام الإستعمار القديم الذي كان في مرحلة الإحتظار والذي أصبح وجوده منحصرا بالأساس في المستعمرات البرتغالية وجنوب إفريقيا وفلسطين وسبتة ومليلية والجزر الشمالية المغربية.
-         مواجهة الشعوب للنظام الإمبريالي العالي وثورة الشعوب الهند الصينية – وفي مقدمتها الشعب الفيتنامي- بقيادة الأحزاب الشيوعية ضد الإمبريالية الأمريكية وعملائها.
-         المد النضالي للطبقة العاملة وللشباب على مستوى الغرب الرأسمالي وخاصة في فرنسا "أحداث ماي 1968".
-         بروز انحراف التجارب الاشتراكية البيروقراطية بالاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية عن الأهداف الثورية التحررية والديمقراطية لرواد الاشتراكية العلمية وبالمقابل بروز الثورة الثقافية الصينية بقيادة ماوتسي تونغ كمبادرة تصحيحية لإنقاذ البناء الاشتراكي من التسلط والتعفن البيروقراطي عن طريق المشاركة الجماهيرية الواسعة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
على المستوى العربي تميز الوضع أساس ب:
تعمق ذيلية الأنظمة الرجعية العربية من المحيط إلى الخليج للإمبريالية ضدا على المطامح التحررية لشعوب العالم العربي.
-         فشل الأنظمة الوطنية العربية وأنظمة برجوازية الدولة, في تحرير فلسطين وهزيمتها التاريخية في حرب يونيو 1967 إضافة إلى طبيعتها اللاديمقراطية ومعاداتها للحريات الديمقراطية.
-         بروز المقاومة الفلسطينية واستقطابها لولاء الشعب الفلسطيني ولعطف الشعوب العربية.
-         بروز تجارب يسارية واعدة تتبنى الفكر الاشتراكي العلمي كبديل لما عرفته جل الأحزاب الشيوعية العربية من جمود وانحرافات : يسار المقاومة المتمثل في الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين, الجبهة الشعبية لتحرير ظفار, تجربة اليمن الجنوبية.
على الصعيد الوطني كان الوضع يتميز أساس ب:
-         استمرار الدكتاتورية المخزنية المتجسدة في حالة الاستثناء التي تم إقرارها على إثر الإنتفاضة الجماهيرية ب 23 مارس 1965 التي أبرزت في نفس الوقت مدى عداء السلطة المخزنية للجماهير ولحقوق الإنسان وعجز المعارضة الإصلاحية عن حماية الجماهير وقيادة نضالاتها المشروعة.
-         انتعاش قوي للحركة الجماهيرية بعد الجمود الذي عرفته على إثر قمع انتفاضة مارس 1965, وهذا ما تجسد بصفة خاصة في الإضراب الطويل والبطولي لعمال الفوسفاط  بخريبكة عام 1968 وفي الإضرابات الطلابية ذات النفس الطويل والتي اتخذت أبعادا سياسية.
-         عجز الأحزاب التقدمية " أو. ق ش و ح ت. ش"  عن قيادة الحركة الجماهيرية وبروز تناقضات داخلها بين الإتجاه الإصلاحي السائد الساعي إلى التوافق مع السلطة المخزنية, والاتجاهات الثورية بجناحيها الماركسي  والبلانكي.
أما بالنسبة لدواعي تأسيس اليسار الجديد : فإذا كانت كل هذه الظروف تصب في اتجاه بناء تنظيمات ثورية ذات توجه إشتراكي لمواكبة النهوض الجماهيري في أفق قيادة الكفاح الشعبي من أجل بناء نظام وطني ديمقراطي شعبي بأفق إشتراكي , فإن السبب الأساسي للتأسيس يتجسد في الضرورة التاريخية لبناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية.
إن الطبقة العاملة المغربية موجودة منذ عشرات السنين وقد أفرزت حركة نقابية قوية منذ نهاية الأربعينات عرفت أوج قوتها في نهاية الخمسينات. ورغم كل المخططات الرامية إلى إضعاف الحركة النقابية عبر القمع والتقسيم والتفكيك الداخلي فقد ظلت الحركة النقابية العمالية إلى حدود نهاية الستينات موحدة نسبيا وتحظى بنفوذ قوي وسط الطبقة العاملة.
إلا أن ما ظل يميز الطبقة العاملة في نهاية الستينات هو إفتقادها لأداتها السياسية التحررية أي الحزب الثوري المستقل عن الطبقات الأخرى فالتجربة الأولى لبناء مثل هذا الحزب المتجسدة في الحزب الشيوعي المغربي ورغم انطلاقة واعدة قد باءت بالفشل حيث أصبح الحزب شيئا فشيئا يبتعد من حيث توجهاته وبرامجه عن المطامح الثورية للطبقة العاملة ينعزل عن الأنوية المكافحة داخل الحركة النقابية العمالية التي ظلت مرتبطة أساسا بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية, الحزب التقدمي المعبر عن مصالح ومطامح البرجوازية الصغيرة. إن فشل الحزب الشيوعي ثم حزب التحرر والاشتراكية الذي خلفه في التشكل كحزب ثوري للطبقة العاملة قد طرح من جديد ضرورة بناء مثل هذا الحزب.
وإن تقاطع الضرورة الموضوعية لبناء حزب الطبقة العاملة مع الظروف العالمية والداخلية التي سبق ذكرها التي كانت وراء بروز فصائل اليسار الجديد ويضفي المشروعية التاريخية على الحركة الماركسية اللينينية كنواة لإعادة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة بعبارة أخرى إن نشأة اليسار الجديد لم تكن رغبة ذاتية وإنما جاءت نتيجة لضرورة موضوعية عبرت عن نفسها في الظروف التاريخية لنهاية الستينات في بروز تنظيمات اليسار الجديد.
 
أ?-       تقييم تجربة اليسار الجديد في العمل السياسي
أول ما يجب تسجيله وبإلحاح هو صعوبة القيام بتقييم شمولي وموضوعي للتجربة العامة لليسار الجديد نظرا للمدة الزمنية التي تشملها هاته التجربة "28 سنة" نظرا لتكون هاته التجربة العامة  من تجارب فرعية مختلفة تهم الداخل والخارج بل حتى السجون وتهم تيارات مختلفة, نظرا لتعدد الفترات –بما لها من خصوصيات التي مرت منها التجربة العامة والتجربة الخاصة لكل تيار على حدة.
إن ما يزيد في صعوبة التقييم هو موقع الظرف الذي يقوم به, فإذا كانت هناك عناصر من التجربة يمكن تقييمها بشكل موضوعي فهناك عناصر أخرى يخضع تقييمها للذات الساهرة على التقييم: فمن الطبيعي أن يختلف التقييم جزئيا أو كليا للتجربة بالنسبة للمناضل الماركسي الثوري المشبث بالدور الاستراتيجي للطبقة العاملة في التغيير المجتمعي وبالأهداف الكبرى الأصلية لليسار الجديد عن المناضل الديمقراطي ولو – كان جذريا- الذي لم يعد له مرجعية فكرية محددة وليس له أفق مجتمعي بديل للمجتمع الرأسمالي سوى إصدار تقييمات عدمية تصب في اتجاه تدمير الرصيد الكفاحي لليسار الجديد؛ ناهيك عن تقييمات الأطراف المعادية أصلا للتجربة والمتمثلة في التيارات الرجعية – بما فيها الأصولية- وفي الإتجاهات الترقيعية المدافعة عن مشروع التوافق الطبقي بين المخزن والأحزاب المتفرعة عن الحركة الوطنية.
