أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد العليمى - السلطة والاستغلال السياسى للدين















المزيد.....



السلطة والاستغلال السياسى للدين


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 22:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتبت هذا المقال منذ حوالى 48 عاما بوصفه مرشدا لعمل مناضلى حزب العمال الشيوعى المصرى ازاء الاتجاهات الدينية السياسية التى كانت فى اولى مراحل تشكلها . وقد كان لقائى بمعتقل طرة السياسى عام 68 - 69 ببراعم النزعات الجهادية ممثلة فى جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) وصداقتى مع الشيخ عبد الله السماوى احد ابرز قيادات السيعينات والثمانينات ، ثم نزامن وجودى فى سجن الحضرة بالاسكندرية فى اعتقالى الثانى مع شباب قضية الفنية العسكرية ومحاولتهم الاستيلاء على السلطة بقيادة محمد صالح سرية 1974 - حافزا على الاهتمام بتلك الاتجاهات . ومن المحزن ان كثيرا مماجاء فى المقال مازال راهنا لم يتجاوزه
االشيوعى المصرى
لسان حال الحزب الشيوعى المصري
نوفمبر 1977
العدد27


السلطة والاستغلال السياسي للدين
بقلم الرفيق/ فهد اسماعيل شكري
تلقى السلطة فى معارك الصراع الطبقى الدائر في بلادنا بين البورجوازية البيروقراطية والتقليدية ، وبين الطبقة العاملة المصرية وحلفائها ممثلة في حزبها الشيوعي ،الذي يمثل بأكثر الأشكال تماسكا أهداف نضالها ، ويقود معاركها السياسية والاقتصادية والنظرية : تلقي بكل أسلحتها الإيديولوجية والفكرية المختارة ومن خليط انتقائي فذ يجمع ما بين الأطروحات النظرية الانتهازية للاشتراكية الديمقراطية بعد الباسها رداء قومياً محلياً متوافقا مع الأساس الاقتصادي ، ويضع معها في سلة واحده الاتجاه إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بحدودها حتي يلتقي النموذج النمساوي مع اسلام الجزيرة العربية ، صانعا وحده فريدة ، هدفها تحقيق مهمة جوهرية هي حماية النظام الرأسمالي القائم بسياساته الراهنة في خيانة القضية الوطنية واغتيال الحريات الديمقراطية. وهكذا ينتقي من التراث التاريخي ما يحقق مطالب " السلام الاجتماعي" للبرجوازية ،وما يصلح كأداة فى معارك الصراع الطبقي، كوسيلة من وسائل القمع الفكري والبوليسي ، فتطرح للتقنين- في الثلث الاخير من القرن العشرين - حدود الرده والحرابه والبغاة ، مكرسة عوده مهيبة إلى قوانين ومحاكم تفتيش القرون الوسطى ،تزينها هتافات رجال دينها الرسميون ، -هذه الفئه الطبقية التي تقوم بدورها فى حماية النظام الاستغلالى ـ المرتبطون بجهازها واتجاهاتها , برفض الاشتراكية والعلمانية ، وبمعاداة الديمقراطية والشيوعية ،وبالدفاع عن السياسة الاقتصادية المنتهجه في الارتباط بالإمبريالية العالمية والتنازل أمام العدو الإسرائيلي ، واحياء الطبقات الاستغلالية القديمة ، مباركين أن يقوم محل التناحر القديم بين السلطة وبينها – اى هذه الطبقات – أواصر التحالف لممارسة الاستغلال المشترك ، مضفين رداء دينيا على كافة سياسات السلطة ، وكأنها سياسة إلهية، مدعمين إياها ببراهين وادله من الكتب الدينية ومن اعمال السلف الصالح .وهكذا تكون حرب اكتوبر التي تحققت بعدها كل الثمار المره لهزيمة ٦٧ هي الحرب التي شهدت معجزات لا يعلم مصدرها حيث تفجرت ينابيع المياه تحت اقدام الجيش الثالث المحاصر في الثغرة ، وحيث تكون قوانين رفع الحراسات قوانينا تتفق مع "عدالة السماء "على حد تعبير أحد رجال الدين . وحيث تكون الانتفاضة الشعبية التي هب فيها الشعب المصري فارضا قهره الاجتماعي وإرادته على السلطة حتى أثناها عن إجراءاتها ،عمل من أعمال الغوغاء والدهماء مخالف لقواعد الشريعة متناف مع منطق الدين الداعي إلى التضامن الاجتماعي. وينخرط شيخ الجامع الأزهر ( الشيخ عبد الحليم محمود ) في حملة شعواء على الشيوعيين والشيوعية حتي ليعتبر السير بهذه الحملة مهمته الاولى ، ويتابعه في ذلك وزير الأوقاف ( مجمد متولى الشعراوى ) ، مخصصا عددا من أحاديثه وندواته لتقديم التبريرات الدينية لسياسة الدولة ، سواء في رفع الاسعار ام في مطاردة اليسار وهكذا ...وتصل تبعية رجال الدين إلى حد أن يجعلوا عقيدتهم سندا لتبرير خيانة السلطة للقضية الوطنية ، فبعد أن اتخذ السادات قراره الخياني بالذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي انتزع من التراث الاسلامي كل ما يبرهن على صحة هذه الزيارة فقام رجال الدين بشرح مغزى صلح الحديبية – حيث تم التهادن مع تجار مكة ، ورددوا " وان جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل " مبررين خيانة السادات للقضية الوطنية واهداره للحقوق القومية للشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى ، بينما أصدر رجال الدين في سوريا وليبيا والعراق فتوى بإحلال دم السادات بخيانته لاماني الشعوب العربية وحقوقها الوطنية ، وهكذا يتبين أن رجال الدين الرسميون هم عبيد للسلطة الطبقية القائمة وان بدوا فى مظهر الأتقياء والمتعففين عن هذه "الحياة الدنيا " من أجل ا الآخرة " .فهم يضعون دينهم في خدمة الطبقة الحاكمة التي تستأثر بكل وسائل الحياة قابضين منها رواتبهم ليلعبوا هذا الدور بالذات .
أن ما يقوم به رجال الدين هو شكل من أشكال القمع الروحي ، وهو الوجه الآخر للقمع الاقتصادي والسياسي والبوليسي حيث يقوم عبيد السلطة هؤلاء بوعظ الجماهير الشعبية بضرورة الصبر والاستسلام لاستغلال النظام القائم ، وبأن يعملوا في صمت ضمن الشروط التي يحيون فيها متقبلين "قضاء الله وقدره" ـ وهى صياغة إلهيه لشروط القمع الرأسمالي الفعليه ـ حتي ينالوا أجرهم لا في هذه الحياة الدنيا الآن وفورا ،انما في العالم الآخر ، حيث الجنة التي وعد بها العباد " الصابرون " وهم بذلك يحاولون شل طاقات الشعب وقدراته على التغيير ، وعلى الثورة والإطاحة بالنظام الذي يستغلهم ، مؤبدين عجزه عن النضال ضد مضطهديه . لذا لا مناص أمام الطبقات والطلائع الثورية الوطنية الديمقراطية والشيوعية إلا أن تعتبر رجال الدين الرسميون اعداء لها لأنهم حلفاء للسلطة وأدوات اضافيه في يدها لممارسة القمع الروحي.
أن احتدام الصراع الطبقي فى بلادنا - وخاصة بعد وفاة عبد الناصر ـ وتشكل الأرضية الموضوعية لبروز حركات اقتصادية جماهيرية ضخمه بحكم استفحال الأزمة الاقتصادية ، وخيانة الطبقة الحاكمة للقضية الوطنية ،واصرارها على انتهاج سياسة العداء للحريات الديمقراطية ثم استعادة فعالية النضال الاقتصادي والسياسي في بلدنا ، وظهور التنظيمات والاتجاهات الثورية كل ذلك يقدم نقاط ارتكاز قوية للاستقطاب الطبقي والسياسي الحاد ,بما يكشف واقع كافة الفئات الطبقية العاملة مع النظام ،التي سيزداد دورها وضوحا مع الايغال في الصدام اليومي الذي تقوم به الجماهير ضد كل رموز القهر الاقتصادي والسياسي ، وحيث يتجرد رجال الدين الرسميون يوما بعد يوم من لباسهم الديني ليظهروا بوضوح باعتبارهم فئة طبقية تدعم وتستفيد من النظام الاستغلالي القائم . وهنا سيكون للطبقات والأحزاب والاتجاهات السياسية أن تكون أكثر تبلورا وتحديدا في موقفها منها.
أن حزبنا لا يطرح القضايا الدينية بمعزل عن الصراع الطبقي، وهو يحدد موقفه بناء على المنطلقات الماركسية إزاء هذه القضية ،ويرفض المفاهيم الانتهازية التي تتكيف للضغوط الابتزازية لرجال الدين بدعوى رد تهمة الإلحاد التي وجهت إلى كل اتجاه ثوري طوال التاريخ الإسلامي ذاته . ورجال الدين الرسميون النظاميون الذين يقفون مباركين سياسة السلطة الطبقية يبتزون بعض مدعي الفكر الاشتراكي بدعوى الإلحاد ،ويتحول هؤلاء الأخيرين إلى متبارين في حلبة الإيمان الديني ، ناسبين إلى الدين طابعا وفكرا اشتراكيين ، باحثين في التاريخ الاسلامي عما يبرهن عن وجهة نظرهم . وفي الواقع نحن اشتراكيون ،ولكن الاشتراكية شيء آخر تماما غير الدين ، وعليه فنحن ترفض أن نتحول إلى فقهاء وباحثين في قرون ولى زمنها لنعثر على نظرية ثورية معاصرة لم تكن لتظهر الا مع ميلاد الطبقة العاملة ، وبدلا من هذا الموقف الخاضع للابتزاز ، فأن الماركسيين الثوريين ، يشنون هجومهم لا على الدين ـ حيث يرفض حزبنا أدنى اساءه توجه لقناعة المؤمنين الدينية – بل على اولئك الذين يساندون النظام القائم من بين رجال الدين ، ويلعبون دورا أيديولوجيا في إعاقة الإطاحة الثورية به.
