|
القضاء الدستوري يرجح وجود النص القانوني المخالف للدستور على الفراغ التشريعي! قراءة في اتجاه المحكمة الاتحادية العليا في العراق
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 18:46
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
القضاء الدستوري يرجح وجود النص القانوني المخالف للدستور على الفراغ التشريعي! قراءة في اتجاه المحكمة الاتحادية العليا في العراق أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرار الحكم العدد 274/اتحادية/2024 في 24/12/2024 الذي قضت فيه برد دعوى الطاعن بعدم دستورية احد القوانين النافذة، وكان رد الدعوى لان ما ورد في القانون هو خيار تشريعي للمشرع، ولا يشكل مخالفة دستورية، الا ان المحكمة استطردت في بيان الأسباب ، فجاء في نهاية قرار الحكم العبارة الاتي (وعلى فرض صحة ادعاء المدعي فإن الحكم بعدم دستورية النص - المطعون فيه - يخلق فراغاً تشريعياً لا سيما أنه تضمن في محتواه الجداول الملحقة بالقانون) وللوقوف على هذا الاتجاه القضائي اعرض القراءة الاتية: 1. إن المخالفة الدستورية تظهر بشكل واضح في القانون الذي يصدر خلاف لنص صريح في الدستور وتسمى المخالفة الموضوعية أو انه يصدر خلاف للإجراءات الشكلية التي نص عليها الدستور لتشريع القوانين وتسمى بالمخالفة الشكلية 2. يرى اغلب الفقه الدستوري تأييد تمتع الحكم الصادر بعدم دستورية قانون ما بالأثر الرجعي ويرتكز أصحاب هذا الاتجاه على اعتبار الحكم بعدم الدستورية يؤدي بالنتيجة إلى الكشف عن حالة البطلان التي أصابت التشريع المحكوم بعدم دستوريته منذ اللحظة التي تحققت فيها المخالفة، مما يقتضي إهدار ما رتبه من أثار مع مراعاة دواعي استقرار الحقوق والمراكز القانونية. 3. هذا الاتجاه يوضح لنا بان القانون المخالف للدستور يعد كانه لم يكن، ويعاد الحال الى ما كان عليه قبل الصدار التشريع المحكوم بعدم دستوريته، ومن ثم لا يوجد فراغ تشريعي، وانما نعود الى ما كان عليه الحال في تنظيم الأمور التي تولى التشريع غير الدستوري التعرض اليها، وهذا لا يشكل أي فراغ تشريعي، لان الأصل ان الحال لم يكن فيه مثل هذا التشريع، وله نصوص أخرى تنظمه، وعند عدم الدستورية باي تشريع تعود التشريعات النافذة الى سابق عهدها بمد نطاق سريانها الى تنظيم تلك الأحوال، بمعنى اخر، لا وجود للفراغ التشريعي اطلاقاً في حال الحكم بعدم دستورية القانون او أي تشريع اخر. فضلاً عن ذلك فان بقاء النص المطعون فيه قائما مع خرقه للمبادئ الدستورية يشكل خطر على الأمن القانوني والاجتماعي 4. لكن قد تظهر لنا صورة من صور المخالفة الدستورية، حيث تكون المخالفة بمادة او فقرة واحدة من القانون وليس القانون بأكمله، فعند الحكم بعدم دستورية تلك المادة فان الحكم لا يتعدى الى النصوص الأخرى، وهذه الصورة تبرز من خلالها فرضية ان هذا النص المحكوم بعدم دستوريته قد يكون لها ارتباط بنصوص أخرى، وان عدم وجوده قد يؤدي الى عدم استقرار المراكز القانونية، وكان للمحكمة الاتحادية العليا سابقة بالحكم بعدم دستورية نص في قانون لم يطعن بها وانما اعتبر انها على ارتباط بالنص المطعون فيه مما يوجب الحكم بعدم دستوريته وعلى وفق ما ورد في قرارها العدد 213/اتحادية/2021 في 9/2/2021 5. ان النص التشريعي إذا تم الحكم بعدم دستوريته وتعطيل جزء منه أو جميع فقراته وبنوده وكان لا يؤثر على وضوح النص التشريعي يعد القانون بما تبقى فيه من نصوص نافذ وفعال ويتفق وحكم الدستور، ولاحظنا عشرات القرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا في العراق بهذا الصدد، 6. إما إذا كان النص المطعون بعدم دستوريته يؤثر في وضوح التشريع وتنظيم الأحوال