عرف اليسار الجديد بمفهومه الواسع الفصائل-الماركسية اللينينية. الحركة القاعدية الطلابية, التنظيمات أو التيارات المنبثقة عن الفصائل الماركسية اللينينية فترات مختلفة خلال تجربته الممتدة من 1970 إلى الآن – ويمكن تقسيم هذه الفترات كالتالي:
أ?-       من 1970 إلى نونبر 1974 : فترة النشأة والتطور وتمتد من نشأة فصيلي "ب" 23 مارس فيما بعد و "أ" "إلى الأمام" فيما بعد, إلى الاعتقالات الكبرى لشهر نونبر 1974 التي شهدت اعتقال أغلب قيادي وأطر منظمة 23 مارس وجزء من قيادي منظمة "إلى الأمام" ومن ضمنهم الرفيقين أبراهام السرفاتي وعبد اللطيف زروال الذي استشهد تحت التعذيب ليظل رمزا حيا لصمود اليسار الجديد برمته.
وتعد هذه الفترة التي عرفت تأسيس وترعرع الفصائل الماركسية الثلاثة "إلى الأمام, 23 مارس, لنخدم الشعب" أهم حقبة في التاريخ الكفاحي لليسار الجديد وقد تميزت بالخصوص بما يلي:
-         بلورة التوجه الاستراتيجي العام للحركة الماركسية اللينينية المتجسدة في :
-         الاشتراكية العلمية كأساس نظري وأداة للتحليل والقصد هنا في تلك المرحلة هي الماركسية اللينينية كما تم إغناءها من طرف ماوتسي تونغ خاصة في مجال تحليل ومعالجة التناقضات الطبقية والصراع الطبقي في ظل المجتمع الاشتراكي كمجتمع انتقالي من الرأسمالية إلى الشيوعية.
-         تشخيص التناقض الأساسي للمجتمع المغربي كتناقض بين الإمبريالية والكتلة الطبقية السائدة المشكلة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الكمبرادورية من جهة والكتلة الطبقية الشعبية المشكلة في الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين وفئات البورجوازية الصغيرة وأشباه البروليتاريا وسائر المهمشين من جهة أخرى.
-         الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بأفق اشتراكي كحل للتناقض الأساسي وكمسلسل طويل الأمد, من صنع الجماهير الشعبية بقيادة الطبقة العاملة, للتخلص من الهيمنة الإمبريالية على البلاد ومن الكتلة الطبقية السائدة ومن الهياكل المخزنية ولبناء نظام الديمقراطية الشعبية والحكم الذاتي للجماهير من القاعدة " المؤسسات الإنتاجية, الأحياء, القرى, والمدن, الأقاليم والجهات" إلى المستوى الوطني.
-         الجبهة الوطنية الديمقراطية الشعبية كتحالف للطبقات الشعبية من أجل إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
-         الدور المركزي للطبقة العاملة في التغيير مما يفترض التجذر داخلها وبناء الحزب الثوري المستقل للطبقة العاملة الذي  يعتمد على الإشتراكية العلمية كأساس نظري ويضم في صفوفه الطلائع العمالية المكافحة وكذا العناصر الثورية داخل المثقفين والفلاحين وعموم الكادحين وتشكل الحركة الماركسية اللينينة نواة هذا الحزب.
-         تبني الكفاح الجماهيري المنظم والطويل النفس وبمختلف الأشكال كاستراتيجية لإنجاز التغيير الثوري إلى جانب هذه المكونات الأساسية للخط الإستراتيجي العام لليسار الجديد أثناء السنوات الأولى من تشكله تم إنتاج أطروحات ونظريات لعبت دورا تشويشيا ومعرقلا كما سنرى لاحقا.
التأثير القوي لليسار الجديد داخل الطلبة والتلاميذ وشرائح أخرى من المثقفين وقد تزامن هذا التأثير مع تصاعد نضالات الطلبة والتلاميذ بل واتخاذها طابعا سياسيا نظرا لحجمها وشعاراتها, وهكذا فقد عرفت هذه الفترة:
-         سيطرة الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين –التنظيم شبه الجماهيري لليسار الجديد داخل الطلاب على الأجهزة التحتية ل"أ.و.ط.م" وعلى قيادتها أثناء المؤتمر 15 المنعقد في الرباط في غشت 1972.
-         إضرابات تلاميذية واسعة بقيادة اليسار الجديد واكبها تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ كنقابة سرية تتبنى الأطروحات السياسية والفكرية لليسار الجديد.
-         تمكن اليسار الجديد من قيادة الإتحاد الوطني للمهندسين أثناء مؤتمره الأول "دجنبر 1971".
•        ضعف التواجد داخل الطبقة العاملة واقتصاره على عدد قليل من المؤسسات بينما كانت النضالات المطلبية للطبقة العاملة تعرف مدا قويا, وعلى المستوى النقابي تميز موقف اليسار الجديد بخوض صراعات فوقية ضد البيروقراطية النقابية عرقلت عمل المناضلين وسط النقابة.
•         متابعات واعتقالات واسعة في صفوف مناضلي وأطر اليسار الجديد من فبراير إلى يونيو 1972 توجت بمحاكمة الدار البيضاء في صيف 1973 والتي تميزت بالمواقف الشجاعة للمناضلين المعتقلين الذين لم يلجؤوا للدفاع عن النفس بقدر ما لجؤوا إلى الهجوم على السلطة الحاكمة المستبدة وإلى طرح مشروعهم المجتمعي الثوري أمام الملأ.
إصدار مجلة أنفاس بالداخل وجريدة سوفل بالخارج كمنبر إعلامي موحد لليسار الجديد ثم إصدار نشرة إلى الأمام كنشرة  مشتركة كذلك قبل أن تصبح لسان حال منظمة إلى الأمام وإصدار نشرة 23 مارس لسان حال منظمة 23 مارس.
المحاولات الجادة لتوحيد الحركة الماركسية اللينينية رغم ما أصاب هذا المسلسل من تراجع مؤقت بسبب التأثيرات والتقييمات المتباينة لأحداث 3 مارس 1973. وستشكل اعتقالات نونبر 1974 ضربة قاضية لمسلسل الوحدة.
•        إطلاق الحكم لمبادرته المتعلقة باسترجاع الصحراء الرازحة تحت نير الاستعمار الإسباني وتباين مواقف اليسار الجديد من هذه المسألة. وقد كان الموقف السائد المعبر عنه عشية اعتقالات نونبر 74 هو تقرير مصير سكان الصحراء مع دعم الوحدة الديمقراطية لشعوب المنطقة.