أن توضيح الدور الطبقي الذي تلعبه المؤسسات الدينية الرسمية الخاضعة لسياسة الدولة ودورها في دعم نظام يوغل في الرجعية بارتباطاته بالإمبريالية ، بخضوعه للعدو الصهيوني ، وباستغلاله الرأسمالي للطبقات الكادحة ، بروابطه الوثيقة مع كل القوي الرجعية المتخلفة فى المنطقة العربية ،بعدائه لمطامح شعبنا في تحقيق نظامه الاشتراكي ، وفي انتزاع حرياته الديمقراطية ،وعلى رأسها احزابه الطبقية الوطنية والشعبية – ان توضيح هذا الدور هو مهمة نضالية للقوى الديمقراطية والاشتراكية لا ينبغي النكوص عنها . مهمة كشف الصلة بين مجمل سياسات الطبقة الحاكمة وبين الطابع الديني الذي يكسوه به رجال الدين . لقد تخلى عن هذه المهمة الماركسيون العلنيون الذين يثابرون على أخذ براهينهم على ضرورة الاشتراكية من ملفات التاريخ الديني .وبدلا من فضح الرابطة بين رجال الدين والسلطة السياسية ، تراهم يطلبون من رجال الدين ألا يقعوا في "خطأ" أضفاء الصبغة الدينية على العلاقات السياسية والاجتماعية ، وينظرون إلى الجانب الاجتماعي ـا لسياسي في الدين وكأنه محلق فوق شروط الصراع الطبقي ،اي معزولا عنه وحتي غير محسنين قراءة التاريخ الإسلامي الذي تكيف فيه الدين وفي كل المراحل وفق الأوضاع الاجتماعية . وخاصة متطلبات الطبقة الحاكمة ، فالخلافات بين الأمويين والعلويين، وبين العباسيين و القرامطة ،وظهور الفرق المختلفة من خوارج الى شيعه ....الخ لم تكن إلا تعبيرا عن صراع طبقي اجتماعي لم يكن ليبدو في تلك المرحلة التاريخية الا من خلال غلالة دينية .
وبعض هؤلاء الماركسيين العلنيين يتورطون في تدعيم السلطة الحاكمة حين يتصورون أن " الدين يعصم الحكام والمحكوميين جميعا ويحضهم على فعل الخير ويشكل رقيبا مستمرا على ضمير كل منهم يحاسبه ويحثه على تجنب الزلل . ونحن نرى أن الدين لم يعصم السادات من أن يتقاضى راتبا " ...ثابتا " لقاء عمالته للمخابرات المركزيةا الأمريكية , ولم يمنعه من أن يذهب إلى اسرائيل بكل ما يعنيه ذلك من دلالات سياسية ، بل لم يعصم رجال الدين من أن يبرهنوا على سلامه موقفه من واقع "الآيات والأحداث التاريخية " فهل عصم الدين السادات من قيادة البلاد إلى الانفتاح الاقتصادي والسياسي على الإمبريالية ، ام عصمه من ان يسن احد القوانين فاشية ، او عصمه من قتل المضريين والمتظاهرين من أبناء الشعب المصري .
أن هذا المفهوم الانتهازي لا يصب الماء الا في طاحونه السلطة الطبقية الراهنة ، التي يستشرس رجال دينها الرسميون في الهجوم على الاشتراكية ، مدعمين النظام الرأسمالي القائم ، فها هو ذا فضيلة وزير الأوقاف في واحد من أحاديثه المتعددة ،وبعد أن " انتقد" الرأسمالية متجها إلى طرح رأيه في الاشتراكية يقول :
" فبعد أن كانت السيطرة لرأس المال نجعلها للعمال ، اذن انا لم اصنع شيئا ..لأنه مادامت الرأسمالية هى التى كانت متحكمة ، سوف انقل هذا التحكم الى العمال...إذن فقد وجد في المجتمع طائفة متحكمة هي الرأسمالية...والتحكم الثاني أطغى من التحكم الاول لماذا؟ لأن الرأسمالية عادة تحصر في أفراد فإذا كان الطغاة افراد قله يهون الخطب … لكن إذا انتقلت السيطرة إلى العمال وهم الجمهرة العظمي صار الظالم اقوى " ثم ينصح فضيلته " بتحديد طريقة استثمارالرأسمالي ،وضمان حقوق العمال وتحديد ساعات العمل ،ووجود التأمين الصحي ،ويتفضل غير ممانع بأن يشترك العمال الأكفاء في إدارة المؤسسة .
ان مثل هذا الفكر لا يدعم سوى السيطرة الرأسمالية على الطبقة العاملة ، ويقف ضد الثورة الاشتراكية ، ويكتفى ببعض" الضمانات " العامة التي توجد في اي مجتمع رأسمالي بحكم نضال الطبقة العاملة ذاتها . وهكذا يجعل فضيلته علمه الديني في خدمة الظلم القائم بدون مواربة ، وكذا الأمر حين يتحدث عن العلمانية ، فهي لدية قيام الدولة على العلم .... ومادام الدين لا يعادي العلم ، فلا معني لطرح شعار العلمانية ، ولا يفوته ان يتلاعب بلفظتى الرجعية والتقدمية ، مفرغا اياهما من أي مضمون سياسي واجتماعي قاصرا حدودهما على معناهما اللغوى حيث تعني الرجعية "اللفتة الخلفية" وتعنى التقدمية " الطموح الوثبي" وحيث تكون الرجعية احيانا "رجعة " إلى الحق ". ( محمد متولى الشعراوى )
أن موقف حزب العمال يتمثل في اعتبار الدين قضية خاصة بالنسبة للدولة – لا بالنسبة للحزب – أي رفض كل أشكال تدخلها وسيطرتها عليه ،ولابد من أن تتحرر المؤسسات الرسمية الدينية من كافة مظاهر التدخل الحكومي بتعيين رؤوسائها، كالأوقاف والازهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، والمجالس المسيحية...الخ ورفض كل ارتباط يقوم بين اي مؤسسه أو جمعية دينية وبين سلطة الدولة واجهزتها ، ويرفض حزب العمال أيضا اي تفرقه في الحقوق بين المواطنين المصريين تقوم على أساس اختلاف الدين ، مهما كانت في الوظائف الحكومية أو في غيرها ، كما يرفض أن يكون للدولة دينا رسميا ، ويقف ضد منح أو تقديم أي عون مالي للجمعيات والمؤسسات الدينية " التي يجب عليها أن تصير جمعيات مواطنين متحدين في الدين ، لكنها جمعيات متحررة تماما ومستقله كليا أمام السلطة "....لينين ....ان فصل الدين عن الدولة هو مطلب أساسي من مطالب الحريات السياسية ، التي ينبغي النضال من أجلها.
لقد حاولت السلطة مؤخرا أن تقنن حد الرده ، وقدمته إلى مجلس الدولة لصياغته واحالته على مجلس الشعب لإقراره ، ولاشك أن قانونا كهذا يشكل خرقا فظا لحرية الاعتقاد والضمير ،ويتنافى مع الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ويشكل ردة حضارية إلى محاكم التفتيش التي كانت تقيم من نفسها سلطانا على حرية كل مواطن في أن يعتقد ما يشاء ،واننا إذ نرفض اضفاء اي طابع ديني على الدولة ، كما نرفض الاتجاه إلى تقنين الشريعة الإسلامية ، فاننا لانقبل أيضا بحد الرده انطلاقا من ان حرية الاعتقاد هي جزء لا يتجزأ من الحرية السياسية ، فمن حق كل مواطن أن يعتقد في أي دين يشاء ، أو الا يعتقد في اي دين ، فذلك أمر يتعلق يه . وقد أشار عدد من الكتاب الإسلاميين بأن الفتوي بقتل المرتد عن الإسلام " ليست الا فتوى سياسه أراد بها الخلفاء الطغاة والحكام المستبدون أن يقضوا على خصوصهم من شهداء ، حرية الرأي والتعبير والعقيدة" . وقد ارادات السلطة أن تضيف إلى ترسانتها سلاحا جديدا في مواجهة خصومها السياسيين يمكنها من ان تدين من يقدم مفاهيم تخالف مفاهيم السلطة الحاكمة ،وأن تحكم بقتله وقد استخدم الإرهاب بهذا الحد على الدوام ضد المفكرين المستنيرين ، كما كان الأمر مع الشيخ عبد الرازق مؤلف كتاب الاسلام وأصول الحكم الذي رفض فيه نظرية الخلافة الإسلامية ، ومع طه حسين حين الف كتابه فى الشعر الجاهلي .
وها هو ذا السادات يوجه خطابه لمؤتمر علماء المسلمين محددا فيه أهم القضايا التي يجب أن يركز عليها المؤتمر :
" لابد انكم جمعيا تعلمون ما ينتاب الشباب المسلم فى عالم اليوم ومايتقاذفه من تيارات خبيثة ليس لها أي ركيزة وليس لها أي جذور في مجتمعاتنا ..يزينون الكلام على أن قمه العلم وقمه المعرفة هي أن يتنكر الانسان لإيمانه ". مااحراكم ان تجدوا الطريق الى هذا ، واذا كان لى ان اضع امامكم بندا من بنود جدول الاعمال الذى تأخذون انفسكم به فاننى اجدنى مطالبا بأن اضع فى جدول اعمالكم كلمة هى " الايمان ".
ويصدر المؤتمر توصياته " بضرورة العمل على وقاية الأمة الإسلامية من الغزو الفكري الذي يستهدف تقويض عقائد المسلمين ودفعهم إلى دائرة الالحاد . ويقرر المؤتمر استحالة التوفيق بين الإسلام والماركسية بما تقوم عليه من إنكار لوجود الله ، واكد ان الماركسية تنتهى في التطبيق إلى تحطيم الفرد والمجتمع عقيدة واخلاقا ،وقرر مناشدة الدول الإسلامية أن تعمل على سد الطرق والمنافذ أمام هذا المذهب ومحاربة افكار معتنقية فى أجهزة الإعلام والمدارس والجامعات."
