|
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟. اريك فروم
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8226 - 2025 / 1 / 18 - 18:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مسلسل..مع الدين؟..ضد الدين؟ أ.د. قاسم حسين صالح 3. اريك فروم...موقف علمي افترض فروم أن الانسان مخلوق مزدوج الوجود ، فهو من جانب جزء من الطبيعة ، ولكنه أكثر الحيوانات ضعفا من الناحية الجسمية في تعايشه مع الطبيعة . وهذا الضعف البيولوجي قد جرى تعويض له يتمثل بالقدرات الفريدة التي يتميز بها الكائن البشري . غير أن هذه القدرات أدت به الى أن يبتعد عن الطبيعة ويشعر بالعزلة. ولأن الانسان ابتعد عن الطبيعة فأنه افتقد القدرة على مجابهتها ، فنجم عن ذلك محاولته لتكوين علاقات نفسية جديدة تحل محل العلاقات القديمة، فالتجأ الى تكوين هذه العلاقات الجديدة مع الناس، أرادها أن تكون قائمة على المحبة وتبادل الرعاية والمسؤولية والاحترام. ويرى فروم أن الانسان حين بدأ يبتعد عن الطبيعة حاول ايجاد طرائق تربطه بها ، فعمد الناس القدامى الى الانتماء الى مجموعات تربطها أساطير وطقوس وعبادات أشياء أو ظواهر طبيعية مثل الشمس والقمر والنار والبرق. وبتطور الانسان وانتهاء علاقته بالطبيعة ، تشكلت لديه حاجات جديدة تماما ذات طبيعة اجتماعية – نفسية هي : الانتماء (توجهت الى الأفراد والمؤسسات الاجتماعية كبديل نفسي للعلاقة بالطبيعة )، والتجاوز ( أن يتخطى حدوده الحيوانية الى حالة الخلق والابداع )،والتجذّر ( حاجته الى أسرة وبيت في هذا العالم )، والهوية ( حاجته الى تأسيس هوية خاصة به ، وأن يكون قادرا على أن يقول للآخرين : "أنا ..أناّ " ولست " أنا كما ترغب أنت في أن أكون ")،والاطار المرجعي ( ويعني تكامل الحاجات السابقة لتشكل اطارا مرجعيا للتوجه نحو الكون الذي نعيش فيه ، بما فيه العلاقات مع أفراد الجنس ، الأصدقاء منهم والأعداء ). ويقول في كتابه ( الأنسان لنفسه Man for himself) ان الحاجة الى اطار مشترك للتوجيه تضرب بجذورها عميقا في أحوال الوجود الانساني ، وأن الانسان حين امتلك ( الوعي بالذات والعقل والتخيل ) صار هو الحيوان الوحيد الذي ينتابه السأم والسخط والشعور بأنه مطرود من الفردوس ، وصار هو الحيوان الوحيد الذي يعدّ وجوده مشكلة له..عليه أن يحلها. وأنه عندما أضاع الفردوس وفقد الاتحاد بالطبيعة صار مجبرا على السير قدما الى الأمام باذلا الجهد ليجعل المجهول معروفا ، وأن يفهم معنى وجوده. وصار لديه دافع قاهر لاستعادة الوحدة والتوازن بينه وبين بقية الطبيعة وذلك بأنشاء أو خلق صور ذهنية جامعة للعالم تكون بمثابة اطار للأشارة يستطيع من خلاله أن يستمد الاجابة على السؤال الخاص بموقفه وما ينبغي عليه عمله . ويقر فروم بأنه لا وجود للانسان بغير حاجة دينية ، حاجة الى أن يكون له اطار للتوجيه وموضوع للعبادة . ويستدرك قائلا : بيد ان هذا القول لا يخبرنا بشيء عن سياق خاص تتجلى فيه هذه الحاجة الدينية ، فقد يعبد الأنسان الحيوانات ، او الأشجار ، أو الأصنام من الذهب او الحجارة ، او آلها غير منظور ، أو انسانا مقدّسا ، او زعماء شياطين ، وربما أسلافه ، أو أمته ، أو طبقته او حزبه ، أو المال ..والمسألة ليست " دينا أو لا دين " بل " أي نوع من الدين " هل هو من النوع الذي يساعد على تطور الانسان والكشف عن قواه الانسانية الخاصة به كأنسان ، أم هو من النوع الذي يصيب هذه القوى بالشلل؟.
