أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محفوظ بجاوي - تربية الأطفال بين الخوف من الموت وفهم الحياة: أثر الترهيب والتعليم المؤدلج على الأجيال















المزيد.....


تربية الأطفال بين الخوف من الموت وفهم الحياة: أثر الترهيب والتعليم المؤدلج على الأجيال


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 11:13
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


من الملاحظ في كثير من الأسر والمدارس التي تأثرت بتوجهات إيديولوجية معينة (مثل ما يحدث في الجزائر كحالة نموذجية) أن الآباء والمدرسين يزرعون في قلوب الأطفال الخوف من الموت وعذاب القبر. بل يمتد هذا الخوف ليشمل العديد من الأفعال القاسية والتعذيبية التي يُقال إن الله يقررها بحق الناس من أجل عقابهم. إن الخوف من الأمور التي قد تحدث في المستقبل ليس سوى عبء ثقيل على كاهل الطفل، حيث يحرمه من العيش بسلام وتفاؤل. الحياة يجب أن تُنظر إليها من خلال منظار الفهم العميق والاستمتاع بكل لحظة فيها، لا من خلال الخوف من عذاب مستمر أو تصورات مرعبة عن العواقب.

إشكالية الخوف من الموت والتعذيب الإلهي في التربية

ترتكب بعض الأسر والمدارس، خاصة تلك التي تأثرت بالتوجهات الدينية المتشددة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين، خطأً كبيراً حين تركز على تعليم الأطفال ما قد يحدث بعد الموت، مع التركيز على فكرة العذاب الرباني، وتغفل عن تعليمهم كيف يعيشون الحياة بشكل كامل وفعّال. تزرع هذه التربية في نفوس الأطفال مخاوف لا حصر لها، بدءًا من الخوف من الموت وعذاب القبر، وصولاً إلى أشياء أخرى مثل الحرق بالنار، وقطع الرؤوس، وتعليق الجثث على أعمدة الكهرباء، وحتى المشاركة في الطقوس الدموية مثل ذبح الأضاحي أمام أعينهم. يتعلم الأطفال القسوة من خلال هذه التجارب، مما يؤدي إلى تشويش تصورهم عن الحياة والموت.

المدارس المؤدلجة ودورها في نشر الخوف والعنف

في الجزائر، مثلاً، سيطرت جماعات مثل الإخوان المسلمين والسلفية على النظام التعليمي لسنوات طويلة، وكان لهذا تأثير مدمر على الأجيال المتعاقبة. المناهج التي فرضتها هذه الجماعات كانت تركز بشكل كبير على الخوف من الله، عذاب القبر، وحروب دينية تاريخية، مما جعل الطلاب ينشأون وهم محملون بمشاعر الخوف والرهبة من المستقبل. في بعض الحالات، كانت هذه الجماعات تعزز فكرة أن الأطفال يجب أن يتعلموا الخوف ليس فقط من الموت، ولكن من أشكال العذاب المختلفة، مثل الحرق في النار أو القتل بقطع الرأس، وهو ما يُربى عليه الطفل من سن صغيرة على أنه جزء من العقاب الإلهي.

من الأجيال الخائفة إلى مجتمع مرعوب

ومع مرور الوقت، أصبحت هذه التربية مرسخة في العديد من الأجيال، وها نحن نرى اليوم بيننا كبار السن وحتى في الشيخوخة من يشعر بالخوف والرهبة من أبسط الأمور التي قد تبدو غير مقبولة في نظره، مثل مشاهدة فيلم أو مسرحية أو حتى الاستمتاع بالغناء أو الفرح. هذه الأجيال التي نشأت في بيئة مليئة بالخوف من العقاب الإلهي أصبحت في معظم الأحيان لا تتقبل أي شيء يُعتبر من مظاهر الحياة الطبيعية، بل تحول كل ما هو جميل إلى شيء محرم. الشاب أو الكهل الذي مر بتلك المناهج أصبح يعيش حياته في ظل حالة من الرعب المستمر. فكلما سمعت هذه الفئة صوتًا موسيقيًا أو شعرت بجو من الفرح، تساورها أفكار الخوف من العقاب الإلهي. أصبح الدعاء والإنشاد الديني أكثر ما يمكن أن يستمع إليه ويشعر بالراحة في سماعه، بينما يظل الخوف يطارده في كل زاوية، خوفًا من أن يقع في محرم، حتى لو كان ذلك لا يتعدى الفرح البسيط.