أن رجال الدين هنا هم في الواقع رجال سياسه. لكن يرتدون عمامة ، فهم يرتبطون بالأنظمة البرجوازية القائمة ، مدافعين عن مصالحها فى مواجهة الطبقة العاملة قائدة الثورة الاشتراكية ، فالغزو الفكري المزعوم يتضمن الأهداف النضالية للجماهير الشعبية فى إقامة استقلالها القومى الجذري في مواجهة القوي الإمبريالية ، وانتزاع حقوقها وحرياتها الديمقراطية ، وصيانه الوطن العربى من الأنظمة والقوي التى تفرط في المصالح الوطنية أمام العدو الإسرائيلي بعقد اتفاقيات الخيانة ،" الغزو الفكري "هو هدم الأنظمة الطبقية الاستغلالية القائمة ، أي الإطاحة الثورية بها ، وإقامة الأنظمة الاشتراكية التي تحقق مصالح الطبقة العاملة والطبقات الكادحة الأخرى.
ان الشيوعيين يعتبرون قضية الايمان أو الالحاد قضية من الدرجة الثالثة ، فما يعنيهم في المقام الأول هو تحقيق الثورة الاشتراكية كهدف استراتيجي من خلال تحقيق الأهداف التاكتيكية وينزعون إلى رفض كل ما من شأنه تقسيم الناس وفق خط ديني طائفي ، بل يركزون على حشد كل القوي الجماهيرية والتنظيمات السياسية الوطنية والشعبية في اتجاه تحقيق أهداف الثورة الاجتماعية . أن اتفاق كل القوي المستغلة والمضطهدة حول تغيير النظام الاجتماعي القائم هو ما يوضع في مكان الصدارة من نشاطنا السياسي والنظري والعملي . ان البرجوازية البيروقراطية والاتجاهات الرجعية الدينية من مصلحتها أن تموه على واقع الصراع الطبقي ، ساعية إلى أن تقسم الناس وفق خط طائفي ديني فتضع " المؤمنين "في مواجهة "الملحدين "وواجبنا أن تفضح هذا الاتجاه الذي لا يخدم سوي الطبقات المستغلة ، ويثير الفتن الطائفية في مجتمع توجد به اقليه مسيحية ذات وزن ، ولا يستهدف منه سوي حرف الانظار عن المشاكل والقضايا السياسية والاقتصادية التى تواجهها بلادنا : القضية الوطنية ، قضايا الحريات الديمقراطية ،الانفتاح الاقتصادي على الغرب الاستعماري ، ضرورة الإطاحة بحكم السادات ، وتحقيق الجمهورية الديمقراطية وصولا إلى إنجاز الثورة الاشتراكية . ان إثارة الأحقاد الدينية والفتن الطائفية هدفه إغراق الجماهير في خلافات لا تمس حياتها الفعلية ولا حقيقة القهر الاقتصادي والسياسي الواقع عليها رغم أن السلطة الطبقية تدين لفظيا الفتن الطائفية الا أنها سببها الأساسي فمنطقها "البرجوازي " الذي يقتضي اعتمادها على تكييف الدين لخدمه مصالحها الاستغلالية يدعوها إلى أن تفرق بين ابناء الشعب المصري الواحد ، بين أبناء الطبقة الواحدة الخاضعة لاستغلالها ، فمثلا اعتبارها الدين الرسمي للدولة هو الاسلام بما يترتب عليه من وزن لهذا الدين وبما يقوم عليه من تمايزات في الحقوق المدنية للأقلية الكبيرة غير المسلمه ،القوانين التى ترجع إلى اواخر القرن الماضي ، مثل "القانون الهمايونى "الذي ينظم ممارسة الحقوق الدينية للطائفة المسيحية ، وتدخل الدولة الإداري والبوليسي في المؤسسات الدينية ،وسيطرتهم على مؤسسات الدين الرسمي كل ذلك يتناقض مع الدولة العصرية الحديثة غير الدينية ، ومع "حريه العقيدة والضمير" التي يجب أن تكفل باعتبارها قسما أساسيا من الحريات السياسية فكيف يمكن تطبيق حد الرده ؟ فضلا عن أنه من الناحية السياسية رده حضارية إلى العصور المظلمة ومحاكم تفتيش القرون الوسطى ويتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث تنص م ١٨ على أن" لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته وعقيدته وحرية الاعراب عنها بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر الدينية و مراعاتها " وتنص م. ٤٠ من الدستور الصادر عام ١٩٧١"المواطنون لدى القانون سواء ... لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة " كما أن م ٤٦ تقول " الدولة تكفل حرية العقيدة " أن تحرر الدين ذاته يقتضي تحرره من سلطة الدولة ومن سيطرتهاعليه ومن تدخلها فى أموره .لقد كانت أجهزة الدولة تتعمد إثارة هذه الفتن أثناء ما سمي بفترة اللاسلم واللاحرب 1971-١٩٧٣، حيث تم التسريب العمدي لوثيقة من وثائق إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف حول محاولات المسيحيين لتحويل بعض المسلمين إلى الدين المسيحي ،وسربت أيضا تقريرا مدسوسا زعم أن المخابرات العامة قد سجلت نصه من اجتماع البطريرك مع بعض رجال الدين المسيحي ، يستهدفون فيه السيطرة على المجتمع .كما أن بعض رجال السلطة والذين يتولون مراكز حكومية أو سياسيه هامة ، مثل محمدعثمان اسماعيل رئيس لجنة النظام المعروف ، ويوسف مكادي من رجالات حزب مصر البارزين ، يقومون بتأجيج نيران الأحقاد الطائفية فى صعيد مصر .
ولكن لماذا تثير السلطة الفتن الطائفية ،وما حاجتها إلى ذلك ؟ ذلك بحكم الضرورات الاقتصادية والسياسية التى تدعوها إلى إضفاء طابع ديني يدعم مواقفها من ناحيه ، وكذلك لمحاربة القوي الوطنية الديمقراطية بدعوى مواجهة الالحاد من ناحية أخرى ، إضافة لما يمثله ذلك من ضرورة الغزل مع الاتجاهات الرجعية الدينية كالإخوان المسلمون على ‍سبيل المثال وكذلك رجالات مؤسساتها الدينية الرسمية الذين يحتفظون بصلات وروابط مع مثل هذه الاتجاهات الدينية سياسيا، وما ينتج عن هذه الآليه ذاتها من ضرورة تسييد دين معين وتفرقة الجماهير على هذا الأساس ، فرجال الدين الاسلامي ، وحين تطبق تطبيقا كاملا مبادئ الشريعة الإسلامية فإن وضعهم المادي – اى رواتبهم وعطاياهم - سوف تشهد مزيدا من التحسن يواكب تزايد نفوذهم السياسي وليصبح دورا أكثر بروزا في السيطرة على المجتمع ، وربما كانت هذه اتجاهاتهم كفئه طبقية تعتمد على تراث تاريخي فكرى له استقلاله النسبي ، ولكن هذا بالقطع يتناقض مع متطلبات البرجوازية السائدة التى لا تنسجم متطلباتها عامه مع هذا الاتجاه كاتجاه متكامل ،بينما يمكنها أن تستثمر بعض أدواته لأحكام سيطرتها الطبقية في مواجهه القوي الطبقية البروليتارية الساعية إلى إسقاطها ، فلا يمكن الحديث عن تطابق كامل بين المؤسسه الدينية الرسمية أو غير الرسمية وبين البرجوازية فهناك نقاط التقاء اساسيه ، حدودها من جانب الدولة حماية نظامها من الاتجاهات الثورية ، أو الاتجاهات الدينية المتطرفة التي تهدف للإطاحة بها وإقامة الخلافة الإسلامية. وهذا الأساس هو الذي يحدد منطق السلطة البرجماتي -العملي - فمن ناحية لابد من تأجيج. وتسعير النزعة الدينية في مواجهة قوي المعارضة الثورية ،ويدخلها هذا في تناقض مع القوي الدينية التي لا تقف بهذه النزعة عند حدود ماتريده السلطة بل ما ترغب هى في تحقيقه وضد السلطة ذاتها . وهذا ما يضع الأساس لتلك المشاكل الدائمة التي توصف بالفتن الطائفية حيث يصطدم هذا بالأقلية الدينية المسيحية التى لا تقبل أن تكون في وضع أدنى ، او أن يطبق عليها ما يحد من حريتها أو يمثل قيدا على عقيدتها .
ونحن وان كنا نرفض اضفاء أي طابع ديني على الدولة أو قوانينها ، ونطالب بفصل الدين عن الدولة ، كما نرفض الأسس والعناصر التي تؤدى إلى الفتن الطائفية ، فاننا من ناحية أخرى لا نستطيع ان نقبل بردود الأفعال الطائفية من الناحية الأخرى ، أي أننا نقف بحزم ضد مثيري هذه الفتن من هذا الجانب او ذاك ، فليس هناك نوع من " التحرر" الديني الطائفي ، بالحفاظ على الدين والطائفة كأساس للتمييز بين الحقوق المدنية للمواطن المصري ، وهذا ما لا تقبله ونرى من ناحية أخرى أن الحقوق الكاملة لحرية العقيدة في ظل دولة علمانية ، لايتحقق الا بالنضال المشترك بين كل طبقات الشعب المصري الثورية دون أدنى تمييز ديني ضد السلطة الطبقية القائمة ، اي في المرحلة التاكتيكية ( الراهنة ) ، بالنضال لإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية يطاح فيها بشكل الحكم القائم ، ولتحقيق ما تتمكن القوي الثورية من فرضه بإرادتها الجماعية القاهرة .ان التحرر الديني الحقيقي يرتبط بالتحرر السياسي ، اي بالنضال لامن أجل هذا الهدف الطائفي او ذاك ، بل من أجل المساواة الكاملة التامة غير المنقوصة في الحقوق بين المواطنين المصريين ، بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو المذهب ، ولن يتحقق هذا الهدف النبيل الا بالنضال المشترك بين المسلمين المقهورين والمسيحيين المقهورين أيضا . اننا نؤكد على ذلك ناظرين إلى التنامي الطبقي البروليتاري ، وتضامن الطبقات الكادحة عموما باعتباره السلاح الوحيد لتغيير كل الشروط الظالمة التى يحيا فيها شعبنا .
