أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محفوظ بجاوي - الصراع الداخلي بين الحب والقيود : تأثير الخوف من التعبير عن الحب على الصحة النفسية














المزيد.....


الصراع الداخلي بين الحب والقيود : تأثير الخوف من التعبير عن الحب على الصحة النفسية


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 01:32
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


نعيش في مجتمعات تتباين فيها الطرق التي يتم من خلالها التعبير عن الحب والمشاعر العاطفية، خاصة في العائلات ذات الطابع المحافظ. قد يواجه العديد من الأفراد صراعًا داخليًا عندما يحاولون التعبير عن حبهم لأبنائهم، خصوصًا إذا نشأوا في بيئة تربوية لا تشجع على التعبير العاطفي، أو إذا كانت الثقافة السائدة تعتبر إظهار المشاعر أمرًا غير مناسب أو علامة على الضعف. في هذا المقال، نسلط الضوء على هذا الصراع الداخلي وتأثيره على الصحة النفسية، من خلال تجربة شخصية، مع تقديم الحلول الممكنة.

لقد نشأت في عائلة محافظة جدًا، حيث كنت الأول بين إخوتي الذكور. ورغم أنني تلقيت تعليمًا قيمًا، وحظيت بحب كبير من عائلتي، إلا أنني كنت أحيانًا أشعر بالاضطهاد بسبب الدور التقليدي الذي كان يُنتظر مني أن ألعبه كأب ورجل مسؤول في الأسرة. مع مرور الزمن، تزوجت وأنشأت عائلة من الأبناء والبنات الذين أحبهم حبًا لا يوصف. ورغم هذا الحب الكبير، تجدني أحيانًا أستخدم أساليب قاسية في تربيتهم، مثل الإنذار أو الضرب الخفيف، ليس لأنني لا أحبهم، بل خوفًا عليهم من المستقبل. ومع ذلك، يبقى قلبي يعتصر ألمًا في الليل وأنا أستمع لبكائهم أو أراهم في حالة من الحزن. وعلى الرغم من أنني أعشقهم وأحبهم أكثر من أي شيء آخر، لا أستطيع أن أقول لهم "أحبكم" بصوت عالٍ، ولا أستطيع احتضانهم كما يجب، وهو ما يولّد في نفسي شعورًا عميقًا بالذنب والألم.

ما أعيشه ليس مجرد شعور عابر، بل هو صراع نفسي حقيقي ناتج عن تداخل عدة عوامل. أولها، التربية المحافظة التي نشأت فيها، حيث كان التعبير عن الحب في العائلة يُعتبر أمرًا غير مألوف. في مجتمعاتنا، قد يعتبر بعض الناس أن إظهار العواطف والتعبير عنها علنًا هو نوع من الضعف. وهذا ما جعلني في البداية أشعر بالخجل من التعبير عن مشاعري تجاه أبنائي. ثم، هناك أيضًا الخوف من أن يعكس التعبير عن الحب ضعفًا في السلطة الأبويّة أو يضر بعلاقة الاحترام بيني وبينهم. هذا التداخل بين الحب والخوف من الظهور بمظهر الضعف يؤدي إلى مشاعر من التوتر والقلق، ويجعلني أعاني من الذنب بسبب عدم قدرتي على التعبير عن حبي لهم.

إن العواقب النفسية لهذه المشاعر يمكن أن تكون عميقة. أولاً، تترتب على هذا الصراع مشاعر من القلق والاكتئاب. عندما يكون الشخص عاطفيًا تجاه أبنائه ولكن لا يستطيع التعبير عن ذلك، يشعر بحالة من العزلة العاطفية التي تؤثر على صحته النفسية. هذه المشاعر التي تُكبت داخل الشخص تؤدي إلى توترات مستمرة وتفكير دائم في كيفية التصرف بشكل صحيح. ثانيًا، قد يؤثر ذلك أيضًا على العلاقات العاطفية داخل الأسرة، حيث تصبح تلك الحواجز العاطفية سببًا في تباعد عاطفي بين الآباء والأبناء. كما أن الشعور بالذنب الناتج عن عدم التعبير عن الحب قد يُضعف الثقة بالنفس، مما يزيد من التوتر في الحياة الأسرية.

الحل يكمن في الوعي الكامل بالمشاعر والاعتراف بها. لا يجب أن نشعر بالخجل من الحب، بل يجب أن نتعلم التعبير عنه بطريقة طبيعية. يمكن البدء بتعبير بسيط مثل "أنت مهم لي" أو "أنا فخور بك"، وهذا قد يكون خطوة صغيرة لكنها فعّالة في فتح قنوات التواصل العاطفي داخل الأسرة. علاوة على ذلك، من الضروري أن ندرك أن مشاعر الحب لا تعني بالضرورة فقدان السلطة، بل على العكس، التعبير عن الحب يمكن أن يقوي العلاقة ويسهم في بناء روابط أكثر تماسكًا بين أفراد العائلة.

