أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ريبر هبون - حوارات مع ريبر هبون















المزيد.....



حوارات مع ريبر هبون


ريبر هبون

الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 00:54
المحور: قضايا ثقافية
    


-مجموعة مؤلفات ومؤلفين










- حوارات مع ريبر هبون
- مجموعة مؤلفات ومؤلفين

منشورات ريبر هبون

[email protected]
رقم التسلسل: 100- 11.01.2025

ISBN: 978-91-89288-78-2
تجمع المعرفيين الأحرار

Whatsapp: 004915750867809

https://reberhebun.wordpress.com/

https://kulturforumdusseldorf.wordpress.com/

تصميم الغلاف: ريبر هبون

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ولا يجوز نسخ الكتاب أو جزء منه بأية طريقة دون موافقته أو موافقة دار النشر، أي تقليد أو اقتباس يعرّض صاحبه للمسائلة القانونية.









المحتويات:

4 ريبر هبون- سيرة ذاتية
8 نصر محمد
43 حسن خالد
61 سامح سليمان
74 منتصر إثري
88 آمال أبو فارس
96 رولا حسينات
108 سماح عادل


ريبر هبون

* هو ريبر عادل أحمد
* من مواليد منبج – سوريا 1987
* درس اللغة العربية في جامعة حلب
* يقيم منذ عام 2015 في ألمانيا ويحمل جنسيتها
. * يكتب باللغتين الكردية والعربية
* مؤسس دار تجمع المعرفيين الأحرار للنشر الالكتروني
* المؤلفات المطبوعة:
في الشعر *
. - ديوان صرخات الضوء باللغة العربية عام 2016
-جوقات كوردستانية 2019 مشترك مع الشاعرة بنار كوباني
- ديوان صرخات الضوء بالكردية 2020
-شدو الكرزات 2023
* في النثر الأدبي:
. أطياف ورؤى – نصوص ودراسات 2017 -
- كتاب أطياف موتورة بالكردية 2021
-أطياف تلتهم نفسها – نصوص2023
* في القصة:
-اعترافات ثملة – 2023
في الرواية: *
-الزلزال – 2023
في النقد الأدبي: *
- فك المرموز في روايات حليم يوسف - دراسة نقدية2020
- كيف تصبح كاتباً حقيقياً- دراسات نقدية – 2023
- مفاتيح الكتابة المؤثرة من منظور فلسفة الحب وجود والوجود معرفة 2023
- قيامة الإبداع من منظور فلسفة الحب وجود والوجود معرفة 2023
- -إكتب بعمق من منظور فلسفة الحب وجود والوجود معرفة 2023
-أين هو الكاتب الحقيقي من منظور فلسفة الحب وجود والوجود معرفة 2023
في الفكر: *
-الحب وجود والوجود معرفة – فكر2021
كتب الكترونية: *
وطن وامرأة-
أصداء الخيبة-
صرخات الضوء-
أطياف-
أهازيج قلم من نار-
دلالات ما وراء النص في عوالم محمود الوهب
*في إعداد الكتب:
معرفيون ومعرفيات – حوارات-
أفكار صاخبة – مناظرات-
-قراءة للمشهد السياسي في غربي كوردستان حوار بين دلبرين عنتر وسكفان توري.
-عفرين مقاومة العصر
-بارين أيقونة الزيتون
-التطرف
* في الترجمة:
-EVÎN KERNEVALEKÎ XWEDAYÎ YE -ترجمة ديوان شعري لاسماعيل أحمد الحب كرنفال إلهي
في الجرائد والصحف: -
-عمل على تحرير صحيفة الحب وجود والوجود معرفة
- - له العديد من المقالات والدراسات المنشورة في مختلف الدوريات والصحف الالكترونية كالحوار المتمدن ، مركز النور، صحيفة الفكر وصحيفة المثقف والفيصل ونواكشوط – الليبي – المدائن بوست، القلم الجديد، مجلة لوتس وصوت كوردستان.
في الأنشطة الأدبية والفكرية المختلفة: *
-شارك في الملتقى الأدبي الثالث لشعراء مدينة منبج 2008
-أقام العديد من الندوات والأمسيات الأدبية في منبج وحلب كنادي التمثيل العربي واتحاد الكتاب العرب.
-وكذلك في ألمانيا شارك في العديد من المتلتقيات الأدبية وله العديد من المقابلات الإذاعية والتلفزيونية الكوردية.
-عضو في اللجنة الإدارية سابقاً لاتحاد مثقفي غربي كوردستان HRRK
. قدم برنامج معرفيات و معرفيون باللغتين الكردية والعربية -
-مؤسس منتدى دوسلدورف الثقافي
-عضو في الاتحاد العالمي للمثقفين العرب
. –عضو في الاتحاد العام للصحفيين والكتاب الكورد



نَصْر محمد

-كاتِبٌ و شاعِرٌ كُردِيٌّ سُوريٌّ مُغتَرِبٌ ، منْ مواليدِ سوريَّةَ - مدينةِ عامودا عامَ ١٩٦٧م.
-عملَ مسؤولاً في عِدَّةِ مُنتدياتٍ ، قدَّمَ فيها برامجَ حِواريَّةً ، و أسهمَ في تأسيسِ منصَّاتٍ حِواريَّةٍ تفاعُليَّةٍ معَ شخصيَّاتٍ ثقافيَّةٍ كُردِيَّةٍ و عربيَّةٍ و أمازيغيَّةٍ .
عُضوٌ في الاتِّحادِ العامِ لِلكُتَّابِ و الصَّحفيينَ الكُردِ – سُوريَّة. -
-عضو في الأكاديمية الثقافية الدولية
منْ أعمالِهِ المَطبوعةِ: -
لِلعِشقِ أحلامٌ مُجَنَّحةٌ ، مجموعةٌ شِعريَّةٌ ٢٠٢١م
لِلحِبرِ رائِحةُ الزَّهرِ ، مجموعةٌ شِعريَّةٌ : ٢٠٢٣م .
صَدى المَعاني ، قِراءاتٌ في كُتُبٍ أدبيَّةٍ : ٢٠٢٣م .
٤ سِجالاتٌ في الأدبِ و الفَنِّ ، الجزء الأول والجزء الثاني و يضُمُّ حِواراتٍ ثقافيَّةً : ٢٠٢٣م
قناديل عامودا / كتاب تراجم الأعلام _ الجزء الأول

-بداية أرحب بك كاتبنا ريبر هبون في هذه الفسحة الحوارية ، وأبدأ معك بسؤال أود منك الاجابة عليه ، من هو ريبر هبون ومتى بدأ يعانق وهج الحرف ؟

يسرني أن أشرع معك في الدخول لعالم الحوار ، حيث أجدني هنا أمام محاكمة ذاتية تجعلني أقلّب أوراقي بحرص وتوءدة مستخرجاً الحكمة والمغزى من تبادل الأفكار والرؤى ، لقد وجدت بغيتي في الكتابة،ولم أشعر سوى أني انجرفت إليها في وقت كنت أهم فيه بقراءة الكتب وتفحص العناوين التي تتوسط الأغلفة، راحت كل تجربة في الكتابة تأخذني لعالم مؤلفها مما وضعتني يوماً بعد يوم أمام نفسي، شعرت بتعاظم الرغبة في الكتابة والمحاولة فصرت أكتب الشعر، أردت فهم الحب والمرأة من خلال معانقة الحروف قبل الدخول عملياً في مضمار أي تجربة، اكتشفت أن الكتابة فعل يشبه المغامرة ورحلة البحث عن الذات ، عما ينقصنا ، تدوين هذا العالم وإعادة صهره فنياً متعة ما بعدها متعة، إنها أشبه بالذي يتوسط حلبة السرك وينفخ في النار ليزيد وهجها على نحو يثير دهشة الحاضرين، البداية كانت في المرحلة الإعدادية عندما بدأت أقرأ الشعر وكذلك القصة ، إذ لعل القصة الخيالية أغوتني أكثر لأنها كانت أقرب مني كطفل حينها، كنت أطير مع كل فيلم متحرك وكانت لغتي تطوف مفازات الروح بحثاً عن الأثر، بحثاً عن الجمال في الحياة بعيداً عن العتمة إذ بتُّ أتحلق حول الشمعة عند انقطاع الكهرباء وأحاول اللعب بوهج تلك الشمعة ، بأصابعي، كانت الكتابة حينذاك أشبه بلمس ضوء الشمعة بالأصابع، وعند اقتراب الشمعة من الخفوت صرت أدس إبهامي في الشمعة الموشكة على الذوبان لأحس بحرارة النار، إذن يمكن فهم الكتابة من أنها لعب على الحافة، لعب لا يخلو من مغامرة تبعث على الجنون والبراءة في آن.

- ريبر هبون ولد في منبج وجذوره من مدينة كوباني ، تفوح من قصائده رائحة الورد والسنابل ، ما الذي تركته فيك المدينتين ؟

تقاسمَتْ تلك المدينتين ذاتي منذ مراحل النشأة والطفولة في تنقلي بين المدينتين وريفيها، حيث لعبتا دوراً في تكويني النفسي واللتين توجتا أساساً متيناً لتوهجي في الكتابة الأدبية ، فراحت أناملي ترصد تلك العلاقة الطبيعية بين الكاتب والبيئة ، حيث تكَّون الفضاء الشعري من خلال هذا التنقل اللذين جعلاني أشبه بطائر يحوم ضمن جغرافيا فسيفسائية جعلتني أنقل إدراكاتي الجديدة على الأوراق، عرفت نفسي في ظل تلك الأجواء وذلك المحيط الاجتماعي كما عرفت الدروب واتجاهات الشوارع ، فمن لم يتشبع بالبيئة لا يمكنه أن يغدو كاتباً حقيقياً، من لم يغرق في عشق جغرافياه فإن الكتابة تنبذه حتماً ولا تستنظف محاولاته في إتيان شيء على صعيد الإبداع الكتابي، بقيت في لصوقي بالبيئتين حتى ذهابي للجامعة وتنقلي في أروقة مدينة حلب.

- بداخل كل مبدع طفولة تظل تلازمه وتمثل له مصدر الدهشة التي لا تنتهي ، ماذا تبقى من الطفل داخل ريبر هبون ؟

بقيت الطفولة تلفني بعباءتها الدافئة وتحيل ظلام أيامي وبردها القارس إلى دفء وظل وارف مشبع بقيظ نهارات الصيف وعبق أمطار الربيع، ولم أنس طفولتي وأخيلاتها إنها تلازمني قبل النوم واليقظة لتشعرني بالوجود البهي، دون الطفولة تغدو الحياة حديقة خلفية للموت، وتغدو السنوات سياطاً تخز أرواحنا كل مرة، لهذا وجدتني أكثر لصوقاً بالحياة الأولى بتلك البراءة والسذاجة والبساطة التي حفرت أسساً لتطوري فيما بعد حتى أني أشعر أن دافع الحماس والاندفاع والرغبة مستمدة من تلك الصرخة الأولى المبشرة بولادتنا في هذه الحياة، وعلى عكس التشاؤميين والعدميين فإنني أشعر أن الكون حديقة ألهو فيها بالعمل، والدراسة والكتابة وكلها بالنسبة لي تسالٍ تهب لي متع الحياة وكنوزها من نجاح ومعرفة وتألق.

- من منبج كوباني حلب ومروراً ببيروت ودهوك إلى دوسلدورف الألمانية، هل تغيرت آليات الكتابة تبعاً للتنقل بين البيئات في لغتكم الأدبية ؟ وهل لكل مكان لغته الأدبية الخاصة بها ؟ وكيف يتنفس ريبر هبون الغربة أدباً ؟

بما لاشك فيه فإن الكتابة لا تولد بمعزل عن البيئة، حيث يستحيل الانفكاك عن تأثيراتها القريبة والبعيدة حيث تعتبر البيئة من مصادر الكتابة وحافزاً أساسياً للعملية الإبداعية والانتقال المكاني يبث الوقود داخل الشخصية الإبداعية ويحرض فيها بواعث الرغبة في استكشاف الذات ونقل ما هو كامن لهيئة نص يكشف في متنه حجم تأثير البيئة على مؤلفها كما أن التنقل بمثابة جمع خبرات وتجارب ومعايشة مجموعات بشرية تتمايز عن بعضها البعض فتشكل بالنسبة للكاتب ذخراً ولاسيما حينما يكتب قصة أو رواية أو حتى قصيدة حب ، إنما الكتابة تجسيد للبيئة وما المؤلف إلا ناقل لما يعتريه من أحاسيس أو أفكار ومواقف وبذلك فإنه يدوّ ن ويوثق لمرحلة معينة وحقبة من حياة الناس.

- ريبر هبون يكتب الشعر ،القصة القصيرة ،الرواية ،النقد والفلسفة ، كيف يمكنه الجمع والتوفيق بين الفنون الأدبية حيث لكل منها أدواتها التعبيرية المختلفة ؟

حينما يجد الكاتب في ذاته رغبة وقدرة على مخاطبة القارئ من نوافذ الأدب المتعددة فإنه بإمكانه أن يكتشف ذاته في كل فن، حيث المراد من الكتابة هو التعريف بحقيقة الإبداع ورحابته، حيث ينشد المرهف السعادة من خلال إيجاده لذاته عبر الشعر، القصة، النثر، الرواية والنقد الأدبي، وهكذا أجدني أستثمر إمكاناتي في الخلق تبعاً لقراءاتي المتواصلة بغية تقديم جديد ما في ساحة المتلقي.