ان مضمون هذا الموقف يفرض علينا النضال ضد كل ممثلي الدين الرسميين ، سواء من المسلمين أو المسيحيين ، ورجال الدين الرسميون هم من يضعون دينهم في خدمة الدولة ،اى فى خدمة الرأسمالية المسيطرة ، فنحن ندافع بالدرجة الأولى عن جماهير الشعب المصري من مسلمين ومسيحيين ،ونقف ضد اي ممثل ديني لهم يسهم فى تدعيم قهرهم ، بينما من ناحية أخرى نقف مع كل رجال الدين الشرفاء الذين لا يضعون أنفسهم مع السلطة في مواجهة الجماهير ، والذين يساهمون في النضال لتحقيق مطالبها ، ويرفضون كل علاقة بين الدين والقهر البوليسي ، ويرفضون وصاية وربط الدين بالدولة ، ويعتبرون الدين قضية خاصة ، ولا يقبلون بأن يكونوا خدما للسلطة يتقاضون منها الرواتب ويقبلون المناصب والرشاوي ، مثلما فعل رجال الدين الرسميون حيث يصدرون الفتاوي بشأن انتفاضة يناير الشعبية ،ويدعمون القهر البوليسى بغطاء ديني ،حرصا على مناصبهم ورواتبهم ومغانمهم ، وحيث لا يمكن لمثل هؤلاء أن يؤمنوا حقيقة بقوة أسلحتهم الروحية ، فلابد من ان يعتمدوا على سلطة الدولة .
(٢) الجماعات الدينية المتطرفة
لقد تواكبت الرده الشاملة فى المجال الاقتصادي والسياسي التى قادتها السلطة ، باعادة احياء وانعاش الاتجاهات الدينية غير الرسمية ، فرغم أن الاشتراكية الناصرية كانت تستخدم الدين كسلاح للتضليل الجماهيري ضد الحركة الثورية الجذرية ،الا انها فى ذات الوقت وجهت الضربات تلو الضربات لهذه الاتجاهات الدينية السياسية ،ولم يكن منطق المواجهة ،أ ى المواجهة الإدارية البوليسية ، مما يمكن أن يشكل أداة تصفية حقيقية لجذور مثل هذه الاتجاهات فهذا "النضال البوليسي "من النمط البسماركي ، لم يكن الا ليحول مثل هذه الاتجاهات إلى رموز وقادتها إلى شهداء يمكن أن توجد الظروف والملابسات لتتيح قدرا من الالتفاف حولهم ..والآن في مرحله ضرورة حشد وإطلاق كل شياطين التخلف والرجعية من القماقم ، لتدعيم هذه الرده ومظاهره "الانقلاب" الذي تم ضد منجزات العهد الناصري ، وضد روابط هذا العهد بالمعسكر الاشتراكي ومعاداته القوي الرجعية والإمبريالية ، والطبقات المحلية الاستغلالية القديمة مع استعادة فعالية قوانين الصراع الطبقي ، ومع الميلاد الجديد للحركة الشيوعية المصرية وتنامي انخراط القوي الجماهيرية فى العمل السياسي المناهض للنظام ، كان من الضروري استدعاء كل " الحلفاء " للمواجهة ، وهم "حلفاء " عارضون ، مؤقتون بمعنى أن هناك نقاط التقاء بين السلطه وبينهم لكن هذا الالتقاء لا يشكل تطابقاً سهلا في المواقف ووجهات النظر .اننا نعنى بما قلناه بالدرجة الأولى الإخوان المسلمون . فقد افرج السادات فى ١٩٧١ عن قادتهم وأعضاءهم من معتقلين ومسجونين ، واعيدت أمام المحاكم ملفات تعذيبهم ، ودبجت الصحف المقالات عن استماتتهم فى النضال ضد الطغيان إبان صعوده ،ورسمت صور لأبطال وشهداء ،وقديسين ناجزوا السلطه حول حقوق وحريات المواطنين . وما اكذبها من صورة . فقد كانت هذه الجماعة من الدعامات الاولى التي استند عليها انقلاب يوليو ، ولم تكن لتغير موقفها منه إلا حين تقرر حل الجماعة بعد أن كان قد استثناها من قانون حل الأحزاب باعتبارها من الناحية الشكلية جماعة دينية . بينما هي في الواقع جماعه سياسيه ، ولم تكن تنهج فى مواقفها الا خط تقسيم الطبقات الشعبية إلى طوائف دينية ، بكل نواتج ذلك من اضعاف هذه الطبقات ، وشكلت قبل محاولة اغتيال عبد الناصر ( 1954 ) ، أداة إضافية في يد السلطة الجديدة لتدعيم وضعها الجديد . اننا لا ننوى هنا رصد وتقييم التاريخ السياسي لهذه الجماعة وان كانت واحدة من مهمات حزبنا كشف الأسس النظرية والسياسية لمواقفهم . ويكفي الآن أن نقول ان الإخوان المسلمين يعتبرون أنفسهم فى "هدنه" طويله مع الرئيس السادات " وفقا لما نقلته السيدة زينب الغزالي على لسان الامام حسن الهضيبي المرشد العام للجماعة ، أثناء ادلائها بإفادتها بصدد قضية الفنية العسكرية (1974) . وفي منتصف عام 1976 صرحت السلطة بإعادة اصدار "الدعوة "، وهى المجله الرئيسية للإخوان المسلمين ، وحين طرحت للمناقشة قضية تكوين الأحزاب ، كان من ضمن مطالبهم ضرورة تشكيل حزب ديني ، وهم يتبنون نفس خطهم التقليدي الرجعى فى الظروف الراهنة ، حيث القضايا الإساسية لبلادنا غائبة عن دائرة تفكيرهم ، فكل ما يعنيهم هو الخلافة الإسلامية ، وتطبيق الشريعة الغراء ، واغلاق ملاهى شارع الهرم ،وتطبيق حد الجلد على شارب الخمر ، ويتصدر هذه جميعا عداءهم التاريخى المنهجي للديمقراطية والشيوعية . فلا القضية الوطنية ولا الامبريالية الأمريكية ، ولااتفاقيات الخيانة مع العدو الاسرائيلي ، ولا قضايا الحريات الديمقراطية ، ولا تدهور مستوى معيشة الجماهير بالأمر الذي يعنيهم ، وهم يشكلون من الناحية الأساسية رصيدا رجعيا للسلطة بمواقفهم ضد القوى الوطنية الديمقراطية والشيوعية .
ورغم هذا الالتقاء المؤقت والعارض مع سلطة الدولة فإن منطق تفكيرهم الداعي إلى شمول الاسلام كل حياه وأسس المجتمع يضعهم في تناقض مع النظام القائم الذي لا يتواءم مع فكرة الخلافة الإسلامية -الا إذا كان السادات هو الذي سيكون خليفة المسلمين – ولا مع تطبيق كل ما تتضمنه الشريعة الإسلامية الا فى حدود ما يخدم السلطة. فعلي سبيل المثال ماذا كان موقفهم من " جماعة المسلمين" المعروفة إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة. لقد صرحوا بالطبع بإدانة قتلة الشيخ الذهبي ، ولكن أنظروا للموضوع فى شموله ، وهل اختلافهم مع هذه الجماعه هو اختلاف على الأهداف الاستراتيجية ، ام على مدى أساليب ووسائل معينة لهذه المرحلة التى تمر بها "الدعوة " مرحله إعادة ترسيخ الاقدام بعد الحملات المتتالية للتصفية البوليسية. فى الواقع لا يكمن الخلاف فى الأهداف الاستراتيجية وانما في مدى ملاءمة أساليب معينة لهذه المرحلة من تطور الدعوة . يعنى استخدام الطرق والوسائل الإرهابية ، حيث هذه الأساليب من أخص خصائص جماعة الإخوان المسلمين ذاتها ، القسم الخاص : الجهاز السري ، هواليد الضاربة لهذا التنظيم الديني ، لقد رأوا في جماعة التفكير والهجرة من " يريد أن يجني الثمرة قبل نضجها " ويردوها إلى كونها تصرفات فردية نجمت عن اعتقال الإخوان بحيث حال ذلك دون قيامهم بدورهم التربوي "العقيدي والحركي" وخشوا من هذا التيار المتطرف الذي "جعل منه المتربصون لهذه الدعوة ورقه يلوحون بها في وجه اى مد اسلامي " أن هذه "النغمة السلمية " المعادية ظاهريا لاستخدام اسلوب القوة والثورة المسلحة لإقامة الحكم الإسلامي هي من الضرورات التاكتيكيه التي تفتضيها فترة "الاستضعاف"ومن ناحية أخرى فإن مقولات جماعه التكفير والهجرة فى الجاهلية ،الحاكمية والاعتزال ، والهجرة ، تتوافق تماما مع اشد اتجاهات الإخوان المسلمين تطرفا وهو جناح سيد قطب الذي وضع الأسس النظرية لهذه المقولات التى طورتها "جماعه المسلمين "هذا الاتجاه الذي مثل تيارا مناوئا للاتجاه الآخر الذي كان يقوده حسن الهضيبي . ولكن ما سبب ظهور هذا الاتجاه الديني المتطرف الذي تمثل أبرز نماذجه جماعه التكفير والهجرة من وجهة نظر الإخوان المسلمين ؟ أنه القلق العام بعد النكسة والهزائم ، ثم غرق البلاد في اوحال مناهج الغرب المادي الملحد "والتذبذب الذي حدث بين " الليبرالية والاشتراكية" ، واهم من كل ذلك "المحن الضاربة المتكررة التى نزلت بالدعوة الإسلامية وبقادتها والقيود المفروضة عليهم ". ولكن لنا تفسيرا آخر لهذه الظاهرة سنقدمه فيما بعد .
