أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حمدي سيد محمد محمود - تفكيك التاريخ المزيف: قراءة في أعمال المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلشتاين















المزيد.....


تفكيك التاريخ المزيف: قراءة في أعمال المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلشتاين


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 09:31
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


د.حمدي سيد محمد محمود

في عُمق التاريخ البشري، تتشابك الأساطير مع الحقائق، وتُنسج الروايات لتُشكّل هويات الأمم والشعوب. وفي قلب هذا التشابك، برزت الحركة الصهيونية مستندةً إلى سرديات تاريخية ودينية لتبرير مشروعها الاستيطاني في فلسطين. إلا أن هذه السرديات لم تسلم من النقد والتفكيك، خاصةً على يد باحثين ومؤرخين يهود، كان من أبرزهم المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلشتاين.

وُلد فينكلشتاين عام 1949، ونشأ في بيئة تُقدّس الرواية التوراتية كحقيقة تاريخية. لكنه، وبمنهجية علمية صارمة، اختار أن يغوص في أعماق الماضي، مُسلّحًا بأدوات علم الآثار الحديث، ليُميّز بين ما هو أسطوري وما هو واقعي في تلك الروايات. من خلال أبحاثه الميدانية وتحليلاته النقدية، كشف فينكلشتاين عن التناقضات بين النصوص التوراتية والاكتشافات الأثرية، مما أدى إلى زعزعة الأسس التي قامت عليها العديد من الادعاءات الصهيونية.

في كتابه "التوراة مكشوفة على حقيقتها"، الذي ألّفه بالاشتراك مع نيل آشر سيلبرمان، يُقدّم فينكلشتاين قراءة جديدة للتاريخ القديم لإسرائيل، مُعتمدًا على الأدلة الأثرية التي تتعارض مع السرديات التوراتية التقليدية. هذا العمل، وغيره من أبحاثه، لم يكن مجرد تحدٍ للرواية التاريخية، بل كان أيضًا مواجهةً مباشرةً للأيديولوجية الصهيونية التي استخدمت تلك الروايات لتبرير سياساتها وممارساتها.

إن شجاعة فينكلشتاين في نقد الرواية الرسمية، وجرأته في مواجهة التيار السائد، تُعدّ مثالًا ساطعًا على دور الباحث في السعي وراء الحقيقة، مهما كانت التحديات. أبحاثه لم تُسهم فقط في إعادة كتابة تاريخ المنطقة، بل فتحت أيضًا بابًا للنقاش حول كيفية استخدام التاريخ والأثر في تشكيل الهويات والسياسات.

في هذا السياق، تأتي أهمية دراسة أعمال فينكلشتاين، ليس فقط لفهم التاريخ القديم، بل أيضًا لتسليط الضوء على كيفية استخدام السرديات التاريخية في تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي، وكيف يمكن للبحث العلمي النقدي أن يكون أداةً قويةً في مواجهة التزييف والتضليل.

في النهاية، يُمثّل عمل فينكلشتاين دعوةً للتفكير النقدي، ولإعادة النظر في المسلّمات، وللبحث الدؤوب عن الحقيقة، مهما كانت مُزعجة أو مُحرجة. فالتاريخ ليس مجرد سردٍ للأحداث، بل هو مرآة تعكس فهمنا لذواتنا وللعالم من حولنا.

المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلنشتاين وكشفه لزيف الصهيونية

المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلشتاين هو أحد أبرز الشخصيات في مجال علم الآثار التوراتي والباحثين الذين طرحوا مقاربات جريئة ومثيرة للجدل حول التاريخ القديم لإسرائيل والمنطقة ككل. وقد تصدّى من خلال أبحاثه للمقولات التاريخية التي تتبناها الحركة الصهيونية، وكشف الكثير من الأساطير والأفكار المغلوطة التي اعتمدت عليها تلك الحركة في تبرير مشروعها الاستيطاني.

من هو إسرائيل فينكلشتاين؟

- عالم آثار ومؤرخ إسرائيلي بارز ولد عام 1949.
- يُعتبر أستاذًا في قسم علم الآثار بجامعة تل أبيب.
- عُرف بمنهجه العلمي النقدي الذي يستند إلى المقارنة بين النصوص التوراتية والاكتشافات الأثرية الميدانية.
- ألّف مجموعة من الكتب العلمية الشهيرة، أبرزها:
- التوراة مكشوفة على حقيقتها (The Bible Unearthed) بالاشتراك مع نيل آشر سيلبرمان.
- الملوك الأوائل (The Forgotten Kingdom).