فهم الحياة قبل الخوف من الموت

أفضل طريقة لتعزيز تربية سليمة ومتكاملة هي تعليم الطفل حب الحياة والإيمان بها. يجب أن تركز التربية المدرسية على تعليم الأطفال كيف يعيشون، كيف يتفاعلون مع الواقع، وكيف يعبرون عن أنفسهم بسلام داخلي. ولكن للأسف، فإن العديد من المدارس التي تأثرت بالأيديولوجيات الدينية تركز على التخويف من المستقبل أكثر من تزويد الطلاب بالأدوات اللازمة للتعامل مع الحياة اليومية. عندما يتعلم الطفل كيف يواجه الحياة بحب وثقة، ويشعر بالقدرة على استغلال كل فرصة لتحسين ذاته وتطوير شخصيته، يصبح أكثر قدرة على تقبل الموت عندما يحين وقته. بل إن هذا الفهم للحياة يجعل الطفل أكثر استقرارًا نفسيًا وأقل عرضة للخوف المفرط.

التوازن بين التعليم الروحي والتربية الحياتية

ليس المقصود هنا التقليل من أهمية التربية الروحية أو الدينية، لكن يجب أن يكون هناك توازن بين تعليم القيم الروحية وفهم الحياة الواقعية. تربية الطفل على الخوف من الموت قد تؤدي إلى نقص في قدراته على التفكير الإيجابي والتفاعل مع الواقع. بينما تُعد القيم الدينية جزءًا أساسيًا من التربية، فإن فهم الطفل لأهمية الحياة وكيفية عيشها بشكل طبيعي يظل الأهم في بناء شخصيته المستقبلية.

دور جماعات الإسلام السياسي في تشكيل التربية المدرسية

في الأنظمة التعليمية التي تأثرت بالتوجهات الإسلامية المتشددة، نجد أن الطلاب يتلقون تعليمًا يعتمد بشكل كبير على الترهيب الديني، بدلاً من تعزيز التفكير النقدي وتعلم كيفية التعامل مع الحياة بشكل واقعي. جماعات مثل الإخوان المسلمين والسلفية قد نجحت في فرض رؤيتها الدينية على المناهج الدراسية، مما أدى إلى تربية جيل كامل يعاني من الخوف المستمر، وليس من القدرة على التفكير والتفاعل بإيجابية مع العالم المحيط. قد يتذكر الكثيرون من أجيالنا السابقة كيف كانت المناهج الدراسية مليئة بالحديث عن عذاب القبر والجحيم، وتفاصيل عن "العذاب الإلهي" التي لا تعكس الحياة الحقيقية ولا تمنح الشباب الأدوات اللازمة للنجاح في المجتمع.

ماذا يحتاج الأطفال اليوم؟

يحتاج الأطفال اليوم إلى فهم معنى الحياة بكل جوانبها؛ من العمل والنجاح، إلى التحديات والمشاعر. يجب أن نتوقف عن تعليمهم الخوف من المجهول، وبدلاً من ذلك نعلمهم كيف يحسنون حياتهم ويستغلون كل فرصة لتحسين أنفسهم. عندما يزرع فيهم حب الحياة، سيكون لديهم القدرة على مواجهة أي تحديات مستقبلاً. الحياة مليئة بالتجارب التي تُغني روح الإنسان، وينبغي تعليم الأطفال كيف يعيشون بسلام داخلي وتوازن بين العقل والجسد.

الخلاصة

التربية السليمة ليست قائمة على الخوف والرهبة من الموت أو العذاب الرباني، بل على تعليم الأطفال كيفية العيش بحب وإيجابية، وكيفية مواجهة التحديات التي قد تعترضهم. فالتعليم يجب أن يركز على بناء شخصية قوية قادرة على التفاعل مع الحياة بشكل إيجابي، حتى يتمكن الطفل من مواجهة المستقبل بثقة وبدون خوف مفرط.