 
 
ب?-   من نونبر 74 إلى مطلع 1976
لقد شكلت اعتقالات نونبر 1974 ضربة قاسية بالنسبة لليسار الجديد حيث أصبحت منظمة 23 مارس شبه منعدمة في الداخل بموزاة حيوية ملحوظة بالخارج وبفرنسا بشكل خاص. وقد شكلت هذه الاعتقالات منطلقا لمراجعة سياسية وتنظيمية جذرية بالنسبة لهذا التنظيم الذي بدأ يبحث عن نقط التقاطع مع التنظيمات الحزبية الإصلاحية ومع السلطة وسيتوج هذا المسلسل برجوع قيادي التنظيم بعد بضع سنوات من منفاهم إلى المغرب وبتأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي كتنظيم شرعي.
أما بالنسبة لما تبقى من منظمة إلى الأمام بالداخل فقد واصلوا اندفاعهم النضالي في نفس الإتجاه الحركي وكذا الدعاية لتقرير المصير بشأن الصحراء وهذا ما أدى إلى عزلتهم وتسهيل قمعهم الذي توج باعتقالات مطلع 1976 التي عرفت اعتقال كل قيادي التنظيم بالداخل.
 
    ج- من مطلع 1976 إلى نهاية 1985
تميزت هذه الفترة ب:
•        المحاولة الأولى لإعادة بناء تنظيمات إلى الأمام وقد تمت المبادرة بشكل عفوي من طرف بعض المناضلين في صفوف الطلبة إلى أنها سرعان ما باءت بالفشل وأدت في 1977 إلى اعتقال عشرات المناضلين –مجموعة سجن مكناس- الذين أطلق سراحهم في 1980.
•        بموازاة مع هاتين المحاولتين وفي اتجاه آخر وبمبادرة من قيادة منظمة 23 مارس المتواجدة بالخارج, تم الشروع في تحويل الإتجاه السائد داخل 23 مارس إلى منظمة شرعية وكانت المبادرة الأولى هي تأسيس جريدة " أنوال" التي لعبت دورا مهما في تجميع جل مناضلي 23 مارس حول فكرة تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي أصبحت منظمة شرعية على يسار القوى الإصلاحية.
•        انفجار التناقضات داخل تنظيم إلى الأمام الذي ظل طيلة السنوات السبع الأولى من تأسيسه يحظى بتماسك سياسي وتنظيمي ملحوظ. وقد انفجر هذا التناقض أساسا داخل السجن وبالخارج.
•        بروز الحركة الطلابية القاعدية التي نشأت في أواسط السبعينات وترعرعت بشكل كبير بعد رفع الحظر القانوني عن أ.م.ط.م في نهاية 1978. وعلى إثر فشل المؤتمر 17 المنعقد في صيف 1981 بدأت تناقضات تبرز داخل الحركة القاعدية بدورها.
•        استئناف إصدار جريدة إلى الأمام بالخارج وبروز مجلات ديمقراطية قريبة من اليسار الجديد سيتم منعها على إثر أحداث يناير 1984.
•        المظاهرات الشعبية الكبرى في منطقة الشمال ومراكش "يناير 1984 وما رافقها من قتلى بسبب إطلاق الرصاص على المتظاهرين ومن اعتقالات في صفوف المتظاهرين وفي صفوف المناضلين المتعاطفين مع منظمة إلى الأمام  بمراكش  واتهام السلطة على أعلى مستوى لمنظمة إلى الأمام والإسلاميين بإشعال فتيل المظاهرات.
 
   د- من 1985 إلى بداية التسعينات
  تميزت هذه الفترة بما يلي :
-         الغياب الظاهري لنشاط التنظيمات السرية لليسار الجديد على المستوى الوطني مع استمرار التواجد على مستوى الخارج.
-         استمرار اعتقال ونفي العديد من أطر اليسار الجديد رغم حملات إطلاق السراح في صيف 1980 وصيف 1984.
-         اهتمام متنامي لمناضلي اليسار الجديد بالعمل الجماهيري ليس فقط على المستوى الطلابي وإنما كذلك على مستوى العمل الحقوقي " الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" وعلى المستوى النقابي داخل إ.م.م.ش.وك.د.ش.
 
    هـ- من مطلع التسعينات إلى الآن :
تميزت هذه الفترة ب:
إطلاق السراح على دفعتين لما تبقى من مناضلي اليسار الجديد بالسجون (مع استثناء مناضلين فقط) السماح بعودة المنفيين لأرض الوطن مع استثناء السرفاتي الذي أخرج من السجن ليتم نفيه مباشرة لفرنسا.
تواجد مهم لمناضلي اليسار الجديد داخل الحركة الحقوقية سواء العامة "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان, لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان" أو الفرعية (بعض التنظيمات النسائية الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب ) أو داخل الحركة الثقافية الأمازيغية أو داخل النقابات العمالية (أ.م.ش.ك.د.ش).
•       تقلص تدريجي ملحوظ لتواجد وفعل اليسار الجديد وسط التلاميذ والحركة الطلابية.
•       ثلاث محاولات لتجميع مناضلي اليسار الجديد باءت كلها بالفشل وأدت بدل لبتجميع العام إلى بلورة ثلاث تيارات : تيار النهج الديمقراطي, الحركة من أجل الديمقراطية وتيار الديمقراطيين المستقلين إضافة للمناضلين الذين لا يجدون ذواتهم في التيارات الآنفة وإلى ما تعرفه الحركة الطلابية من تيارات لا ترتبط بالضرورة بالتيارات السابقة.
•       بروز الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب كإطار جماهيري لتنظيم نضالات المعطلين وكمبادرة نابعة عن مكونات اليسار الجديد بالأساس
إن اليسار الجديد – رغم ما يلتقي حوله من اطروحات ومواقف – ظل منذ تأسيسه يتكون من ثلاثة توجهات متباينة, توجه ماركسي ثوري أو شيوعي. وتوجه ديموقراطي جذري وتوجه عفوي مع الإشارة إلى أنه لم يكن هناك بالضرورة تجسيد تنظيمي لهذه التوجهات بل كانت مختلف الفصائل التنظيمية وحتى المناضلين كأشخاص-مخترقة إلى هذا الحد أو ذاك من لدن التوجهات الثلاثة. وإذا كان التوجه السائد في الأصل هو الماركسي الثوري فمع تراكم فشالات اليسار الجذري من جهة ومع ما عرفه العالم من انهيار للإشتراكيات البيروقراطية في الإتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية من جهة أخرى أصبح الاتجاه السائد تدريجيا هو الإتجاه الديموقراطي الجذري مع ما لهذه العبارة من حمولات مختلفة من فترة لأخرى ومن تموجات في المضمون.
إن تقييم تجربة اليسار الجديد في عدد من المجالات سيبين مدى تأثر التوجهات الثلاثة المذكورة على ممارسته السياسية.
أ?-       إن اليسار الجديد فشل في إنجاز المهام المرتبطة بخطه الاستراتيجي العام:
بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة والتقدم في مسلسل الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية وأكثر من ذلك نلاحظ اليوم –إذا استثنينا تيار النهج الديمقراطي وحزب الطليعة الديموقراطي الإشتراكي والتيار المتعاطف مع الأممية الرابعة- تغييب لمفهوم الاشتراكية سواء كأساس نظري أو كتشكيلة اجتماعية بديلة للمجتمع الرأسمالي- لدى سائر الأحزاب ببلادنا وحتى التيارات السياسية المنبثقة عن اليسار الجديد.
