|
الدروب تنتهي بالوساطة الأميركية
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 11:37
المحور:
القضية الفلسطينية
ترامب القادم
عشرات الآلاف صرعوا ما سبب الكثير من الأحزان واليتم والثكل والترمل وشطب عائلات من السجل المدني. وفي نفس الوقت اتضح على نطاق دولي ان الدولة الصهيونية ليست الملاذ الآمن ليهود العالم، بينما الديمقراطية الحقة توفر الملاذ للجميع من عسف انظمة الطغيان. ثبت أيضا ن القوة الغاشمة لا تحقق للطغاة أهدافهم، فالمجد للمقاومة الباسلة والإجلال للتضحيات الجمة.
هذه المرة لم تستدرج المقاومة الى صدام مسلح غير متكافئ، إنما هي بادرت الصدام المسلح في غزة ولبنان؛ غير ان الدعم الأميركي غير المسبوق في حجمه وضراوته وتحديه الصارخ قد قلب توازن القوة وأعاد الأمور الى الحاكمية الأميركية. بعد خمسة عشر شهرا من القتل والتدمير لم تتعطل يوما، وبعد التلكؤ والمماطلة والفيتو بمجلس الأمن يعطل وقف إطلاق النار، وبعد المسرحيات الساخرة من المقاومة الفلسطينية والعرب عموما، تمظهرت بخلافات بايدن مع نتنياهو، أعلن بلينكين، المشرف المباشر على السياسات الأميركية بالشرق الأوسط على مدى حقبة الحرب الضارية، حسم الأمر في غزة بموجب خطة ترك للرئيس المنتخب، ترامب، أمر تنفيذ بنودها الرئيسة، او إدخال تغييرات عليها، او تبديلها، بمعنى تعليق القضية. ترامب صاحب مزاج حاد لا يطيق الرأي الآخر، ومن وجهة نظره الاختلاف يفسد المودة؛ فسواء حشر الخارجون على التبعية لأميركا أنفسهم داخل أي إطار - أهل الممانعة، المقاومة، الرفض أو اليسار، أو أي إطار متمرد على هيمنة الامبراطورية الأميركية، فلا مكان لهم في مناطق نفوذها. وصفه نوعام تشومسكي بالأخطر على البشرية عبر التاريخ لأنه يريد هلاك البشرية والبيئة. يتفوق على هتلر بامتلاك القنبلة النووية. هل تكفل الزمن بالتغيير؟ والتغيير، إن حدث، ليس شاملا؛ فقد خاض ترامب حملته الانتخابية، كسابق عهده، زعيما لتيار المسيحيين الصهاينة، او تيار المسيحية الفاشية حسب توصيف كريس هيدجز، صحفي الاستقصاء الأميركي. رأى الأكاديمي الأميركي، هنري غيروكس، في رسائله اليومية عبر تويتر "الجهل المتحالف مع القوة، أعظم عدو شرس للعدالة. يفيض جهل ترامب يوميا عبر التويتر يرفض تبدلات المناخ ومخاطره على الجنس البشري، يشكك في قيمة الإثباتات العلمية لوباء كوفيد 19، يدعي ان العرقية المنهجية لا وجود لها بالولايات المتحدة، وهو يخلط التاريخ بجهله للماضي... في نظام ترامب بجري استخدام فقدان الذاكرة التاريخية سلاحا للتعليم الزائف وللسلطة والسياسة. يود ترامب شطب نضالات أولئك المناضلين من أجل العدالة لأنهم يقدمون ذكريات ودروسا خطرة للمتظاهرين الذين ينظمون المسيرات بالشوارع هذه الأيام".