دور التربية في تشكيل شخصية الأفراد

عند النظر إلى التربية من منظور سوسيولوجي، يمكننا أن نرى أن المجتمع يفرض نفسه على الأفراد من خلال مؤسساته الاجتماعية، مثل المدرسة. التربية ليست مجرد نقل للمعرفة، بل هي أداة لصهر الأفراد في ثقافة المجتمع وتشكيل أفكارهم ومعتقداتهم. عندما تركز التربية على زرع الخوف من الموت والعذاب الإلهي، فإنها تساهم في تكوين أفراد محملين بالرهبة والخوف بدلاً من التفكير النقدي والإيجابي. في هذا السياق، تصبح التربية وسيلة للسيطرة على الأفراد من خلال زرع الخوف، مما يعيق تفاعلهم الصحي مع المجتمع ويجعلهم غير قادرين على التفكير بشكل مستقل.

العواقب النفسية للتربية المؤدلجة

الانتقال من التربية الموجهة نحو الخوف إلى التربية الموجهة نحو الحياة ليس مجرد تحسين في طريقة تعليم الأطفال، بل هو تحول أساسي في بناء شخصية الأفراد والمجتمع ككل. عندما تركز التربية على زرع الخوف المستمر، فإنها تعيق النمو العقلي للطفل وتضعف قدرته على اتخاذ قرارات مستنيرة. التربية السليمة يجب أن تشجع على التفكير النقدي، وتمنح الأطفال الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات الحياتية بثقة، بدلاً من تعليمهم العيش في حالة من القلق المستمر والرهبة.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية بين الصدق والزيف: أثر الأكاذيب على الأجيال القادمة
- التخطيط السليم للإنجاب: مسؤولية ووعي لمستقبل مشرق
- في شيخوخة الوالدين : قلوب كبيرة تحتاج إلى لمسات حب بسيطة.
- التدين المظهري في الجزائر : كيف أضاع المجتمع بوصلة التقدم؟
- الصراع الداخلي بين الحب والقيود : تأثير الخوف من التعبير عن ...
- الصحة النفسية في ظل التحديات الحديثة
- بحث الإنسان عن غايته: بين الحرية الفردية والوجود الكوني
- الهوية الأمازيغية : جسر الوحدة الوطنية وحصن الانتماء
- الإحتفال بالسنة الأمازيغية 2975 : جذور متأصلة في الأرض والزر ...
- الجزائر وتونس : أخوة تتجاوز الحدود والمصالح
- الفلاسفة العظام: معلمو الحياة ومرشدونا نحو الأخلاق والمعنى
- مفهوم الحرية وحدودها في المجتمعات الحديثة
- أمنيات العام الجديد : سلام، ازدهار، وديمقراطية للجميع
- رسالة محبة وتعايش : لماذا أهنئ إخواني المسيحيين بعيد الميلاد
- الوطن والمواطنة : حب الأرض وصناعة المستقبل
- الحرية الفردية : رحلة الإنسان نحو تحقيق ذاته
- عيد الميلاد المجيد : احتفاء بالسلام والمحبة التي تجمع البشري ...
- شعوب عالقة بين التقاليد والتقدم : كيف يحاصرنا التمسك بالماضي ...
- أجيال معلقة بين الوهم والواقع : كيف نكسر دائرة الجهل ونواجه ...
- السويد : نموذج للرفاهية والتنمية المستدامة


المزيد.....




- هاليفي يعلن استقالته اعترافا بفشل الجيش الإسرائيلي في 7 أكتو ...
- -ترامب لن يسمح بتدمير خططه الخاصة بالشرق الأوسط الجديد- - في ...
- قدح لشرب القهوة يباع بسعر قياسي في مزاد علني لغزة في مصر
- -تشبه التحية النازية-؟.. إيلون ماسك يثير الجدل بإيماءة يده أ ...
- مخاوف أوروبية من تصاعد النزاع التجاري مع واشنطن في عهد ترامب ...
- تركيا.. مشاهد من داخل الفندق في مدينة بولو التركية الذي تعرض ...
- عون: لبنان متمسك باستكمال إسرائيل انسحابها من الأراضي المحتل ...
- جدل التحية.. ماسك يؤكد أنها تحية بيلامي وليست نازية
- سفير روسيا في إسرائيل: عشرات الروس موجودون في غزة بعضهم يحتا ...
- سلطات سوريا الجديدة ترفع رسوم السلع التركية


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محفوظ بجاوي - تربية الأطفال بين الخوف من الموت وفهم الحياة: أثر الترهيب والتعليم المؤدلج على الأجيال