|
الاشجار
حسن خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 08:04
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
احب شجر الكافور جدا. شجرة طويلة و لاوراقها رائحة رائعة. اما شجرة ام الشعور فهي رومانسية جدا تنمو علي ضفاف الترع و ترخي غصونها علي الماء تبدو كما لو كانت تحنو علي الترعة. ثم شجرة الجميز التي هي نوع من اشجار التين و رمز للقرية المصرية. شجرة التين تتميز بان لديها القدرة علي ارسال جذور مباشرة من الفروع و مع الوقت تتحول شجرة التين الي بنيان معقد من الخشب و الاوراق اذكر ان صديق شاعر كتب في واحدة منها بالذات شعرا فيكسبنجاليزيس يا مليكة امبراطورية الشجر و فيكسبنجاليزس هو الاسم العلمي او شجرة التين البنغالي و طالما ذكرت هذا الشعر القديم لابد ان اذكر الاشجار في الفيلا بجوار منزلي الفيلا لها سور حديدي ضخم لكن الاشجار نمت بحيث احتضن جزعها اعمدة الحديد فاصبحت مغروزة في جزع الشجرة هذة القدرة الفذة علي النمو ادهشتني منذ كنت صغيرا. الشجرة ان قطعت لها فرع نما فرعا اخر بكل بساطة بل يمكنها ان تنمو في جزع شجرة اخري و حتي من نوع اخر. كسرت نخلة لنصفين بفعل الريح فقام عمي في مطلع القرن الماضي بوضع الجزء المكسور فوق الجزء الاصلي و احاط مكان الكسر بالطين و اخذ يسقيه التحم الجزء المكسور بالجزء الثابت في الارض و النتيجة نخلة في منتصفها كرة – مكان الالتحام – و استمرت في انتاج بلح زغلول رائع. ديناميكا النمو لدي الاشجار مختلفة تماما عنها لدي البشر و اكثر تنوعا. و الغالبية العظمي من الاشجار ثنائية الجنس مثلنا لفائدة وجود المذكر و المؤنث التطورية. لكن الاشجار لها انواع عديدة للتكاثر منها نمو البراعم – او العيون- لشجرة جديدة. فطالما الشجرة حية تفرز ما يمنع نمو هذة البراعم لكن حال موتها تصبح البراعم حرة كي تنمو لاشجار جديدة لكنها تحمل نفس البصمة الوراثية للشجرة الاصلية. و قد حسب بعض الباحثين في تاريخ اشجار الخشب الاحمر في كاليفورنيا فوجدوا عمرها 20 الف سنة او عمر تلك التركيبة الوراثية فهي لا تمثل شجرة واحدة بل اشجار عديدة توالدت من بعضها مع الاحتفاظ بنفس البصمة الوراثية. كثيرون لا يعرفون أن الاشجار هي التي سمحت للبشر و غيرهم بالحياة علي هذا الكوكب. فالارض ليس بها اصلا اكسجين في الجو ال 20% من الاكسجين الموجودين الان في الهواء هم نتاج عمل الاشجار لمئات ملايين السنين. فالخلية الحيوانية التي تشكل اجسامنا و غيرنا يمكنها عمل اشياء عظيمة مثل ارسال صواريخ لاعماق الفضاء و اكتشاف تركيب الذرة الخ. لكن لايمكنها عمل شيء بسيط و هو التقاط الكربون من الهواء المحيط. فقط الخلية النباتية هي التي يمكنها ان تاخذ الكربون من الهواء. و سواء في البر او البحر او الجو كل الكائنات الحية مركبة من الكربون الي جانب مركبات أخري فبدون الكربون لا نوجد و ما يمنحنا هذا العنصر الفريد هو الاشجار و الخلية النباتية عموما و في البحار يوجد شيء اسمه بلانكتون و هو عبارة عن خلية نباتية طافية فوق السطح تثبت الكربون الجوي