أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد علي محيي الدين - كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة















المزيد.....


كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8230 - 2025 / 1 / 22 - 10:56
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدر عن دار ابن خلدون- دار المكتبة الاهلية للنشر والتوزيع في البصرة كتاب جديد للناقد العراقي الاستاذ مقداد مسعود تحت عنوان (كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة)2023م وهو كتاب قيم أضاف للمكتبة العربية رؤية نقدية جديدة، فالكاتب لا يريد غواية القارئ كما يقول، وأعطاه حرية التحاور المتجدد، فهو كما يقول ايضاً ان "ما يكتبه لا يقيده بمنهج علمي معين، لأنه يرى ان كل المناهج تنمط بحوثاً، وتمنحها وجهاً واحداً يتكرر في كل المرايا".
وتُعد الكناية عن الديالكتيك (الجدل) إحدى الأدوات الفكرية العميقة التي تُمكّن الإنسان من استكشاف العالم معرفيًا وفهم التناقضات الكامنة في الظواهر الطبيعية والاجتماعية، وهو ليس مجرد أسلوب منطقي بل هو منهج فلسفي يسعى لفهم التغير والتطور عبر التفاعل الجدلي بين الأضداد، ومن خلاله يمكن للإنسان تجاوز الفهم السطحي للواقع والوصول إلى مستويات أعمق من المعرفة.
ومفهوم الديالكتيك هو منهج فلسفي يُستخدم لتحليل الظواهر من خلال التناقضات التي تحكمها، يرتكز هذا المنهج على فكرة أن التطور يحدث نتيجة الصراع بين أضداد متناقضة، ما يؤدي إلى نشوء حالات جديدة. يعود أصل الديالكتيك إلى الفلسفة الإغريقية، حيث كان سقراط وأفلاطون يستخدمانه كطريقة للحوار والتفكير النقدي. لكن مع الفلسفة الحديثة، خاصة مع هيجل وماركس، اكتسب الديالكتيك طابعًا منهجيًا أكثر تعقيدًا.
هيجل، على سبيل المثال، ربط الديالكتيك بفكرة "المطلق"، حيث رأى أن التقدم الفكري يتحقق من خلال التفاعل بين الأطروحة ونقيضها للوصول إلى التركيب الأعلى. أما ماركس، فقد طبّق الديالكتيك على التاريخ والمجتمع، مؤكدًا أن الصراع بين الطبقات هو المحرك الأساسي للتغير الاجتماعي.
ويتطلب تناول العالم معرفيًا من منظور ديالكتيك فهم الظواهر باعتبارها كيانات متغيرة ومترابطة. هذا يعني تجاوز النظرة الثابتة للواقع والنظر إلى كل ظاهرة كجزء من سياق أوسع من التفاعل والتأثير المتبادل. على سبيل المثال: الطبيعة والتغير:
ففي الطبيعة، يُظهر الديالكتيك كيف أن العمليات الحيوية تتغير وتتطور باستمرار. دورة الماء، على سبيل المثال، تمثل حركة ديالكتيكية مستمرة بين التبخر والتكثيف والهطول. من خلال هذا الفهم، ندرك أن الطبيعة ليست ثابتة بل ديناميكية تخضع لقوانين التغير.
اما المجتمع والصراع الطبقي: فيوضح الديالكتيك أن المجتمع يتغير نتيجة التفاعلات والصراعات بين مختلف الطبقات الاجتماعية. ماركس، على سبيل المثال، استخدم هذا الإطار لفهم التطور التاريخي، حيث رأى أن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج يؤدي إلى تحول جذري في البنية الاجتماعية.
لذلك يتطور الفكر البشري نفسه بتطور بطريقة ديالكتيكية، والأفكار الجديدة غالبًا ما تنشأ كرد فعل على الأفكار القديمة، ومن خلال التفاعل الجدلي، يتم الوصول إلى مفاهيم أعمق وأكثر شمولية.