صحيح أن اليسار الجديد تمكن عند نشأته من إعادة الاعتبار للماركسية ولمقولات الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية والاشتراكية وحزب الطبقة العاملة. وقد تمكن من ذلك بفضل موقفه النقدي الثابت منذ نشأته لما آلت إليه التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان أوروبا الشرقية من إنحراف عن الخط الاشتراكي الأصيل. إلا أن الضربات والفشلات التي عرفها اليسار الجديد إضافة إلى تأثير الوضع الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قد أدى إلى ردة عامة بشأن مجموع المفاهيم الثورية التي أصلتها الماركسية واللينينية والاجتهادات الفكرية لماوتسي تونغ المستنبطة من تجربة الثورة الصينية.
ب?-  إن فشل اليسار الجديد في بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة يجد تفسيره في العناصر التالية:
تركيز المجهودات على الشبيبة التعليمية انطلاقا من المفهوم الدخيل الذي اعتبر هذه الأخيرة كطليعة تكتيكية وهو ما يجد تفسيره بدوره في أطروحة الثورة على الأبواب السائدة عند نشأة الحركة الماركسية اللينينية والتي تقتضي تنظيم الفئات الأكثر حركية في المجتمع المتمثلة آنذاك في الطلبة والتلاميذ بدل تنظيم الطبقة العاملة القوة القيادية للتغيير الثوري.
-         غياب خطة عملية للتجذر داخل الطبقة العاملة وهو ما يقتضي نهج خطة واقعية للعمل وسط الاتحاد المغربي للشغل النقابة العمالية الكبرى المؤطرة لأقوى وأبرز النضالات العمالية , خطة مبنية على العمل النقابي القاعدي مع تجنب الدخول في الصراعات المباشرة والفوقية ذات الطابع السياسي مع الأجهزة القيادية للنقابة.
-         غياب خطة لاستقطاب الطلائع العمالية المناضلة للعمل السياسي التقدمي والثوري لاحقا وهو ما كان يفرض حل إشكالية العمل السري غير الشرعي والعمل الشرعي, إنه من الصعب جدا إلحاق العامل الطليعي في المجال النقابي بالعمل السياسي الثوري داخل نفس العامل السياسي التقدمي داخل تنظيم أو إطار سياسي شرعي يعمل ولو نسبيا على خدمة المطامح التحررية للطبقة العاملة.
ج- إذا كان من المنطقي أن تتشكل تنظيمات اليسار الجديد كهياكل سرية غير شرعية نظرا للاستبداد والإضطهاد والقمع السائدين في نهاية الستينات وبداية السبعينات ولغياب أدنى احترام للحريات العامة ولحقوق الإنسان, فلم يكن من الصحيح تقديس العمل السري كمنهج وتغييب العمل الشرعي الذي يمكن من نفوذ أقوى داخل الجماهير. هل كان من الصحيح إنشاء"نقابة وطنية للتلاميذ" ذات طابع ماركسي لينيني ثوري بينما تمكنت الحركة النضالية للتلاميذ خلال سنة 1972 من فرض تراجع السلطة على منع الوداديات ومن فرض عملها الشرعي. إن تطوير العمل الجماهيري يفرض على المناضلين أن يعملوا داخل الإطارات الجماهيرية الشرعية الموجودة مع احترام خصوصيتها والآليات الديمقراطية لاشتغالها الداخلي وأن يبدعوا في حالة ضبط جدلية العمل السري والعمل الشرعي قد أدى إلى أخطاء كبيرة لليسار الجديد وعرقلة إمكانية تجذره وسط الجماهير وخاصة منها الجماهير العمالية.
إن عدم ضبط هذه الجدلية أدى إلى تقديس العمل اللامشروع باعتباره عملا ثوريا وتحويم الشبهات حول العمل الشرعي باعتباره عملا إصلاحيا ولو جاء نتيجة النضال الجماهيري العنيد كما كان الشأن بالنسبة لوداديات التلاميذ وحتى بالنسبة لإعتراف السلطة بالشرعية القانونية ل "أ.و.ط.م" في نهاية 1978 التي اعتبرها البعض كخدعة بدل اعتبارها كانتصار حققته الحركة الطلابية بفضل كفاحاتها المتواصلة وتضحيتها الكبيرة.
كما أن تجاهل هاته الجدلية قد أدى في المجال الإعلامي إلى تفضيل اللجوء إلى الإعلام السري ولو كان %90 من مضمونه ذي محتوى قابل للتداول في إطار نشرة أو جريدة شرعية مخصصة لهذه الغاية.
د- لقد كان لليسار الجديد عند نشأته وطيلة سنوات موقف عدائي للإصلاحية كنهج سياسي وكتنظيمات حزبية وهو ما تجسد في شعار " لا إصلاح ولا رجعية قيادية ثورية" إن هذا الشعار يعكس جزءا من الحقيقة المتمثلة في ضرورة مناهضة الرجعية مع رفض الإصلاحة كبديل باعتبارها بديلا وهميا للرجعية وباعتبار أنها لا تعدو أن تزكي الأوضاع القائمة بأساليب جديدة. وهذا ما يتضح من خلال التجربة الحالية لبلادنا. إلا أن هذا الشعار لعب دورا سلبيا من حيث أنه يضع القوى الإصلاحية المعارضة الممثلة لشرائح تدخل في إطار الكتلة الشعبية ذات المصالح المتناقضة مع الكتلة الطبقية السائدة. وقد لعب هذا الشعار دورا معرقلا للعمل المشترك المطلوب بل والضروري أحيانا بين مناضلي اليسار الجدد ومناضلي القوى الإصلاحية وسط التنظيمات الجماهيرية من أجل تحقيق المطالب المباشرة ذات الطابع الإصلاحي بالضرورة. كما أن هذا الشعار قد ادى إلى فهم مغلوط لجدلية الثورة والإصلاح. فداخل اليسار الجديد خصوصا في السنوات الأولى بعد نشأته أصبح الهاجس الوحيد هو الثورة بغض النظر عن شروطها الموضوعية والذاتية, فكل ما يرتبط بالثورة – ولو كان ارتباطا لفظيا أو وهميا- فهو مطلوب وكل ما يؤدي إلى الإصلاحات فقط فهو مشبوه ولو كانت تلك الإصلاحات مطلوبة جماهيريا وتؤدي إلى تعزيز وحدة الحركة الجماهيرية وثقتها في قدرتها. إن اليسار الجديد لم يستفد في هذا المجال –جدلية الثورة والإصلاح- من التجربة المراكمة منذ قرن من طرف الإشتراكيين الديموقراطيين ثم الشيوعيين لاحقا والتي أثبتت أن النضال من أجل الإصلاحات –إذا كان له أفق استراتيجي ثوري يمهد الثورة- عبر استجماع القوى الجماهيرية وتبيان محدودية العمل الإصلاحي نفسه- وأن الثورة  بدورها تفتح المجال للإصلاحات الحقيقية والقارة لأنها تنجز في إطار علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية ثورية.