-الأدباء رسل المجتمع عليهم ألا يقفوا متفرجين ، فعلاقة الأديب بمجتمعه ، تتطلب زادا ثقافياً وفكرياً ، تغني تجربته وتعمق رؤيته للمجتمع والانسان .
ماهي مسؤولية الأديب من وجهة نظر ريبر هبون؟

لست أميل كثيراً لهذا الوصف أي نعت الأديب بالرسول ، يمكن أن أقول أن الأديب هو إنسان يمتهن فناً بعينه أو مجموعة من الفنون يعبر عنها بالكلمة وللأدب دور في تحسين صورة الحياة في نظر المجتمعات حيث يعبّر الأديب عن ذاته وعصره وكذلك يعبِّر عن مجموع الهموم والقيم الاجتماعية لمجتمع أو لمجتمعات انتقل عبرها أو عاش وتأثر وأثر فيها والزاد المعرفي مطلوب حتى يكون للكلمة تأثيراً أكبر ولا تنس أن التاريخ لن يحفل إلا بذكر الصفوة ممن كانوا أكثر تأثيراً وبلاغة وأثراً فلا حظَّ للمغمورين وأنصاف الكتّاب كما لا حظ للمتملقين وأدباء البلاط ،حيث تتحدد مسؤولية الأديب في انحيازه الأعمى لآلام الغير وانفتاحه على الآخرين وقدرته في التعبير عنهم.

-يتجه أغلب شعراء الحداثة اليوم الى النص القابل للتأويلات المتعددة، كيف يصح التأويل في الشعر ؟

كل نص أدبي على اختلاف فنونه يفتح الباب على تأويلات شتى لا حصر لها ولعل التأويل بمعرض الشعر يتمايز عن سواه في أن النص الشعري الحديث يتسم باقتصاده اللغوي الذي يكثف أكثر من فكرة ببضع جمل تتمحور حول الذات ، الآخر والعالم،ولعل جمال الشعر وتأثيره هو ما يجعله قابلاً للدراسة والتأويل، أي يتسم بانفتاحه اللامحدود على الفضاء التأويلي، بينما الشعر غير القابل للتأويل فهو نص حاصره الجمود والانغلاق، وبالتالي فهو نص ميت.

-من المعروف أن الشاعر يجب أن يمتلك عاطفة شعرية وحساً مرهفاً ونظرة خارجة عن المألوف ، هل قصائدك مستلهمة من تجاربك الشخصية ؟

لا يمكن عزل الشعر عن الحياة الشخصية للشاعر فالبيئة والناس هم وراء التكوين النفسي للشاعر أما الحس المرهف فهو من طبيعة ذلك المبدع وكذلك فإن الخبز الذي يتغذى عليه الشعر هو التخييل إذ يسبغ على المشاعر غطاء أكثر رونقاً وسحراً حيث يعيد الشاعر شعرياً بناء عالمه على أنقاض العالم الذي يعيش فيه فمثلاً علاقة الشاعر بالمرأة وفق تجربتي الخاصة هي العلاقة بالأنثى التي يتخيل أكثر ما له علاقة بتلك الأنثى التي أحب أو حرضت بداخله روح التخيل الذي سبَّب بولادة القصيدة التي هي من صنع ذلك الخيال وتلك الأنثى، يمكن قياس هذا المثال على موضوعات أخرى غير العلاقة العاطفية ، مثل علاقة المرهف بالمحيط ، الكتّاب، صعوبات الحياة وطبيعة المجتمع والنظام السياسي وهكذا...

-هل لك أن تحدثنا عن أغراض ومضامين ديوانك الشعري الأول صرخات الضوء وعن الشكل في قصيدتك ؟ وهل لقي الديوان صداه لدى القراء و المثقفين ؟

ديواني صرخات الضوء مثَّل باكورة أعمالي الشعرية ويغلب العشق للمرأة على مجمل عناوينه ومضامينه، مثّل بالنسبة لي الصرخة الأولى الموازية لصرخة الطفل المستقبل للحياة، تعددت أشكال الشعر فيه حيث كتبت القصيدة العمودية وشعر التفعيلة وكذلك ما يعرف بالشعر الحر أو قصيدة النثر، لقي الديوان استحسان الكثيرين منهم الناشر الصديق محمود الوهب الذي أعد مقدمة الديوان، وللديوان خصوصية لدي كونه كان البوابة التي عبرتُ من خلالها للنثر والنقد الأدبي ، مروراً بالكتابة الفلسفية السياسية والقصة الشعرية وانتهاء بالرواية، فالذي يقرأ الديوان بتعمق سيجد نفسه أمام حالة من الاستشراف لقراءتي وتحسس أفكاري ونزعتي الجامحة للغنائية والاستغراق في الفلسفة الوجودية في خضم رحلة اكتشاف الذات.

-يقول الشاعر التشيكي فاتسلاف شولك ، وهبني القدر هذا الشقاء الناعم أن أكون شاعراَ ، إلى أي مدى مسكون أنت بشقاء الشعر وعذابه الجميل؟

أجدني محكوماً بالشعر فلا أستطيع الانفكاك عنه وإن انشغلت عنه عبر انغماسي في الفكر أو النقد ، ورغم أن أحد الشعراء على ما أذكر وهو الشاعر والخطاط عبد الجليل عليان قال لي لا تتورط في الشعر، نصيحته تلك أخذت بها نسبياً، واكتشفت أن التورط في هذا الفن قدر ناعم كما قال الشاعر التشيكي، هو فن يشبه الحب أو التعلق بامرأة آسرة، شيء لا يمكننا الهروب منه ومهما أهملناه إلا أنه في حالات معينة يأتينا على ظهر فرس جموح ويأخذنا على حين غرة لفضاءاته الجميلة حيث نجد هناك الاستراحة الهادئة بعيداً عن ضوضاء هذا العالم وقتامه .

-ما رأيك في مسألة الغموض في الشعر، أليس معناه أن الشاعر يعجز في التعبير عن مكنونه قياساً لما يكتب في وقتنا الحاضر؟

للشاعر مشاعر غامضة لا يمكن التعبير عنها إلا بغموض، وعلى المتلقي الاستمتاع أثناء تلقي النص وللقراء مذاهب في ذلك فمنهم يستحسن الأسلوب الواضح ومنهم الغامض ومنهم الأسلوب الذي يتوسط ما بين التعقيد اللغوي والسهل الممتنع والذي هو أسلوبي في كتابة الشعر، حيث يقوم الناقد بتصنيف الأساليب تبعاً لمذاهب الشعر المتعددة، لا علاقة للغموض بضعف التعبير كما لا يعد الأسلوب السهل ضعفاً فالشاعر مطالب بنص مؤثر بمعزل عن الشكل أو المذهب الذي ينتمي إليه النص.

-مارأيك في المسابقات الشعرية والمهرجانات التي يتم تنظيمها، وهل تسهم في إثراء الحركة الثقافية والأدبية ورفع وعي الجمهور وسوية المبدع؟

تسهم المسابقات بالمجمل في تقويم العمل الإبداعي ليصل لدرجة التأهل وتجعل الكاتب يشعر ببعض الأمل في ما يكتب أو يُطرح في ظل مجتمع استهلاكي بعيد عن الثقافة المتصلة بفنون الكتابة الأدبية، حيث استعادة المناخ الثقافي من خلال عقد المهرجانات يساعد على بلورة الفعل الثقافي الميداني ويعطي الكاتب حافزاً لتقديم أفضل ما لديه، فلا معنى للنتاج المكتوب مالم يتم عرضه أمام المتلقي من خلال تلك المعارض ، المسابقات والمهرجانات الأدبية.

-ثمة عمل مشترك لك بعنوان ( جوقات كوردستانية ) مع الشاعرة بنار كوباني هلا حدثتنا عن تلك التجربة ؟

اهتمامي بالحوار الفني بين الرجل والمرأة ورصد يومياتهما وعرض طريقة فهمهما المختلفة لقضايا وجودية وجدانية وإنسانية جعلني أخوض تلك التجربة وقد حققت نجاحها من خلال إنشاء فيديوهات مكتوبة ومسموعة وجدنا أنها تحقق تأثيراً على المتلقين وقد أقمت مع شاعرات أخريات وشعراء آخرين هكذا سجالات جعلتني أنوّع من طريقة كتابتي للشعر فلم أقع في فخ الرتابة وتكرار الذات لاسيما وأن التحاور يجعل اللغة أكثر رشاقة وتنوعاً من حيث الأسلوب وكذلك المناخات المختلفة التي ينطوي تحت تأثيرها الشعر.

-النزوح نحو قصيدة التفاصيل اليومية جعل من قصيدة النثر تتجه نحو الثرثرة والتفاهة ، في حين ثمة أصوات نقدية الآن تطالب بمنح القصيدة بعداً معرفياً أوسع ، بمعنى توليد قصيدة حداثية متقنة ، ماهو رأيك؟

ليست قصيدة النثر مركباً سهلاً لمن أراد ركوبه، فلا قصيدة مالم تكن ثمة من موهبة، معاناة وثقافة تقف خلفها، وإلا كانت ضرباً من الثرثرة والتفاهة كما قلت، فعلى الرغم من تحررها من الأوزان والقوافي إلا أنها تحتاج لإدراك وإحساس وفطنة من قبل كاتب قصيدة النثر، ضمن وحدة المناخ الشعري والسياق الدلالي للعبارات، ولاشك أن شكل القصيدة النثرية يعد بأساليب لا حصر لها من تقديم الأفكار والأحاسيس التي تشوبها غرابة الإيقاع الداخلي، ولعل مصطلح قصيدة النثر عربياً ظهر عند أدونيس الذي وضع هذا الشكل على طاولة الكتابة الشعرية، وهذا الشكل من الكتابة يساعد الكاتب على التحرر الداخلي بوصفه وعاء متيناً يحوي سرديات مختلفة ومواضيع جديرة بالتنقيب عنها شعرياً بعيداً عن الأوزان وكذلك ليس الشكل من يحدد قوة القصيدة فحسب وإنما موهبة الشاعر، معاناته وثقافته .

-مارأيك بقصيدة النثر التي تحررت من القافية والوزن وباتت تزاحم القصيدة التقليدية ؟ هل أنت مع تصنيفها تحت خانة الشعر؟!
إن القصيدة التي ترتبط بالعروض عمودياً أو تفعيلة لا تستطيع إلا الإذعان لأغلال الوزن الذي يحيلها في أحايين كثيرة لتقع في أخاديد النظم الذي هو الكلام الموزون، بينما نجد قصيدة النثر قد مدت ذراعيها نحو الآفاق وعانقت كل ما قد يخطر ببال الشاعر من أفكار وأحاسيس لهذا فإنها اليوم باتت القصيدة الرائجة لجمهور الشعراء، إن الذين يكتبون الشعر العمودي أو التفعيلة يتناقصون شيئاً فشيئاً كما الذين يقرأون الكتاب الورقي فقد بدأ قراء اليوم بقراءة الكتاب الالكتروني استجابة لشروط العصر ومتغيراته الكثيرة، وهذا ينطبق على شعراء اليوم ممن يكتبون قصيدة النثر.
النثر لبس الشعر كما راح كلاهما يدخل في الرواية، فصار موضوع الكتابة وحدة الأجناس الأدبية، وبتنا نجد نصوصاً تحوي الشعر والقصة وروايات تحوي كلاهما، قصيدة النثر وإن تحررت من القوافي والأوزان فإنها دون الأوزان الداخلية والتصوير وعنصر التخييل لا تغدو إلا خاطرة أو نصاً نثرياً عادياً، على المبتدئين والذين يخوضون الشعر حديثاً أن يدركوا الفرق بين قصيدة النثر والنثر الذي على هيئة نص أو خاطرة.
إن السرد والتقريرية وخلو النص من الصور وتقنيات الإدهاش هو من مقومات الخاطرة لا قصيدة النثر، إن ما ذكرناه من صور وخيال وتلمحيات ومونولوج كلها تصب في خانة قصيدة النثر التي من خلالها نستطيع أن نميز بينها وبين فن الخاطرة.

-أي الأنواع الأدبية الأكثر قرباً من ريبر هبون ويمارسه بانسيابية ويوظفه بسهولة ومتعة ، الشعر أم الرواية أم الفلسفة ، او بالأحرى هذا الكم الهائل من الاسئلة الوجودية وهي موجودة لديك وبكثرة في كتاباتك ؟

في البداية كان الشعر الأكثر قرباً مني وكنت أدمنه تقريباً وحذفت الكثير من قصائدي دون المستوى لأني لا أؤمن بقداسة النص وإنما أنشد الكمالية فيما يتعلق بالقصيدة ويهمني إخراج نص متكامل مؤثر ومكتمل ما أمكن، فلو لم أطبع ديواني الأول لربما بقيت قصائده في مقصلة الحذف باستمرار، ذلك ينطبق على الرواية أو الفلسفة حيث أتعامل كناقد صارم مع ما أكتبه ، بالنسبة لي فأنا أجرب ، جربت النقد الأدبي وكذلك الفكر الفلسفي كما جربت الشعر والنثر، دخلت لعالم القصة القصيرة والرواية، وصار لي مجموعة قصصية ورواية، ولابد من أسئلة وجودية، هذا ما يترك الأثر، لا كتابة خالدة مالم يكن كاتبها فيلسوفاً بالضرورة.