وتكمن أهمية الديالكتيك في المعرفة في التكامل والشمولية، فالديالكتيك يُمكّن الباحثين من النظر إلى الظواهر من زوايا متعددة، مما يؤدي إلى فهم شامل ومتكامل، عبر التركيز على الديناميكية، ويساعد الديالكتيك على استيعاب التحولات والتغيرات في العالم، مما يجعله أداة فعالة للتنبؤ بالتطورات المستقبلية، كما يدعو الديالكتيك إلى التفكير النقدي والبنّاء، حيث يمكن استخدامه لتجاوز الأطر التقليدية والوصول إلى رؤى مبتكرة.
وتتركز تطبيقاته في العلوم المختلفة، ففي مجال العلوم الطبيعية فهم العمليات البيولوجية والكيميائية التي تتفاعل بشكل جدلي، وفي العلوم الاجتماعية يقوم بتحليل الحركات السياسية والثورات الاجتماعية، وفي الفلسفة يستكشف القضايا الوجودية والمعرفية من خلال أسلوب جدلي متسق.
لذلك فإن الكناية عن الديالكتيك ليست مجرد أداة تحليلية بل هي منهجية معرفية عميقة تمكننا من فهم العالم بكل تعقيداته، من خلال التركيز على التفاعل بين الأضداد، ويقدم الديالكتيك إطارًا فكريًا يعين الإنسان على مواجهة التحديات الفكرية والعملية، وفي عصر التغير السريع الذي نعيشه اليوم، يصبح الديالكتيك أكثر أهمية من أي وقت مضى، كوسيلة لفهم الديناميات المتشابكة للعالم.
من هنا أنطلق الكاتب مقداد مسعود في تحليله لآراء الباحثين والمفكرين في مختلف مجالات المعرفة، فقد تناول الاخلاق في عصر الثقافة السائلة للمفكر البولندي زيغمونت باومان بالحوار والأسئلة وتتبع ممنهج لكل ما انتج المؤلف من افكار متجاوزاً لأفكار الآخرين الذين تناولوا الموضوع من زوايا أخرى.
ويقرأ (أميل سيوران) قراءة جديدة يظهر من خلالها الفلسفة الكامنة بين أسطره وفوارزه التي " وجد فيها تأويلات خصبة.. وحداً يشير الى المختلف، وهو يبشر بالفراغ ويمهد الطريق الى العدم، وفلسفته من خلال شذراته: أن تكون انسانا هو أن تبحث عن عقار لما أفسده الدهر، والشاعر ماكر يستطيع أن يتلوى من البرد الى حد المتعة، ولا مفر لكل مفكر في بداية حياته المهنية، من الاختيار بين الجدل والنواح، هذه الشذرات وغيرها أبان خلالها الفلسفة التي اعتمدها وأبرزها من خلال كتابته ، وأعطى للقارئ صورة مجترة من وحي أفكار الكاتب أبان خلالها مناحيه وتوجهاته الفكرية، ورسم صورة معبرة عن كينونة فكره.
وناقش من خلال كتابته عن (افلاطون بعيدا عن كهفه) عدد من التصورات والافكار التي تناولت الفلسفة الافلاطونية، "ورأى كقارئ منتج اصولاً بابلية وسومرية في اطروحة الخلق والمثل ومأثورات الحكمة والمنطق، وكيف ان دريدا يحذف انسكولوبيديا اخوان الصفا وخلان الوفا والفكر الاعتزالي والكندي والفارابي وسواهم من المفكرين والفلاسفة.. وانه في انزياحاته الاجرائية مع المعرفة يشتغل على تراث فلسفي مستعملاً مناهج النقد الأدبي..
ويرى في العقل الافلاطوني الانتصار الاكبر على هزيمة اثينا العسكرية .. فقد نضج في خضم تدهور البنية الاقتصادية والصراعات السياسية والتدني الاخلاقي ومن هنا جاء رد فعله الفلسفي عبر تأثيل نظرية مدنية تشتغل على المعرفة والسلطة السياسية... هذه القراءة الجديدة لأفلاطون يمكن لها لو توسع في البحث انتاج رؤية جديدة مغايرة للقراءات السابقة التي بنيت على أسس غير التي بنى عليه بحثه هذا.
وفي بحثه( الانحلال الاحتمالي للمعنى الاول في المعنى الآخر) مناقشة هادئة وصريحة لبعض التحولات التاريخية بعد ثورة اكتوبر وما نجم عنها من تغييرات على الصعيد العالمي، وما نتجت من أفكار جديدة بلورت رؤيا التحول لما يعرف بالماركسية الخلاقة، ووهج جديد للوعي الاشتراكي الذي انتج مفكرين كباراً برزت من خلال افكارهم توجهات جديدة في النظر الى الحياة، وبروز رؤى كانت نتيجة للتمرد على النسق الشمولي الممتد عبر قرون، وهذا الصراع بين الفلسفات المختلفة أدى لبروز أفكار جديدة، وتحولات متباينة في مختلف حقول المعرفة.