مقاربات فينكلشتاين العلمية: تفكيك الرواية التوراتية

فينكلشتاين يُعتبر جزءًا مما يُعرف بـ المدرسة النقدية الحديثة التي تتناول التاريخ القديم لإسرائيل بنظرة علمية، بعيدة عن الرؤية الدينية أو الأيديولوجية. قام بتفكيك الادعاءات الصهيونية حول تاريخ فلسطين بالاعتماد على النقاط التالية:

التوراة ليست وثيقة تاريخية موثوقة:

يؤكد أن التوراة كُتبت في فترات لاحقة لأحداثها المزعومة (خاصة خلال القرن السابع قبل الميلاد) وليس خلال فترات الأنبياء المُفترضين.
أُعيدت صياغة الأحداث بطريقة أدبية لتخدم الأهداف السياسية واللاهوتية لمملكة يهوذا آنذاك.

مملكة داود وسليمان المزعومة:

يرى فينكلشتاين أن الأبحاث الأثرية فشلت في العثور على أي أدلة قاطعة تشير إلى وجود مملكة "موحدة" عظمى بقيادة داود وسليمان كما تدّعي الرواية التوراتية.
يعتقد أن المملكة كانت مجرد تجمع قبلي صغير في منطقة جبلية ولا يُمكن مقارنتها بالممالك الكبرى آنذاك.
ادعاء الخروج من مصر:

فنّد قصة "الخروج" الشهيرة التي تزعم هروب بني إسرائيل من مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، مؤكدًا أن لا أثر لهذه الحكاية في السجلات المصرية أو الاكتشافات الأثرية.
يرى أن قصة الخروج مجرد بناء أدبي لاحق لتوحيد الهوية الدينية لشعب يهوذا.

الاستيطان في كنعان:

يفند مزاعم "الفتح العسكري" لكنعان، ويرى أن ما يُعرف بإسرائيل القديمة تكون عبر تطورات اجتماعية وثقافية محلية ولم يحدث احتلال كما تصوّره التوراة.
سكان إسرائيل الأوائل هم في الواقع جزء من الشعوب الكنعانية التي كانت موجودة في فلسطين، وليسوا غزاة قادمين من الخارج.

التاريخ المختلق للقدس:

يقول فينكلشتاين إن القدس لم تكن "عاصمة عظيمة" خلال فترة داود وسليمان، بل كانت مجرد بلدة صغيرة غير مؤهلة لأن تكون مركزًا لمملكة موحدة.
انعكاسات أبحاث فينكلشتاين على الصهيونية
أبحاث فينكلشتاين أحدثت صدمة كبيرة في الأوساط الصهيونية لأنها تُفكك الأساطير الأساسية التي تستند إليها الحركة الصهيونية، وأبرزها:

الحق التاريخي المزعوم:

فضح ادعاء الصهاينة بأنهم أصحاب "حق تاريخي" في فلسطين على أساس ما يُسمى بمملكة داود وسليمان.

التوظيف الأيديولوجي للتوراة:

أثبت أن التوراة لا تصلح كدليل تاريخي يُستخدم لتبرير احتلال الأرض الفلسطينية.

التفريق بين الأسطورة والواقع:

أظهر أن الكثير من القصص التوراتية ليست سوى رموز وأسطوريات بعيدة عن الواقع التاريخي.

ردود الفعل على أبحاث فينكلشتاين

تعرض فينكلشتاين لهجوم من الأوساط الصهيونية والأكاديمية المؤيدة لها، حيث اتهموه بأنه يهدم الأسس التاريخية للدولة الإسرائيلية.
في المقابل، لقيت أعماله ترحيبًا من المؤرخين العرب والعالميين باعتبارها دحضًا علميًا للرواية الصهيونية.

أهم الكتب التي تستحق تسليط الضوء عليها

التوراة مكشوفة على حقيقتها:

يُعد هذا الكتاب خلاصة فكر فينكلشتاين النقدي، حيث يفنّد بالتفصيل الادعاءات التوراتية حول تاريخ إسرائيل القديمة.
يستند إلى أدلة أثرية دقيقة تُظهر التناقض بين النصوص التوراتية والواقع الأثري.

الملوك الأوائل:

يركز فيه على تطور مملكة يهوذا الصغيرة وتاريخ المنطقة في القرن التاسع قبل الميلاد.

وفي المجمل، فإن إسرائيل فينكلشتاين يُمثل نموذجًا للمؤرخ الذي استطاع أن يُقدّم قراءة علمية موضوعية للتاريخ، بعيدًا عن التفسيرات الأيديولوجية والدينية. من خلال أبحاثه، كشف فينكلشتاين زيف العديد من الادعاءات التي تتبناها الصهيونية لتبرير مشروعها الاستيطاني، مما يجعل أعماله مصدرًا هامًا لكل باحث يسعى إلى تفكيك الرواية الصهيونية وإعادة الاعتبار للتاريخ الحقيقي لفلسطين والمنطقة.