-الرواية حكاية تتشكل في خيال الكاتب الى حياة كاملة على الورق، بينما يعيش الكاتب حياة أخرى بتفاصيلها الخاصة أثناء هذه المرحلة ولا تظهر للقارئ هل ترى ذلك؟
الروائي يكتب عن أحداث إما حدثت بالفعل أو أنها تحدث وفق منظوره الخاص، الآن تأتي العملية الفنية لإكساء مجموعة أحداث من خلال شخوص يجد الكاتب فيهم عبارة عن نسيج لتلك الأحداث المرتبطة بزمان محدد وأمكنة محددة، وبالتالي فالكاتب يستعين برفده المعرفي ، تجاربه الخاصة، بيئته، فطنته وعلاقته بالمحيط، وهو يغذي النص على طوله بالدهشة، الخيال، الآراء التي ينحاز فيها إلى ذاته بالدرجة الأولى، إنه يمارس فهمه الخاص للعالم حينما يمثل حياة أخرى عندما يكتب، ترتبط الرواية بحكاية وأحداث ورسائل مرمزة، تنشد نموذجاً معيناً وتستهدف شريحة معينة من الناس يعيشون في جغرافية فيندمج الروائي مع الأفكار وتتولد لديه مخيلة ورؤية لعالم أفضل.

-هل على الروائي أن يكون مطلعاً على الأعمال العالمية بشكل مستمر ؟ وهل يؤثر ذلك على مدى إبداعه؟

الروائي عليه أن يكون قارئاً نهماً لكل الأعمال المحمودة وليست بالضرورة أن تكون تلك الأعمال عالمية فحسب، وكذلك عليه أن يكون مهتماً بالسينما والأفلام التي نالت جوائزاً عديدة وهي مقتبسة عن روايات لكتّاب عليه البحث عنهم وقراءة كتبهم.
فالكاتب قارئ بالدرجة الأولى كلما تعمق في القراءة كلما انعكس ذلك على لغته وموهبته وحسه الفني، حيث يمكن معرفة مستوى ثقافة الكاتب من لغته ويمكن معرفة ضحالتها من خلال النص الذي يكتبه أيضاً، لهذا وجب القراءة بشكل مستمر بالتزامن مع الكتابة، كلما كان مخزون الكاتب من القراءة وفيراً كلما كان لخطابه وقعاً على المكامن.

-كيف يقيِّم ريبر هبون الرواية العربية الجديدة في ضوء المتغيرات التي طرأت عليها فنياً ؟

لم تتخطى الرواية العربية إلا ما ندر ما يقيدها ويكبح من تطورها والمتصل بطبيعة المجتمع والنظام السياسي وسطوة التأثيرات الدينية التقليدية عليه، وتطورها مرتبط بالمجتمع والنظام السياسي وسطوة الأعراف المتصلة بالدين، تأثير ما تم ذكره تراجع نسبياً بسبب تعدد وسائل التواصل الاجتماعي وذلك الانفتاح الذي شهدته البلاد العربية والدمار الذي جلبته الأنظمة القومية الاستبدادية على المنطقة والتي ارتدت لبوساً طائفياً وجلبت معها رياح ما عرف بالربيع العربي، كل ذلك غيّر من تلك المجتمعات وجعلت الرواية تتوج على طول الرقع المنكوبة والتي لا تزال تعاني من تبعات استعمار العقل وتكبيله بمختلف التابوهات ، فكان النص الروائي فضاء وانعكاساً لماتعيشه تلك الشعوب والتي شكل لها صدمات لا تنتهي، فالمستثمر للألم ولتلك النكسات بإمكانه كتابة أعمق الروايات حيث بالإمكان ذلك بوجود رفد معرفي حقيقي والرهان عليه كي تقف الرواية مجدداً على قدميها معانقة الإبداع الحقيقي.


-هل صحيح إن الروائيين النقاد يتوفقون أكثر في كتابة الرواية مقارنة مع غيرهم من الكتاب ، باعتبار أنهم يشتغلون على بنيات الرواية برؤية اكاديمية ؟

يدرك الناقد الحصيف هذا الانقياد العام للرواية دون غيرها من فنون الكتابة ويعرف في آن أن ليس كل ما يُكتب رواية بالمعنى الحقيقي، وبرأيي فالناقد حينما يشرع في كتابة عمل ينتمي لجنس الرواية يوظف عين النقد على ما يكتبه ، إلا أن ذات المؤلف تنحاز بإعجاب نحو ما تبثه و لهذا فإن حضور شخصية الناقد تبقى خافتة إلا في حال جعلها الناقد أكثر إضاءة حينما يكتب الرواية فإن ذلك يساعد بلا شك لتحقيق نص أقرب للتكامل والاتساق.
ويبقى تناول عمل خارج الذات أسهل على الناقد من أن يقيّم ما يكتبه بنفسه، كونه يمتلك وقتذاك سلاح التجرد من العواطف والنوازع الذاتية بيد أنني هنا أشير إلى الناقد الحقيقي الذي اختص بالنقد وتعامل مع النص بصدق ورفق بمعزل عن معرفته بصاحب النص.

- مالذي جعل ريبر هبون ينحو منحى كتابة رواية ؟ هل هي رغبة قديمة ومؤجلة ؟ أم أنها جاءت استجابة لوقت اتجهت فيه الأقلام الحالية للرواية كجنس أدبي بات يستحوذ اهتمام القراء؟
بطبيعتي أحب تجريب قلمي في كل ميدان أدبي أو فكري وأجدني أستجيب بيسر لما أرغب به، ورحت أكتب روايتي الأولى الزلزال استجابة مباشرة لما حدث في كل من غربي كوردستان وشمالها وكل من تركيا وسوريا، ولم يغب عن ذهني الزلزال الذي عرف بثورات الربيع العربي والخراب الذي نتج عن ذلك التصادم بين صفيحتي الأنظمة العربية و معارضاتها ، فكشف ذلك التنازع عن خلل في الخطابين وكذلك عطب في ذهنية المجتمع المكبل بإرث تاريخي طائفي وديني متطرف قاد المعارضات إلى الوقوع في ذلك المستنقع العميق، روايتي راحت في كل سطر أو جملة تعاين تلك الأورام وتكشف عما خفي وظهر بصورة تعتمد على المكاشفة الذاتية دون تحفظ، هي دعوة جادة للوقوف على المشهد ومحاولة فهمه بعيداً عن الأحكام المسبقة والجاهزة، رأيت في نفسي أني قادر على فهم الرواية وشكلها وما ينبغي أن تكون عليه مستفزة متوثبة ومثيرة للتساؤلات الداعية لنقاش مثمر .

-ما الشخصية الأكثر تأثيراً عليك في رواية الزلزال وماذا أردت أن توصله للقارئ ؟

يفترض توجيه الشق الأول من سؤالك لقارئ الرواية أما عني فسأجيب بأن شخصيات روايتي بالنسبة لي كمؤلف لها فأراها انعكاس لفكري وخيالي هي أشياء انجلت لتحاكي طبيعة الحياة والزمن الذي أعاصره على محنه وصعوباته ودعوات الأمل فيه، أردت من القارئ أن يسبر الأغوار، أن يطَّلع على جملة من الوقائع والحوادث التي قد تقع في كل زمان ومكان سواء ان كان منتمياً لذات الجغرافية التي أنتمي إليها بحكم المصادفة أو كان قريباً أو بعيداً عنها، فالكتابة هي شاهد عيان لحقبة معينة من التاريخ والرواية تقحم في حواياها كل ما يتعلق بنا بما نعيشه أو نعتقده أو نشجبه.


- لكل كاتب قضية يحاول بها الوصول الى وجدان وعقل القارئ ، ماهي قضية ريبر هبون الأولى؟

بدأت بشكل عميق سبر أغوار الفلسفة ورحت أستغرق في التأمل بعبارة كتبتها للوهلة الأولى في 2012 ، تتصل بوحدة الروح والمادة : الحب وجود والوجود معرفة، عودة الإنسان المعرفي باني الحضارات ومشيد الإبداعات والمبتكرات الهادفة لحياة أفضل ، أصبحت تلك قضيتي الأولى ، يتحرك قلمي لإثبات وحدة هذا الثالوث في كل ما أبثه شعرياً، نثرياً، قصصياً ، نقدياً، فكرياً وروائياً، وشعرت بل أيقنت أن من الضروري أن يكون للأديب الطامح رؤية ما، تصوراً ما يتحلق حوله ويسعى لإثباته أبداً.

-يقول الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي: " ان هدف الكاتب هو الكتابة، لا الظهور والتحول الى شخصية عامة."
ألا تتفق معي أن منصات التواصل الاجتماعي عززت مخاوفه بأن يستغل البعض "بخاصة الكتّاب الجدد" الأدب كوسيلة للظهور كشخصية عامة مشهورة؟

لنعد لدواعي الكتابة ولنقر بأن الكتابة تعبير عن عقدة النقص وتعويض عنها والرغبة في الظهور شكل من أشكال الرغبة في تحقيق التمايز عن الآخرين فنحن حين نكتب نمارس وجوديتنا عندما نهب الكتابة جهدنا المرتبط بسبر أغوار المعرفة وذلك ليس بالشيء اليسير أما اللهث وراء الشهرة دون الانشغال ببناء الذات فتلك هي المشكلة أن تكون الشهرة هي الغاية والهدف من الكتابة، إنما هي في الحقيقة وسيلة إيصال للرسائل المتعلقة بالقضية والمطلب الذي يؤمن به الكاتب ويرى وجوده في تحقق أو انتصار تلك القضية ودوام خلودها، إني أتفق مع الكاتب أنطونيو تابوكي في أن الكتابة هي الغاية والمنطلق أما تسخيرها لأجل الشهرة فهذا من علامات موت الكتابة والكاتب .

-يصر الكاتب النمساوي بيتر هاندكه أن الأدب لا يغير الحياة لكنه يوقظها، بينما يعارضه الروائي ماريو فارغاس يوسا بتبنيه وجهة نظر سارتر بأن الأدب يمكنه بالفعل أن يغير الحياة ، في رأي الكاتب ريبر هبون هل الأدب وسيلة للهرب من الواقع ؟ أم وسيلة لتغييره ؟

أميل لرأيهما في أن الأدب يوقظ فينا الحياة ومن ثم يعزز فينا الإيمان بالتغيير والسعي للتحكم في دفته وهي ليست هروباً من الواقع إنما دعوة لفهم ذلك الواقع بغية تغييره ليصبح أفضل.

- ماهي المواضيع التي تنال اهتمامك في الأدب ؟

الحب هو خبز تلك المواضيع التي تتعلق بمطلب البقاء على قيد الانتماء للوطن، الطفولة أي الجذور والمحيط الجغرافي أي البيئة وكذلك البقاء معرفياً حراً عاشقاً للطبيعة والحياة مناهضاً لنهج العنف والموت، كل ما قلته يشكل محتوى الموضوعات التي أميل للحديث عنها في الأدب.

-من يقرأ نصوص ريبر هبون سيدرك هذا الكم الهائل من المعرفة التي تقف خلفها ، ثمة بالفعل مرجعية قرائية هائلة ، وخبرة عميقة بالكتابة وبالحياة الادبية ، هل يمكن القول بأن الجيل الذي تنتمي اليه ذو معرفة وثقافة عالية ؟ أم ماذا ؟
الموضوع مرتبط بالاجتهاد ولكل مجتهد نصيب ولا يتعلق بطبيعة الجيل الذي أنتمي إليه زمنياً فلكل زمان دولة ورجال كما قيل، وقد أدركت يقيناً أني بمقدار ما أتعب في البحث عن ذاتي في المطالعة والاحتكاك بمن هم أكبر مني سناً وفهماً وتجربة بمقدار ما سأحصل على نمط قويم من فهم دواعي الكتابة والتأليف ، كلما ضاعف المرء من جهوده ولم يربكه عائق بل استثمر هذا العائق بمناهضته وتحويل الألم إلى متعة حقيقية، فإنه سيحصد ثمار جهده بلا ريب.