لقد أوقفت السلطة مطاردتها القديمة للإخوان ، وهى تحيطهم برعايتها ، حتى وإن رفضت أن يشكلوا حزبا سياسيا رسميا ، وهم يلتقون بها في عديد من مواقفها ، وان كانت لهم أهدافهم المتميزة ، التي يدعون لها ، حتى يكسبوا قاعدتهم القديمة ، ثم ينخرطوا مره اخرى في نزعاتهم الإرهابية ولا يختلف موقف السلطة من الاخوان عن موقفها من الجماعات الدينية عامة حتى المتطرفة منها : استخدامها من ناحية ضد القوى الوطنية الديمقراطية والشيوعية وضربها حين يطال نشاطها سلطتها هي ، هذه هي المعادلة السياسية التى تحكم موقفها ، لقد أضحت مصر الآن مرتعا للتنظيمات الإسلامية السرية التى يتزايد عددها وفرقها، والتي يرتبط بعضها بقوي خارجية كحزب التحرير الاسلامي ، وهو حزب مرتبط بوكالة المخابرات المركزية – أو بعض الدول الإسلامية ويتواتر يوما بعد يوم ظهور هذه التنظيمات من جماعة التكفير والهجرة إلى تنظيم الجهاد ، إلى جند الله...الخ وبعضها يصل إلى حد" تكفير " جماعة التكفير والهجره نفسها، لقد استرعت ظاهرة الجماعات الدينية المتطرفة انتباه الجميع ، وحدد كل اتجاه موقفا منها وفقا لموقعه الطبقي ونزوعه الأيديولوجي وهى ظاهرة تقتضي من الثوريين أقصي انتباه يتعلق بتيار ما ينفك بتزايد إلى حد ما ويستطيع اجتذاب جمهور من الشباب الطلابي على وجه الخصوص ، والبرجوازي الصغير بما يضع حزب العمال أمام ضرورة تعميق وتوسيع دعايته وتشهيره ، وفضح الأسس الفكرية والتنظيمية لمثل هذه الاتجاهات التي تجد واجهاتها العلنية في الجامعات مجالا للنشاط ، وسوف تكون جماعة التكفير نموذجنا المختار في تشخيص طبيعة مثل هذه الجماعات المتطرفة ، وأسباب بروزها في السنوات الأخيرة والموقف منها بما يتضمن من ضرورة التأثير في قواعدها ومجالاتها الجماهيرية الممكنة والمحتملة .
لقد تبلورت النواه الأولي لهذه الجماعة في معتقل طره السياسي في عام 1966 تحت شروط من القمع المباشر لاقته القيادات الاخوانية في أعقاب حمله1965 من أجهزة المخابرات والمباحث وإدارات السجون ، وخاصة معتقل ابو زعبل ، وقد التقى هذا القمع الذي كان في الواقع تعذيبا وحشيا ، مع ضعف عديد من القيادات الاخوانية ، التى لم تجد ملجأ أمامها سوي " التقيه " اي إنكار مواقف الإخوان المسلمين ولعنهم وادانتهم علنا لاتقاء ما يترتب على الاعتراف بانتمائهم إليها وإيمانهم بها ـ بما يحمله ذلك من معني التخاذل من الصف الأمامي في الدعوة ولا ينسجم مع عبء القيام بقيادتها . ليضع عديدا من الشباب الذي لم يكتسب "خبرة وحنكة " الإخوان القدامى ومناوراتهم ، أمام التطوير المتطرف لأفكارهم ، خاصة وأن هذا التطوير كان يجد أرضا فى الصراع بين جناحي الهضيبي المعتدل نسبيا في وسائله من زاوية مدى ملائمتها لتطوير الحركة ، وبين جناح سيد قطب ، هذا الجناح الذي كان أكثر تماسكا من زاوية امتداده المنطقي من الجهاز السري وافكار الامام الشهيد حسن البنا التي تعتمد اول ما تعتمد على القوة ، لقد استمدت جماعة التكفير والهجرة افكارها من سيد قطب وتراث الجهاد السري الإخواني من ناحية ومن افكار بعض فرق الخوارج . وقد كانت افكار سيد قطب واخيه محمد قطب التي عرضاها فى كتبهما المختلفة واهمها جاهلية القرن العشرين (محمد قطب), وفي ظلال القرآن ، ومعالم على الطريق (سيد قطب)تحمل كل المنطلقات التي استندت عليها فيما بعد "جماعة الشكريين) الجاهلية ، الحاكمية ( لا حكم الا لله ) ، الحكومة الإسلامية :الامام الحق ، الإيمان قول وعمل لا قول فقط ، تكفير مرتكبي الكبائر والمعاصي ، التعامل المباشر مع القرآن لا من خلال ائمة المذاهب الفقهية ، الطاغوت .....الخ لقد كانت الجاهلية التي يعيشها المجتمع عند سيد قطب تتبدي في "صورة ادعاء حق ووضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياه وفيما إذن الله ". فلابد اذن من تحطيم وتدمير هذه الجاهلية بالعمل الانقلابي ، اولا حيث لا يمكن الدعوة بالبيان واللسان إزالة العقبات المادية , ومن ناحية أخري كان المصدر لأصول الجماعة الفكرية هو فرقة الازارقة الخارجية ، التى كررت "جماعة المسلمين "أخطاءها السياسية الفادحة التي كان من المنطقي أن تؤدي لتصفيتها فى كل مره تعاود الظهور . لقد كانت النقاط المحورية فى فكر الازارقه هى رأيهم فى الايمان حيث لا قيمة له فى نظرهم الا إذا كان يعني عملا صالحا، اى أنهم كانوا يعطون وزنا لا للإيمان المجرد بل لممارستة العملية ، وقد كانت السلطة وقتها تعطي الوزن الأكبر للإيمان المجرد لانه يبرر أعمالها الخارجه عن كل المبادئ ، ومن ناحية ثانيه اعتبارهم مرتكب الكبيرة. كافرا ، وان "حكمهم فى وليهم حكم النبي فى وليه، وحكمهم في عدوهم حكم النبى فى عدوه " لهذا فإن من يخالفهم هو عدو الله ورسوله ، وهم المؤمنون المستخلفون فى الأرض ، الذين هاجروا من دار الشرك إلى دار الهجرة لإقامة شريعة الله واعتبروا أعداءهم من المسلمين مشركين لا يجب الإقامة بينهم ، وحرمت ولايتهم وإجازة شهادتهم وذبائحهم وتلقي الدين على يديهم ومناكحتهم ووراثتهم . وقد انفصل الازراقه فى دار الهجرة ، واباحوا دماء المسلمين وأموالهم واعتبروها حلالا واعتقدوا أيضا أنه من الجائز أن يبعث الله نبيا يعلم انه يكفر بعد نبوته أو أنه كان كافرا قبل أن يبعث ، ونظروا إلى دار مخالفيهم من المسلمين كدار كفر، حيث خرج الحكام والمحكومين عن تعاليم الإسلام . وقد ترتب على هذه المنطلقات الفكرية ، استخدام أساليب ووسائل معينة لتحقيقها ، فكانوا يقومون بالاستعراض وقتل الناس دون تمييز فاكتسبوا عداء المسلمين ، واستطاعت السلطة الحاكمة أن تلف الناس حولها لحصارهم وقتلهم ، وقد اعتادوا من ناحية أخرى أن يغتالوا أعداءهم ومناوئيهم ، ومن يهاجمون أفكارهم أو ينتقدونها ، وكانت أساليبهم التى أودت بهم هى عدم قدرتهم على التنظيم والتنسيق والإعداد لخروجهم على السلطة الحاكمة فما أن تملك مجموعه قليله سيوفها حتى تخرج على السلطان ، فسرعان ما يقضي عليها اضافه الى فقدانهم الحد الأدنى من قاعدة اجتماعية واسعه فى وقت كانت السيطرة الاموية تتبدي فى اشد أشكالها دنيوية وذلك بسبب منطلقاتهم "التكفيرية" الشمولية التي لم تميزآنذاك بين الحكام والمحكومين . لقد قضي على هذه الفرقة الخارجية التي لم تستمر حركتها حتى على هيئة فرقة دينية ، حيث اكتفت بالاستعلاء الديني ، دون أساس اقتصادي اجتماعي ذو وزن واختارت طريق الاقليه الإرهابية الخارجية .