في ختام هذا الاستعراض العميق لأعمال المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلشتاين، يتضح جليًا أن البحث العلمي الرصين قادر على تفكيك الأساطير وكشف الحقائق، مهما كانت متجذرة في الوعي الجمعي. لقد تحدّى فينكلشتاين، بمنهجيته النقدية وشجاعته الفكرية، الروايات التقليدية التي استندت إليها الحركة الصهيونية لتبرير مشروعها الاستيطاني في فلسطين.

من خلال دراساته الأثرية والتاريخية، ألقى الضوء على التناقضات بين النصوص التوراتية والحقائق الميدانية، مما أسهم في إعادة صياغة فهمنا لتاريخ المنطقة. هذا النهج لم يكن مجرد تمرين أكاديمي، بل كان دعوة صريحة لإعادة النظر في المسلّمات والبحث عن الحقيقة بعيدًا عن التحيزات الأيديولوجية.

إن أعمال فينكلشتاين تُذكّرنا بأهمية النقد الذاتي والموضوعية في دراسة التاريخ، وتُبرز الدور المحوري للعلماء والمفكرين في مواجهة التزييف والتضليل. في زمن تتزايد فيه محاولات تشويه الحقائق واستخدام التاريخ كأداة للتبرير السياسي، تبرز الحاجة الماسّة إلى أصوات جريئة تلتزم بالحقائق وتدافع عنها، مهما كانت التحديات.

في النهاية، يُعدّ إرث فينكلشتاين العلمي دعوة مفتوحة لكل باحث ومهتم بالتاريخ إلى الغوص بعمق في دراسة الماضي، ليس فقط لفهمه، بل أيضًا لتسليط الضوء على الحاضر واستشراف المستقبل. فالتاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو مرآة تعكس تطلعات الإنسان وصراعاته المستمرة من أجل الحقيقة والعدالة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماي: أسطورة الأدب الألماني ورحلة في عوالم الخيال والإنس ...
- مفهوم الأخلاق بين الفرد والمجتمع: قراءة في إرث الفلاسفة العظ ...
- العقل الجمعي: كيف تشكل الجماهير مستقبل الأمم؟
- بين الاستبداد والسياسة الواقعية قراءة نقدية في فلسفة ميكافيل ...
- من الماركسية إلى النيوليبرالية: تحليل اجتماعي للرأسمالية الم ...
- يورغن هابرماس: بناء الفلسفة النقدية على أساس التواصل والحرية
- الذات والوجود: قراءة معمقة في فلسفة العقل
- التجاهل الواعي: حماية النفس من الاستنزاف العاطفي
- يحيى ولد حامد: مبدع الرياضيات الذي أسس جسرا بين العلم والهوي ...
- التطرف العلماني في العالم الإسلامي: جدلية التنوير والهيمنة ا ...
- الخط الفاصل بين العقلانية والسلطة: تحليل نقدي لعلاقة هابرماس ...
- الدين في مرآة الفلسفة: قراءة تحليلية لكتاب -لماذا لست مسيحيا ...
- صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي: هل نحن أمام عالم ...
- المجتمع السائل وتحديات الأخلاق: قراءة في أطروحات سيغمونت باو ...
- الأنظمة العربية والتيار الإسلامي: جدلية الصراع على السلطة وا ...
- إشكاليات العقل العربي: جدلية التراث والحداثة في فكر طرابيشي
- صناعة الانصياع: الامتثال الجماعي في النظم الديكتاتورية وأثره ...
- خاير بك بين صفحات العار والتاريخ: كيف سقطت دولة المماليك؟
- الاستشراق والسياسة الدولية: قراءة نقدية في جذور الهيمنة على ...
- الإنسانوية في مواجهة الذات: قراءة نقدية في مركزية الإنسان


المزيد.....




- أحمد الشرع والرئيس اللبناني الجديد يهنئان ترامب بعد تنصيبه
- سفينة حملت رؤساء أمريكا سيتم إغراقها عن عمد..ما السبب؟
- -سأزور السعودية إذا اشترت بما قيمته 500 مليار دولار-.. شاهد ...
- ماذا قالت الصحف العالمية عن تنصيب ترامب
- صُناع الكِتاب وَ مَهارة بٍناء فَريق العَمل التَطوعي..
- قضية معاذ الكساسبة.. العدالة تطرق الأبواب من جديد
- مشاركة عزاء للرفاق فؤاد ومفيد وزهير حبش
- سعر خرافي لأغلى -كوب- في مصر وغزة كلمة السر
- سوريا تطالب مجلس الأمن الدولي بوقف اعتداءات إسرائيل
- بريطانيا.. اختبار غرسة دماغية لتحسين المزاج


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حمدي سيد محمد محمود - تفكيك التاريخ المزيف: قراءة في أعمال المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فينكلشتاين