-لدى ريبر هبون مشروع معرفي تنويري يدعو لمناهضة التطرف وقد وظفه في مختلف أعماله الأدبية والفكرية هلُّا حدثتنا عنه بإيجاز ؟

الحب وجود والوجود معرفة هو تصور اشتغلت عليه منذ 2012 ، تلك البداية رافقتها أزمات وحروب ، عمت المنطقة ككل،بخاصة سوريا، الرقعة التي أنتمي إليها سياسياً، احتكاكي ببعض الأحزاب الشمولية حينذاك في تلك الفترة خلقت لدي حالة من الاستفزاز الفكري، جعلتني أحاول البحث عن مخرج من تلك الأفكار أو المسلمات التي استثمرتها تلك الأحزاب لغايات سلطوية بحتة، فالشموليون في المنطقة امتطوا أحصنة التنوير، الفلسفة والنهضة لأجل الوصول لغايتهم الحقيقية من خلال ترسيخ أفكارهم وتقاليدهم وإيديولوجيتهم، محاولة تلقين الفرد كيف يصبح صدى لها أو نسخة لما يريدونه هم فيه، لم ترق لي هذه الحالة، ونظرت أنها عبارة عن احتكار للفرد وقولبته ،بطريقة أخرى رفض لحرية الفكر والفرد، وأعتقد أن تلك الأحزاب هي من مخلفات النظرية الثيوقراطية بوجوب الامتثال لولي النعمة، أو القائد باعتباره المحور وعليه فهو المفكر والمصلح والفيلسوف وعلى الأفراد المنضوين تحت عباءته الامتثال لأفكاره وحفظها وتكرارها ونشر أفكار القائد النبي أو الفيلسوف الذي أتى ليخلص الأمة من براثن الاستعمار والتبعية والظلم وما هنالك من أفكار، هناك وجدت أنه لابد من وجود سياق فكري آخر، هذا السياق يتسم بقربه من الفكر الليبرالي وحقوق الإنسان، سياق يتسم ببعده عن مخلفات الفكر الاشتراكي الثوري ممن تأثروا بالفكر اليساري، الذين يؤمنون بوجوب انتصار رأي موحد سائد وبوجوب أن يترك الأفراد آرائهم جانباً وأن ينساقوا لخطاب حزبهم يعتبرونه ذروة الفكر ولن يأتي من بعد ذلك الفكر فكر أكثر حداثة منه ،ولا تزال تلك الأحزاب العقائدية سائدة لغاية الوقت كالبعث والسوري القومي الاجتماعي وكذلك الشيوعي وحزب العمال الكوردستاني وغيره من أحزاب يسارية أو دينية أو تشكيلات طائفية مسلحة، والهدف من وجودها هو قولبة الفرد أما عن إنجازاتها فلم تتعد رغبتها في أن تكون البديل عن السلطة التي تناهضها.
كتابي الحب وجود والوجود معرفة اعتبر ردة فعل فكرية ممنهجة والذي بدأته بإثبات وجود الإنسان المعرفي وطبقة مستنيرة وجدت نفسها داخل منظوماتها المتعددة وهي ميالة للتغيير أكثر من المحافظة، والخروج من القوقعة أكثر من تسليمها بأفكار القائد الرمز، ناصرت هذه الفئة وأكدت على وجودها وتعرضها للاضطهاد والتهميش والتصفية والتخوين وهي تعتبر عمود كل تنظيم أو مؤسسة أو تيار أو دولة، وبينت ذلك عبر مروي بأسماء وحقب تاريخية متعددة،حيث قامت محاكم التفتيش المختلفة بكبح إرادة المعرفيين أو تصفيتهم وقد مرت الحركات الثورية كما الدينية بمراحل اضطهادها للنخبة التي تنشد التغيير، وغاية ذلك القمع هو الحد من توثب المعرفي ونشدانه للتغيير، كون التغيير هو إلغاء لتلك التقاليد، قمت بطباعة هذا الكتاب سنة 2021 في مصر وقد أشرت إلى النقاط التي بينت فيها آرائي،و مواقفي من الأحزاب الشمولية والإسلام السياسي وحقبة الربيع العربي، وانفتاحي على القضية الكوردية بخاصة شمال وغربي كوردستان،والشيء الذي كنت أؤكد عليه في كل مناسبة هو أن المعرفيين هم طبقة ضمن المنظومة التي وجدوا أنفسهم جزءاً منها وهم متمايزون عما سواهم من وصوليين همهم الوصول للسلطة أو مثقفين ديدنهم مسايرة تلك السلطة وقد نظرت للمعرفي على أنه على غير وفاق مع مبدع السلطة، سلطة الدولة أو الحزب وهم بحاجة في هذا العصر للانفتاح على بعضهم بعضاً عولمياً وتقنياً حيث لا حدود بين عقل وعقل ونهضة وأخرى سوى تلك الحدود المنفعية السياسية، وتأثر جزء من الوجود معناه تأثر الكل، فما حدث في الشرق الأوسط في سوريا ، اليمن ، مصر ، ليبيا، من نكسات أو ثورات انعكس على العالم بالمجمل وقاد أوروبا بالأخص ألمانيا لاستقبال التغيير الديمغرافي من خلال توافد اللاجئين إليه ، جعل الأزمات تستعر من منطقة لأخرى من ثم نجد أن الصراعات طائفياً وعرقياً في الشرق الأوسط قد تجددت، وعمت المنطقة بأسرها، حيث يستمر النزاع الأوكراني الروسي وكذلك التصادم الإيراني الإسرائيلي في غزة ولبنان، من اجتثاث وكلائها، ذلك يؤكد أن نشوب نزاع ما في منطقة يعني اتساعها وتشعبها لمناطق أخرى،مما يعني أن الوجود واحد ،وإن أي سلطة إن أرادت البقاء فعليها أن تخدم الشعب لا أن تقف عائقاً أمام عيشها ونهضتها، ويتحقق ذلك حينما تتصالح السلطة مع الطبقة المتنورة، كي تتقلد زمام تلك السلطة لتعبر عن روح التوثب للأمام، والرغبة في تحقيق التغيير والرفاهية لتلك المجتمعات، وإرساء أسس متينة للسلام الشامل، هذا هو فحوى مشروعي الثقافي الذي تتوج في كتاب الحب وجود والوجود معرفة.

-ما نصيحتك للمبدعين الشباب قبل أن يفكروا في خوض تجربة الرواية ؟

الرواية ليست بالمركب السهل الذي يسهل ركوبه، لأن طبيعة العصر الذي نعيش فيه يميل لهذا الجنس الأدبي، نظراً لمتطلبات التسويق ودور النشر، حيث لم يعد هناك قراء كثيرين للشعر أو البحوث والدراسات، فالرواية تحقق ريعاً وطلباً ، في ظل مجتمع ابتعد بالمجمل عن تلقف الكتاب الورقي كنتيجة عن تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وقنوات الاتصال المرئية، وهذا أثر على عملية التلقي، ونصيحتي للمبدعين الشباب قبل الشروع في كتابة رواية أن يقرأو الروايات بكثرة محلية كانت أم عالمية وأن يركزوا على الروايات ذائعة الصيت تلك التي تركت أثراً واضحاً على المتلقين.

-مع التطور التكنولوجي وتوفر مؤشرات البحث عبر شبكات الانترنت وسهولة جلب أي كتاب بضغطة زر ، برأيك هل اندثر الكتاب الورقي أمام الالكتروني.

المستقبل للكتاب الالكتروني بلا شك، حين أقوم بطباعة شيء فإني أوصي بنسخ ورقية محدودة وأعتمد نشر الكتاب الالكتروني ليكون متاحاً على عدة منصات، ويمكن للقارئ تحميل الكتاب بيسر ، والكتابة ليست وسيلة كسب مادي بقدر ما هي موهبة، خصوصاً حينما تكون لغة الكتابة عربية أو كوردية، حيث تستهلك من الكاتب وقتاً وبالتالي لا يكون ثمة من تفاعل حقيقي مع ما كتب لأسباب تتعلق بضعف تسويق الكتاب واهتمام المتلقي بالمرئي والسمعي أكثر من المكتوب فذيوع كاتب على حساب آخر مرتبط بالمؤسسة التي ترعى نتاجه وتنشره.

-بصدد النقد يرى البعض أن النقد اقتصر على الناحية الأدبية وابتعد عن مفهوم النقد الثقافي الشامل ، مارأيكم بهذا القول؟

النقد لا يشمل الأدب فحسب وإنما يتعدى ذلك للفكر والفلسفة والتاريخ أيضاً ، فالناقد مبحر في فلك ما يدرسه ويبحث عن المتقابلات الشبيهة بالنص الذي يسبره ولا حدود للنقد ولا يقتصر على جانب محدد وإنما يفصح عن النتاج أكثر ، إذ يقارن الناقد ويحلل ويكشف عما خفي في النص من قبل كاتبه وقارئه وينفتح على مختلف الفنون الكتابية.

- كيف ترى حركة النقد الأدبي ، هل هي مواكبة لتجارب جديدة ماهي أسباب تدهور الحالة النقدية برأيك ؟

التطرق للنص بغية فهمه والكشف عن مزاياه وعلاته هو الذي يضع حركة النقد الأدبي على الطريق الصحيحة حيث لا ينظر للنص الرديئ دون المقاييس وإنما يتم قراءة الأعمال المتمتعة بسوية فنية معينة فهي قابلة للتأويل والتمحيص والفهم ، حيث أدرك ملياً حساسية النقد وسماعه لدينا ، فالكاتب الشرق أوسطي ينظر للنقد من منطلق تسويقي لنتاجه أو هو بطبيعة الحال كراهية شخص ما لما يكتبه، وهذا يعكس تدهور الحالة النقدية وإساءة توظيف النقد وافتقاره للموضوعية أو لمنهجية معينة في طرحه بعيداً عن المدح والقدح، فالناقد علاقته بالنص بمعزل عن مؤلف النص، وإن استطاع تحقيق هذا الحياد فهو ناقد بحق ذو مشروع ،رؤية وتصور.

-ترددت في الفترة الماضية مقولة ( موت الناقد ) ، هل فعلاً تراجع النقد الأدبي الأكاديمي المتخصص أمام بعض نخبة من القراء المثقفين الذين آمنوا بأن النقد متاح للجميع وغير مشروط بالنقد المنهجي ؟

علينا أن نفرز القراءات الانطباعية التي يكتبها الكتّاب لبعضهم بعضاً على مبدأ الاهتمام المتبادل، وبين النقد الأدبي، هذه القراءات لا علاقة لها بالدراسة النقدية، حيث يتسم النقد الأدبي بانفتاحه على النص والتعمق فيه وسبر أغواره وليس على طريقة المقال الصحفي الذي غايته ترويج العمل الإبداعي، تلك القراءات الانطباعية وإن اقتربت من النقد قليلاً إلا أنه لا يعول عليها، ينبغي التميير بينها والنقد الأدبي، وأعتقد أن عبارة موت الناقد ليست دقيقة إذ ثمة نقاد وثمة نقد وإن لم تكن على سوية مقبولة بالنسبة لشريحة كبيرة من الكتّاب.

-ما المواصفات التي يجب أن تتوفر في العمل الإبداعي ليجد صداه عند النقاد وكيف يكون الناقد حيادياً في تعامله مع العمل الابداعي؟

العمل الإبداعي يتمايز عن سواه بجدة الطرح وجرأة الفكرة وقوة اللغة وسلاسة الأسلوب،والرفد المعرفي وحسن الانتقال بين الأفكار ودقة التصوير، قدرة الكاتب على المكاشفة وتحقيق الإدهاش، ودوام وجود هاجس التغيير لدى الكاتب من وراء ما يطرح، من خلال نسف القوالب ووضع أطر جديدة للكتابة وهذا رهين ما يحمله الكاتب وثقافته ومعاناته وموهبته الحقيقية، رغم أن كل كتابة بطبيعتها منحازة إلا أن الحياد ممكن في التعامل مع العمل الإبداعي حينما يعزل النص عن مؤلفه متماهياً مع المحتوى ليعيد صهر العمل الموضوع ضمن قالب نقدي يعج بالتساؤل.

-هل تعتقد ان الساحة الأدبية حالياَ تحتوي على نقاد على قدر من المسؤولية ؟

ثمة نقاد يحاولون سبر النص وتفكيكه ونزع عباءة التدني والإشادة بالنصوص التي استطاعت كسر الأغلال لتخرج للمتلقي بهيئة جلية وثمة نقاد على درجة من المسؤولية والحالة النقدية تتطور ببطء.

-الشعر هو الفرصة الوحيدة للكائن المبدع لينصت لعزلته وطفولته وانتصاراته وخساراته وأحلامه والامه.. هل أعطتك القصيدة فعلاً هذه الفرصة الحقيقية للتأمل ؟

كتبت الشعر بأشكاله الثلاث عمودي تفعيلة ونثر باللغتين الكوردية والعربية، وأعتقد أن الشكل يتأثر بالمضمون مهما بدا المضمون متحرراً ، وأراني مقلاً في الشعر ، مقارنة بغزارة نتاجي الشعري في المرحلة الثانوية والجامعية، لكن بعد اشتغالي في الحقل النقدي قل اهتمامي بالشعر ، لكن القصيدة هي بمثابة مساحة خاصة أخلد فيها لنفسي لهذا لا يمكن هجر تلك المساحة تماماً .

-يقول الشاعر التشيكي الراحل اوكتافيوث باث ، الحب موقف بطولي وأعظم ابتكار للحضارة الإنسانية، كيف يوظف ريبر هبون نعمة الحب لخدمة القصيدة ؟

الحب هو ملح القصيدة إذ دونها لا يمكن اعتبار القصيدة فناً، القصيدة هو منبر الحب فقد خلق الشعر ليحمل الحب على ظهره، ويمضي به مادامت الحياة والبشرية، الحب هو موقف وحقيقة في الشعر إذ يتجسد فيه أكثر من سواه من الفنون الإنسانية الأخرى ، فالقصيدة هي خيمة الحب الأولى.