والان لننظر في مبادئ"جماعه المسلمين"كما وردت على لسان قادتها ، ماهر عبد العزيز ، وأنور مأمون ، وصفوت الزيني ، فالفهم العملي " هو تعبيد الناس لرب الناس واخراجهم من عبادة الطاغوت ... وحين نقول تعبيد الناس فإننا نعني كل الناس في مشارق الأرض ومغاربها " و "القوة ليست مطلبا أساسيا لنا فحسب بل إن القوة هي المطلب الوحيد لحركتنا سواء وقت الاستضعاف داخل المجتمع وقبل الهجرة ، أو بعد ذلك وبالطبع فنحن نسعي للحكم إذا بستحيل أن يكون فكر وان تكون انسانا جادا حريصا على تنفيذه وان تعلم أن هذا الفكر هو الحق الذي من دونه الباطل ، ثم تتواضع للناس قائلا انني لا اسعي للحكم " وهم لا يقبلون أن يحكمهم غيرهم . حيث "الذين يدعون إلى الهدى " هم الذين يؤتمنون على الحكم . وقد حددوا ثلاثة ( فوارق) بينهم وبين الحركات الإسلامية الأخرى اولا : السعى لاستخدام القوة وفي أوقات الضعف التولى عن الكافرين بالهجرة والاعتزال " ثانيا : رفض اقوال الائمة والإجماع والتحاكم إلى القرآن والسنه ، ثالثا : رفض موقف الجماعات الإسلامية التي تعتبر الاسلام إقرارا بوجوب العبادة " لأنه يدعم " فرض مافرضه الله كله وتحريم ما حرمه كله إقرارا وعملا" والمجتمع جاهل كافر ، لابد من هجرته واعتزاله" ، ويستحلون مال ودم المرتد عنهم "فقد خلع عنه ربقة الاسلام " وهم معادون للعمل فى الوظائف الحكومية ، وأداء الخدمة العسكرية .....الخ

لقد أثارت النهاية الدرامية التي قضت على هذه الجماعة – القابلة للميلاد - بعد عملية قتل الذهبي ، كثيرا من التساؤلات حول لماذا تظهر مثل هذه الجماعات وماهي الأسباب العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تقف خلفها ، وكيف تتمكن من تجنيد هذا العدد الواسع من الطلاب والموظفين والحرفيين في تنظيمها؟ في الواقع أن المصدر الأول لهذه المأساة التي وقع في براثنها بعض الشباب المضلل ، هي سلطة البرجوازية البيروقراطية ذاتها ، وبعد سلطة السادات ، وان كانت بعد عام ١٩٧١ قد غالت وعمقت من النزعة الدينية ، لترتد على هذا النحو المدمر ، وهو المنطقي لسياسة ربط الدولة بالدين ، أن النزعة المعادية للمجتمع لدى جماعة التكفير والهجرة – وهى نموذج كل الجماعات المتطرفة -انما تعنى على وجه التحديد ردا إرهابيا برجوازيا صغيرا على التدهور الاقتصادي والسياسي ، الذى تحيا فيه قطاعات البرجوازية الصغيرة ، بحكم وجود الطبقة البرجوازية البيروقراطية وسيادتها الاجتماعية ، فمن الملاحظ أن الأصول الاجتماعية لمعظم أعضاء هذه الجماعة هم من الموظفين والطلاب والحرفيين وأعداد واسعة منهم تأتي من أشد مناطق مصر تخلفا سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية وحيث توجد شروط التخلف مظاهر التقنع بالرداء الديني فهم وخاصة كوادرهم وقادتهم ينتمون إلى صعيد مصر ، حيث الفكر الديني المغلق ، حيث الصراعات والفتن الطائفية التقليدية ، تجعل منهم الوجه الآخر لأمثال محمد عثمان اسماعيل ، ويوسف مكادي . أن هذه النزعة الرافضة للمجتمع تعني بالأساس ومن حيث اصولها العميقة رفض الطبقة البرجوازية البيروقراطية ذاتها ،بكل ما جلبته من وبال على بلادنا ، فهذه الطبقة التي كان سقوطها المدوي فى عام ١٩٦٧ ، بجيشها وبدعايتها الطنانه ، ميلادا لوعي جديد بدأ يعرف طريقه الى التبلور ، كانت بالنسبة للبعض الآخر ، والوعي الاجتماعي الزائف ، والسائد تاريخيا ، قدرا وقضاء محتوما لا مهرب منه الا في القيم المحلقة العليا التي لاترتبط بأرض الواقع . ولم يكن الاضطهاد الواقع على طبقات المجتمع يجد تفسيرا ثوريا ومنهجا للتحويل ، بل باع كل من كان يمكنهم القيام بهذا الدور لقاء المناصب الجديدة فى الدولة " الاشتراكية "تاريخهم السابق. فتحول كثيرون إلى الجماعة الوحيدة المناوئة لسلطه الدولة حتى وإن كانت ذات توجه رجعى ديني ، نعني جماعة الإخوان .
لقد ولدت هذه الجماعة من معطف الإخوان فى ظروف هزيمة البيروقراطية ، وغياب الحزب الشيوعي الجماهيري الذي يجمع كل جداول الاحتجاج والسخط ليوجهها فى مجرى واحد يصب فى الإطاحة الثورية بالنظام القائم ، الحزب الذي يطرح الشعارات القادرة على جذب كل الطبقات والفئات الاجتماعية التى لها مصلحة فى الثورة ، ويضفي المعني والطابع العلمي على هذه الشعارات ، ويحول دون أن يصب السخط والاحتجاج فى متاهات العزلة عن قضايا المجتمع ومشاكله والارتداد إلى الاحلام الخياليه ، واليوتوبيات الرجعية بديلا عن تغيير الواقع ثوريا . إنها رد رجعي وارهابي ذو نزعه انغلاقيه على سيادة هذه الطبقة وسيطرتها الاستبدادية ، وعلى انحدار قيمها الفكريه والثقافية والأخلاقية ، وهى النتاج الأساس لكل سياسات السلطه ، فهذا المسخ يعكس ما صنعته البيروقراطية من تشوهات ، بتنحيتها الجماهير عن مسرح الحياة ، السياسيه ،باضطهادها الرجعى ، وبمعتقلاتها ، ومحاكمها ، ومباحثها ، ومخابراتها .
لقد عاش بعض قادة هذه الجماعة في معتقلات النظام ، وعرفوا معني الإذلال اليومي وإهدار آدمية الإنسان ، وكانت حياتهم هناك تكثيفا لحياة المواطن المصري المسلوب حقوقه وحرياته وأسلحته النضالية ، حيث يتناقض الوضع الفعلي الواقعى ، مع الدعاية الإعلامية ، وكان ذلك مما يولد الميل إلى التطرف فى مواجهة الجبروت العانى لأجهزة مباحثيه لم تجد رقيبا عليها ، وحيث الشعب كله فى حراستها المشددة تفعل به ماشاءت وكانت الإجراءات الملموسة المتخذة تفوق كل خيال وكل تصور . لم يكن هؤلاء من ابطال الشعب المصري ولا من مناضليه وقديسيه ، وان كانوا من ضحايا النظام الذين هربوا إلى الملكوت الوهمي لعالم صغير صنعوه لأنفسهم ردا على هذا الواقع الذي يهينهم ويبصق فى وجوههم كل لحظه ، وحيث تتضافر الانجازات الإعلامية مع التدهور الأخلاقي فى القيم ، حيث السرقات والرشاوي ، واستغلال المناصب والانحلال ، هى قاموس البيروقراطية البرجوازية المنحدرة . واتخذ الرفض وارتبط بنظره مثالية متطرفه تستعير ابنتيها الفكرية من التاريخ والوعي الزائف لتبني مهجرا ، ومعتزلا ، بعيدا عن واقع عجزت عن أن تفهمه ، وبالأحرى أن تجد الطريقه الفعليه إلى تغييره . وحين خرج قادة هذه الجماعه فى ١٩٧١ ، ومعهم كل المعتقلين على ذمه الإخوان المسلمين ، كانت القضية الوطنية واستسلام السلطه مطروحا على جدول أعمال الحركة الثورية التي عرفت ميلادها الجديد ، وبظهور حزبنا وبميلاد حركات النضال الجماهيرية الطلابية والعمالية ، وكان مطلوبا من هذه القوى الدينية السياسيه أن تتحول الى واحدة من دعائم السادات الذي كان يسمي لتثبيت حكمه آنذاك فى مواجهة ما عرف بمراكز القوى من ناحية ، ولايجاد الركائز السياسية والاجتماعية لمتطلبات الرده الشاملة السياسيه والاقتصادية التي بدأت على نحو خجول حتى ما قبل حرب اكتوبر ، بما تتضمنه من مواقف ضد القوى الوطنية الديمقراطية والشيوعية فى مصر ، وبما تحمله من امكانيات وضرورة الصدام مع المعسكر الاشتراكي ، وعلى الوجه الآخر ، إعادة ترتيب الأوضاع الطبقية الداخلية باحياء الطبقات الاستغلالية القديمة ، وبناء العلاقات مع الإمبريالية والرجعية على أسس جديدة تنطوي على التنازل عن أهداف فتره الصعود الناصري .
لقد اتت دوله العلم والايمان ، وإيمان السلطه يقف عند حدود معاداة الاتجاه الوطني الديمقراطي والشيوعي ،اما ايمان التيار الديني" المعتدل "مؤقتا ، أو المتطرف ، فهو يرى احقيتة لا في الوجود فقط بل في السيطرة ، حيث برهنت الأحداث السابقة من وجهة نظره على أنه لاخلاص الابها . وكان حتميا أن يتفجر التناقض بين نوعين من الايمان ، وحيث يركز الاخير على عدم تماسك ايمان السلطه وتناقضها ، وحيث القيم السائدة هى قيم البرجوازية ذات الطابع المتدهور، وحيث لا تقبل أن تكون أداة ضاربه فى يد السلطه ، بل لابد أن تضرب السلطه نفسها لحسابها هي ، فلابد من الخلافة الإسلامية ، أو الحكومة الإسلامية ، ولابد من رفض القوانين الوضعية وتسييد الشريعة الإلهية ، ولابد من تطبيق الحدود الشرعية ....الخ اي كل ما يتناقض مع برجوازية تستورد قيمتها وسلطتها من الغرب ولا تستطيع الاستغناء عنها.
وكان الميلاد الجديد للحركة الشيوعية - التى تمر بمرحلة طفوله إجبارية حيث لا يوجد ذلك الامتداد التاريخي المتصل ( مما يشكل ) مانعا - من أن تمارس أقصي تأثيرها نظريا وسياسيا وتنظيميا وجماهيريا ، فاستطاعت هذه التيارات المتطرفة أن تجذب بعض ممن هم في الواقع عناصر كل حركة ثورية ، اي الشباب ، إضافة إلى أن الصدام مع السلطة الذي اتخذ شكلا متواترا بعد عام ١٩٧١، لم يمكن هذه الحركة الشيوعية الوليده من أن تقوم بدورها الضروري إزاء هذه الاتجاهات. لقد استطاع قادة هذه الجماعة أن يعمقوا من رفض اعضائها للواقع الاجتماعي والثقافي والفكري والأخلاقي السائد المرتبط تماما بالبيروقراطية السائدة وخلقوا بديلا عنه مجتمع الهجرة الاعتزالي الصغير ، البعيد عن مشاكل المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لتحقيق خلاص خيالي في "واقع "مؤلف بديل ، مقنع بقيم ذات سمه دينية . والتنظيم يتلائم مع نزعه الطائفة المغلقة المقطوعة الصلة بالحياة الدنيا الفظة الجاهلية ، فعلي كل عضو أن يغير اسمه، وان يتخيل ، ذاته مره اخرى فى صورة من عاش فى القرن الأول الهجري ، وان يقطع كل صلاته العائلية والاجتماعية مع الكفار ، وان يحيا حياة مستعارة وفق القيم الجديدة ، وان يسلم عقله لأمير المؤمنين ، ومن ثم لأمراء الجماعات ويستبدل بهذه الطائفة كل شيء ، أما هذا العالم الخارجي الجاهلي فلابد من هدمه ، وإعادة بناءه من جديد ، ومن جبال اليمن ...حيث "الدين يمان والحكمة يمانبه" ( يهاجرون ) وقد بدأت كل دعوة من هناك . وهذا الجو النفسي بكل مفرداته يدعو إلى الاندماج الآلي فى هذا التنظيم الديني الذي يستوعب كل حياة.......من جميع جوانبها ، انتظارا للحظة الخروج ، فنحن فى آخر الزمان حيث بين لحظة وآخري يظهر المسيح عيسي بن مريم على رأس جيش الملحمه ، حتى يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا .انه حلم البرجوازي الصغير الرجعي ، النازع إلى الخلاص لاداخل المجتمع ومع طبقاته الثورية المناضلة ، بل الذي يحاول عبثا بناء مجتمع صغير على هامش المجتمع القائم ، منتظرا المسيح آتيا من السماء .