هـ- إن الخلط بين العمل الجماهيري (نقابي, حقوقي, ثقافي...) والعمل السياسي شكل إحدى انزلاقات اليسار الجديد عند نشأته وهو ما أساء في نفس الوقت للعمل الجماهيري وللعمل السياسي اليساري الجديد. وإذا كان تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ كإطار سري يتبنى الفكر الماركسي اللينيني (ن و ت) كانت تشكل في الحقيقة الشبيبية التلاميذية لليسار الجديد أكثر مما كانت نقابة يشكل قمة هذا الخلط فإن المجالات الأخرى للعمل الجماهيري لم تخل من هذا الخلط ويكفي التذكير هنا بالمواقف السياسية ل أ.و.ط.م الصادرة عن مؤتمره بإيعاز من اليسار الجديد وبمواقف عدد من مناضلي اليسار الجديد داخل النقابة العمالية وداخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في سنواتها الأولى بعد التأسيس. وللحقيقة فإن الخلط بين العمل السياسي والعمل الجماهيري, في مختلف مجالاته, لم يكن يقتصر على اليسار الجديد وإنما هو ميزة عامة لمجمل التنظيمات السياسية في البلاد. وإذا كان هذا الخلط مفهوم ومقصود لدى التنظيمات السياسية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة –التي تسعى إلى إخضاع الحركة الجماهيرية لمخططاتها السياسية الطبقية –فإنه غريب على الفهم الماركسي لجدلية العمل السياسي والعمل الجماهيري خاصة في المجال النقابي.
ورغم السلبيات السالف ذكرها في مجال العمل الجماهيري لابد أن نسجل في هذا التقييم السريع والجزئي دور اليسار الجديد في إثراء العمل الجماهيري ببلادنا:
•        على المستوى العام تم طرح مفهوم التنظيم الذاتي للجماهير الذي يمكن الجماهير من تنظيم نفسها حول قضاياهم الملموسة بأفق تحرير نفسها بنفسها. ولابد هنا من الإشارة ولو بشكل عابر إلى كون اليسار الجديد قد تعامل بارتخاء مدهش مع ظاهرة وتشتت الحركة الجماهيرية في حين كان ومازال من الضروري أن يسلط النقد على التمزيق المفتعل للحركة الجماهيرية والتأكيد على ضرورة إعادة بناء وحدتها في ظل احترام الديموقراطية الداخلية والتعددية السياسية والفكرية داخلها.
•        على المستوى النقابي العمالي تم التركيز على الوحدة العمالية وعلى الديموقراطية النقابية والاستقلالية النقابية كمبادئ أساسية للنهوض بالحركة النقابية العمالية بعدما عرفته من تراجع بسبب التقسيم والإنحرافات الداخلية.
•        على المستوى الطلابي لقد شكلت تجربة الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين ثم التجربة القاعدية الامتداد الجماهيري لليسار الجديد وسط الحركة الطلابية. وإذا كانت التجربة القاعدية قد مكنت الحركة الطلابية من معرفة نهوض قوي بعد رفع الحظر عن أ.و.ط.م في 1978 فلابد من تسجيل تراجع هذه التجربة ابتداءا من مطلع التسعينات لصالح التيارات الأصولية وهو ما يرجع إلى افتقاد الحركة القاعدية لخطة عمل واضحة ولتغليب الصراع الداخلي على الوحدة مما أدى بدوره إلى التقسيم الذي تعرفه والذي له علاقة كذلك بما تعرفه تيارات اليسار الجديد من تناقضات. إن المطروح إذن هو تقييم التجربة القاعدية وتمكينها من خطة عمل موحدة للنهوض مجددا ب "أ.و..ط.م" وإنقاذها من هيمنة الأصوليين الذين عززوا نفوذهم وسط الطلاب بفضل التصاقهم بمشاكلهم اليومية وضبطهم للعلاقة بين النقابي والسياسي.
على المستوى الحقوقي كان اليسار الجديد سباقا إلى تطوير النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين سواء عبر النضالات المباشرة للمعتقلين السياسيين داخل السجون أو نضال العائلات (وهذه ظاهرة يرجع الفضل في بروزها وتطورها لليسار الجديد) أو نضال مختلف التنظيمات الجماهيرية والحقوقية بالداخل والخارج.
وأن ما تعرفه بلادنا حاليا من تقدم جزئي على مستوى احترام بعض حقوق الإنسان السياسية والمدنية يعود بشكل كبير إلى استماتة اليسار الجديد, بالداخل والخارج, في النضال من أجل الحريات الديمقراطية... وبعد الإنفراج النسبي الذي عرفه ملف الإعتقال السياسي بادر اليسار الجديد إلى العمل مع الفعاليات الأخرى وفي إطار احترام معايير حقوق الإنسان على تأصيل النضال الحقوقي على مستوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عبر تحديد مبادئ النضال الحقوقي للجمعية وعبر إعادة الاعتبار انسجاما مع مبدأ الشمولية للنضال من أجل احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع ما يفترضه ذلك من تطوير لجماهيرية النضال الحقوقي.
وفي المجال الثقافي لقد كان لليسار الجديد دور مهم في إعادة طرح المسألة الأمازيغية –التي كانت حكرا في السابق على القوى الرجعية ومجالا للاستغلال المشبوه – من منظور ديموقراطي تقدمي حيث تم التأكيد على احترام الحقوق الأمازيغية والثقافية للمكون الأمازيغي للشعب المغربي وتم تبني الطروحات الديموقراطية الثقافية الأمازيغية.
أما على مستوى العمل الجماهيري بالأحياء الشعبية وعلى مستوى الفلاحين فقد ظلت تجربة اليسار الجديد جنينية أو ضعيفة رغم الأهمية التي أولتها أدبياتها للعمل في هذا المجال.
من القضايا التي أثرت بشكل كبير على تجربة اليسار الجديد هي قضية تحرير الصحراء.
ففي 4 ماي 1970 بينما كان اليسار الجديد في طور التأسيس اندلع إضراب طلابي عام احتجاجا على الزيارة للمغرب لوزير خارجية إسبانيا الدولة المستعمرة للصحراء. وبعد أسابيع محدودة سيلتحق جزء كبير من هؤلاء الطلاب بالجبهة الموحدة للطلبة التقدميين –القاعدة الأساسية لليسار الجديد عند نشأته – التي ستتمكن بعد سنتين أثناء المؤتمر 15 من الفوز بقيادة أ.و.ط.م وبإعطاء المنظمة الطلابية توجها جذريا على المستوى السياسي. ومن ضمن المواقف التي تبناها المؤتمر وبتأثير من المناضلين الصحراويين أنفسهم موقف حق تقرير المصير لشعب الصحراء.  وبعد مبادرة السلطة في 1974 المتعلقة باسترجاع الصحراء, أعلنت منظمة إلى الأمام موقفها بتقرير المصير لسكان الصحراء مع  التأكيد على الوحدة الديموقراطية لشعوب المنطقة.