-مارأي الشاعر ريبر هبون بمآسي الشرق الأوسط الذي وصلت إليه الشعوب إزاء اشتداد الصراعات والنزاعات والمذاهب الطائفية بعد الربيع العربي وفي ظل الصمت السياسي وكذلك الإنساني العالمي ؟

الشرق الأوسط يعيش مخاضاً متجدداً يعود لمراحل وحقب غابرة ، تلك النزاعات متأتية من انعدام وجود ثورة فكرية على غرار عصر الأنوار الذي ظهر في أوروبا ، وسبب ذلك هيمنة الخطاب الديني المتزمت الذي بات حائلاً وعائقاً أمام بروز الثورة الذهنية لا تلك الدموية المفصحة عن وجه آخر من التشوه الطائفي والعرقي المقيت، الشرق سيتغير بتغير عقول مجتمعاته وأحراره، حيث لن يتمكن أي مشروع خارجي من تغييره بنيوياً سواء أكان بمسمى الربيع العربي أم الشرق الأوسط الكبير، وإنما التغيير يحتاج لسعي ووقت وفهم لحاجات تلك الشعوب ويقينها في الخلاص من مشكلاتها الجوهرية.
فاستبدال نظام بآخر وقائد بآخر لن يحل المشكلة التي أساسها متصل بالمنظومة الروحية لشعوب تلك المنطقة .
الثورة التي ستعيد الشرق الأوسط لسالف عهده تتمثل في نهضة ذوي العقول بالتحالف مع بعضهم بعضاً من خلال تحييد سلطة رجال الدين واستبدالهم بمعرفيين قادرين على إحداث التغيير وخلق برامج وطرح مشاريع تؤدي إلى زوال مفاهيم الكراهية والتعصب وقبول الآخر.

-يقول ماركس : الفلاسفة لم يفعلوا شيئاً سوى تفسير العالم بطرق مختلفة ، في حين ان الأهم هو تغييره ، مارأيك بهذا القول؟

تفسير العالم بطرق مختلفة هو بمثابة وضع أسس لتغييره لاحقاً، فالتغيير مرتبط بالفهم أولاً والإيمان بضرورته تالياً والتدرج التاريخي لأي مجتمع واستيعابه هو المفتاح لتغيير واقعه.






-حسن خالد:

-باحث اجتماعي كوردستاني مواليد مدينة ديرك – غربي كوردستان- سوريا سنة1975.
-حاصل على إجازة في العلوم الانسانية / شعبة علم الاجتماع سنة 2002 من جامعة دمشق.
-حاصل على درجة // دبلوم دراسات عليا // في علم الاجتماع عام 2003 من جامعة دمشق ” / بدرجة جيد جداً /
نشر له:
-نحو مجتمع أفضل – مقالات- دار تجمع المعرفيين الأحرار.
ji kaniyên çîrokê -




عصاميٌ ملحاح ، في الدفاع عمّا يؤمن به ، استطاع في فترة وجيزة أن يُثبّت قلمه وفكرة في المعادلة الثقافية الفكرية.
من الشباب الذين مروا تحت نيران // المقتلة السورية // كغيره ودفعوا ثمناً باهظاً كغيره لحرب لا ناقة له ولغالبية السوريين ولا جمل
إنه “ريبر هبون ” ونترك له حرية الصفة التي يحبذها، والذي شرّفنا بهذا الحوار:

– كيف يستطيع “ريبر” آن يعرّف عن نفسه لقرائه ؟

أعتقد أن محاولة تعريف المرء لذاته بهذا الصدد، هو شكل من أشكال النرجسية الفضفاضة أنا كأحد المعرفيين ، ممن يخوضون غمار الأدب والفكر وما بينهما أي النقد، ويحاولون الظهور بمظهر يليق بجمال الوجود وهندسته ، مولع بالتساؤل ، ومرهف لدرجة البكاء، حاد بما دون القسوة، ولا أحيد عن مبدأ الشك لإظهار المكنون وراء عباءة الظاهر.
سأقول ببساطة أني واحد فيكم أعاني ما تعانون وأبتسم حينما تبتسمون بالرغم من واقع قاسٍ أحاط بي وبكم ، إلا أن الأمل هو سيد الموقف وبه نستعين.
أكتب الشعر والنقد الأدبي والمقال الفكري والقصة القصيرة والرواية مؤخراً ، لدي ستة عشر كتاباً مطبوعاً في الشعر والنثر والنقد الأدبي والفكر إلى جانب القصة القصيرة والرواية ، مؤسس دار تجمع المعرفيين الأحرار الالكتروني.

-كيف يرى "ريبر" نفسه "باحثاً – ناقداً - شاعراً" ؟ وأيهما يفضّل ؟

أفضّل التجريب، ولا ينفي ذلك عني انحيازي للتخصص في عوالم الفكر والتأويل، كتبت الشعر في أوائل تحسسي للقلم وتبصري للحياة بكل ألوانها بما فيها من عتمة ونور ، ماضٍ وحاضر، راحلين وقادمين ، من ثم كانت لي بضع محاولات قصصية من ثم نثرية ، إلا أني مولع ولا زلت بالشعر كصلاة ذاتية تشعرني بالطمأنينة، ولذلك أيضاً علاقة بعشقي للفلسفة والتبحر بها في كل لون أدبي أو فكري أكتبه , إذ أجدني ميالاً لوصل كل شيء بالتساؤل الفلسفي ، للبحث عن أجوبة مريحة في ظل القلق الوجودي الذي يظل ينتابني.

– روّجت كثيرا لنظرية “الحب وجود والوجود معرفة” إلى أين وصلتْ جهودك في هذه الترويج لهذه النظرية التي ناديت بها وعملت لها كثيراً ، وما هي غايتك منها ؟

الغاية محاولة في إحداث نقطة بيضاء في محيط غارق بالسواد، الفكرة نظرياً أؤمن تماماً باستحالة تطبيقها في واقعنا الراهن نظراً لعدم وجود مصالح تلائم حاجات الدول الاقليمية وحتى مناخ الدول وسياساتها الخارجية إزاء الشرق الأوسط على نحو الخصوص، وإنما أردت وضع هذه النظرية ككتاب، لتكون موضع سجال ونقاش ، عسى ذلك يترجم يوماً لواقع يكون فيه للمعرفيين أصحاب المواهب والإبداعات دوراً مفصلياً في التغيير ، كي تكون لهم اليد الطولى في البناء والتغيير نحو مجتمع معرفي مؤسساتي يكون بديلاً عن مجتمع القطيع والهيمنة الشمولية عليه.
يبقى ترويجي لهذا التصور الذي لم أشفى منه لغاية يرى هذا الكتاب النور، هي 12 سنة من لحظة انبثاقها وحتى طباعتها بالعربية في 2021 و نشري للنسخة الكوردية أواخر 2024، همست لي زوجتي هبون من ضرورة أن أكتب بصدد تلك النظرية التي لم أكن حينذاك قد كتبت عنها شيئاً يذكر، سوى أنها كانت فكرة تتقلب كظبية مشوية على نار ذهني، فكان أن بدأت بالكتابة عن تصور الحب وجود والوجود معرفة، ولما أزل، كان همسها لي بمثابة إيقاعي في شرك فكري عميق لا قرارة لعمقه ، إذ أن الوجود كبير ، والمعرفة أكبر وما بينهما الحب رحلة الإنسان الأزل منها للمستقبل المشرع، كانت الغاية هو البحث عن الإنسان المعرفي، العاقل، ليمارس دوره الحضاري القديم بمعزل عن إملاءات السلطة ومآربها التدميرية وعلومها الاحتكارية ، وليكون سلطة أكثر إنصافاً ، فرابطة العقل أسمى رابطة وغيابها يعني بروز الفوضى والكوارث منها ما هو من صنع الإنسان ومنها ما هو من صنع الطبيعة ذاتها.

– أيّ أثر تركته الغربة واللجوء “المتعدد” في بناء شخصية ريبر هبون المعرفية؟
وأي محطة من محطاته كانت ذو تأثير أعمق؟

تعاملت مع الاغتراب بصبر وأناة يعزيني خلالها رفقة الإنسان المعرفي والمستنير، لطالما وجدنا أنفسنا في المغترب الأصلي في بلد تُحكم بالدم والحديد والسلطة الاستخباراتية، منها لفوضى الحرب الأهلية، وبروز سلطات صغرى وهي عبارة عن أحزاب شمولية كوردية وعربية بيدها قدر هذا الشعب المنقسم على نفسه، المنشطر والمتشظي كذرات طحين في الهواء، وبالطبع بلد الأحلام "ألمانيا" لا يمكنه أن يداوي حروق النفس وانكسارات الداخل ، لربما هي بلد الأحلام لقاطنيها، مثلما بلد الكوابيس خاصتنا.
الاغتراب والتنقل يساعد في بناء الشخصية المحورية للإنسان، فتعدد الجغرافيا يعني تعدد الهويات وكذلك الأفكار و التعرّف على مختلف الآراء والعوائد والتصورات ، مما يتيح مجالاً للمقارنة، وهذه النقطة أحب الوقوف عندها كثيراً، وهي أن تكون في حالة من المفاضلة بين الأشياء، فالبقاء أسير بيئة محددة، يعني الأسر والانغلاق، صحيح أن الكثير ممن عاشوا تجربة الغربة تعنتوا في التشبث بما امتصوه في بيئتهم ، إلا أنني أصر على أن يأخذ الفيلسوف أو المعرفي من كل مكان واتجاه وإيديولوجية، شيئاً يضمه إلى مجموع قناعاته، إذ لا أؤمن بتاتاً بالمقدس، وإنما اعتبره خديعة الإنسان الكبرى ، ومقتله أيضاً، فالعاقل يبحر دون أن تتوقف سفينته لساحل أو ميناء يتوهمه، وظيفة الباحث هو التقصي والتحري والشك، إلى جانب الإلمام بكل ما سمعه وقرأه حتى يجد من كل ما قام بالمرور عليه ضالته النسبية المتجلية في قناعاته الراهنة، إذن أثر الغربة والاغتراب بالغ ومحوري على المرء حسب تجربتي.
تجربة اللجوء والتعرف على اللاجئين، قصصهم وغصصهم، كل ذلك أسهم في تعميق دلالة الحياة بداخلي، إلى جانب رحلة العمل الشاق في بيروت والجفوة الحاصلة بين الشباب في زمن الحرب ، حالة العنف والاحتقان، أجواء النفاق والإزدواجية الذاتية ، إذ لتجربة الحرب الأهلية السورية دوراً سلبياً على القيم والتواصل بين المجتمع ، أسهم ذلك لحد كبير في فهم النفس الإنسانية وغائيتها وبقاءها بائسة تجسد صورة السلطة البائسة التي تحكمها وهي بالتالي لا تجد بداً من إنجابها من خلال مفاهيم الرياء لها ، المراوحة في المكان، والعجز الروحي الأخلاقي، جعل السلطة الكبرى تنجب من بينها سلطات لاهثة لتكون بديلاً عن تلك المتهالكة.

– تجد من بين نتاجاتك التي تمكنت من طباعتها “الشعري والنقدي” ما هي أهم نتاجاتك ؟ وأين تجد ذاتك ، وهل يمكن القول أن الخوض في مجال النقد أسهل ، أم الخوض في الميدان الشعري ؟

ديواني صرخات الضوء يعد باكورة أعمالي الشعرية باللغة العربية عام 2016
من ثم قمت بطباعة كتابي الثاني أطياف ورؤى في العام الذي تلاه 2017 الكتابين يعودان لأيام حياتي الجامعية ما بين 2007 و 2011 إذ كنت أكتب وقتها الشعر والنثر والنقد الأدبي دون الدخول لعوالم الفكر والسياسة ، ومحاولاتي الجادة في الكتابة باللغة الأم الكوردية تلت تلك الأعوام
أي في بداية الحرب الأهلية السورية، بالطبع لم أتوقف عن الكتابة بالعربية خاصة في مجال الفكر والنقد، إذ قمت بطباعة كتابي النثري المشترك مع الشاعرة بنار كوباني والذي اسميناه جوقات كوردستانية والذي رأى النور في مصر، 2018
إلى جانب كتب أخرى نقدية لم تنشر إلا الكترونياً وهي دلالات ما وراء النص في عوالم الكاتب محمود الوهب، معرفيون ومعرفيات كتاب حوارات، وأفكار صاخبة وهي مجموع مناظرات قمت بإعدادها إلى جانب كتب أخرى تتضمن محاورات حول قضايا فكرية سياسية إشكالية متصلة بواقع غربي كوردستان.
وكذلك هناك كتاب فك المرموز في روايات حليم يوسف ، إلى جانب كتابي الحب وجود والوجود معرفة ، أقوم بنقل كل أعمالي المكتوبة بالعربية للغتي الأم، المتعلقة بالشعر ، النثر ، الرواية ، القصة القصيرة والفكر حيث لا يمكنني نقل كل ما أكتبه بالعربية إلى الكوردية والعكس، إلا ما أراه على قدر من الأهمية أن يقرأ بأكثر من لغة وذلك لمشقة الجهد الذي يعانيه الذين يكتبون بلغتين أو أكثر.