التي صدر بموجبها، فيحكم بعدم دستورية التشريع بأكمله ويكون معطل، وهذا ما سار عليها القضاء الدستوري في العراق وفي بقية البلدان، وهناك أمثلة كثيرة تتعلق بتعطيل نص معين لان جزء منه غير دستوري وما تبقى منه لا يحقق الوضوح التشريعي المطلوب ومنها ما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 99و 104و 106/اتحادية/2018 في 21/6/2018 حيث قضت بعدم دستورية المادة (3) من القانون الصادر بتاريخ 6/6/2018 قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013، ليس لأن جميع ما ورد فيها غير دستوري وإنما كان جزء منها المتعلق ب (كوتا الأقليات) لان ذلك يشكل مخالفة لعدة مواد دستورية، إلا أن المحكمة وجدت إن هذا التعطيل سوف يؤثر في تمام المادة مما اقتضى الحكم بعدم دستوريتها بأكملها وعلى وفق ما جاء في الصفحة (14) من قرار المحكمة الاتحادية العليا المذكور أعلاه، والمعيار الذي تبنته المحكمة هو مدى بقاء النص على وضوحه عند تعطيل جزء منه لمخالفته الدستورية. 7. ان بقاء النص القانوني غير الدستوري يمكن أن يسبب أضراراً كبيرة. ففي العديد من الأحيان، يتم وضع الدساتير لحماية حقوق الأفراد وضمان العدالة والإنصاف، إذا بقى النص القانوني الذي يخالف الدستور، فانه سوف يؤدي الى أن تنتهك حقوق الأفراد، ويؤدي إلى عدم تحقق العدالة والمساواة، ويقوض الثقة في النظام القانوني والسياسي، حيث ان بقاء النصوص القانونية غير دستورية، يمكن أن تحرم الأفراد من الحماية التي يوفرها الدستور، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الظلم وعدم الاستقرار. لذلك، من الضروري معالجة أي تعارض بين القوانين والدستور لضمان العدالة وحماية حقوق الجميع، لان بقاء الحالة دون تشريع افضل من وجود تشريع مخالف للدستور، والفقه والقضاء الدستوري اتجه نحو سد الفراغ التشريعي على وفق الفقه الدستوري في نظرية الفراغ التشريعي. 8. بقاء تلك النصوص المخالفة للدستور في المنظومة التشريعية، يؤدي الى العمل بها، ومن ثم تلزم الدولة بالتعويض عن الضرر الذي ينجم ع تطبيقها والعمل بموجبها، ومن الأمثلة على ذلك القرارات والقوانين التي صدرت في حقبة النظام السابق والتي كانت تخالف المبادئ الدستورية، فان الدولة الزمت لاحقاً بالتعويض عنها ومنها قضايا التعويض للسجناء وعوائل الشهداء ودعاوى الملكية وغيرها، التي اطلق عليها قوانين العدالة الانتقالية. ومن خلال العرض أعلاه فان بقاء النص المخالف للدستور لا يوجد ما يبرر بقائه في المنظومة التشريعة، والحكم بعدم دستوريته لا يشكل أي فراغ دستوري وانما تنقية المنظومة التشريعية من النص المخالف للدستور، وهذه هي من اهم ضرورات وجود الرقابة على دستورية القوانين، فضلاً عن دورها في الوقاية من خطر صدور قانون غير دستوري، كما يرى بعض الفقه الدستوري بان القانون لا يعبر عن الإرادة العامة ومنهم جان جاك روسو، حيث يرى القانون يعبر عن إرادة ممثلي الشعب من الأحزاب والتيارات السياسية التي يتكون منها البرلمان، بينما المعبر عن الإرادة العامة هو الدستور لان مصدره في الغالب الأعم هو الشعب الذي صوت عليه، فضلا عن كون الدستور هو المصدر الذي خرجت من عباءته السلطات كافة بما فيها البرلمان، ومن ثم لابد من إزالة تلك المخالفة، وتبقى مهمة المشرع البحث عن الخيار التشريعي الذي يتفق واحكام الدستور، وقد يكون للقضاء الدستوري دور التوجيه والنصح للمشرع في كيفية الوصول الى النص المطابق للدستور، من خلال طرح الحيثيات والأسباب في الحكم القضائي الدستوري. قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا يجوز تمديد فترة عمل مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، ت
...