وقدم باول ستريت، صحفي استقصاء آخر، امثلة ملموسة على عناده الجهول، موردا وقائع ومقدما تصريحات ومواقف للرئيس الأميركي تضعه نقيضا للقيم الإنسانية المتوارثة: "يرى ترامب عدم اللجوء الى المحاكم وينادي بالقصاص من القتلة حال العثور عليهم. هل يعتقد ترامب ان ضباط الشرطة البيض القتلة، امثال ميشيل شلاغر (قاتل وولتر سكوت)، جاسون فان دايك (قاتل جواكوا ماكدونالد)، بريت هانكيسون(ضابط التحري الرائد في اغتيال الشرطية بريونا تيلر) وديرك تشوفين(قاتل فلويد بالضغط على رقبته على الطريقة الإسرائيلية) يجب أن يُقضىى عليهم في الشوارع، بدون محاكمة ولا حتى اعتقال؟ بالطبع لا يقصد ترامب هؤلاء حين أدلى بتصريحه. قصد القصاص لأحد انصاره الفاشيين فتك به المتظاهرون حين أطلق النار من سلاحه. هل يصدق ترامب أن راستين شيسكي، ضابط الشرطة الأبيض في كينوشا بولاية ويسكونسين يلزمه طلقات سبع في ظهره تقعده مشلولا، مثلما فعل بالأسود جاكوب بليك قبل ثلاثة أسابيع (عهد ترامب) امام أطفاله في مدينة كينوشا؟ "نشر ترامب على تويتر فيديو التقطه أحد أنصاره يتغنى ب ’القوة البيضاء‘. ورحب ترامب بالدعم من الفاشي المجنون كانون، دعا الى اغتيال الليبراليين واليساريين، ويتهمهم بصورة سوقية بأكل الأطفال. "ويدافع ترامب عن المراهق، كايل ريتينهاوس، عضو إحدى المجموعات الفاشية، اغتال بسلاحه يوم 25 أغسطس / أب (2019) اثنين من المتظاهرين في شوارع كينوشا، احتجاجا على مأساة بليك. "في نظر ترامب ملايين المتظاهرين بالشوارع ردا على عنف الشرطة العنصرية هم ’ إرهابيون يساريون‘؛ غير أن إرهابياً يمينيا متطرفا مثل كايل ريتينهاوس وباتريوت هما ’ أميركيان عظيمان‘“. بالانسجام مع قلب المعايير هذا، نزل قرار ترامب، أثناء إدارته السابقة، نقل سفارة بلاده الى القدس وأصدر صفقة القرن وقرر ضم هضبة الجولان للدولة الصهيونية، تصرف بأملاك الإمبراطورية الامبريالية للولايات المتحدة! جاءت إجراءاته مجرد اختصار للزمن، ينفذ بجرة قلم ما قررته الإدارات الأميركية السابقة، وتركت مهمة التنفيذ لإسرائيل تقضم ولا تلتهم. تلك هي أحكام ترامب وحلوله النزوية، وعلى غرارها يمكن التنبؤ بما سيصدره من أحكام بشأن بنود القضية التي أورثه إياها بلينكين. الخطة في جوهرها مجرد هدنة لمدة زمنية يتم خلالها تبادل أسرى فلسطينيين بمحتجزين إسرائيليين، تدور خلالها مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتنفيذ المرحلة الثانية، وأثناء المرحلة الثانية تدور مفاوضات بشأن المرحلة الثالثة وخلالها يستتب السلام والأمن! اليس هذا مواصلة للمسرحيات الساخرة من الأطراف العربية كافة؟ تقريب التسوية ثم الانكفاء الى لهيب حرب الإبادة؛ تمظهر بالخلاف مع بنيامين نتنياهو وينفرج الخلاف عن اتفاق على مواصلة الحرب؟! من المؤكد ان بلينكين ترك لنتنياهو حرية التصرف بالخطة، اعتراضا او تبديلا. لكن يجدر ملاحظة ما نقلته الأخبار مباشرة بعد انتهاء بلينكين من الخطاب الذي أوجز فيه خطته، وادعى ان إسرائيل ترغب العيش بسلام في المنطقة؛ هدد نتنياهو ب "حرب لم تشهد المنطقة مثيلا لها " ردا على أي انتهاك للهدنة. فهل يتفق التهديد مع رغبة في المسالمة ؟ هل سيتصرف جيش الاحتلال بحرية ويخترق الهدنة بينما يهدد الطرف المقابل إن هو انتهك الهدنة، كما يجري في لبنان؟ أم يمضي نتنياهو حسب مألوف الدولة الصهيونية تتجاوز القرارات الدولية وتتجاهل اتفاقات الهدنة مثلما تصرفت ميليشيات الصهيونية أثناء عدوان التطهير العرقي ومثلما تصرفت وحدات الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الأولى من إقامة الدولة؟ الن تجري المفاوضات على غرار مفاوضات أوسلو، بلا اتفاقات؟
التعلق بالولايات المتحدة بشر بلينكين تتويج حطته المقترحة بتشكيل دولة فلسطينية مقايضة بتطبيع علاقات إسرائيل مع السعودية، شرط اندماج إسرائيل بالمنطقة. وتصور بعد اتفاق الهدنة تشكيل هيئة بإشراف الأمم المتحدة، تتألف من قوى امنية من عدة دول عربية وغير عربية تحل محل جيش الاحتلال، يتم خلالها التأكد من قدرة السلطة الفلسطينية بالضفة على إدارة القطاع. لم يلمح الى موقف نتنياهو من الخطة، لكنه كعادته دوما يحمل حماس مسئولية التعطيل. عدة ألغام تعلن عن مفعولها إذا ما تقدمت المفاوضات، تحيل خطة بلينكين سرابا يحسبه الظمآن ماءًا. فالخطة بمجملها بنيت استشعارا بتهافت الأطراف العربية كافة على الوساطة الأميركية العقيمة خلال عقدين بعد اتفاق أوسلو. الدول العربية رحبت بزيارات بلينكين بينما كانت قنابله وصواريخه تنهال على سكان القطاع. جاء يطلب ترك غزة لنتنياهو يقتل ويشرّد لإفراغ القطاع من سكانه بينما تتوقف مساندة حزب الله لحماس! في الحال عبرت الأنظمة عن خذلان غزة، حيث أعلنت إدانتها لحماس ولم تدن حرب الإبادة. ربطت مصائر جموع غزة بمصير حركة حماس. بذا استمرت عمليات الإبادة الجماعية تحت سمع وأبصار الدول العربية. وما إن صدر عن بايدن تصريح انتخابي بقصد جس النبض بعد الدعم المادي والسياسي لحرب البيئة المدمرة، تضمن أيضا مسعى لإرضاء الناخبين المؤيدين للشعب الفلسطيني، حتى انبرى المفاوض الحمساوي يرحب ويؤيد. على الأقل احتراما لدماء بريئة أهرقت توجب إبداء قدر من عزة النفس! طالما يرفع مطلب التوقف عن العدوان الهمجي يتوجب الانتظار حتى يستجاب للمطلب، ولا يستدرج المفاوض الفلسطيني الى قضايا جزئية تحجب المماطلة حتى يتحقق "النصر المطلق". بعد ساعات تراجع بايدن عن اقتراحه ليترك خيبة امل؛ لكن إدارة بايدن فهمت من التمثيلية ان مصرع عشرات آلاف الفلسطينيين بالأسلحة الأميركية لم تضعف متانة العلاقة مع الامبراطوريبة الامبريالية، فاشتطت في دعمها للإبادة. القتل والتدمير يجريان بلا توقف صدرت التصريحات تؤكد "نتنياهو لم يحقق أيا من أهدافه"!! فيما بعد تم التحول والإقرار ان القتل والتدمير تشكل هدفا استراتيجيا لحرب الإبادة الجماعية، إبادة البشر والحجر وإبادة التعليم والثقافة والصحة والبيئة كي تستحيل الحياة البشرية على أرض القطاع. وكذلك الأمر في لبنان؛ ما إن عرضت إسرائيل والولايات