– لديك محاولات وتجربة في مجال الطباعة الإلكترونية ، سواء في استصدار صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ومن بعدها الانتقال إلى نشر وتبني وإصدار الكتب الإلكترونية حدّثنا عن هذه التجربة خاصة إصدار “١٠” أعداد من صحيفة الحب وجود والوجود معرفة؟

فكرة دار النشر الالكترونية ظهرت بعد تجربة إصدار صحيفة الحب وجود والوجود معرفة، وقد كنت أولي أهمية للنقاشات الفكرية التي كنت أقيمها في مجموعتنا على الفيسبوك ، ثم نظرت لآليات النقاش هناك ، واحتدامه ، إذ كنت أنشر ما يتعلق بجوانب فكرية تدور في ذهن الأفراد في الفيسبوك، إلى جانب كم المقالات المرسلة والتي تتناول مواضيع قلما تطرح بحرية وعناية في الصحف المحلية ، قضايا تتعلق بتابوهات الجنس والسياسة والدين، وأيضاً مواضيع الإنجاب والمثلية وأخرى سياسية تتحدث عن القومية أو العالمية، من ثم توقفت عن إصدار هذه المجلة الالكترونية لأسباب تتعلق بالوقت والظرف إلى جانب العبء الذي كنت أعانيه في استصدار كل عدد، العدد الأخير كان متميزاً في التنسيق والجودة وكذلك الكم المحدود ، لكون المجلة الالكترونية يجب ان يراعى فيها الكم المتوسط من المواد دون الإطالة وكثرة الصفحات، ذلك يجعل من تلقفها وقراءتها يسيراً على المتلقي ونظره، كونها تأخذ جهداً من المتلقي قياساً بالمجلة الورقية، من ثم انتقلت لتجربة تأسيس دار نشر الكترونية مجانية غير ربحية تهتم بالنشر الالكتروني باللغتين الكردية والعربية
هذه التجربة كانت جميلة ومميزة ، وقد همّ الكثير من الكتاب في إرسال نتاجاتهم كي تطبع الكترونياً وتوزع ، حيث شاركت الدار في معرض الكتروني عُرضت فيه إصدارات الدار إلى جانب دور نشر الكترونية أخرى .
التجربة اتسمت بالتميز وكانت نقطة تحول إيجابية في مسيرة النشر الالكتروني، فبسبب كلفة نشر الكتاب الورقي من حيث الطباعة والتوزيع فإن خيار النشر الالكتروني يبقى متاحاً بصورة أكبر.
عصر العولمة والقرية الكونية الصغيرة يحتاج لتلاقي المعرفيين بغية حماية مكتسبات الإنسان العاقل وصون الحضارات الإنسانية فكان لابد من طرح هذا المشروع بداية كدار نشر الكترونية تنشر بالكوردية والعربية، وهدفها البعيد إيجاد مؤسسات غير رقابية تؤمن بحرية الفكر ونشره وفق مبدأ حق الاختلاف وممارسته بكل حرية إيماناً بمسؤولية المبدع تجاه مجتمعه ووطنه، وبما لا شك فيه فإن المعاناة المادية تبقى هي السائدة بقلة المؤسسات الثقافية التي تؤمن بالفرد والإبداع.

– الفضاء الإلكتروني والقارة الزرقاء واسع ورحب من أهم ميزاتها كسر الاحتكار، لكن في المقابل خلقت أجواء من الفوضى بلا رقابة كيف يرى ” ريبر” هذه الظاهرة ؟

البداية كانت نظريتي ، التي حاولت اسقاطها جزئياً في الواقع الافتراضي، الفيسبوك عبر مجموعة الحب وجود والوجود معرفة تيمناً باسم الكتاب الذي ألفته وأهدافه المتحلقة حول اتحاد المعرفيات والمعرفيين على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم، من ثم باتت صحيفة الكترونية ،انتقلت بعدها للنشاط على اليوتيوب بعمل قناة خاصة بي، من ثم قمت بقراءة البحث ، أو النظرية على شكل محاضرات ، لحين قمت بإنشاء مدونة اسميتها تجمع المعرفيين الأحرار وهي عبارة عن مجلة ودار نشر، أصدرت ما يربو عن 88 كتاب الكتروني لمختلف الكتّاب، سعيد بهذه التجربة على تواضعها وبساطتها، وما زال العطاء مستمراً رغم كل الظروف والتهميش الإعلامي.
أهم الملهمين بالنسبة لي هو خليط من المعرفيين الذين تم تصفيتهم أو إبعادهم عبر التاريخ كونهم يمثلون خطراً على رجالات السلطة ، لأنهم ينحازون للشعوب لا للكراسي لم يكن ثمة من ملهمين حقيقيين بمعنى الالهام بل كان هناك صدق من بعض الأصدقاء وما أقلهم ، تعاطف وقراءة إيجابية وموقف
إيجابي إزاء عملي في تطوير النظرية والسعي لتكون مسودة عمل وبناء، تقرره الأجيال القادمة لاحقاً.
العالم الافتراضي يعكس طبيعة المجتمع والحياة اليومية، تعكس الحياة بشكلها المصغر، وقد كان للفضاء الالكتروني فضلاً على الناس في أنها استطاعت كسر العديد من القيود وباتت تتحدث عن المسكوت بشكل أيسر وأفضل دون خوف أو لوم، هذه الفوضى هي نتاج كبت عاشه المجتمع خلال عقود كان الانترنيت فيها ممنوعاً إلى جانب منع حكومة الأسد الأب للستلايت في حقبة معينة ، لحين مجيء الأسد الإبن وإتاحته المجال نسبياً بالسماح بتداول الانترنيت والمعلوماتية ، لهذا سنجد هذه الفوضى لفترة أخرى مقبلة، حتى تعتاد مجتمعاتنا على التحلي بالجرأة إلى جانب الاعتياد على نمط الحياة الجديدة.

– يمتاز ريبر / كاتب – ناقد – شاعر/ بأنه متمكن من ناصية لغتين ” اللغة العربية ” و” اللغة الكُردية ” أين يجد نفسه مبدعاً ومتمكنا من قلمه وتسويق مشروعه المعرفي أكثر؟
لا أخفيك أن تعرفنا على الثقافة العربية وتعلمنا لها منذ مراحل نشأتنا يرجح كفة التمكن للغة العربية على حساب الكوردية ، اللغة الأم والمهملة ، لهذا فأنا أصر على الاهتمام بلغتي أكثر ولا يعني ذلك إهمالي للعربية، فما أزال أكتب دراساتي النقدية والفكرية باللغة العربية و أنشر ذلك بالكردية صوتياً وكذلك كتابياً، إلا أننا نشكو قلة المواقع الالكترونية والصحف الكوردية إلى جانب تسلط الإعلام الحزبي الموجه الأمر الذي سبب تخلفاً إعلامياً وانغلاقاً، وجعل التسويق الذاتي الخيار الأنسب للكاتب بدل من أن يرتهن لجهة تدعمه وتسوق له إعلامياً مقابل إملاءات تحد من حرية الفكر والإبداع.

-ما رأيك في ظاهرة الكاتب الذي لا يُسوّق ما يكتبه بلغته الأم لأنها تجلب الكثير من الردود والمواقف!؟

على الكاتب الكوردستاني ألا يتقاعس قيد أنملة عن واجبه تجاه لغته وثقافته وشعبه، لأننا أمام استحقاق تاريخي مصيري، فإهمالنا لذواتنا سيزيد من اغترابنا وضياع جيلنا، لهذا يجدر إيلاء اللغة الكوردية والثقافة الكوردية أهمية بالغة محورية، فمن لا يسوق للغته الأم مهما كان مبدعاً وعبقرياً وحصيفاً بلغات الأقوام الأخرى، فإنه يبقى بلا هوية وانتماء.

– مَن مِن الكتّاب ، الذين تجد نفسك مديناً لهم في بناء شخصية “ريبر هبون” المعرفية ؟

لا أحد معين، ومن النادر أن تجد أديباً يساهم وبشكل إنساني بحت في إعانة أديب آخر أو يهديه تجربته، في مقتبل العمر قرأت الكثير في مجال الأدب والفكر والسياسة وعلم الاجتماع والفلسفة ولم أزل ، ففي كل مجال هناك عدة أعلام بارزين أمثال جبران خليل جبران، أدونيس، بابلو نيرودا ، آرنست همنغواي ومحمد الماغوط، يشار كمال، جكر خوين، ملاي جزيري تأثرت بهم وكان لهم دوراً في بناء شخصيتي .

– رؤية نقدية للواقع السياسي الذي يمر به “الوطن” وطنياً وكوردياً باعتبار أن الحالة الثقافية أفرزت “ما بعد الثورة” حالة جديدة ورؤيتك لواقع الحركة السياسية والثقافية الكوردية في غرب كردستان ؟

الواقع السياسي الكوردي بائس في عموم كوردستان، أما واقع الحركة السياسية في غربي كوردستان فيمر بمخاضات عميقة، بسبب غياب الشخصية الكوردية السورية ، عن المشهد مما يجعل الواقع مبهماً ، إثر بروز الشخصية الحزبياتية اللاوطنية، بات الشعب ضائعاً بين برامج ومشاريع الإيديولوجيين المنفصلين عن الواقع وحاجات الناس وتطلعاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكذلك بما يتعلق بحقل التربية والتعليم، ناهيك عن حالة اللااستقرار وتهديد تركيا عبر مرتزقتها المتطرفين للمنطقة و قضم المزيد من المناطق الكوردستانية بعد احتلالها لكل من عفرين، سري كانيه وكرى سبي وحملتها العسكرية على مناطق جنوب كوردستان بذريعة محاربتها لحزب العمال الكوردستاني، وضرب تجربة الإدارة الفتية، كل ذلك يجعل من المستقبل القريب مضطرباً بقي أن نتأمل خيراً في محاولات البعض من الوطنيين المقترنة برغبة أمريكية أو فرنسية في لملمة البيت الكوردي الداخلي في غربي كوردستان وشمال شرقي سوريا.

– ختاما ماذا يعني لك:
*الوطن
*الغربة واللجوء
*المرأة
*الصداقة
*النقد
*القارة الزرقاء

-الوطن :هو المكان الذي توجد فيه كرامة الإنسان وحريته.
-الغربة واللجوء: حقل بناء الشخصية وقيادة الذات لأجل حياة أفضل بالاستفادة من مخاضات الظروف وقسوتها.
-المرأة : الملاذ الأزل والوطن الأقصى للرجل العاقل.
-الصداقة: ثقة وصدق دونهما كذبة.
-النقد : بناء واكتمال لا هدم وإحباط.
-القارة الزرقاء: الفوضى.












*سامح سليمان

-مفكر قبطي مصري من مواليد 1980
-عضو سابق في تجمع المعرفيين الأحرار
-درس علم اللاهوت المقارن وبدأ يميل للدراسات الفلسفية الوجودية فيما بعد.
-صدر له :
صناعة المسخ- فكر
قهوة فرنساوي- مجموعة قصصية
قطرات من القهوة على رأس رجل أصلع- مجموعة قصصية




-نرجوا أن تحدثنا أستاذ ريبر هبون عن الثقافة الكوردية و أهم أعلامها ؟

الثقافة الكوردية عريقة جداً عراقة الحضارة في الشرق الأوسط, ونتيجة كفاحه في الوقت المعاصر لأجل نيل استقلاله , وتعرضه للأبادة العرقية والثقافية عبر مراحل وحقب, لم يستطع أن يدوّن تاريخه حيث بقي منشغلاً بالدفاع عن نفسه طوال عهود, حيث تعد زاغروس مهد الثوره الزراعية , أي أن الشعب الكردي هم أول الشعوب التي اشتهرت بالزراعة , وعن الثقافة الكوردية يمكننا أن نوجز أنها تتميز بالعراقة والرقي والانفتاح الحضاري على بقية الحضارات القديمة كالآشورية والكلدانية والسريانية , حيث تعد اللغة الكردية من أقدم لغات الشرق الأوسط , وقدّم الكورد منجزات كبيرة للحضارة الاسلامية وقدموا للشعوب المجاورة تقاليدهم الزرادشتية الأصيلة التي هي انعكاس حقيقي لعظمة الحكم الميدي والامبراطورية الميدية التي اشتهرت بالعدالة والانفتاح والرقي والتي يعد الكورد أحفادها مروراً بالدولة الأيوبية الكوردية ومن أهم أعلام الثقافة الكوردية الشاعر المتصوف ( أحمدي خاني) و(ملاي جزيري) و(ابن خلكان) و في العهد المعاصر (جلادت بدرخان) والشاعر القومي (جكر خوين) وغيرهم.

-ما هى أهم الأعمال التى أثرت فى رؤيتك الفكرية و الأدبية ، و متى اكتشفت موهبتك الشعرية ؟

الأعمال التي تأثرت بها عربياً, روائياً جبران خليل جبران في رائعته (الأرواح المتمردة) و (الأجنحة المتكسرة) و نقدياً أدونيس و أعماله خاصةً (الثابت والمتحول في الثقافة العربية) وكوردياً في الرواية (غضبة آكري ) للكاتب الكوردي يشار كمال, وعزيز نيسين في رائعته (رجال تحت المشانق) وشعرياً امرؤ القيس، نزار قباني وأحمد مطر وغيرهم , كذلك أعمال المعرفية المصرية نوال السعداوي وأحلام مستغانمي وغيرهن.
أكتشفت موهبتي الشعرية في بداية المرحلة الاعدادية , وبدأت بالتبلور أكثر في بداية المرحلة الثانوية والجامعية.