لقد تغاضت أجهزة السلطة – ومازالت ـ عمدا عن مثل هذه الاتجاهات الدينية المتطرفة ، في القسم المكلف بمتابعتها مباحثيا "قسم متابعة الجماعات الدينية المتطرفة يتابع نشاطها ويراقب مدى التزامها "بالخط الديني الصحيح وعدم جنوحها إلى أهداف أخرى " اى تجاوزها دور الاحتياطي الرجعى المباشر للسلطة ، في مواجهة الحركة الثورية ، بما يهدد السلطه نفسها ورغم أن جماعة التكفير قدمت إلى المحاكمة في عشر قضايا من عام ٧١ حتي عام٧٧، الا أنه كان يتم التغاضي عن وجودها هي وغيرها من الجماعات الدينية ذات الاتجاه العام المماثل ، لأنها كانت تقوم بحملات ضد جريدتنا الجماهيرية الانتفاض وتهاحم القوي الوطنية الديمقراطية والشيوعية ـ فالجماعة الدينية التى يقودها زميل شكري فى معتقل طره عبدالله السماوي ( السماوية ) تجد مجالا واسعا للعمل فى صعيد مصر وخاصة ضد " الانتفاضيين " اى قراء جريدة حزب العمال الجماهيرية وفى اثناء الصدام مع جماعة " الشكريين" كان العقيد عادل مجاهد رئيس قسم متابعة الجماعات الدينية يقف ليقول له " لو كنا نريد استغلال الظروف لمحاربة كل التنظيمات الدينية ، كما تقول بعض الأبواق ...لكانت هذه هى الفرصه الملائمة لذلك ، ولكننا لانفكر فى ذلك ابدا . وكل الجماعات الدينية تمارس نشاطها المشروع . نحن لا نتعقب الا الانحراف وحده " .ان المغزى واضح فهذه الجماعه ليست جماعه قانونية ، وانما لها دورها فى إطار ما تريده السلطه وأجهزتها : تحويل الانظار عن القضايا الأساسية المصيرية والتغطية على خيانة القضية الوطنية وعلى العلاقات بالبلدان الإمبريالية ، ومظاهرالقمع الفاشي المستتر بسيادة القانون ، وبتدهور الأوضاع الاقتصادية لجماهير الشعب المصري الكادحة ،ان تعميق هذه المظاهر الدينية ، وإثارة الفتن الطائفية ، لا يخدم الا أهداف السلطة الطبقية .
ومن المنطقي أن نطرح الآن سؤالا :هل تستطيع مثل هذه الجماعات الدينية المتطرفة أن تجتذب قاعدة اجتماعية جماهيرية واسعة ؟ وهل تستطيع أن نتجاهل دور هذه الجماعات التي تجد مجالا للتجنيد على وجه خاص من داخل الجامعات ومن خلال الجماعات الإسلامية المنتشرة فيها ، وفي الاحياء السكانية وما هو دورنا إزائها ؟
يمكن الوصول إلى أن مثل هذه الاتجاهات المتطرفة غير قابلة للحياة الا في حدود هامشية ضيقة ، فهى بحكم ايديولوجيتها وبنيتها التنظيمية ووسائلها الإرهابية لا يمكن أن ترتبط بحركة طبقية ، فضلا عن أنها تفتقد لاي برنامج سياسي واقتصادي ، قادر على إيجاد ركائز اجتماعية وليس ذلك من قبيل "نواقصها " التي يمكن استكمالها ، بل هو أمر حتمى بحكم تفكيرها بالذات ، ومصير مثل هذه الجماعات التصفية الدائمة بالأساليب البوليسية ، لأنها حتى غير قادرة على تأمل ذاتها وتغيير اتجاهها بعد تأمل تجاربها وخبراتها ، فالبنية التنظيمية تحكمها مبادئ المركزية الثيوقراطية ..حيث يفكر نيابة عن الجميع امير المؤمنين ، وكل المراتب التنظيمية والاعضاء يبايعون " على السمع والطاعة بغير شك ولاحرج "اى التسليم الكامل المطلق وبلا شروط بما يقوله الامير الاول للجماعة أو امام الجماهير ، ثم أمراء الجماعات ، النماذج المصغرة من أمير المؤمنين ، وكل المراتب التنظيمية والأمراء يبايعون "مبايعة على السمع والطاعة بغير شك ولا حرج "اى التسليم الكامل المسبق بلا شروط بما يقوله الأمير الأول للجماعه ، وفى مثل هذا التنظيم يغيب العقل الجماعي المنظم الكامن فى كل اعضاء الجماعه المنظمين ، ويحل محله الإلهام الديني ، وقوة بصيرة الزعيم الاول الذي يحدد لها اتجاهها كيفما شاء . لذلك فهى غير قادرة على الاستفادة الا بقدر محدود من تجاربها وهى تكرر اخطاءها وأخطاء من سبقوها ، وغياب الديمقراطية الداخلية -التى لا يمكن أن توجد فى تنظيم كهذا اصلا - هو احد العناصر الهامة في ذلك . ان الأمر الأساسي الذي يجعل مثل هذه الجماعات طوائف مغلقة محدودة ، هو انعزالها الكلي عن المشاكل السياسية والاقتصادية لبلادها وفقدانها لأي برنامج واضح متميز يربطها بمشاكل وقضايا الجماهير الفعليه ، بما يترتب عليه ، الحكم عليها بالضمور الابدي والعزلة ..
ومن السخريات المرة أن هذه الجماعات التي تنادى بالحكومة الإسلامية ، وبتطبيق الشريعة الإسلامية ، يمكن ان تكون واحدة من ضحايا هذا التطبيق ، لأنها تغفل كون هذه الشريعة ذاتها قد تكيفت عبر العصور وفقا لطبائع الانظمه الاجتماعية ، وسيادة مختلف الطبقات الاجتماعية ، وكيف تجد السلطه الطريق الى مثل هذا الاستغلال الديني لتخدم مصالحها ، وذلك من واقع مرافعه المدعي العام العسكري فى قضية جماعه المسلمين ،حين يتحدث عن حكم الاسلام فيها ، يقول المدعي العام في مرافعته :.
" لكي تطمئن قلوب هيئة المحكمة الموقرة ، إلى حكم الشريعة الإسلامية في هذه الجماعة ، يصف الاسلام أفراد هذه الجماعة وأمثالها بوصف البغاة . والإجماع في تعريف البغي أنه الخروج على الامام مغالبة اي بالقوة ....وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الأمر منكم" -وروي عرفجة أن النبي قال ...,"ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الامه وهم جميع ، فأضربوه بالسيف كائنا من كان "وقال ..."من أعطى إماما صفقه يده وثمره فؤاده ، فليصله ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ".
فأركان جريمة البغي فى الإسلام هى : الخروج على الامام ، والإمام هو الرئيس الأعلى للدولة الإسلامية ، أو من ينوب عنه ـاي فى هذه الحاله السادات وحسني مبارك ! والراجح أنه لا يجوز الخروج على الامام متى كان عادلا ، وان كان البعض لا يجيز الخروج عليه ، حتي ولو كان غير عادل لأن ذلك يؤدى إلى الفتنه والفوضي ، وسفك الدماء واباحه الحرمات ... وتعاقب الشريعة الإسلامية البغاة باباحة دمائهم واموالهم بالقدر الذى يقتضيه التغلب عليهم " . هاهى مشنقة الشريعة تكاد تلتف حول عنق هذه الجماعه مادام من غير الممكن عزل تطبيق هذه الشريعه عن المصالح الطبقية السياسية والاقتصادية للنظام البيروقراطي الحاكم . ويبين هذا الواقع بأوضح ما يكون ما هو المعنى الفعلي لتطبيق الشريعة الإسلامية التي يراد لها أن تكون سلاحا قمعيا اضافيا في يد البرجوازية ، سيجري توجيهه بالدرجة الأولي صوب القوي الوطنية الديمقراطية والشيوعية حتى وإن طالت بعض آثاره الاتجاهات الأخرى . وما يبرهن على صواب موقفنا بضرورة فصل الدين عن الدولة .