المتحدة وقف إطلاق النار حتى سارع الجميع في لبنان لقبول العرض المقترن بإشراف أميركي على الهدنة – بمعنى الوساطة الأميركية المعهودة- مع حق إسرائيل في الدفاع عن النفس والبقاء داخل الأراضي اللبنانية على مدى الأيام الستين للهدنة. نسوا او تجاهلوا في لبنان ان حرب الإبادة الجماعية في العرف الإسرائيلي – الأميركي مجرد دفاع عن النفس. وحدث أكثر من ألف اختراق إسرائيلي للهدنة ولجنة الإشراف برئاسة الجنرال الأميركي "طرشا، خرسا". لكن يتشكل في لبنان حكم يعلن الإصرار على انسحاب إسرائيل من كل شبر من لبنان. الولايات المتحدة مجتمع موبوء بالعدوان والعنف يضم حاليا أكثر من ثلاثمائة منظمة مسلحة إرهابية. وسبق لترامب ان هدد بتصفية أي عضو بالكونغرس من الحزب الجمهوري يصوت لصالح تقديمه للمحاكمة نظرا لدوره في الهجوم على مبنى الكونغرس في السادس من أيار 1920.عدل الكثيرون عن الموافقة على محكمة ترامب، وبالتالي سمحوا له، ضد إرادتهم، الترشح ثانية للرئاسة، وبذلك سقط اقتراح محاسبة ترامب على تحريضه لمنع اعتماد نتيجة انتخابات الرئاسة في حينه. الولايات المتحدة تحتضن ثقافة العنف والإكراه وتطبقها في الخارج وفي الداخل، بين أوساط المجتمع الأميركي. الولايات المتحدة بثرائها وقدراتها هي إحدى نتائج الاستعمار الاستيطاني مارسه الأوروبيون البيض بالقارة الجديدة. والاستعمار الاستيطاني ينظر لأهل البلاد دون البشر وحياتهم بلا قيمة؛ وبذا فالإبادة الجماعية، ولو بعشرات الملايين ليست منافية للأخلاق. عن طريق نشر الأمراض الفتاكة أو الإبادة بالسلاح أو التهجير الى مناطق نائية، ربما بالحيلة والخداع، مع الحرمان من حقوق المواطنة استطاع العرق الأبيض الوافد من أوروبا السيطرة على القارة الجديدة. في العام 1924 منح اهل البلاد حقوق المواطنة. المتطهرون(بيوريتان)، هذه الشريحة المسالمة، ذات المشاعر الإنسانية الرقيقة، الرافضة لتهتك طبقة الأريستوقراطية، هاجروا بعيدا عن فسوقها، ليتحولوا في ظل الاستعمار الاستيطاني الى ذئاب البراري، تطارد قطعانهم أهل البلاد وتقتلهم بلا رحمة، وتغتصب املاكهم. تلك الممارسات الشرسة ضد اهل البلاد الأصليين نقلها المستعمرون الأوروبيون اليهود الى فلسطين، حيث تسرح قطعانهم بالضفة الغربية ترهب وتدمر ناشرة قانون الغاب؛ ونقلها الجيش الصهيوني الى قطاع غزة حرب إبادة جماعية لا تبقي ولا تذر. والولايات المتحدة بتاريخها المثقل بالعدوان على الشعوب خلقت ثقافة العدوان وأشاعتها في أرجاء العالم ممارسات سياسية. الساسة المعاصرون للولايات المتحدة هم ورثة تقاليد المهاجرين الأوائل، رأوا في الأرض موضوع الاستعمار الاستيطاني سخروا منطق الإبادة ركنًا مركزيًا وسلاحًا رئيسًا للاستيلاء على الأرض سمة جميع غزوات الاستعمار الاستيطاني، بما في ذلك فلسطين. يحفل التشريع الأميركي بتغليب القوة وتسليط سطوة المصالح. كبير قضاة المحكمة العليا، جان جوي، في عهد الاستقلال يقرر ان "الناس الذين يملكون البلد يجب ان يحكموه"؛ وينقل عن توم