فيمكن للسمك و باقي الكائنات البحرية ان توجد. قلة قليلة جدا من الكائنات في هذا الكوكب لا تعتمد مباشرة علي الكربون و هي كائنات بسيطة تعيش في اعماق المحيط و تعتمد علي غاز الميثان المتصاعد من جوف الارض. و الاشجار لا تمنحنا امكانية الحياة من خلال الاكسيجين فحسب بل تمنحنا ايضا ما ناكلة سواء مباشرة او عبر استهلاك الحيوان للخضراوات. و لا تظن ان اعدادها قليلة ففي اكبر غابة في الكوكب الغابة الاوروبية الروسية التي تمتد في كل اوروبا و روسيا بطول 14 الف كم يقدرون ان بها 750 مليار شجرة. اما الغابات الاكثر حيوية في الامازون بالبرازيل و الكونجو بافريقيا و اندونيسيا (بورنيو)ففيها مئات المليارات الاخري من الاشجار بالاضافة الي تنوع بيئي لم يكتشف تماما حتي اليوم فمعدل توالد انواع حيوية جديدة اعلي من معدل اكتشاف الانسان لها. يقدرون ان غابات الكونجو و وسط افريقيا بها مليون كائن لم نزال لم نعرف شيئا عنها. فارق مهم جدا هو اننا كبشر مثلا لا نستخلص الاكسجين من الهواء بل علي نحو ادق لدينا آلة تفعل ذلك رئة او خياشيم لكن النبات في المقابل يفعل ذلك علي مستوي الخلية فكل خلية لها القدرة علي استخلاص الاكسجين او الكربون في حال وجد الضوء و هذا ربما يفسر الحيوية العجيبة للنباتات مقارنة بالحيوان لكن افضال الاشجار علينا لا تقف عن منحنا الاكسجين كي نتنفس و الكربون كي نبني اجسامنا اضافت عليهم منحنا مادة عجيبة لم ننجح في اختراع شبية لها و هي الخشب. الخشب مادة صلبة و سهلة التشكيل عكس المعادن. في ملحمة جلجامش اقدم ملحمة معروفة لنا اول عمل قام به جلجامش هو انه ذهب للبنان و قطع شجر الارز. هناك اغنية لبنانية تقول ان اشجار العلم غرسها الله بيده في الجبل. اما في الميثولوجيا الفرعونية فايزيس استخرجت جسد زوجها اوزوريس من جوف شجرة ارز ايضا. فالخشب مع البشر دائما. عمليا البشر لا يمكنهم لا تقطيع اللحم و لا هضمه لابد ان يمر بمرحلة الطهي كي نستطيع الحصول علي الطاقة العالية التي يحملها اللحم. السبيل لذلك هو الطهي او اشعال النار في الحطب. و بالفعل وجد في كهف بجنوب افريقيا عمره 300 الف سنة الرماد مختلطا بعظام الحيوانات. فالخشب كان ضروريا لانتقال الانسان من مرحلة الالتقاط لمرحلة الصيد. اريد ان اتوقف قليلا مع الحضارة المصرية الفرعونية القديمة. من الثابت ان المصريين كانوا يستوردون الاخشاب منذ ما قبل التاريخ بل حتي اسم لبنان له اصل فرعوني. و قد وجدت سفن خشبية من الاسرة الاولي 3200 سنة قبل الميلاد موضوعة مفككة في مقبرة. من ناحية اخري فالواقف في مدخل بهو الاعمدة في الكرنك يري سلسلة متراصة من العواميد الحجرية المستقيمة تنتهي بشكل نباتي فهي نموذج حجري للغابة. لا اعرف هل بناها القدماء لتذكرهم باصلهم الموغل في القدم او لسبب اخر لكنها في النهاية غابة مقدسة لذا احتواها المعبد. و اليوم الخشب مازال موجودا في كل البيوت فقيرها و غنيها علي هيئة اثاث او حتي كل البيت مبني منه. و في الصين و اليابان مباني خشبية عمرها مئات السنين وجسور و طواحين و حتي