أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - في ضيافة المدافع / بغداد الأنبار رايح جاي (2)














المزيد.....


في ضيافة المدافع / بغداد الأنبار رايح جاي (2)


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 8223 - 2025 / 1 / 15 - 19:23
المحور: سيرة ذاتية
    


أما الحديث عن نظام الإمتيازات فقد تمت صياغته تحت باب مكرمات الرئيس التي كادت أن تمتد, لوكان عمر القائد قد إمتد, لكي تشمل حتى ذرة الأوكسجين التي نتنفسها. وربما يكون التعبير فيه كثير من المبالغة, لكنها مبالغة من النوع التي تستعمل للتعبير عن مديات تماهي الأمر وسياقات تمظهرها. والأمر بطبيعة الحال, وقد أخذ يمتد ليتناول حتى مجاري تصريف الفضلات* لم يكن قد تم إقراره بمعزل عن فلسفة تقول أن كل شيء صار ملكاً للرئيس.
وحتى رواتب الموظفين فقد صار بالإمكان اعتبارها أيضا مكرمة من الرئيس للمواطن وليست إستحقاقا له نتيجةَ عمله. وذُكِر أيضا أن الرئيس كان أقر مكرمة من نوع خاص أسماها "مخصصات مصافحة" يُمنح بموجبها المواطن الذي يحظى بمصافحة الرئيس مبلغا قدره ربع مليون دينار عراقي, اي ما يعادل المائتين وخمسين دولار, يوم تدنى راتب الطبيب في سنوات الحصار إلى ما يقارب الدولارين ونصف الدولار فقط, ويوم صار برميل النفط العراقي يباع عن طريق تهريبه بأربعة دولارات فقط خلافا لسعره الرسمي الذي كان تجاوز وقتها ربما سبعة أضعاف ذلك المبلغ.
وأما عملية غض النظر الأمريكية عن عملية قيام العراق بتهريب نفطه فقد كان الغرض منها إدامة زمن الحصار فترةً تكفي لطبخ العراق على نار هادئة, وهي عملية طبخ تكفلت فعليا بهدم الكثير من الركائز الأخلاقية للمجتمع العراقي متكفلة حينها بفتح شهية المواطن العراقي للقبول بالفساد كخيار لا بد منه لغرض الحفاظ على البقاء, فالرشوة صار يمكن إعتبارها هدية ويمكن قبولها على طريقة (النبي قبل الهدية) أو على طريقة (الضرورات تبيح المحضورات).
وبفعل عملية التجويع الدولية المنظمة, فقد تحولت الحكومة العراقية إلى مؤسسة وسيطة للتهديم الأخلاقي, وحينها فقد تناوب على نهش الجسد العراقي قوتان أساستان, الأولى كانت هي الإدارة الأمريكية التي أحكمت الحصار على العراق وأمدّت في عمره لجعل شعبه مستعدا للقبول بالإحتلال كوسيلة إنقاذ من حكم جائر لا يمكن ان يزول الحصار إلا بزواله, والثانية هي صدام حسين الذي بذل من جانبه كل الجهود من أجل أن لا تتغلب قوى الحصار على قواه فيعجز بالتالي على مجاراة بعض الضيم الذي لحق بالشعب, ومن ضمنه مؤيدو نظامه الذين إعتادوا على مكارمه, وهي مكارم كانت تلبي في السابق إحتياجاتهم الأساسية وتزيد, لكنها لم تعد متوفرة بما يكفي وخاصة بعد أن بدأ النظام يجابه أزمات فعلية في توفير الغذاء والدواء للناس.
لقد بدأ بعض كبار العسكريين من المتقاعدين يبيعون حاجاتهم الترفيهية, من تلفزيونات وفديوات وكاميرات. صحيح أن كبار الحزبيين ظلوا محافظين على هداياهم الأساسية المتضمنة سيارة جديدة كل سنتين ومبالغ مالية في الأعياد الدينية او تلك التي تهطل في المناسبات الأخرى كالأعياد الوطنية والحزبية وعيد ميلاد الرئيس الذي تحول إلى مناسبة المناسبات, حتى كأن أما لم تنجب رجلا من قبل ولن تنجب من بعد, لكن عملية شراء التأييد صارت تجابه زمنها الصعب.
من جانبه كان الحصار كان قد حجر على العراقيين وحرّم عليهم الحصول على شارات موافقة للدخول إلى البلدان التي تتوفر فيها المتع الجسدية, وكان ذلك سببا أساسيا من أسباب تنشيط سوق العهر المحلي. إن عشرات الألوف من المرافقين والحرس الخاص ورجال المخابرات والأمن والقيادات الحزبية والوظيفية كانوا بحاجة إلى متعة الجسد التي كان تسد الحاجة إليها قدرة السفر للبلدان ذات اللحوم البيضاء, لكن ذلك الأمر لم يعد متاحا بالمرة لذلك صلر تنشيط سوق العهر الداخلي أمرا ملحا.