وأمام الإجماع الوطني الملتف حول الموقف الرسمي من قضية الصحراء وجد اليسار الجديد –ومنظمة إلى الأمام بشكل خاص نفسه معزولا ورغم هذا الوضع تواصل المجهود الإرادوي من اجل الدعاية لموقف تقرير المصير – رغم الضعف الذاتي الذي لم يكن يسمح بمثل هذه المبادرات ذات النزعة الطليعوية- مما سهل عملية القمع المسلط على اليسار الجديد : حملات 1974, 1975, 1976 و 1977.
لقد كان التعبير عن موقف "تقرير المصير لشعب الصحراء" يعد عمليا كجريمة سواء من طرف السلطة الحاكمة أو من طرف مجمل القوى السياسية المندرجة في الإجماع الوطني حول الموقف الرسمي بشأن الصحراء. وقد وقع بعض الإنفراج على هذا المستوى بعدما أعلنت السلطة ابتداء من 1980 قبولها لاستفتاء تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة. وفي السنوات الأخيرة أصبحت منظمات حقوقية وبعض القوى السياسية تتبنى موقف تقرير المصير عبر الاستفتاء وهو ما أدى إلى فك العزلة عن اليسار بشأن موقفه من الصحراء.
وبالمقابل أصبح اليسار الجديد يتعامل بدوره بشكل هادئ واقعي مع هذا الملف مكتفيا بالتأكيد على تطبيق مقررات الأمم المتحدة وعلى الحل الديموقراطي المتمثل في استفتاء تقرير المصير الحر والنزيه.
رغم الأخطاء والإنحرافات التي عرفتها تجربة اليسار الجديد لا أحد يمكن أن ينكر الكفاحية العالية التي تميز بها كحركة وتميز بها مناضلو هذه الحركة:
إن أطروحة "لنبن الحزب تحت نيران العدو" رغم ما يكتنفها من إرادوية قد تؤدي إلى المغامرة تجسد الشجاعة السياسية لليسار الجديد الذي ظل خلال السنوات الأولى من  نشأته يواجه القمع بهمة عالية وبالتحدي والتصدي. فرغم القمع الذي حصد المئات المتعددة من المناضلين والأطر- رجالا ونساء- وزج بهم داخل السجون أو أبعدهم إلى المنافي, لم يلبث مناضلون آخرون أن رفعوا مشعل النضال بالداخل بينما واصل المعتقلون والمنفيون كفاحهم في مواقعهم الجديدة وكأنهم أرسلوا إليها في مهمة سياسية.
خلال المسيرة النضالية الشاقة لليسار الجديد سقط عدد ن الشهداء سيظلون رموزا للصمود والتفاني من أجل انعتاق الجماهير الشعبية ونذكر من بين هؤلاء الرفاق:
-         عبد اللطيف زروال وأمين تهاني اللذين سقطا ضحية للتعذيب الوحشي وحماية لتنظيمهم وأمن رفاقهم.
-         سعيدة المنبهي وبوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري وعبد الحق شباضة الذين استشهدوا في السجون على إثر إضرابات بطولية عن الطعام.
-         رحال جبيهة الذي سقط شهيدا وهو يحاول الفرار من سجنه ليواصل النضال خارج السجن.
-         بوعبيد حمامة أحد رواد اليسار الجديد الذي استشهد بعد معاناة قاسية في منفاه بالجزائر.
-         بنعيسى آيت الجيد والمعطي بومليل الطالبين القاعديين الذين الذين استشهدا على يد العصابات الفاشية الظلامية.
إن أهم المجالات التي تجلت فيها كفاحية اليسار الجديد ومناضليه تتجسد في :
الشجاعة في مواجهة التعذيب والصمود أمام الجلادين. وقد سبق لنا ذكر نموذج زروال وتهاني وهناك أمثلة العشرات من المناضلين الذين واجهوا بصمود بطولي محنة التعذيب بعضهم لازال لحد الآن يحمل عاهات هذا التعذيب.
-         اعتبار السجن كجبهة نضالية جديدة يعمل الإنسان داخله على تكوين الذات وعلى مواكبة النضالات الشعبية وعلى خلق شروط إنسانية للاعتقال وهو ما أدى إلى مواقف وتحركات إحترام كرامة المعتقل السياسي والتي خلفت عددا من الشهداء والعديد من المصابين بعاهات مستديمة.
-         المواقف البطولية لمناضلي اليسار الجديد أثناء محاكمتهم (خاصة محاكمات الدار البيضاء في غشت 73 يناير وفبراير 77 وفبراير86) حيث جعلوا من المحاكمة مناسبة لمحاكمة مستغلي ومضطهدي الجماهير الشعبية وللتأكيد على هويتهم الاشتراكية والثورية وإدانتهم للكتلة الطبقية السائدة وللعلاقات المخزنية وعزمهم على مواصلة الكفاح حتى تتحقق المطامح الثورية للشعب المغربي بقيادة الطبقة العاملة من أجل الديموقراطية الشعبية والاشتراكية.
-         تحمل الظروف القاسية للنضال والحياة في السرية عندما فرضت المتابعات البوليسية اللجوء إلى هذا الشكل النضالي.
-         مواصلة النضال في المنفى سواء على المستوى الجماهيري (تنظيم الهجرة العمالية وتنظيم الطلبة المغاربة بالخارج) أو على المستوى السياسي بارتباط مع تيارات اليسار الجديد بالمغرب.
وأخيرا وليس آخرا, اتخاذ المواقف السياسية والنضالية الجريئة رغم كل ما يستتبعها من مخاطر وقمع سياسي.
 
-III  حول التجميع والتطورات التي عرفتها التجربة اليسارية في السنوات الأخيرة
في ظل الهامش الديموقراطي الذي عرفته البلاد في مطلع التسعينات كانت الوضعية بالنسبة لليسار الجديد تتميز بما يلي :
-         خروج العديد من المناضلين والأطر القيادية لليسار الجديد من السجون والتحقاهم مجددا بالعمل النضالي في النقابات في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان, في الجمعيات الثقافية, وسط الطلاب...
-         القوة الكبيرة للقاعديين وسط الحركة الطلابية.
-         التناقض البارز بين كثرة المناضلين وقوة فعلهم الجماهيري وضعف المردودية السياسية لعمل اليسار الجديد ككل بسبب غياب التنسيق بين المناضلين وتشتت فعلهم والإفتقاد لخطة سياسة موحدة.
هذه المعطيات  أدت إلى التفكير في تجميع اليسار الجديد في تنظيم موحد يحدد النقاش شكله وأسلوب عمله. وتعد فكرة التجميع إمتدادا للوحدة المنشودة بين فصائل الحركة الماركسية اللينينية والتي لم يكتب لها التحقق بسبب عوامل موضوعية وذاتية. وقد كان لفكرة التجميع شعبية كبيرة وسط اليسار الجديد الذين أصبحوا ينعتون أنفسهم بالمناضلين الديموقراطيين لذا لا غرابة أن يلتف حولها عدد كبير من المناضلين وأن يصبح التجميع المرتقب حدثا سياسيا يتتبعه الجميع من أعداء وخصوم وأصدقاء.