وفي الفصل الموسوم" حماية هيل) أورد الكاتب رؤية الفلاسفة حول نهاية الفلسفة كوظيفة، وناقش آراء نيتشه، ميشال فاكوم، غارودي، رولان بارت، فرنسيس كريت، دولوز، وغيرهم وركز على دور هيغل وتأثيره على المسار الفلسفي في أوربا، وما أثارت آرائه من مناقشات، والمنطق الهيغلي وتأثيراته، مستنداً على آراء المعارضين والمؤيدين للفلسفة الهيغلية.
ثم يناقش في مبحث آخر الفلسفة كتوقيع، مستشهداً بقول كارل ياسبرز" كان المفكرون السابقون عمالقة بحق، أما أنا وإن كنت مجرد عصفور، فإني أحط على رأس العملاق وأرى أبعد مما رآه" التي قام بتفكيكها وفق نسق رباعي ليخرج بحصيلة تمثل رؤيته من خلال الافكار والرؤى المختلفة التي جاءت في البحث.
ثم يتناول في مبحث آخر( المجرى وضمان التأثير في كتاب الفيلسوف بور ريكوار" بعد طول تأمل") ويحاول الغور في ماهيته، ومناقشة آرائه في الحق المطلق للقارئ في الرفض والاختيار لهذه الآراء، ف "ريكور" يؤكد عدم امتلاكه لفلسفته الخاصة، ولكنه يسعى لهدف معين يضمن اتصالية عمله بما تبقى" .
وفي كتاب الاستاذ مقداد مباحث أخرى يمكن للقارئ أن يستشف من خلالها العمق المعرفي والثقافي له، وقدراته على مناقشة الفكر الفلسفي وفق الرؤيا التي يسير عليها في معظم كتاباته، والتي تعطي للقارئ مدى امكانية الكاتب في استكشاف الأغوار العميقة في الفلسفة بكل توجهاتها ومبانيها، وقدرته على التحليل والمناقشة وابداء الآراء الناضجة في محاولة لإدراك منطويات تلك الفلسفة ومسالكها وتسرباتها التي يصعب ادراكها، من دون معرفة دقائقها وخوافيها الحافلة بغوامض الرؤى والطروحات ذات العمق الغائر في التصورات، وهو ما لا يتور لكل انسان الوصول لدقائقه إلا بعد درس عميق لمختلف الفلسفات التي سادت عبر قرون وقرون.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقد قصدها يوما
- قطف الثمر في التاريخ والتراث والفكر
- نبيل الربيعي باحثا ومقاليا
- دار الظالم خراب
- سجلت ضد مجهول
- كلاوات حجي علي
- كلها سوده مصخمة
- ينرادلها هلهولة
- سالفة الاخرس
- لمن تقرع الأجراس
- وزير بالمزاد
- خَل يموت الحصان من أكل الشعير
- عازف الناي سفاح عبد الكريم
- سيد ويهودي راضعين من ديس
- قراءة في سونيتة الغجر
- بدون تربية
- رفقا بالقوارير
- -رد لا تتهده بحلك آفه-
- چمل الغرگان غطه
- راح أجيب شهود


المزيد.....




- ترامب يوضح موقفه بشأن إمكانية فرض عقوبات على روسيا
- إسرائيل: من هو المغربي الذي قام بعملية طعن في تل أبيب؟
- الضفة الغربية... تطورات عملية -الجدار الحديدي- في جنين لليوم ...
- وجه -رجل التنين-.. إعادة بناء مذهلة لوجه أحد أسلاف البشر
- استطلاع: الأمريكيون يرصدون انقسام المجتمع في حكم بايدن
- ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي والصين
- شاب يعلن العثور على -جعبة السنوار- في موقع مقتله (فيديو)
- طفل صيني يلقى حتفه بحادث مأساوي بعد رميه مفرقعة في مجاري الص ...
- روسيا وأوزبكستان توقعان برنامج تعاون وشراكة استراتيجية في ال ...
- وفاة صاحب -الوردة- المصرية ونعوته تحتل 5 صفحات لجريدة كبرى


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد علي محيي الدين - كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة