|
السياسة الأمريكية في حرب غزة: كيف ساعد بلينكن في تغطية مجازر إسرائيل
حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 20:59
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
د.حمدي سيد محمد محمود
شهدت حرب غزة الأخيرة واحدة من أكثر الصفحات المأساوية في التاريخ الحديث، حيث امتزجت وحشية القصف الإسرائيلي بحق المدنيين بصمت وتواطؤ دولي مريب، وعلى رأسه الدور الأمريكي الذي لم يكتفِ فقط بدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، بل وفر لها الغطاء الدبلوماسي اللازم لارتكاب مجازر مروعة دون خوف من المساءلة أو العقاب. وفي قلب هذه الديناميكية الدولية، برز وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كأحد أبرز الشخصيات التي أدارت هذا المشهد المعقد، حيث لعب دورًا محوريًا في تمكين إسرائيل من تنفيذ عدوانها العنيف على غزة، مُتبنيًا خطابًا ومواقف تستر وراء شعارات واهية كـ"الدفاع عن النفس"، بينما تجاهل معاناة شعب بأكمله يعيش تحت الحصار والقصف.
لم يكن بلينكن مجرد متحدث باسم سياسة بلاده المنحازة، بل كان المحرك الأساسي لتحركات دبلوماسية وإجراءات عملية ساهمت في تصعيد العدوان، بدءًا من توفير الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل، ومرورًا بعرقلة جهود وقف إطلاق النار، وصولًا إلى تعطيل أي محاولات دولية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائمهم. هذا الدور تجاوز كونه انحيازًا سياسيًا تقليديًا، ليصبح جزءًا من منظومة أوسع تشرعن الاحتلال وتقمع أي أصوات تطالب بالعدالة للشعب الفلسطيني.
وفي الوقت الذي كانت فيه صواريخ الطائرات الحربية تمزق سماء غزة، كانت كلمات بلينكن وتصريحاته تصدح في العواصم العالمية لتبرر القتل والتدمير، متجاهلة أرقام الضحايا التي تجاوزت الآلاف، والمشاهد المروعة لجثث الأطفال تحت الأنقاض، والدمار الذي حلّ بالمستشفيات والمدارس والمنازل. هذا التناقض بين ادعاءات الإنسانية الأمريكية والسياسات الفعلية التي دعمت آلة الحرب الإسرائيلية، يثير تساؤلات عميقة حول القيم الأخلاقية التي تدعي الولايات المتحدة تمثيلها، وحول مسؤولية بلينكن الشخصية في تعزيز سياسة الإفلات من العقاب لإسرائيل.
هذه المقدمة ليست فقط لاستعراض الدور الأمريكي في حرب غزة، بل هي دعوة لتحليل معمق وموضوعي للدور الذي لعبه أنتوني بلينكن، باعتباره شخصية محورية في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية خلال واحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين. ففهم هذا الدور لا يقتصر على إدانة الماضي، بل يمتد ليكون تحذيرًا من مستقبل قد يشهد تكرار هذه المأساة ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة لوضع حد لهذه السياسات.
دور أنتوني بلينكن في حرب غزة
لفهم الدور الذي لعبه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في حرب غزة، وخاصة في دعم إسرائيل رغم الانتهاكات الإنسانية والمجازر التي استهدفت المدنيين، من الضروري تسليط الضوء على سلسلة من العوامل السياسية، الدبلوماسية، والبيانات الرسمية التي أصدرتها الإدارة الأمريكية تحت قيادته. فيما يلي تفصيلًا شاملًا لهذه القضية:
1. الدعم السياسي المطلق لإسرائيل
بلينكن كان وجهًا بارزًا في التعبير عن الموقف الأمريكي التقليدي الداعم لإسرائيل، وهو ما تجلى في:
إعادة التأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها": استخدم بلينكن هذا التعبير بشكل متكرر خلال خطابات رسمية ولقاءات إعلامية، متجاهلًا الفارق في القوة بين الطرفين، وتجاهل السياق الأكبر الذي يتضمن الاحتلال والقصف المكثف للمدنيين. رفض الدعوات لوقف إطلاق النار المبكر: دعمت الولايات المتحدة تحت قيادة بلينكن الموقف الإسرائيلي القائم على استمرار العمليات العسكرية بحجة "القضاء على التهديدات".
2. الدعم العسكري والمالي لإسرائيل
تعجيل تقديم المساعدات العسكرية: بلينكن لعب دورًا في تسريع تقديم الدعم العسكري لإسرائيل خلال الحرب، بما في ذلك صفقات الأسلحة ونقل التقنيات المتقدمة التي عززت قدراتها الهجومية، وهو ما أدى إلى تصاعد المجازر بحق المدنيين. توفير الحماية الدبلوماسية: ساهمت الإدارة الأمريكية بقيادة بلينكن في تعطيل قرارات أممية تدين إسرائيل أو تدعو إلى وقف إطلاق النار من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.