غير أن هذا السوق لم يكن لينشط ويزدهر بالمستوى الذي وصل إليه بسبب الحاجة الإقتصادية وحدها, أو بسبب محاولة المرأة سد حاجاتها الأساسية أو المظهرية, فالأمر كان بدأ يتسع ويرتفع إلى مستويات خطيرة بحيث توجبت الحاجة للبحث عن تفسيرات تليق به.
وأجد أن سقوط النماذج الأخلاقية هو الذي يتقدم في العادة على بقية العوامل لأنه هو الذي يوفر في العادة البيئة اللازمة لتحول المرض إلى وباء, أو فلنقل أنه يفعل فعل عود الكبريت إذا ما إشتعل قرب وعاء مليء بمادة شديدة الإحتراق.
وفي تلك المرحلة كانت النماذج الأخلاقية المفترضة تبدأ بالرئيس نفسه مرورا بولديه وأخوته وأبناء عمومته وأبناء عشيرته وقيادات حزبه وأمنه واستخباراته, وكان سقوط هؤلاء الأخيرين قد بدأ يتصاعد بعد إكتشافهم لازدواجيات قائدهم وبعد إنهيار كاريزمته السياسية والأخلاقية يوم تحولت بطولاته إلى مجرد لغو فارغ, إذ شكلت مرحلة ما بعد هزيمة الكويت تاريخاً جديدًا ونقيضاً للتاريخ الذي سبقها.
ورغم الخسائر الهائلة على الصعيد البشري والإقتصادي فإن حرب الثمانية سنوات مع إيران قد أفلحت في تحقيق انجازات سياسية فخمة سيصير من المهم في كل مرة تجديد الوقوف أمام نتائجها التاريخية المفصلية منتبهين إلى حقيقة أساسية تقول أن التضحيات العراقية الهائلة وانبهارالعراقيين بشخصية صدام بعد أن نجح الإعلام العراقي بترسيخها مسبوقا بانجازات حقيقية تبدأ بتأميم النفط وقانون الحكم الذاتي للأكراد ومحو الأمية, هي أبرز العوامل الأساسية التي ساعدت العراقيين على الوقوف بوجه دعوات تصدير الثورة الخمينية وانجزت انتصارهم العسكري والسياسي
لكن بطل التحرير القومي تحول فجأة إلى بطل للهزيمة الكارثية العصية في حرب الكويت وبعدها حينما راح يؤدي دور راقصة السترتيز وهو يخلع ثياب زعامته أمام لجان التفتيش التي إرتضى لها ان تفتش حتى غرفة نومه.
كانت الحرب العراقية الإيرانية قد استمرت ثمانية سنوات مؤدية إلى خسائر كارثية على المستوى البشري والإقتصادي , لكن حرب الكويت التي لم تستمر سوى لأكثر قليلاً من الأربعين يوماً هي التي أدت إلى ان يتحول (الإنجاب التاريخي) إلى قزم سياسي يستجدي البقاء في خيم التنازلات المرّة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ضيافة المدافع ... من بغداد إلى الأنبار رايح جاي
- ترامب في الحالتين
- دمشق - بغداد ... رايح جاي
- لحين يثبت العكس
- مدخل بسيط لمشكلة معقدة (2)
- الطائفية ... مدخل بسيط لمشكلة معقدة
- صدام وعبدالناصر والخميني والسنوار هل كانوا عملاء للغرب والصه ...
- الديموكتاتورية
- مقتل وزير ..القسم السابع والأخير
- مقتل وزير(6)
- مقتل وزير ... (5)
- مقتل وزير ... (4)
- في ضيافة المدافع .. مقتل وزير(3)
- مقتل وزير(2)
- مقتل وزير* (1)
- بيتٌ بلا أسوار
- الجواهري.. ما بين الشاعر والإنسان
- الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (2)
- الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (1)
- الأيديوغماتية


المزيد.....




- مصدر لـCNN: حماس وإسرائيل وافقتا على وقف إطلاق النار وإطلاق ...
- أول تعليق من ترامب وروبيو على التوصل لصفقة وقف إطلاق النار ف ...
- تيرورغرام -حرب البيض-.. ماذا نعرف عن الجماعة التي وضعتها أمر ...
- بعد أن -ضحكت خوفا- من صوت قصف النظام السوري، تحتفل سلوى إثر ...
- رئيس الوزراء البولندي يتهم روسيا بالتخطيط لـ-أعمال إرهابية- ...
- متى يستريح رجال الإطفاء في لوس أنجلوس من تسونامي الحرائق وأع ...
- دفعة لا تشبه سابقاتها.. كلية الشرطة السورية تخرّج أول جيل بع ...
- فيدان والشيباني يؤكدان من أنقرة: لن نسمح بتقسيم سوريا (فيديو ...
- ترامب يسبق الجميع ويعلن التوصل لاتفاق وقف النار في غزة
- برلمانية أوكرانية تدعو واشنطن إلى وقف المساعدات العسكرية واس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - في ضيافة المدافع / بغداد الأنبار رايح جاي (2)