(٣) برنامجا والنشاط العملى
أن حزب العمال الشيوعي لا يمكن أن يتجاهل في نضاله نزوع السلطة إلى ربط الدين بسياستها ولا النشاط المحموم الذي تقوم به الجماعات الدينية المعتدلة (مؤقتا ) أو المتطرفة ، في كافة مجالات النضال الجماهيري ، ويرى أن من واجبه الثوري التصدي لهذه الاتجاهات بحزم وبقوة فمن ناحية وفيما يتعلق بخطي الدعاية والتحريض ضد السلطة ، فلابد من ان تكون المهمة الاولى هي فضح نزوع السلطة إلى استغلال الدين لخدمه مصالحها الطبقية السياسية والاقتصادية دون ادني خرج ، كما يتعين أيضا كشف دور رجال الدين الرسميين الذين يدعمون النظام القائم الرجعى ، ويقدمون الفتاوى لتبرير الاتجاهات الراهنة لدى السلطة الحاكمة ، في .... ..... وفي الاستبداد البوليسي وقمع الحريات ، وفى تكثيف استغلال الطبقة العاملة ، ورفض نضالها من أجل إقامة المجتمع الاشتراكي بتبرير الملكية الرأسمالية ، ومباركة الانفتاح على الغرب الامبريالي والرجعية العربية"الإسلامية "وقطع الروابط بالمعسكر الاشتراكي ، والدفاع عن كل مظاهر القمع الموجه ضد الحركة الثورية المصرية ، بقواها الوطنية الديمقراطية ، والشيوعية . كما يتوجب أيضا عدم الخضوع للابتزاز "بالالحاد"أو الوقوع فى براثن الاتجاهات التحريفية بالمفاهيم التي بيناها. فنحن لسنا حزبا دينيا بل حزبا سياسيا له برنامجه ومواقفه التى يناضل على أساسها ، وهو المعيار الأساسي للارتباط بنا أو تقييمنا ، بل ومعيار تقييم الجماهير لاي اتجاه كان متى زعم أنه يعبر عن مصالحها . ويقتضي هذا عدم طرح المسألة الدينية خارج المجال السياسي والاجتماعي ، أى خارج الصراع الطبقي والتخلي عن تصور أن الجماعات الدينية فى الجامعه او فى الاحياء السكانية ـالتى تطور فيها الصراع السياسي غير قابله للتأثير عليها . ومعاملتها على أساس أنه قضي أمرها . فلا بد من مناظرة قواعد هذه الجماعات وجذبها إلي معترك النضال السياسي الفعلي ضد السلطة ، وعزل الخط الفكري لقيادتها عنها دون استفزاز طفولى وصبياني لا يجلب سوى الاضرار ، مع الشرح الصبور للدلالات الاقتصادية والسياسية لافكارهم ومعناها فى الواقع العملى . يجب أن نسلك سلوك حزب الطبقة العاملة المصرية ، القادر على التأثير متى اراد فى كل ركن من بلادنا ، والتخلي عن اى نزعه حلقية تعتبر أوضاع مثل هذه الجماعات أوضاع نهائية لا يمكن تبديلها .ومن المعروف أن الحركة الوطنية الديمقراطية والشيوعية في مصر ، قد أثرت حتى فى واحد من أقطاب الإخوان المسلمين وهو سيد قطب ، في بعض مراحل حياته حتى دعاه ذلك إلى كتابه العدالة الاجتماعية في الاسلام ، الاسلام والرأسمالية ، وقد تبني موقف القوي الوطنية برفض معاهدة الجلاء المشروطة عام ١٩٥٤.
أن معنى ذلك هو ضرورة التأثير على هذه الجماعات وعزل قادتها المتبلورين فى المجالات الجماهيرية المختلفة ، ولا يتضمن ذلك أدنى تواطؤ مع هذه الاتجاهات اذا نزعت إلى الارتباط بالأجهزة المباحثية – وهو ما ينبغي العمل على فكه أو التحول إلى آداه رجعية ضاربه فى يد سلطة الدولة ، إذ ينبغي آنذاك التشهير بها وفض جمهورها من حولها .
اننا نقبل فى صفوف حزبنا كل من يقبل برنامجنا ومواقفنا وقراراتنا ويطبق خطنا في الممارسة العملية ، مؤديا واجباته المالية ، مرتبطا بمنظمة حزبية ، وحزبنا لا يسأل أحدا عن قناعاته الدينية ، وبالأحرى يقبل فى صفوفه كل المؤمنين بأي دين أو مذهب ما داموا يناضلون على أساس خط الحزب ، ليس ذلك فحسب بل يري من واجبه أن يعمل على اجتذاب كل الكادحين من هذا النوع ، لأن ما يهمنا هو التضامن الطبقي البروليتاري. بل يقبل فى صفوفه أيضا رجال الدين الشرفاء والصادقين الذين يرون فى برنامجنا الوطني الديمقراطي والاشتراكي راية لهم ويناضلون على أساسه في صفوفنا .
ولذلك فإن برنامج حزبنا يتقوم في النضال من أجل المطالب الآتية :-
1) فصل الدين عن الدولة ، ورفض كل نزوع من السلطة للسيطرة على المؤسسات الدينية التي يجب أن تصبح مستقلة برجال دينها. وتغيير الدستور وكافة القوانين المعنية التي تنص على دين رسمي معين للدولة أو تنظيم الشئون الدينيه ، التي يجب أن يقوم بها رجال الدين أنفسهم . وتحويل المؤسسات الدينية إلى مؤسسات مؤمنين ينفقون عليها من أموالهم ، لمنع سيطرة الدولة التي تتبدي فى منح المناصب الدينية الكبرى لعملائها وترشوهم بمرتباتها ، وبما تضع فى أيديهم من أموال يستغلونها لصالحهم الخاص ، كما حدث في الأزهر ووزارة الأوقاف .
2) الغاء تدخل الدولة فى الأزهر ووزارة الأوقاف ،وضرورة اختيار شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية بالانتخاب من رجال الدين أنفسهم لا بالتعيين ، وكذا كافة المناصب الدينية ، والغاء منصب وزير الأوقاف .
3) رفض تطبيق الشريعة الإسلامية التي لا تشكل فى ظروفنا الحاضرة الا أداة جديدة للقمع الموجه لجماهير الشعب المصري ، وتقوم اساسا لشق صفوف الأمه الواحدة ، وتتناقض مع ضرورة فصل الدين عن الدولة.
4) حرية العقيدة الكاملة ، وعدم التمييز بين المواطنين المصريين في حقوقهم المدنية والسياسية على أساس ديني والغاء القانون الهمايوني ، وآية قوانين أخري تقوم سندا لتدخل الدولة فى شئون الكنيسة المسيحية ، التي ينبغي أن تنال حقها على قدم المساواه مع أي دين أو مذهب آخر .
5) الغاء كل ما من شأنه أن يشير فى الأوراق الرسمية إلى ديانة أو عقيدة المواطن المصري .
6) اقتصار التعلم الديني على المؤسسات الدينية فقط ، وألا يكون مادة إلزامية فى المدارس أو الجامعات.
أن المطالب السابقة هي جزء لا يتجزأ من الحرية السياسية ينبغي النضال من أجل تحقيقها وفى الفترة الراهنة التي تستغل فيها السلطة الدين وبعض رجاله من أجل أن تغطي على سياساتها فى خيانة القضية الوطنية ، وفي الاعتداء على الحريات الديمقراطية ، لابد أن نشهر بكل تلك المحاولات التى تقام للربط بين الدين ومصالح الطبقة الحاكمة دون أدنى تهادن . ولا ينبغى أن ننسي أن انحطاط بعض المرتزقة من رجال الدين ناهبي الأوقاف وسارقي الأزهر قد وصل إلى حد تبرير خطوات الخيانة الوطنية ، وآخرها زيارة السادات لفلسطين المحتلة وتفاوضه المباشر مع العدو الإسرائيلي واعترافه الفعلي بهذا الكيان العدواني. لذا فإن مهمه التشهير بهذه الفئة الطبقية ، لذو أهمية بالغة الدلالة من زاوية نضالنا الثوري للإطاحة في المدى التكتيكي بحكم السادات ، وإقامة الجمهورية الديمقراطية العلمانية .

قع بلادنا . فما زالت الجمهورية الديموقراطية العلمانية ودولة المواطنة هدفا لم يتحقق صوب التوجه نحو انجاز الثورة الاشتراكية .



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات بين الماضى والحاضر كارل كاوتسكى
- شعرية سيد حجاب ومآساة دستورنا المصرى الراهن
- الدوافع السيكولوجية الذاتية للثورة - ا. شتينبرج
- حول الطبيعة الطبقية لسلطة يوليو 1952
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقضية التحالف الطبقى ( وثيقة حزبية ...
- ليون تروتسكى فى المسألة اليهودية والوطن القومى
- مقالات نظرية حول سمات الوضع الثورى - ف. لينين ، ل . تروتسكى
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ...
- كارينا ، باولو كويهلو ، وسانتياجو دى كومبوستلا
- المذاهب المسيحية والصراع الطبقى فى العصور الوسطى الأوروبية - ...
- فى ذكرى ثورة 25 يناير المصرية - بعض اليوميات
- المئات السود وتنظيم الانتفاضة - لينين
- حزب العمال الشيوعى المصرى : حقيقية موقف الأخوان المسلمين من ...
- الجماعات الاسلامية وأحداث -أسيوط-- من خبرات حزبنا عام-1978
- ماقبل فض إعتصام رابعة العدوية الإخوانى ( من روزنامة الثورة )
- لن أختار بين الجلادين ( من روزنامة الثورة )
- بيان حزب العمال الشيوعى المصرى حول اتفاقية كامب ديفيد
- الدعاية والتحريض في حلقة ثورية - هوسيه انجلينا سيسون
- الاشتراكيون والطبقة العاملة ( من روزنامة الثورة )
- الإرهاب الدينى وارهاب السلطة ( من روزنامة الثورة )


المزيد.....




- اضبط الان تردد قناة طيور الجنة toyor al janah على الأقمار ال ...
- ” بإشارة قوية ” تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 Toyor Aljanah ...
- ثعلـوب الطبيب باقة من أجمل اغاني الأطفال عبر أستقبال تردد قن ...
- بعد فتح -الباب المقدس-.. شاهد لماذا يتوافد نصف مليون شخص إلى ...
- تردد قناة طيور الجنة تحديث 2025 على جميع الأقمار الصناعية ال ...
- افرحوا ماما جابت بيبي..أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على ال ...
- ما منهجية الإسلام في التعامل مع الشك والشبهات؟
- مسؤول نيجيري: -بوكو حرام- قتلت 40 مزارعا على الأقل في شمال ش ...
- وفاة أسير فلسطيني معتقل إداريا في سجن إسرائيلي
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد العليمى - السلطة والاستغلال السياسى للدين