مباني متعددة الطوابق. و لالاف السنين كان الخشب ضروريا للدفاع و الهجوم علي هيئة رماح و سهام و اقواس فلا يمكن تصور الحضارات البشرية بدون الخشب. لكن للاشجار و النباتات في حياة البشر قيمة معنوية و جمالية عادة ما تهمل مقابل قيمتها المادية. فوجدان البشر تشكل بداية حول النباتات كرموز. ففي كل مكان في العالم الزهور هي الهدية المفضلة للتعبير عن مشاعر الود و الحب و الترحيب. حتي في مصر القديمة كانت زهور اللوتس تقدم للضيوف في البيوتات الثرية تعبيرا عن الترحيب بهم كما تدلنا رسوم المقابر. و في بقاع كثيرة تعتبر زهرة الليلك اقيم من الذهب كرمز. و لكل شعوب العالم نباتاتهم المفضلة. و لو حسبت عدد اللوحات و الموسيقة التي تجسد نباتات مثل الزهور و الاشجار لوجدتها اكثر من كل الموضوعات الاخري. في التسعينات قامت سيدة تخطت السبعين بربط نفسها لاحد اشجار الخشب الاحمر كي تمنع قطعها و نشأت حركة شعبية كبيرة حول هذا الموقف ادت لان تقوم الولاية بشراء الغابة التي بها الشجرة المقصودة فقد كانت ملكية خاصة ثم فرضت عدم قطع الاشجار. حتي التعبير عن الفردوس الاعلي تعبير يقرنها بالاشجار و الفواكة. و حتي هؤلاء الذين يعيشون في معامل الذكاء الصناعي و صواريخ الفضاء يجدون ملاذا لهم في الغابات علي الاقل كان هذا هو الحال في المرحلة الذهبية للفيزياء في مطلع القرن 20 . و انا متأكد ان الحال مازال كذلك. النباتات منحتنا الحياة حرفيا فلم لا تشكل الجانب المضئ من وجداننا؟
#حسن_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكاء الصناعي
-
التلاشي
-
معركة موسكو
-
ديناميكات الصراع حول فلسطين
-
ستالينجراد
-
ملحمة جلجامش
-
العولمة كتاريخ
-
موت الديمقراطية
-
نقد الثورة و اليسار البدائي و الجزائر
-
تجديد الخطاب الديني
-
هل سيصبح السودان من دول الربيع العربي ؟
-
تعليق مختصر علي برنامج الحزب الاشتراكي المصري
-
السودان و الديمقراطية
-
عودة الدولة
-
100 عام علي ثورة اكتوبر الاشتراكية
-
أضحك مع صديقي الشاب
-
من بلفور إلى ترامب: المواجهة هي الرد
-
جيولوجيا التعويم
-
هل انهيار الاتحاد السوفييتي سبب أزمة اليسار؟
-
أيها الماركسية كم من الجرائم ترتكب باسمك
المزيد.....
-
بأغلبية بسيطة.. مكتب نتنياهو: الحكومة الأمنية المصغرة توافق
...
-
أكبر قافلة مساعدات إلى غزة منذ بدء الحرب
-
إقبال أمريكي على تطبيق صيني جديد .. من هم ”لاجئو تيك توك-؟
-
أردوغان: تركيا موجودة في سوريا وغزة.. نتدخل في الأحداث ولا ن
...
-
الكابينت الأمني الإسرائيلي يصادق على اتفاق وقف إطلاق النار م
...
-
الحوثيون: هاجمنا أهدافا إسرائيلية في إيلات ويافا وعسقلان وحا
...
-
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة: ما مدى محورية الدور المصري قبل
...
-
الواحات.. تغير المناخ يهدد إرثا تاريخيا
-
ماكرون يعلن من بيروت عن مؤتمر دولي قريب في باريس حول -إعادة
...
-
آلام غزة قد تستمر أجيالا وراء أجيال.. كيف تحفر الحرب أثرها ف
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|