إذا كانت هذه الصراعات تؤثر بشكل ملحوظ على حياتك النفسية والعاطفية، فإن الاستعانة بأخصائي نفسي قد تكون خطوة مهمة. العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، يمكن أن يساعدك في تغيير الأنماط الفكرية التي تمنعك من التعبير عن مشاعرك. وهذا سيعزز قدرتك على التعامل مع مشاعر الذنب والتوتر الناتجة عن تقييد تعبيرك العاطفي.

في النهاية، يجب أن ندرك أن التعبير عن الحب ليس ضعفًا، بل هو جزء من تطورنا العاطفي والنفسي. يجب أن نسعى جاهدين لتربية أجيال قادرة على التعبير عن مشاعرها بكل حرية، لتعيش في بيئة مليئة بالحب والدعم. ومن خلال ذلك، نُعلم أطفالنا أن الحب هو قوة وليس ضعفًا، وأن التواصل العاطفي هو أساس بناء علاقات صحية ومتكاملة.

إن مفتاح تغيير هذا الواقع هو خلق بيئة أسرية حاضنة تشجع على التعبير عن المشاعر، وتسمح للآباء والأبناء بالتواصل بحرية تامة، بعيدًا عن الخوف من الحكم أو التقاليد الصارمة. وعندما نكسر هذه الحواجز النفسية، نخلق جيلًا قادرًا على التعبير عن الحب والاحترام، دون أي قيود أو خجل.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحة النفسية في ظل التحديات الحديثة
- بحث الإنسان عن غايته: بين الحرية الفردية والوجود الكوني
- الهوية الأمازيغية : جسر الوحدة الوطنية وحصن الانتماء
- الإحتفال بالسنة الأمازيغية 2975 : جذور متأصلة في الأرض والزر ...
- الجزائر وتونس : أخوة تتجاوز الحدود والمصالح
- الفلاسفة العظام: معلمو الحياة ومرشدونا نحو الأخلاق والمعنى
- مفهوم الحرية وحدودها في المجتمعات الحديثة
- أمنيات العام الجديد : سلام، ازدهار، وديمقراطية للجميع
- رسالة محبة وتعايش : لماذا أهنئ إخواني المسيحيين بعيد الميلاد
- الوطن والمواطنة : حب الأرض وصناعة المستقبل
- الحرية الفردية : رحلة الإنسان نحو تحقيق ذاته
- عيد الميلاد المجيد : احتفاء بالسلام والمحبة التي تجمع البشري ...
- شعوب عالقة بين التقاليد والتقدم : كيف يحاصرنا التمسك بالماضي ...
- أجيال معلقة بين الوهم والواقع : كيف نكسر دائرة الجهل ونواجه ...
- السويد : نموذج للرفاهية والتنمية المستدامة
- تراكم الجهل المتنوع : تفشي يصعب التخلص منه
- المطر ظاهرة طبيعية: كيف يتم تفسيرها بشكل خاطىء لأغراض سياسية ...
- المثقف بين مسؤولية الفكر وإغراء الحياة
- التحديات الفلسفية في حاضرنا المعاصر
- الحرية والمسؤولية : جدلية الفلسفة الحديثة


المزيد.....




- سوريا: هل ينجح الشرع بضم كل الفصائل إلى الجيش الجديد؟ وماذا ...
- محادثات -صريحة وبناءة- بين طهران والاتحاد الأوروبي حول الملف ...
- بلينكن: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة -جاهز للتنفيذ- إذا وافق ...
- بي بي سي تقصي الحقائق: نحو 100 ضربة جوية إسرائيلية استهدفت - ...
- مئة طفل في شهر: الذخائر غير المنفجرة قنبلة موقوتة في سوريا
- مراسلة RT: مقتل 6 فلسطينيين جراء قصف جوي إسرائيلي على مخيم ج ...
- إزالة بقايا الصاروخ الحوثي من سطح منزل في القدس
- الدفاع الروسية: إسقاط 146 مسيرة أوكرانية خارج منطقة العملية ...
- البيت الأبيض: صفقة إسرائيل وحماس لم تكن لتتم لولا الدور المص ...
- رئيس إفريقيا الوسطى يتوجه إلى روسيا بزيارة رسمية


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محفوظ بجاوي - الصراع الداخلي بين الحب والقيود : تأثير الخوف من التعبير عن الحب على الصحة النفسية