بين، المناضل الثوري، قوله،" ان الولايات المتحدة تشكل الحالة المثالية الأقرب لديمقراطية دولة الرأسمال". اما جيمز ماديسون، أحد مؤسسي الحزب الجمهوري ورئيس الولايات المتحدة خلال السنوات الأولى من القرن التاسع عشر فكان يردد، "ان مسئولية الحكومة الأساس هي حماية الأقلية الثرية من الأكثرية". بهذا المنطق تطور النظام السياسي بالولايات المتحدة الأميركية، مضافا الى جينات شراسته، استجلاب الأفارقة بعد انتزاعهم عنوة من أقطارهم الإفريقية للعمل عبيدا في مزارع الجنوب البكر. كل ذلك مكن فيهم جينات الضواري الكاسرة لا تعرف غير منطق القوة لحل الخلافات وفرض الانصياع. أثناء الحرب مع اسبانيا وغزو الفيليبين، وهي أولى حروب الاحتكارات الأميركية، استلهمت الحملات العسكرية عقيدة سياسية منسجمة مع منطق سطوة القوة المسخرة في الحروب ضد سكان البلاد الأصليين، اكدت ان الشعوب غير مؤهلة لحكم الذات، وتجهل مصالحها، والشعب "وحش هال" يجب ترويضه. توطدت بمرور العقود والقرون داخل الولايات المتحدة الأميركية القاعدة التي الهمت الجنرال الأميركي ماك آرثر التصريح "عملت قاطع طريق في خدمة المصالح الأميركية". وفي علوم الاجتماع تسيدت الفرضية السوسيولوجية التي طلع بها هنري جيدينغر (1855- 1931) يدعو كل شعب تعرض للظلم، او استبيح وطنه لانتظار العواقب "إذا حدث في السنوات القادمة ورأى وأقر (الشعب الذي تعرض للغزو) بأن العلاقة موضع النزاع كانت من اجل اسمى المصالح فيمكن حينئذ الإيمان ان السلطة المفروضة تمت بموافقة المظلوم"؛ ذلك هو الجذر الذي نبتت منه "تظرية" وليم بيرنز، "هندسة الموافقة " قاعدة ل " التلاعب الذكي والواعي بالعادات والآراء المنظمة للجماهير هو عنصر هام في المجتمع الديمقراطي"؛ يعني ان متفجرات الإبادة الجماعية تفجر كذلك معايير العدالة والتحرر وأمن الشعوب بالقانون الدولي الإنساني ، تفجرها وتبعثرها لتغدو الإبادة الجماعية عنصرا مقررا في العلاقات الدولية. فمن حق النخب الذكية، بناءً على بيرنز، ان تغير القانون الدولي الإنساني، مثل اتفاقيات جنيف بصدد امن المدنيين في ظروف الحرب، والادعاء بمعرفة مصالح الجمهور ورسم السياسات. استنادا لهذه الفلسفة تقرر السياسة الأميركية عدم وجود إبادة جماعية في غزة، وتستصوب تعميم ما جرى ويجري في غزة سياسة دولية متبعة تجاه شعوب أخرى، بما في ذلك شعوبها، إن هي فكرت في الخروج على الطاعة. بهذه الوسائل يتشكيل "رأي عام سديد". ضمن السياق وجدت فكرة ترامب "توسيع حيز دولة إسرائيل" مشروعيتها، تماما مثلما نالت المشروعية خطوات كيركباتريك، إذ هرولت الى تشيلي تشد على يدي بينوشيه وتبلغه ان نظامه من نمط "الديمقراطية التسلطية" التي تحتاجها أميركا اللاتينية. ومنذ زيارتها استحال إخراج سجين واحد من سجون بينوشيه. نشرت كيركباتريك ثناءها على الأنظمة الديكتاتورية في إحدى المجلات فوجدت الفكرة الاستحسان لدى الرئيس ريغان في ثمانينات القرن الماضي، واختارها لمنصب رئيسة بعثة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة؛ وبقيت الولايات المتحدة الدولة الأكثر ديمقراطية بالعالم! شاع المثل في السياسة الأميركية يختزل مصالح أميركا في مصلحة احتكار جنرال موتورز، قبل انتقال مركز ثقل الاقتصاد الأميركي الى التجمع الصناعي العسكري مركزا لمصالح أميركية، الذي وصف نشاطه الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور ب “السرقة "، سرقة المال العام المخصص للخدمات الاجتماعية المقدمة للجمهور. التجمع الصناعي العسكري فعندما يدفع مبلغ 66 مليار دولار لتسليح اكرانيا فإن 60 مليار منها تسربت الى خزائن التجمع الصناعي العسكري، والباقي لحاشية بيلينسكي، وكذلك الأموال الموهوبة لإسرائيل كي تواصل حرب الإبادة الجماعية، وتختبر فاعلية الذخيرة والأسلحة من صنع أميركي وتنشر لها الدعاية. أطلق الكاتب التقدمي جيفري سنت كلير تعبير “مخازي اللعبة"، عنوانا لمقالته التي تفضح تفاصيل مخازي الاقتصاد والسياسة والميديا بالولايات المتحدة. فضح تدوير الموازنة الحكومية لتوزيع المال العام كي يذهب النصيب الأكبر لبالغي الثراء من احتكارات صناعية وبنوك ويتم التقتير على ما يخص العامة من خدمات اجتماعية. وهو ما لا يظهر بالصحافة الرئيسة ومنابر إعلام احتكارية متحالفة مع السلطة". وفي سرديته لتفاهات النظام الرأسمالي استشهد الدكتور دونو من كندا في كتابه "عالم التفاهة" بمقالة للباحثيْن ديفيد فاين، أستاذ الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية. وتيريزا (عيسى) أريولا أستاذة مساعد في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة كونكورديا، يكشفان أخطار المجمع الصناعي العسكري على الحياة البشرية ويبينان دوره في سرقة الأموال العامة بعيدا عن خدمة الجمهور، يطرحان خطة لتفكيك هذا الكيان الأخطبوطي. "يتوجب علينا مواجهة المجمع الصناعي العسكري لبناء عالم يركز الاهتمام على جعل حياة البشر غنية (بكل معنى الكلمة) بدلاً من تركيز الجهود على صنع القنابل والأسلحة الأخرى التي تجلب الثروة لقلة مختارة تستفيد من الموت... نحن بحاجة للحديث عما تفعله القنابل في الحرب. القنابل تمزق اللحم، القنابل تهشم العظام. القنابل تتفكك، تتسبب القنابل في ارتجاج عنيف للأدمغة والرئتين والأعضاء الأخرى لدرجة أنها تنزف وتتمزق وتتوقف عن العمل. قنبلة تسبب إصابات، قنبلة تقتل. القنابل تدمر. القنابل أيضا تجعل اناسا أغنياء! حيال هذا التحيز الخطير ضد مصالح الجمهور يشتد حرص الميديا في الولايات المتحدة وبلدان الغرب على قمع الرأي المخالف وتشديد الرقابة على الجامعات التي تعتبر المعقل الأخير لحرية التعبير. أوردت الأستاذة روث بن غيات في مقالها حرب اليمين ضد الجامعات- نيويورك ريفيو أف بوكس: "نظرا للقسوة التي أظهرها النازيون في إسكات منتقديهم داخل الأكاديميا وخارجها بعد تولي هتلر السلطة عام 1933، فمن اللافت للنظر أن نقطة الحديث هذه احتفظت بجاذبية اليمين. ساعد في ذلك سلطوية الطغم العسكرية زمن الحرب الباردة، والتي حقنت حياة جديدة