محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 19:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عرفت الجزائر في ستينيات القرن الماضي بداية عصر من التطور والنهضة الفكرية والعلمية، حيث ارتكزت الدولة الناشئة آنذاك على قيم الحداثة والتنوير، وشهدت تلك الحقبة استثمارات كبيرة في التعليم، الصحة، والبنية التحتية، مما جعل من العلم والمعرفة الركيزة الأساسية لبناء الأمة. غير أن هذه المسيرة الواعدة توقفت مع نهاية الثمانينيات، حين بدأت مظاهر التدين المظهري تغزو المجتمع، لتغرقه تدريجيًا في حالة من الركود الفكري والجمود الاجتماعي.
هذا التحول من التركيز على الحداثة والعلم إلى هيمنة التدين الشكلي تسبب في تراجع قيم الرقي والتحضر. أصبح الدين، الذي يُفترض أن يكون مصدرًا للأخلاق والعمل الصالح، مجرد واجهة مظهرية تُستخدم للتحكم في الأفراد والسيطرة عليهم. بات الشاب الجزائري يركز على الشعائر الشكلية بدلًا من السعي للتعلم والإبداع، وصارت القيم العلمية والمعرفية تُستبدل بأوهام تعكس العجز عن مواجهة الواقع وتحديات العصر.
ما زاد الأمر سوءًا أن هذه النزعة المظهرية لم تتوقف عند حدود الفرد، بل تسربت إلى المجتمع ككل، مكرسةً الهيمنة على المرأة وتقويض مكانتها باسم التقاليد والتفسيرات الدينية المنحازة. في المقابل، انحسر النقاش حول دور العلم والعمل في بناء الأمة، وهو ما أدى إلى خلق مجتمع مشوش فكريًا، عاجز عن اللحاق بركب الحداثة والتحضر.
الأزمة لم تكن مجرد أزمة فردية، بل كانت أزمة نظام بأكمله. فالتوظيف السياسي للدين غذّى هذه الحالة، حيث استخدم النظام التدين كأداة تخدير وتوجيه للجماهير بعيدًا عن التفكير النقدي والمطالبة بحقوقهم. هذا التوجه لم يُضعف فقط الروح الوطنية والمبادرة، بل فتح المجال لعشرية سوداء كلفت البلاد أرواحًا وموارد، وما زالت آثارها تخيم على حاضرنا.
اليوم، تحتاج الجزائر إلى ثورة فكرية واجتماعية تستعيد قيم العلم والمعرفة والحداثة. بناء مجتمع قادر على التقدم يبدأ من إصلاح التعليم ليصبح أداة لتحفيز التفكير النقدي وتحرير العقول. يجب أن تُعاد للعلم مكانته كمحرك للتطور، وللمرأة دورها كشريك في بناء مجتمع متحضر.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه الجزائر ليس في مواجهة مظاهر التدين المظهري فحسب، بل في استعادة الروح التي حملتها الستينيات: روح العلم، التنوير، والعمل الجاد. الجزائر بحاجة إلى أجيال تعيد بناء وطنها على أسس الحداثة والرقي، بعيدًا عن القيود التي كبلتها لعقود، لتستعيد مكانتها بين الأمم المتقدمة.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