-
هل احكام قانون مفوضية الانتخابات النافذ تتفق واحكام الدستور؟
-
لا تباين في الاجتهاد القضائي ان اعتمد على أسباب وحيثيات متبا
...
-
هل مجلس النواب يمثل كل الشعب العراقي؟ قراءة في شرعية الانتخا
...
-
اختلاف الاجتهاد في القضاء الدستوري وأثره على الحقوق الدستوري
...
-
السند القانوني والدستوري لدور الرقابة الشعبية في حماية المال
...
-
هل ما زال كالفن يحكمنا؟ اقتباس من كتاب عنف الديكتاتورية
-
انعدام الرقابة الشعبية يقوض الديمقراطية
-
إدارة الدولة العراقية بين الدستور النافذ وأسلوب (البكلر بكي
...
-
كيف يطعن بعدم دستورية القوانين من الجهات الرسمية؟ قراءة في ت
...
-
الصنمية الدستورية في واقعنا
-
قانون الأحوال الشخصية النافذ هل يمنع حرية اختيار المذهب؟
-
لماذا تُمنع الشركات العامة من الطعن بدستورية القوانين؟ قراءة
...
-
هل ينفذ قرار التحكيم تلقائياً دون عرضه على القضاء للتصديق؟ ق
...
-
اليات مناقشة وتقييم بحث الترقية للقاضي بين الماضي والحاضر؟
-
تعزيز الثقة في تطبيق القانون أفضل من التعديل الذي لا يعالج ج
...
-
عندما تناقش محكمة التمييز دفوع الطاعن فإنها تخلق الاطمئنان ل
...
-
البيانات الوجوبية في عريضة الطعن التمييزي بين النص القانوني
...
-
هل يجوز رد دعوى المدعي ومن ثم الحكم لصالحه؟ قراءة في قرار ال
...
-
ما هي عقوبة من يمارس المحاماة واسمه غير مسجل في نقابة المحام
...
المزيد.....
-
الطفولة تحت النيران: تقرير اليونيسيف يكشف عن مآسي أطفال غزة
...
-
الجيش الإسرائيلي: خالدة جرار ضمن الأسرى الذين سيفرج عنهم
-
العدل الإسرائيلية تنشر قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج
...
-
اعلان المؤسس عثمان الحلقه 178 || مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1
...
-
مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان يلتقي أحمد الشرع
...
-
-اليونيسيف-: 35 طفلا قتلوا يوميا في غزة
-
أجبرت الاحتلال على قبول المفاوضات.. تفاصيل عن وحدة الظل القا
...
-
تفاصيل أسماء وأعداد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم بموج
...
-
سوريا.. الشرع والشيباني يلتقيان وفدا من المحكمة الجنائية الد
...
-
لأول مرة.. وفد من المحكمة الجنائية الدولية يصل دمشق
المزيد.....
-
الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق
/ رابطة المرأة العراقية
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|