لمعارك الفاشية ضد اليسار. بعد ذلك، في عهد الرئيس جورج بوش [اوائل القرن الحالي] تفشت التكتيكات المكارثية؛ وكان هذا واضحا بشكل خاص عندما ادعى ديك تشيني، نائب الرئيس بوش، أن منتقدي سياسة الإدارة في العراق ’يحرضون الإرهابيين‘[واشنطون بوست 10سبتمبر 2006]. في ذات الوقت شهد عهد بوش بزوغ مؤسسات مكارثية مثل ’ مراقبة الحرم الجامعي‘ و ’مشروع ديفيد‘ و ’الطلبة من أجل الحرية الأكاديمية‘ وجمعيات اخرى هدفها فرض مراقبة بوليسية على دراسات الشرق الأوسط والفنون الليبرالية بشكل عام لتخليصها من اي أثر لمعارضة سياسات الولايات المتحدة الداخلية والخارجية". وقدمت البروفيسورة من باكستان، فوزية أفضل –خان، سرد ية لمكابداتها في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة الأميركية، حيث أيدت القضية الفلسطينية. شقّت دربها الأكاديمي وسط أشواك من التحيز المسبق والتزمّت ومجانبة الديمقراطية في الحياة العلمية والثقافية. أميركا بلد الرأي الواحد والهيمنة المطلقة لإيديولوجيا طبقية تحابي من يملكون المال ويفرضون مضامين البحوث العلمية من خلال التبرعات: أشاعوا ذلك "الخوف الذي لاحظته بين أعضاء هيئة التدريس غير المثبتين بشكل خاص، وكذلك لدى الطموحين لمناصب قيادية في القسم والمؤسسة، مبعثه اعتراض غير معلن بأن انتقاد إسرائيل أمر لا يمكن تصوره، وهو وسيلة أكيدة لإنهاء حياتهم المهنية، وبالتالي أشاع رقابة ذاتية من جانب غالبية أعضاء هيئة التدريس بالجامعة"، كتبت البروفيسورة في مقال عنوانه "جامعات تفرض الرقابة على البروفيسور". يحق التساؤل: إذا تسلطت هذه الموانع والقيود في مجال الأكاديميا، فكيف بالسياسة والاقتصاد والثقافة وغير ذلك من الأنشطة الاجتماعية داحل الولايات المتحدة؟ إذن، ترامب بشطحاته ليس بالطارئ على السياسات الامبريالية والنظام الرأسمالي، " درج على مسرح الحياة ينز صديدا وقذارة". كل رئيس جديد يرفع شعارا لإدارته يتبين بالممارسة العملية انه محض تزويق، قشرة رقيقة لا تلبث ان تتفتت وتتطاير بالفضاء. والتهويل بخطر ترامب كناية عن حملة علاقات عامة للسيطرة على عقول الجماهير. كيف الإفلات من الحلقة الجهنمية؟ جدعون ليفي، الصحفي الخارج عن القطيع، من ضمير شواحنه النزاهته والجرأه يستدل ببساطة ويُسر على الحل الذي يبدأ بإلغاء نظام الأبارتهايد وضمان "مساواة الفلسطينيين والإسرائيليين على قدم المساواة". في حوار مع الصحفي الأميركي الذي لا يقل نزاهة وجرأة: "نحن في دولة واحدة. المشكلة الوحيدة هي أنها ليست ديمقراطية، لذا فإن الأمر كله يتعلق بتغيير نظام هذه الدولة. ...