ويعرّف فروم الدين بأنه ( أي مذهب للفكر والعمل تشترك به جماعة ما ، ويعطي للفرد اطارا للتوجيه وموضوعا للعبادة ). ويرى أن الدين على أنواع ، فهنالك أديان توحيدية وأخرى متعددة الالهة ، غير أنه يركز في نوعين يطلق عليهما :الأديان الانسانية humanistic والأديان التسلطيةauthoritarian . ويقصد بالنوع الأول ألاديان التي يأتي بها أشخاص مثل بوذا ، الذي يعدّه معلما عظيما ويصفه " بالمستنير " الذي أدرك حقيقة الوجود الانساني وتحدث باسم العقل وليس باسم قوة فائقة على الطبيعة . أما الأديان التسلطية ( يقصد السماوية ) فان العنصر الجوهري فيها هو الاستسلام لقوة تعلو على الأنسان ، والطاعة فيه هي الفضيلة الأساسية والعصيان هو الخطيئة الكبرى . وكما تصور هذه الأديان ( التسلطية ) أن الاله قوي شامل القدرة ومحيط علما بكل شيء ، فانها تصور الانسان بالمقابل على أنه عاجز ، تافه الشأن ، ولا يشعر بالقوة الا بمقدار ما يكتسب من فضل الاله ومعونته عن طريق الاستسلام التام . فالاله في الدين التسلطي رمز للقوة والجبروت ، وهو الأعلى لأن له القوة الأعلى ، والانسان الى جواره لا حول له ولا قوة ، على حد تعبير فروم . وينّبه فروم الى أن الدين التسلطي العلماني ( أو الدنيوي ) يتبع هذا المبدأ نفسه . فهنا يصبح الفوهرر أو " ابو الشعب " المحبوب ، أو الدولة ، أو الوطن الاشتراكي ..موضوعا للعبادة ، وتصبح حياة الفرد تافهة ، وتتألف قيمة الانسان من انكاره لقيمته وقوته. غير أن فروم يفضل ما يسميه الدين الانساني على الدين التسلطي ، لأن هدف الانسان في الدين الانساني هو أن يحقق أكبر قدرة من القوة ، لا أكبر قدر من العجز ، والفضيلة هي تحقيق الذات لا الطاعة ، والايمان هو يقين الاقتناع المؤسس على تجربة المرء في مجال الفكر والشعور لا على تصديق قضايا وفقا لذمة المتقدم بها . والمزاج السائد فيها هو الفرح ، فيما المزاج السائد في الدين التسلطي هو الحزن والشعور بالذنب، يضيف فروم.
رأيكم؟
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟ يونغ ..مع الدين (2)
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟. الدين بمنظور فرويد (1)
-
اشكاليات المثقف بعد التغيير
-
نهاية العراق..هل هي مؤجلة؟
-
وداعا 2024 اهلا 2025
-
ابو محمد الجولاني..من خلعه جلباب داعش الى المدني أحمد الشرع!
...
-
حماية الأطفال والمراهقين من اخطار الأنترنت ومنصات التواصل- م
...
-
أبو محمد الجولاني..شخصية جدلية
-
طغيان الحاكم..تحليل سيكولوجي
-
جاسم المطير..عقل عراقي استثنائي افتقدناه في الغربة
-
المفهوم الحديث للتعداد السكاني في العراق..هل يقترب منه العرا
...
-
مؤتمر دبي نحو تنظير جديد للأبداع في العالم العربي
-
ترامب..تحليل سيكولوجي لشخصية رئيس الدولة الأقوى في العالم
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الغاشرة والأخيرة)
-
انتفاضة تشرين..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الثامنة)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة السادسة)
-
متلازمة الأذن الموسيقية..اغرب اضطراب نفسي
-
فضل الأكتئاب على الفنون والآداب !
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الخامسة)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الرابعة)
المزيد.....
-
تعليق ساويرس على منشور عن -دخول مسلحين مناطق مسيحيين في دمشق
...
-
الجهاد الاسلامي تبارك العملية البطولية بتل أبيب كرد طبيعي عل
...
-
قائد الثورة الاسلامية آية الله خامنئي يعزي باستشهاد اثنين من
...
-
وزير الخارجية الايراني عراقجي يهاتف الامين العام لحركة الجها
...
-
الإلحاد والطب النفسي.. ما العلاقة؟
-
حرس الثورة الاسلامية يزيح الستار عن مدينة استراتيجية أخرى تح
...
-
-ما مصدقتش الخبر-.. ساويرس يثير تفاعلا بتعليقه على -ادعاء- ب
...
-
بـاقة أناشيد رمضـان 2025.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد
...
-
في يوم استثنائي.. الفاتيكان يحتضن مربي الحيوانات للاحتفال بع
...
-
الإشارة الأقوى على الإطلاق.. متوفر الآن تردد قناة طيور الجنة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|