3. إضعاف المواقف الدولية المناهضة للعدوان
بلينكن قام بجولة دبلوماسية في الشرق الأوسط وأوروبا لحشد الدعم للموقف الإسرائيلي، مشددًا على أن حركة حماس هي المسؤولة عن التصعيد، مما أدى إلى إضعاف أصوات تطالب بمحاسبة إسرائيل على الجرائم المرتكبة. استخدام لغة دبلوماسية مشحونة ضد الدول أو المؤسسات التي دعت إلى التحقيق في الانتهاكات، ما خلق بيئة دولية متواطئة أو صامتة تجاه ما يحدث.
4. التغطية على الجرائم الإنسانية
تجاهل معاناة المدنيين في غزة: بلينكن قلل من حجم الأزمة الإنسانية، حيث ركز في تصريحاته على الرواية الإسرائيلية التي تزعم أن حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية، مبررًا بذلك القصف العشوائي على المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس. تحييد الإعلام الغربي: ساهمت وزارة الخارجية الأمريكية في دعم خطاب إعلامي متحيز يعكس وجهة نظر إسرائيل دون إيلاء أهمية كافية للمجازر التي وقعت في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
5. إسهام بلينكن في عرقلة التحقيقات الدولية
عرقلت الولايات المتحدة، بدعم من بلينكن، محاولات منظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية لفتح تحقيقات مستقلة بشأن الانتهاكات التي حدثت خلال الحرب. مارست ضغوطًا على المحكمة الجنائية الدولية لعدم المضي قدمًا في إجراءات ضد القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين.
6. تأثير الخطاب الأمريكي على الموقف العربي والدولي
تفكيك التضامن الدولي: نجح بلينكن، من خلال اتصالاته واجتماعاته مع القادة العرب، في احتواء أي ردود فعل عربية قوية ضد إسرائيل، وركز على تقديم المساعدات الإنسانية كبديل عن الضغط السياسي. إضعاف تأثير الحراك الشعبي والدبلوماسي: ساعد بلينكن في تحويل التركيز الدولي من الحديث عن المجازر إلى "إعادة إعمار غزة"، مما أدى إلى تقويض النقاش حول مسؤولية إسرائيل عن الجرائم المرتكبة.
7. إعادة تعريف الحرب في إطار مكافحة الإرهاب
بلينكن لعب دورًا رئيسيًا في إعادة تأطير الصراع بوصفه جزءًا من الحرب على الإرهاب، مما أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لارتكاب أعمال وحشية تحت ذريعة استهداف "تهديدات أمنية".
8. النفاق في التعامل مع القضايا الإنسانية
رغم الادعاءات المتكررة من قبل بلينكن بأن الولايات المتحدة حريصة على حماية المدنيين، فإن الواقع أظهر تجاهلًا متعمدًا للمعاناة الإنسانية في غزة، حيث لم يُمارَس أي ضغط حقيقي على إسرائيل للحد من القصف أو السماح بمرور المساعدات الإنسانية بشكل فعال.
9. نتائج تدخل بلينكن
أدى الدعم الذي قدمه بلينكن لإسرائيل إلى تفاقم الوضع الإنساني في غزة، حيث تجاوزت أعداد الضحايا المدنيين الآلاف، إضافة إلى نزوح مئات الآلاف وسط تدمير البنية التحتية الحيوية. ترسيخ سياسة الإفلات من العقاب لإسرائيل، مما شجعها على الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات.
مما سبق يتبين لنا أن الدور الذي لعبه أنتوني بلينكن في حرب غزة يعكس السياسة الأمريكية المنحازة بشكل دائم لإسرائيل، والتي أعطت غطاءً دبلوماسيًا وعسكريًا لجرائمها ضد المدنيين. هذا الدور لم يقتصر على التصريحات، بل شمل إجراءات عملية أعاقت جهود وقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم. هذه السياسات تستدعي تحليلاً معمقًا ومساءلة دولية لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث الإنسانية.
إن تحليل دور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في حرب غزة يكشف عن مأساة إنسانية تجاوزت حدود القتل والتدمير، لتصبح قضية أخلاقية وسياسية معقدة تتطلب وقفة جادة أمام المجتمع الدولي. لقد كان بلينكن جزءًا من منظومة دعم سياسي وعسكري غير محدود لإسرائيل، منظومة لم تكتفِ بتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، بل وفرت الغطاء اللازم لاستمرار مسلسل المجازر التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، بينهم أطفال ونساء وشيوخ. كانت هذه السياسات بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل لارتكاب انتهاكات فادحة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، بينما تم تعطيل أي جهود دولية للمحاسبة أو التحقيق.