-فى رأيك ما هي أهم أسباب تخلف مجتمعاتنا هل ما هو سائد من فكر ديني قمعي راديكالي أم فى ضحالة مثقفينا و أختباء البعض منهم خلف عباءة التدين لاكتساب حصانة ضد النقد خوفاً من اكتشاف فقرهم المعرفي ؟

أهم أسباب تخلف المجتمع يعود إلى الدين, وطرق ترويج المؤسسة الحاكمة له , تلك المؤسسة التي ساهمت في تحييد كافة المجتمع لأجل فئة , ترتقي على أكتاف مجتمع مقموع يعاني من تخلف الأدوات لممارسة الحرية والتصدي لمفاسد الدولة القمعية لأنها تأخرت ولفترات طويلة عن التفكير بنزع عباءة هذا التخلف ، و بسبب من يربون التجهيل , ويدعون لذلك عبر خطباء وأئمة , يتبعهم قطيع المجتمع بكل هوان دون تفكير, بل وصل الحال بمجتمعنا لدرجة أن يصبح نصفه قامعاً للنصف الآخر , مما أدى ذلك لدوام تخلفها وتبعيتها لأشخاص, والبعض من نخبتنا وقع في فخ قياداته الفردية التصوفية وبدأ يتلقى أقوال زعيمه المفدى كما كان سلفه يتلقى ويُلقنَ دروس إمام المسجد وشيخ السلطة, وهكذا, بدأ التخلف يسري بمنهجية في كلا الطرفين السلطوي القامع , والمعارض الذي يريد أن يحل بدلاً عن تلك السلطة ليمارس ذات القمع , وكل ذلك يجعل الشعب يفرّخ جيلاً تلو جيل , صفات وخصائص تتمثل بشرعية الامتثال لوالي النعم , أي الرئيس تماماً كما تمتثل المرأة للرجل ذاك الامتثال الذي أمرهما المسيح و محمد، لأن السلطة استفادت ولحد كبير من تقاليد الأديان في إلزام الطاعة ، وشرعنتها بفرض ذلك على الشعب المحكوم , ورضا ذلك الشعب على هذا الأسلوب كونه يحاكي بشكل غير مباشر ذائقته المبنية على الخوف من الإله , وما أشبه ذاك الإله بمتأله.. لقد خرج علينا الثائرون بزي التدين , ويالبؤس خروجهم وتمردهم الغث الهزيل الذي لا يحل المعضلة بل يفرّخ معضلة أكثر تفاقماً , فما الأحزاب الدينية الراديكالية , ألا بمثابة رد فعل مريض , على واقع قمعي ممنهج فرّخ وبمنهجية معارضة دينية ضحلة ومتطرفة استغلها رواد نظرية المؤامرة كما جندتها الأستخبارات الدولية كفزاعة مُحْكمة لاستنزاف خيرات الأمم خائرة القوى تحت لعبة ما يسمى بالربيع العربي, والأحرى تسميتها (بالجحيم الدموي), حيث ذهب مبارك و أتى مرسي , كما ذهب بشار وحل محله الجولاني وما تلك الوجوه إلا عبارة عن عقم لا يستأصل إلا بخلق مرحلة الثورة الذهنية التي كتبت عنها في كتاب الحب وجود والوجود معرفة وبداية التوغل في عقول المجتمعات ومحاورتها ,لأجل الكف عن التعامي والمشي الغبي وراء زعامات أخصت عقول النشء الحاضر كما السلف وتود تقييد الجيل الآت.

-أي التيارات أكثر نجاحاً فى مجتمعاتنا العربية ( الليبرالية أم اليسارية أم القومية أم الدينية ، و لماذا ؟

الليبرالية كمذهب سياسي واقتصادي حل ناجع لمجتمعاتنا شرط تطعيمها بالنهضة المعرفية وتهيئة المجتمع لها لأنه مالم تنشط المجتمعات في الواقع عبر مراكز التنمية والتدريب والحوار لن يغدو تطبيق أي نظام مهما كان إلا مجرد شكل , ووسيلة لعقد مؤامرات تحيكها الأطراف السلطوية التي تود التحكم بمقدرات تلك الشعوب, لذا لابد من تهيئة المجتمعات على المدى غير المنظور لأجواء يمكن من خلالها أن تمارس كل ما يحقق لها صحوتها وقدرتها على المحاسبة من خلال إيجاد سبل تنظيمية متعددة لها وخلق مؤسسسات متحدة تعمل لخلق مؤسساتها وإنعاشها جوهرياً لا شكلياً، فالليبرالية تكفل حماية القومية والدين وكافة الاتجاهات من خلال النظام الديمقراطي الذي يكفل للأحزاب والمؤسسات دوام وجودها واستمرار نشاطها، الأمر الذي يعجز النظام اليساري أو القومي أو الديني على احتواءه كون طبيعتها الإقصائية والتطرف المتجذر في صميم فكرها ورؤيتها يمنعها من أن تكون حاضة للفسيفساء المجتمعي.

-نرجو أن تحدثنا عن مراحل استنباطك لفكر الحب وجود و الوجود معرفة و ما أهم ملامحها و أبعادها السياسية و الأقتصادية و الفلسفية و الأجتماعية و التاريخية ؟

إن ملامح هذه النظرية تبلورت أكثر عبر موجة الربيع العربي التي أكتسحت شعوبنا كإعصار تسونامي , ودعت الحاجة لهذه الرؤية التي تركز على الوجود وصونه من ويلات الحروب والكوارث وبدأ ذلك في منتصف 2012م, عند أحتكاكي المباشر بأحزاب سورية وكوردستانية كحزب الاتحاد الديمقراطي , والحزب الشيوعي السوري, والحزب السوري القومي الاجتماعي وبعض أنصار الأحزاب الأخرى ومواكبتي لفكر نيتشه وماركس وهيغل , و أوجلان وقراءتي لكتبه سوسيوجيا الحرية، أزمة الشرق الأوسط , المدنية الرأسمالية, وفكر أنطون سعادة وقراءتي لكتابه نشوء الأمم, وكتاب الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية, وهكذا في ظل ظروف نفسية استدعت بروز ملامح لرؤية معاصرة فلسفية سياسية , تحمل اسم الحب وجود و الوجود معرفة , تتخلص في مجموعة رسائل أعمل على إيصالها للمتلقي أياً كانت رتبته ودوره في الحياة , وأركز فيها على قيم الإنسان العاقل الذي بنى لشعوبه الحضارات , والتي ما تزال آثاره ليومنا هذا دليلاً على نشدانه للحياة الحرة , وترسيخه للقيم ودفاعه عن المكتسبات البشرية أينما حل, والأمثلة كثيرة حول دور المعرفيين في نهضة شعوبهم , وسلامها وتأثير أعمالهم على الوجود بأسره .
*البعد السياسي: يركز على وجود المعرفيين المبدعين وأدوراهم في التغيير بمعزل عن الصراعات السلطوية الداخلية والخارجية، ودورهم في إحلال السلام والنظام في حقب زمنية متقطعة.
*البعد الاقتصادي: الذي ينحاز للمذهب الليبرالي الاقتصادي التوافقي والرافض للاشتراكية الثورية بمفهوم الاشتراكية المشيدة أو الرأسمالية المطلقة اللاهثة وراء الربح والجشع المادي على حساب ضياع القيم المعنوية.
*البعد الفلسفي: يؤكد على وجوب وجود الرابطة العقلية بين المتنورين في أماكن تواجدهم في العالم حيث تعد اللغات الجامعة بين أكبر شريحة من البشر لغات رسمية ينبغي على كل معرفي الإلمام بها للتواصل مع قرينه والإطلاع على منجزاته حتى يستطيع أن يضيف على ما سبق إنجازه أو ابتكاره لما فيه من مصلحة شاملة للوجود والمجتمعات كافة.
*البعد الاجتماعي: يحث على وجوب وجود صلة قائمة على الإنصاف ما بين المعرفي ورجل السياسة لأجل تنظيم المجتمع وتنميته وتحييد سلطة رجال الدين.
*البعد التاريخي: ينظر لحقب اضطهاد المعرفيين في كل أنحاء الوجود على أنها بمثابة قتام ألقى بظله على المجتمعات والإنسانية كافة ويجدر بالمعرفيين انطلاقاً من دورهم التاريخي القديم في بناء الحضارات الوقوف معاً في كل مكان بغية حماية الوجود من خطر الحروب والتلوث البيئي والكواراث الطبيعية.

-أين يكمن السبب في ما هو سائد فى مجتمعاتنا من صراعات دينية و مذهبية و تخلف ثقافي و حضاري و أزمات أقتصادية، هل فى علاقة المؤسسات الدينية بالقائمين على إدارة المجتمع أم فى فساد المؤسسات الثقافية و رجعيتها و تفشي الشللية و المحسوبية و تقديس التراث الثقافي ؟

لقد أفضت تلك العلاقة الدينية بالقائمين على إدارة المجتمع إلى نشوء الفساد في المؤسسات الثقافية فباتت رجعية شللية مكتظة بالمحسوبية ، حيث تم شرعنة الفساد من خلال جعله موروثاً ثقافياً مقدساً لدى السلطة والمجتمع في آن ، تلك الصراعات الدينية التي انبثقت من تناقض في الدين نفسه , كونه موروث سلطوي بحت, فيما لو نظرنا للتاريخ من بدايته, وتأملنا تلك الصراعات وقرأنا المنهج الذي يتأسس عليه الدين رغم ارتدائه أحياناً زخرف الكلام وبلاغته, فنحن نجده يخدم فئة ما وهي الفئة التي تنتمي إليه أو تلك الفئة التي تتحاشى الاصطدام به فتنقاد لخدمته, تفشت الشللية طبعاً من بروز مذاهب وفرق عديدة من الدين ذاته, وأسهمت في القتل, لتناقض مصالحها و أجندات بعضها عن بعض, وأظن أنه لم يتم تقديس سوى الخطأ والجمود والتأخر الفكري ومزيد من الضحايا حتى وقتنا الراهن , وبات الدين الإسلامي خير مطية للسلطات لأجل أن تداوم على إنجاب وإفراز أمراضها( إيران، تركيا، قطر، أفغانستان)
-ما رأيك فى وضع المرأة فى المجتمعات العربية هل فى ازدهار أم في انحدار ، و هل وضعها في المجتمعات الغربية أفضل ، و ما هو الحيز الذى تشغله المرأة فى نظرية الحب وجود و الوجود معرفة ؟

وضعها رهين الأنظمة السياسة المتحكمة في مفاصل عملية التربية والتعليم وهو متباين من دولة لأخرى لكنها لو نسبياً تستطيع طرح أفكارها وذاتها وخلق تصوراتها , إلا أن الرجل سواء في المؤسسة الحزبية او السلطوية كما في الدينية سابقاً يرصد حركاتها بكل مكر وتحايل , مستخدماً شعار تحرير المرأة لمصالحه ، فالذين ينادون اليوم بتحريرها هم أنفسهم بالأمس كانوا قامعين لها, ولعل شعار تحرير المرأة أيضاً وقع خدمة للرجل النفعي، لأجل تسويق وتمرير أهدافه عبر المرأة ذاتها وشحنها بمفاهيم أخرى أكثر دهاء وبريقاً, لأجل أستخدامها بطريقة أكثر تدميراً مما ساهم في خلق أسلوب (العبودية الحديثة) التي تعمل على الاستفادة من طاقات المرأة لأجل بقائها واجهة لأخطاء الرجل ذاته الذي كان يضع بالأمس كل أثقاله على ظهرها ويمضي متبختراً, العبودية اليوم يتم تسويقها من ذات الشعار صديقي, لذا وفق فكر الحب وجود والوجود معرفة , أطرح مبدأ التشاركية ما بين الرجل والمرأة لبناء مجتمع معرفي يركز على بناء العائلة السعيدة وخلق حياة معرفية صميمة تكون بذرة سليمة لأجيال قادمة تحرص على إشادة و رؤية وجود جميل.
-ما تقييمك لما يسمى بثورات الربيع العربي وهل أدت الى ازدهار المجتمعات العربية أم الى خراب و دمار؟

تلك الثورات عبّرت عن مدى تشرّب الشعوب لموروث السلطة القمعية حيث تحولت لحروب أهلية طائفية وعرقية وبات أبناء الشعب موالاة ومعارضة جنوداً مجنّدين تابعين لكل من تركيا وإيران يسوسونهم كالخراف أينما يشاؤون مرتزقة لصوص يقتلون لقاء حفنة دولارات والبعض منهم انضم لمشروع القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي، لقد بانت ثقافة السلطة وبات همًّ تلك الأنظمة الحفاظ على كراسيها لو على بحر من الدماء والجماجم وبات لسان حال تلك المعارضة المرتزقة مزاحمة تلك السلطة القائمة والوصول للسلطة باسم الثورة والحرية.
لقد قادت المجتمعات إلى طريق مسدودة والخيار هو في بعث الثورة المعرفية، ثورة يقودها المتنورون والمبدعون تصب مصب تغيير العقول وبناء نهضة معرفية تكون البوصلة نحو نظم حقيقية وقيادات تؤمن بالحياة والسلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

-فى نهاية الحوار لا يسعني إلا أن أشكرك و أطلب منك توجيه كلمة إلى القراء؟

أتمنى أن ينكشف الغد القادم عن بروز المعرفيين والمعرفيات على امتداد الشرق الأوسط وأن يتمكن كل المعرفيين والمعرفيات من بناء وجودهم في أوطانهم ودك حصون الاستبداد والفساد أينما وجدوا والدعوة لإقامة مجتمع المعرفة هدفنا الذي ننشده عبر المستقبل .