علينا أن نحاول الوصول إلى ذلك، على الأقل للتعبير عن البديل شخص واحد، صوت واحد، لتلك الأشياء الأساسية للديمقراطية، وهي بمجرد أن نصل إلى هذا، أعتقد أن كل شيء سيبدو مختلفًا". يضيف: " في الوقت الحالي، يبدو الأمر بعيد المنال تمامًا. المستوطنون يشكلون المجموعة الأقوى في المجتمع الإسرائيلي وفي السياسة الإسرائيلية، وبدون إجلائهم لن تكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة: لن يقوم أحد، من الدول الأخرى، بإجلاء هؤلاء المستوطنين البالغ عددهم 700 ألف. حدود 67 هي في الحقيقة الحد الأدنى، لأننا نتحدث عن حوالي 20% من أراضيهم الأصلية، وحتى هذه المنطقة مأهولة الآن بالمستوطنين" يرد كريس هيدجز: قلت إن حل الدولتين أو الدعوة إلى حل الدولتين هو في كلامك بمثابة جعل الاحتلال أبديا، وهذا صحيح بالطبع. هل هذا ما تحتضنه دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا من خلال دعم إسرائيل، الاحتلال الأبدي؟ جدعون ليفي: أود أن أقول ذلك على هذا النحو. لست متأكدًا من أن هذا هو ما يهدفون إليه، لكنهم لا يهتمون كثيرًا إذا استمر هذا الأمر، هذا أمر مؤكد. سياستهم تعلمنا أنهم يؤيدون الاحتلال الإسرائيلي فقط بسبب الحقيقة البحتة المتمثلة في أنه كان بإمكانهم إحداث تغيير كبير، ولم يكلفوا أنفسهم عناء إحداث تغيير. ألتغيير يتم بضغوط متعددة الأشكال، ليس منها الضغوط العسكرية، وعلى رأسها المقاومة الشعبية تصنع حركة سياسية مستدامة تستعصي على القمع والاضطهاد، تستقطب حركة عالمية للتضامن بلا حدود.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطر حرب إقليمية ماثل بعد الانقلاب بسوريا
-
الصهيوينة والامبريالية كيان واحد يفيض كتلة وينحسر ويزول كتلة
-
تاريخ من العذابات المتواصلة
-
عقم الخطاب المدني مع سلطوية المصالح والامتيازات
-
في ذكرى رفعت العرير.. قلسطين خالدة في قصائد شعرائها
-
ليزلي أنجيلين: نفاق حكومتنا يفطر القلب
-
هل كان 7 أكتوبر شركا للإيقاع بغزة في حرب الإبادة؟
-
آلية دولية للعلاقات العامة تشجع على الإبادة الجماعية
-
المخابرات المركزية الأميركية مولت التنظيمات الجهادية وسلحتها
...
-
ادمان اللاشرعية ..البدايات
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية-7
-
كيف أدمن الصهاينة انتهاك الشرعية-6
-
الكابوس .. دولة منفلتة العقال
-
كيف ادمن الصهاينة انتهاك الشرعية-3
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية-2
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية-2
-
كيف أدمنت الصهيونية انتهاك الشرعية الدولية
-
ديبلوماسية المشترك الإبراهامي-2
-
-الإبراهيمية- وحواشيها : المنطلقات والأهداف(1من2)
-
إسرائيل بلا أقنعة
المزيد.....
-
أردوغان: نرحب باتفاق وقف النار في غزة
-
احتفالات اتفاق غزة بين الفرح وترقب التنفيذ
-
شاهد كيف كان قطاع غزة قبل الحرب الإسرائيلية وكيف اصبح؟
-
في مشهد مؤثر.. أهالي غزة يبكون فرحًا بعد الموافقة على اتفاق
...
-
قطاع غزة.. حذر وترقب رغم الاتفاق
-
لندن تقر بدعم إسرائيل في حرب غزة
-
مشاركة روسية بمنتدى الطاقة الإماراتي
-
خبراء: قطاع غزة بات غير مؤهل للعيش فيه خلال الـ 40 سنة القاد
...
-
أكثر من 80 قتيلا في غارات إسرائيلية على غزة رغم إعلان التوصل
...
-
رئيس وزراء قطر من دمشق: الدوحة ستزود سوريا بما قدره 200 ميغا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|