لكن في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة، تحت قيادة بلينكن، الدفاع عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فإن هذا الدفاع يُظهر حجم التناقض بين الشعارات السياسية ومواقف الواقع، بين الادعاء بحماية الإنسانية وبين تسهيل الجرائم ضد الأبرياء. من الواضح أن السياسة الأمريكية لم تكن فقط منحازة لإسرائيل، بل كانت جزءًا من استراتيجية منهجية تهدف إلى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية على حساب معاناة الشعب الفلسطيني واستمرار وجوده في حالة من الإذلال والدمار.
إن المسؤولية السياسية والأخلاقية التي يحملها بلينكن في هذه الحرب لا تقتصر على تصريحات أو قرارات، بل تتعداها إلى تسهيل قتل الأبرياء وتدمير المدن، وهو ما يعكس وجهًا ملوثًا للسياسة الأمريكية في المنطقة. لكن الحقائق التي كشفت عنها هذه الحرب، لا يمكن إخفاؤها خلف الأكاذيب السياسية أو الخطابات المعسولة، فقد أصبحت مأساة غزة شاهدًا حيًا على تورط القوى الكبرى في إبادة جماعية ممنهجة تمس كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
اليوم، فإن إعادة النظر في هذا الدور يظل أمرًا حيويًا إذا ما أردنا بناء عالم أكثر عدلاً. فلا يمكن تجاهل المجازر ودماء الأبرياء التي أريقت بسبب انحياز سياسي مفضوح، ولا يمكن للضمير العالمي أن يظل صامتًا أمام جريمة العصر التي ارتكبتها قوى عظمى تسعى لحماية مصالحها على حساب القيم الإنسانية. إن هذه الحرب، بما تحمله من دروس مروعة، تبقى صرخة في وجه الجميع لوقف سياسة الإفلات من العقاب، ولإحقاق العدالة للشعب الفلسطيني الذي لا يزال يكافح من أجل حريته وحقوقه في مواجهة آلة الحرب الدولية والإسرائيلية.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكيك التاريخ المزيف: قراءة في أعمال المؤرخ الإسرائيلي إسرائ
...
-
كارل ماي: أسطورة الأدب الألماني ورحلة في عوالم الخيال والإنس
...
-
مفهوم الأخلاق بين الفرد والمجتمع: قراءة في إرث الفلاسفة العظ
...
-
العقل الجمعي: كيف تشكل الجماهير مستقبل الأمم؟
-
بين الاستبداد والسياسة الواقعية قراءة نقدية في فلسفة ميكافيل
...
-
من الماركسية إلى النيوليبرالية: تحليل اجتماعي للرأسمالية الم
...
-
يورغن هابرماس: بناء الفلسفة النقدية على أساس التواصل والحرية
-
الذات والوجود: قراءة معمقة في فلسفة العقل
-
التجاهل الواعي: حماية النفس من الاستنزاف العاطفي
-
يحيى ولد حامد: مبدع الرياضيات الذي أسس جسرا بين العلم والهوي
...
-
التطرف العلماني في العالم الإسلامي: جدلية التنوير والهيمنة ا
...
-
الخط الفاصل بين العقلانية والسلطة: تحليل نقدي لعلاقة هابرماس
...
-
الدين في مرآة الفلسفة: قراءة تحليلية لكتاب -لماذا لست مسيحيا
...
-
صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي: هل نحن أمام عالم
...
-
المجتمع السائل وتحديات الأخلاق: قراءة في أطروحات سيغمونت باو
...
-
الأنظمة العربية والتيار الإسلامي: جدلية الصراع على السلطة وا
...
-
إشكاليات العقل العربي: جدلية التراث والحداثة في فكر طرابيشي
-
صناعة الانصياع: الامتثال الجماعي في النظم الديكتاتورية وأثره
...
-
خاير بك بين صفحات العار والتاريخ: كيف سقطت دولة المماليك؟
-
الاستشراق والسياسة الدولية: قراءة نقدية في جذور الهيمنة على
...
المزيد.....
-
بكلمته لدافوس.. أبرز ما قاله ترامب عن حرب أوكرانيا والعلاقات
...
-
سياسي فرنسي: كايا كالاس تفتعل ترويع الأوروبيين وتأجيج الكراه
...
-
ابن فرحان: مستمرون بمساندة لبنان
-
حريق ضخم جديد سريع الانتشار بالقرب من لوس أنجلوس مع تزايد سر
...
-
أوروبا: هل من سبيل للتعامل مع تهديدات ترامب؟
-
الجيش الإسرائيلي: نرصد تركيزا للأنشطة الإرهابية في منطقة شما
...
-
موسكو: مستعدون لحوار متكافئ مع واشنطن
-
في كلمته بمنتدى دافوس.. ترامب يوجه سهامه نحو الاتحاد الأوروب
...
-
مدفيديف: انتصارات القوات المسلحة الروسية أفضل رد على -إنذارا
...
-
ترامب يصنف الحوثيين إرهابيين.. ماذا بعد؟
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|