وقد عرف النصف الأول من التسعينات ثلاث مبادرات للتجميع:
-         محاولة التجميع الأولى بمبادرة مجموعة جريدة "المواطن" ذات التوجه "الديموقراطي الجذري" والتي ربطت التجميع بمنظورها الخاص للأوضاع السياسية مع محاولة ربطه بالتقارب مع الاتجاه الذي يقوده الأموي داخل الإتحاد الإشتراكي. وقد فشلت هذه المحاولة بسبب ما خلفته من نقد أو تحفظ لدى جل مناضلي اليسار الجديد.
-         انطلقت محاولة التجميع الثانية بمبادرة من الناضلين الوحدويين بمنطقة الرباط- سلا وقد عرفت هذه المبادرة نجاحا مهما بفضل المشاركة الحرة لفعاليات من مختلف التوجهات في النقاش الديموقراطي والهادف وتم الوصول إلى صياغة أرضية سياسية تنظيمية تشكل الحد الأدنى من الإتفاقات السياسية ما بين المساهمين في المبادرة وتؤكد على الخط العام الأصيل لليسار الجديد: مناهضة العلاقات المخزنية والعمل على بناء ديموقراطية شمولية-سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية- بدءا بوضع دستور جديد من طرف مجلس تأسيسي منتخب قبل طرحه للإستفتاء الشعبي الحر والنزيه. النضال في أفق بناء المجتمع الإشتراكي كبديل للمجتمع الرأسمالي التبعي السائد ببلادنا, تبني الإشتراكية العلمية كأساس نظري وأداة للتحليل, التاكيد على الدور الأساسي للطبقة العاملة والجماهير الشعبية في التغيير التقدمي للمجتمع.
إلا أن هذه المبادرة فشلت بدورها  بسبب التسرع والتخلي عنها لفائدة مبادرة جديدة تجاهلت النقاشات والنتائج المترتبة عن المبادرة الثانية.
جاءت المبادرة الثالية للتجميع كمبادرة تنسيقية بين التيارات والفعاليات المكونة لليسار الجديد وخلافا للمبادرة الثانية قد طرحت نفسها كمبادرة تنسيقية وطنية على مستوى القمة بين تيارات. وقد فشلت هي الأخرى ليس فقط بسبب طابعها الفوقي ولكن وأكثر من ذلك بسبب تخلي بعض المساهمين في النقاش عن ثوابت اليسار الجديد. فإذا كان المناقشون ينتمون تاريخيا كأشخاص لليسار الجديد فإن بعضهم أصبح يتنكر لعدد من الطروحات المكونة للحد الأدنى من ثوابت اليسار الجديد.
2- إن فشل المبادرات الثلاثة للتجميع قد أدى إلى تشكل ثلاثة تيارات:
النهج الديمقراطي والحركة من أجل الديمقراطية والديمقراطيون المستقلون مما زاد في تعقيد عملية التجميع الذي أصبح يتطلب موافقة التيارات الثلاثة بما يعتمل كل تيار من تناقضات داخلية. ويرجع سبب هذا الفشل إلى تباين المواقف السياسية بين أطر ومناضلي اليسار الجديد وإلى التصور الأصلي للتجميع كعملية تنظيمية مع إغفال الجانب السياسي الذي ما لبث أن طرح نفسه بقوة في لحظة معينة فانفجرت التناقضات.
والإشكالية المطروحة الآن هي كالتالي:
-         هل يتم تجميع مناضلي اليسار الجديد على أسس ثوابت هذا اليسار مما يستوجب تركيز هذه الثوابت مجددا ويرفض إذا اقتضى الحال التخلي ولو على مضض –عن المناضلين الديمقراطيين الذين لم يعد لهم قناعة بثوابت اليسار الجديد؟
أم يتم العمل في اتجاه تجميع كل المناضلين السابقين في صفوف اليسار الجديد, الراغبين في التجميع, مهما كانت مواقفهم الحالية حتى لو أدى ذلك إلى تبني أرضية سياسية للتجميع فضفاضة لا يتعدى سقفها برنامج النضال الديمقراطي الإصلاحي؟ وهذه  العملية بدورها لن يكتب لها النجاح من جهة لان حصيلة التجميع السياسية والتنظيمية لن تختلف إلا في الجزئيات عن ما هو موجود في الساحة ومن جهة أخرى لان العديد من المناضلين متشبثون بالحد الأدنى من ثوابت اليسار الجديد ولن يقبلوا الإنخراط في تجميع فضفاض يصبح بمثابة نادي سياسي وثقافي لقدماء المعتقلين السياسيين الديمقراطيين المرتبطين تاريخيا باليسار الجديد.
إن الإشكالية المطروحة أعلاه تفرض علينا تدقيق مضمون الحد الأدنى لثوابت اليسار الجديد والذي بدونه يفقد هويته الأصيلة ويتحول إلى حركة سياسية جديدة لا علاقة لها بالمشروع الأصلي لليسار الجديد وتتمثل هذه الثوابت في نظرنا في ما يلي :
-         الإعتماد على الاشتراكية العلمية بما تستوجب من مراجعات وإغناءات على ضوء التجربة التاريخية كأساس نظري وكفكر نقدي ثوري وكأداة للتحليل والتغيير.
-         النضال من أجل القضاء على العلاقات الرأسمالية التبعية السائدة ببلادنا وبناء المجتمع الاشتراكي عبر مراحل الذي يجسد السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية للطبقة العاملة بتحالف مع سائر الجماهير الكادحة.
-         في أفق النضال من أجل بناء المجتمع الاشتراكي المنشود, التأكيد على النضال من أجل التخلص من العلاقات والهياكل المخزنية وبناء الديمقراطية الشعبية كديموقراطية شمولية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تضمن كافة حقوق الإنسان للجميع. وهذا ما يستوجب كمنطلق وضع دستور ديموقراطي يتم بلورته في إطار مجلس تأسيسي مكون بشكل ديموقراطي قبل طرحه للاستفتاء الشعبي الحر والنزيه.
-         التأكيد على الدور المحوري والقيادي للطبقة العاملة في التغيير مما يفرض تجذر اليسار داخل الحركة العمالية وبناء حزب الطبقة العاملة الذي يضم الطلائع المكافحة من صفوف العمال وسائر الكادحين بالإضافة إلى المثقفين العضويين المرتبطين بقضايا الطبقة العاملة والشعب الكادح.
-         التأكيد على الدور الأساسي والحاسم للجماهير الشعبية في التغيير التقدمي مما يفرض على مناضلي اليسار الجيد الإنصهار في العمل الجماهيري بكل أبعاده: داخل النقابات العمالية والطلابية والتعليمية, داخل المعطلين وسط الفلاحين, وسط الأحياء الشعبية, المشاركة في النضال الحقوقي والعمل الجمعوي الديموقراطي بكل أبعاده: النسائي, الثقافي, الشبيبي,...
كل هذا مع استحضاره ضرورة العمل على إعادة بناء وحدة الحركة الجماهيرية والتنظيمات الجماهيرية التي أدى مخطط تقسيمها وتفتيتها وتذييلها للسلطة وللأحزاب السياسية إلى إضعافها وتهميش فعلها وإلى إنحرافها عن أهدافها الأصيلة.
