أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغربية؟














المزيد.....


لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغربية؟


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 21:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في عالمنا العربي والإسلامي، يتردد صوتٌ قديمٌ جديدٌ، يُخفي بين طياته أملًا وسخرية، تساؤلًا واتهامًا. صوتٌ ينبع من أعماق العقل الجمعي، الذي ينتظر انهيار الحضارة الغربية الحديثة، بل ويشمت في مصائبها من زلازل وبراكين وحرائق، مُؤطِّرًا هذه الكوارث ضمن عقيدة غضب إلهي على حضارة يرى أنها فقدت بوصلتها الأخلاقية. وفي المقابل، يصف الكوارث ذاتها إذا ما وقعت على أرضٍ إسلامية بأنها “ابتلاء”، يختبر الله به صبر عباده واحتسابهم.

ينبثق هذا التفكير من خللٍ جوهري في فهم المسلم لموقعه الحضاري. فهو يُسقط على الآخر الغربي تفسيراته الدينية المُبسَّطة للأحداث، ويمزج بين مشاعره الرافضة لتفوق الغرب ومكانته الرائدة. وفي الوقت نفسه، يغض الطرف عن الواقع الماثل أمامه: الغرب الذي أسّس بنيانه على العلم والعمل والتطوير، والذي أنتج حضارةً أضاءت العالم بقيم الحرية وحقوق الإنسان التي يطبقها على الأقل داخل مجتمعاته، والذي يجب أن يسعى الجميع لتطبيقها في مجتمعاتهم، والتي نطالب أيضا الدول الغربية بعدم ازدواج المعايير في تطبيقها.

إن هذه الثنائية المزدوجة بين “الشماتة” و”التبرير” هي انعكاسٌ لعقلٍ جماعي يُعاني أزمة هوية. إنه العقل الذي يستبدل مواجهة التحديات بتبرير الفشل، ويبحث عن عزاءٍ في سقوط الآخر بدل أن يسعى للحاق به أو تجاوزه.

إن فكرة الانتظار في حد ذاتها ليست إلا تعبيرًا عن العجز. فالمنتظر لا يتحرك، ولا يخطط، ولا يسعى لتحقيق إنجاز حضاري منافس. والانتظار هنا ليس فقط رهانًا على الزمن، بل هو أيضًا رغبة دفينة في الانتقام الرمزي من الآخر الغربي الذي يعكس تفوقه المادي والتكنولوجي قصورًا ذاتيًا لم تُبذل الجهود الكافية لتجاوزه.

لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا لا يسعى العربي والمسلم إلى البناء بدلًا من الانتظار؟ الجواب يكمن في غياب المشروع الحضاري الواضح. فالعالم الإسلامي اليوم يفتقد رؤيةً متكاملةً للنهضة، رؤيةً تقوم على فهم عميق للواقع، وتستثمر في الإنسان، وتُؤسس للعلم كقيمة عليا. ومع غياب هذه الرؤية، يبقى الوعي الجمعي عالقًا بين الحنين للماضي الذهبي المتخيل والرهان على سقوط الآخر.

إن الاعتقاد بأن سقوط الحضارة الغربية سيكون في صالح العرب والمسلمين هو تفكير قاصر، بل قد يكون كارثيًا. فالحضارة الغربية ليست كيانًا منعزلًا؛ إنها جزءٌ من منظومة عالمية مترابطة. إن انهيارها يعني، بكل تأكيد، اختلالًا عالميًا في الاقتصاد، والعلم، والسياسة، وحتى الحياة اليومية. فمن سيملأ الفراغ الحضاري الذي ستتركه؟ وهل يملك العرب والمسلمون الأدوات ليكونوا بديلًا؟ إن الحقيقة المرة أن العالم العربي والإسلامي ليس مستعدًا لتحمّل هذه المسؤولية. فبدلًا من التفكير في انهيار الحضارة الغربية، علينا التفكير في كيفية الاستفادة من منجزاتها، والتعلم من أخطائها، والعمل على بناء حضارة تُضاف إلى رصيد الإنسانية.

إن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: كيف يرضى هذا العقل الجمعي بأن يعيش في الدرك الأسفل، فقط ليشعر بشيء من الراحة حينما يشارك الغربي الذي يكرهه هذا القاع، إن تحطمت حضارته وهوى إليه؟ الإجابة تكمن في حالة من الانهزام النفسي واللامبالاة تجاه الذات والمستقبل. فالرضا بالموقع الأدنى هو هروب من مواجهة أسئلة كبرى: لماذا تخلفنا؟ وكيف ننهض؟

إن مواجهة هذا الفكر تتطلب أولًا نقدًا ذاتيًا صادقًا. فعلى المسلم أن يدرك أن تفوق الغرب ليس مؤامرة، بل نتيجة عمل شاق، وأن موقعه المتأخر ليس قدرًا، بل نتيجة خيارات تاريخية وحاضرة. وعليه أن يتحرر من عقدة الآخر، وأن يبدأ رحلة بناء الذات: بناء الإنسان الحر، والمجتمع المنتج، والحضارة التي تُضيف ولا تستهلك فقط.

إن الفكر القائم على الانتظار والشماتة هو فكرٌ يُعادي الحياة والتقدم. إن المستقبل لا ينتظر أحدًا، ومن يريد أن يكون جزءًا من صُناع هذا المستقبل عليه أن يعمل، لا أن يترقب سقوط غيره. والمؤكد أن الحضارات لا تنهار فجأة، لكنها تفسح المجال لحضارات أخرى تنهض من بين ركامها. فهل نحن على استعداد لأن نكون من بين هؤلاء النُّهاض؟ أم سنظل أسرى لأوهام السقوط؟



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة
- مجدي يعقوب: أيقونة الإنسانية والعلم في مسار نحو نوبل وجامعة ...
- الأسرى في ظلال الكهف: رحلة العقل من القيود إلى النور
- العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبا ...
- العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري
- أصداء الرعب: كيف تتحطم الأمم تحت وطأة الديكتاتورية
- العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر
- الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في ا ...
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...


المزيد.....




- “صلاتــي حيـاتي” اضبـط تردد قناة طيور الجنة الجديـد 2025 ناي ...
- الفاتيكان يعلن إصابة البابا فرنسيس برضوض ويكشف تفاصيل حالته ...
- تداعيات تعاون الهند وحركة طالبان الأفغانية على المنطقة
- “نزلها ومتع طفلك في الأجازة” تردد قناة طيور الجنة 2025 الجدي ...
- نائب الامين للجهاد الاسلامي:نتنياهو يقوم بمناورة سياسية عبر ...
- نائب امين الجهاد الاسلامي:نتنياهو يقوم بمناورة سياسية عبر ال ...
- كيفية تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية ...
- احتفالات بدول عربية وإسلامية ترحيبا باتفاق وقف النار بغزة
- ” بأعلى جودة ” تردد قناة طيور الجنة 2025 استقبلها واستمتع بأ ...
- شيخ الأزهر يوجه رسالة بعد اتفاق غزة


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغربية؟