 
- IV أي آفاق للعمل اليساري في المغرب: تجميع اليسار الجديد؟ أم بناء اليسار الاشتراكي؟
1-     إن الظروف التي تحيط بعملنا النضالي في نهاية هذا القرن تتسم بالردة العامة سواء على المستوى الوطني أو العالمي.
-         فعلى المستوى العالمي إن انهيار منظومة البلدان الاشتراكية البيروقراطية قد أدى إلى انفراد الإمبريالية –بزعامة الولايات المتحدة- بالسيطرة على العالم مع ما يواكب ذلك من عولمة لليبرالية المتوحشة  ومن تزايد لنفوذ الشركات المتعددة الإستيطان والمؤسسات المالية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وبالموازاة مع ذلك يتم تسجيل ضعف القطب المناهض للامبريالية والمتمثل في ما بقى من بلدان إشتراكية والحركة العمالية الشيوعية والتقدمية والأنظمة الوطنية والحركة التحررية والتقدمية المتصادمة مع الهيمنة الإمبريالية. إلا أن عجز النظام الرأسمالي العالمي على حل التناقضات المتولدة في أحشائه سيؤدي حتما إلى إضعافه وإلى تنامي نضالات الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة وسائر القوى الوطنية والتقدمية والاشتراكية المعادية للامبريالية. فرغم كل ما قيل وكتب عن الانتصار النهائي للرأسمالية وعن نهاية التاريخ إن الصراع الطبقي ضد الرأسمالية متواصل والاشتراكية باعتبارها البديل التاريخي للمجتمع الرأسمالي تظل هي مستقبل الإنسان.
-         على المستوى الوطني, لقد قبلت الأحزاب الإصلاحية المشاركة من موقع ضعف في مسلسل التوافق مع السلطة المخزنية ولن يؤدي ذلك سوى إلى المزيد من استغلال واضطهاد وتفقير وتهميش الجماهير الشعبية للكرامة والإنعتاق. فقد أصبحت المعارضة تقتصر على المعارضة الأصولية ورأس رمحها جماعة العدل والإحسان وعلى المعارضة التقدمية الديموقراطية الإشتراكية المتمثلة في التيارات المحسوبة على "اليسار الجديد" أو القريبة منه وفي حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي.
وفي ظل هذه الأوضاع يطرح على المعارضة التقدمية أن تستجمع قواها وتعبئ طاقاتها لتشكيل البديل التقدمي –ذي الطابع الديموقراطي الجذري- الذي يمكن أن تلتف حوله الجماهير الشعبية وإلا ستجد هذه الأخيرة نفسها منساقة وراء البديل الوهمي المتمثل في المعارضة الرجعية الأصولية.
لقد فشل المناضلون الماركسيون مرتين في مهمة بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة وقد تجسد الفشل الأول في ما آل إليه الحزب الشيوعي المغربي من انحراف وهو ما يتجلى بوضوح الآن بعد أن تحول الحزب الوريث " التقدم والاشتراكية" إلى حزب إصلاحي ترقيعي مندرج في مسلسل التوافق مع القوى الرجعية المخزنية وتجسد الفشل الثاني في ما آلت إليه أوضاع حركة " اليسار الجديد" من تفكك بل وانحرافات عن عدد من ثوابت مشروعها الأصلي.
إن الفشل في بناء حزب الطبقة العاملة لا يجد تفسيره في أخطاء وانحرافات رواد المشروع فقط وإنما كذلك في تكالب مختلف القوى الطبقية –الإمبريالية, السلطة المخزنية, القوى الرجعية التقليدية والأصولية, القوى البرجوازية الصغيرة بمختلف تلاوينها ضد مشروع بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة لأنها تدرك أن نجاح هذا المشروع سيؤدي إلى بلورة البديل الحقيقي للمجتمع الرأسمالي الحالي وبالتالي إلى الإجهاز على مصالحها المرتبطة بهذا النظام المجتمعي.
3- ورغم ذلك إن مهمة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة تظل مهمة راهنة
إذ بدون هذا البناء ستظل الطبقة العاملة عاجزة عن القيام بدورها التاريخي في تحرير نفسها وتحرير المجتمع وستظل عرضة للتقسيم وللإستغلال السياسي لخدمة مشاريع سياسية تسير كلها في اتجاه مواصلة استغلالها الاقتصادي واستعبادها السياسي.
إن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة تجري اليوم في ظروف عامة أشد صعوبة من الظروف التي شهدت ميلاد اليسار الجديد وإن كان هنالك جانب إيجابي في هذا الوضع يتمثل في مراكمة خلاصات هامة مستخرجة من التجربتين الفاشلتين لبناء حزب الطبقة العاملة , في التكاثر العددي للطبقة العاملة ومستواها الدراسي الذي يؤهلها أكثر للتوعية, وفي تنامي كفاحيتها كل هذا مع وجود هامش ديموقراطي يوفر شروطا أفضل لإنطلاق عملية التنظيم السياسي الطبقي العمالي.
إن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة تمر اليوم وكمرحلة أولى عبر وحدة اليسار الاشتراكي المتبنية للحد الأدنى من ثوابت ما سمي لحد الآن باليسار الجديد "انظر أعلاه" سواء كان أصلها هو اليسار الجديد أو أي تنظيم تقدمي أو اشتراكي آخر.
إن المطروح إذن هو العمل على تعزيز وتوحيد قوى اليسار الاشتراكي (بالمفهوم الماركسي للاشتراكية) أما الجري وراء شعار وحدة اليسار الجديد (وهل ما زال هذا اليسار جديدا بعد أن وصل عمره إلى 28سنة؟ ) فهو سراب وتضييع للوقت والطاقات يصب في اتجاه تكريس الوضع الحالي أو الإنحدار إلى القرون الوسطى إذا تمكن المشروع الأصولي من فرض نفسه كبديل.
إن البديل التقدمي للوضع "الديموقراطي" بالبلاد ولشكله الحالي المتجسد في التجربة التوافقية الراهنة لا يمكن أن يتحقق خارج توحيد قوى اليسار الاشتراكي وتعزيز صفوفه وهو ما سيشكل بدوره النواة الصلبة لتحالف سائر القوى الديموقراطية الجذرية من أجل إقامة نظام ديموقراطي تحترم فيه كافة حقوق الإنسان, بعبارة أخرى أن بناء اليسار الاشتراكي يعد ضرورة ليس فقط بالنسبة لمسلسل بناء حزب الطبقة العاملة وإنما كذلك من أجل بناء تجمع ديموقراطي جذري قوي ومتماسك.
 
غشت 1998
 
 
سبق نشره بجريدة النهج الديموقراطي – العدد 35 – غشت 1998
           



#عيسى_بدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو ...
- الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن ...
- مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال ...
- مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م ...
- مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
- هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
- مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
- بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل ...
- -التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات ...
- القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو) ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عيسى بدوي - الحركة الماركسية –اللينينية : التجربة والآفاق