*منتصر إثري:

-صحفي وناشط إعلامي أمازيغي
-يعمل في صحيفة العالم الأمازيغي ومشرف على صفحة خاصة بالشؤون الكوردية.
-له كتاب قيد الطبع بعنوان: حوارات كوردية









-كيف تعرِّفون أنفسكم لقراء «العالم الأمازيغي»؟

كوردستاني معرفي كتابتي كينونتي ، جغرافيتي ولوني الذي يعكس جمال الحياة وما الكتابة هنا سوى ممارسة للسعادة التي ترافق الإنجاز من شاعر عماد كتابته الحب إلى ناقد غيور على الجمال والفن يسعى ليجيش ذوي الأقلام على كتابة أفضل ذي أثر إلى ناثر لما يعتري الداخل من أفكار وشجون إلى قاص يقتحم المعتم في الحياة ويحاكم من خلال مساحة القص تلك لوحات متهالكة لبشر يتهاوون وآخرون يتصاعدون دخاناً من مداخن الذاكرة إلى روائي يحمل الحياة على ذراعيه طفلاً في عينيه تنتحب كوردستان لمعرفي يحمل ثالوث الحب الوجود والمعرفة مبشراً بعودة المعرفي لعالم يخوض الحروب ويرتكب ساسته الحماقات بلا وازع.

-قراءة وتحليلاً كيف تنظرون للواقع الكوردي عموماً في خضم كل المتغيرات الجارية في المنطقة؟

في خضم تلك المتغيرات المتسارعة نشهد وعياً غير مسبوق بالقضية الكوردية من الشعب والجوار وحراكاً جديراً بالأهمية والذكر في مواجهة قوى التطرف الاسلاموي والتصدي ببسالة لمشروع الإسلام السياسي المذهبي، بشقيه السني والشيعي، وعزماً لمجتمع علماني ديمقراطي يقود سفينته الكورد في كل من جنوب وغربي كوردستان عبر مشروعين يتمايزان عن بعضهما البعض في الطرح والتوجه مشروع قومي يتزعمه البارزانيون والذي تتوج في إعلان الاستفتاء في خطوة غير مسبوقة، أربكت القوى الفاشية المعادية لحقوق وتطلعات الشعب الكوردي المشروعة وحقه في تقرير مصيره، والمشروع الآخر هو مشروع ديمقراطي وطني يقوده الأوجلانيون والمسمى بالأمة الديمقراطية ومبدأ أخوة الشعوب، وهو مشروع وجد فيه المنضوون تحت لواءه بغيتهم في مواجهة القوى التكفيرية وكذلك القوى الساعية لمواجهة كل تطلع كوردستاني، نجد أن كلا المشروعين على اختلاف رؤيتهما لحل القضية الكوردية يمسكان زمام ريادة متصاعدة في مواجهة الإرهاب والحد من التمدد الإيراني التركي في المنطقة، برأيي لا أجد خلافاً جوهرياً بين المشروعين على الصعيد الاستراتيجي فكلاهما طرح كوردستاني بامتياز ورؤية للحل انطلاقاً من خصوصية الجغرافيا الإقليمية وصراعاتها وتحولاتها، حيث دمقرطة البلاد والتأكيد على حل القضية الكوردية هما القاسم المشترك لكلا المشروعين.

-كيف تنظرون للتحولات الجارية والمتسارعة في سورية؟ وما تأثيرها على القضية الكوردية عامة؟

التحولات الجارية والمتسارعة تنبأ عن عزم دولي إقليمي في حل سياسي لسوريا، وكذلك مسعى تركي وإيراني مضاد للحيلولة دون ذلك، حيث نشهد توافقاً روسياً أمريكياً على رؤية مشتركة للحل ومشهداً غاية في التعقيد خارج الجغرافية السورية تجسد في الحرب الروسية الأوكرانية وتراجعاً تدريجياً لميليشيات إيران نتيجة الضربات الاسرائيلية الدقيقة لكل من حماس وحزب الله، واستماتة تركية في التقارب مع النظام السوري لأجل اجتياح غربي كوردستان والقضاء على تجربة الإدارة الذاتية هناك، و فرض الانتداب التركي على سوريا بعد هروب الأسد وإسقاط نظامه وقيام ما يسمى بهيئة تحرير الشام وبحركة انقلابية في الاستيلاء على دمشق وتشكيل الهياكل الاسلامية كنواة للحكومة السورية الجديدة، بعد أن عملت إيران على توتير المنطقة عبر تحركاتها المهددة لأمن اسرائيل ، أما بعد انحسار كل من النفوذ الروسي والإيراني في سوريا تقوم تركيا بالاستماتة في في الحصول على المزيد من المكتسبات ومناطق النفوذ من خلال تأهبها الدائم لاجتياح شمال شرقي سوريا ومحاولة ربطها لمناطق درع الفرات بغصن الزيتون، فقامت باحتلال الشهباء ومنبج وتقوم مرتزقته من محاولة الاستيلاء على سد تشرين والتي باءت محاولتها حتى هذه اللحظة بالفشل، فتطرح خيارات أخرى مجدداً لتتخذها ذريعة للتوغل في شمال سوريا، إن بروز المشهد السياسي بهذا التعقيد أعطى بروزاً للقضية الكوردية على أهميتها وضرورة حلها من كونها مفتاح الاستقرار والسلام الحقيقييين في المنطقة.

-في خضم هذه التغيرات التي تعرفها خارطة الشرق الأوسط، حدثنا قليلا عن موقع الكورد منها؟

إن موقع الكورد في خارطة الشرق الأوسط مهم وحساس، إذ أن استقرار المنطقة برمتها يعود لمدى تفهم تلك الأنظمة لمسعى الشعب الكوردي ونضاله المشروع لتحقيق حرية كوردستان وديمقراطية تلك النظم بمعنى تغيير أساليب حكمها ونظرتها للكورد كشعب تاريخي عريق، وأرض تاريخية تمثل حقيقة لا يمكن القفز فوقها أو التغاضي عنها، إذ يجب حلها بشكل سلمي يحفظ للدول وحدتها ويكفل للكورد حريتهم، ويصون ثقافتهم وانتماءهم، لهذا فإن موقع الكورد في الشرق الأوسط وبقاءهم بلا دولة يُلزم الأنظمة المحتلة لأراضيها بالتحول الديمقراطي الجوهري، إذ لا مناص من حل القضية الكوردية بإيجاد صيغ قانونية مشروعة كالحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي اللامركزي، وهكذا يمكن الحفاظ على الدول من أن تتفكك ويحفظ أيضاً للكورد وجودهم الإنساني والثقافي المتمايز عن بقية شعوب المنطقة.

-ما تقييمكم للدور الذي لعبه الكورد في الثورة السورية؟

لقد لعب الكورد دوراً مهماً مقارنة مع المكونات التي باتت اليوم ألعوبة بيد تركيا (الإئتلاف السوري) لهيمنتها على سوريا وإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، حيث وجدوا معارضة شوفينية لا تقل بؤساً واستبداداً عن النظام القائم، حيث مارست المعارضة السورية المناوئة للحكومة التركية دوراً سلبياً في الحراك الثوري منذ أن انحرفت عن الجادة لتمثل خطاً مذهبياً تكفيرياً معادياً لقيم العلمانية والديمقراطية التي كانت أساس انتفاضة السوريين، فبذلك خسرت تأثيرها تدريجياً على الساحة السورية وباتت مجرد مطية لتركيا في دعم مشروع الإسلام السياسي والتصدي لطموحات الكورد.
لقد اتجه الكورد بعكس المعارضة والنظام لسلوك خط وسطي ثالث، لإقامة نظام ديمقراطي وحققوا أرضية يمكن البناء عليها لتكون أنموذجاً لعموم سوريا، لا أريد القول أن هذا النموذج هو المدينة الفاضلة، إنما يلزمه الكثير وتحاصره النواقص، إلا أنه واستناداً للواقع المأساوي في سوريا يمثل أفضل الموجود.

-كيف تابعتم «الخذلان» الدولي إن جاز التعبير لطموحات الشعب الكوردي في تقرير مصيره؟

نعم كان للصمت الدولي إزاء احتلال عفرين من ثم سري كانيه وكري سبي وتلك الانتهاكات والتجاوزات التي أحدثت أثراً أليماً على نفسية المجتمع الكوردستاني في عموم أجزاءه ، حيث لا نجد أي تأييد دولي يذكر للشعب الكوردستاني الذي حارب بالنيابة عن العالم أعتى تنظيم إرهابي عالمي يتمثل بتنظيم داعش، فلم نجد تحركاً مطلوباً إبان سقوط شنكال، وُترك الكورد الإيزيديين يعانون محنتهم والمجزرة 75 تاريخياً والتي ارتكبت لمحاولة إبادة هذا المكون الكوردي العريق والأصيل على أرضه التاريخية، وكذلك لم نجد ذلك التحرك الكافي إبان مأساة كوباني، إلا حينما تدمرت المدينة بالكامل وكادت أن تسقط بيد داعش تماماً لولا قيام التحالف والبيشمركة أخيراً في التصدي لمحاولة السقوط تلك حيث عملوا على إسناد وحدات حماية الشعب والمرأة، وكذلك نجد أن عفرين، قبلة كل النازحين ما قبل سقوطها ما تزال تعاني ويلات هذا السقوط، حيث أطلقت الحكومة التركية العنان لفلول الإرهابيين المرتزقة لممارسة السلب والنهب والخطف لأهالي "عفرين، سري كانيه وكرى سبي" فما زال غالبيتهم يقبعون في المخيمات تحت وطأة البرد والفقر والحرمان، دون أن يحرك ذلك من ضمير العالم والمجتمع الدولي، ولا ننسى تخلي العالم عن الاستفتاء وخطوة إعلان استقلال إقليم كوردستان، الأمر الذي خلّف ضحايا في كركوك حينما قام الحشد الشعبي بإحراق منازل الكورد في كركوك والفتك بالمئات من الناس، كل تلك الويلات لم تجعل المجتمع الدولي يشعر بمسؤولياته حيال مأساة الشعب الكوردستاني في جنوب وغربي كوردستان، ناهيك عن شمالها الذي يعاني الويلات عبر قيام حكومة أردوغان بتدمير مدينة نصيبين الكوردستانية بحجة وجود عناصر لحزب العمال الكوردستاني فيها تدمير حي سور في مدينة آمد (ديار بكر) الكوردستانية وكذلك محاولة إغراق مدينة حسكيف الكوردستانية بالمياه كونها مدينة أثرية وغنية بالمعالم الحضارية التي تشهد عراقة حضارة شعب كوردستان، كما فعلت الحكومة التركية بقصف آثار معبد عين دارة في عفرين، ونجد تلك الإعدامات الميدانية المتلاحقة لنشطاء ونساء الكورد في شرقي كوردستان بيد الحكومة الإيرانية وغض النظر عن مأساة الأهالي في منطقة كرمانشاه الكوردستانية إبان حدوث الهزة الأرضية التي جعلت الآلاف من سكانها بلا مأوى ،كل ذلك على مرأى العالم المتحضر.

-ماذا عن الهجوم المستمر للنظام التركي على المناطق الكوردية؟

النظام التركي يعلن عداءه للشعب الكوردستاني في كل جزء من أجزاء وطنه جهاراً نهاراً، وهو يمثل روح القومية الفاشية والذي هو ناقوس نهاية لها أيضاً، حيث لا يمكن لنار الكراهية إلا لتحرق وتشتعل في أشلاء موقديها، وهذه حقيقة تاريخية لم يعتبر منها هؤلاء، ما لم يتم ثني الحكومة التركية دولياً وردعها عن تصرفاتها، فإن تلك الممارسات ستستمر مع كل أسف، حيث لا يمكن للإرادة الكوردية مهما كانت فولاذية أن تواجه قصف الطائرة بالصدور العارية ، حيث أننا أمام عدو تاريخي ينفث سم الكراهية في جسد شعوبها بمنهجية لا حد لها، الأمر الذي يشي بحروب وكوارث أهلية ستمتد مجدداً داخل تركيا وخارجها.

-ما رأيكم في الفيدرالية واللامركزية التي يتحدث عنها الكورد في شمال سوريا؟

الفيدرالية أو اللامركزية السياسية في شمال سوريا هما الحل للأزمة السورية وهما السبيل لإنقاذ هذا الوطن من خطر التقسيم والتفتيت الفعلي الذي تتعرض له حالياً، ودون سوريا اتحادية فيدرالية لا حل جلي يلوح بالأفق، إذ يعمل الكورد وباقي المكونات في شمال سوريا لرسم خارطة طريق للخروج بسوريا من النفق المظلم لأفق دولة عصرية ديمقراطية ودستور يحفظ للكورد وكافة المكونات الأخرى حياة كريمة ولائقة بالتضحيات الجسيمة التي أبداها الشعب السوري والكوردي خاصة في دحر الإرهاب العالمي.

-في الشأن الكوردي ـ الكوردي، إلى أي مدى يمكن أن يشكل الحوار حلاً لإزالة الفجوة بين الكورد فيما بينهم؟

يمكن حل الخلافات الكوردية الكوردية عبر طريقين، الانفكاك عن أجندات الدول الإقليمية المعادية للشعب الكوردي، وأيضاً عقد مؤتمر قومي كوردستاني تشارك فيه كافة القوى الكوردستانية دون إقصاء أو تمييز، وتشكيل إدارة مشتركة والانفتاح عن الديمقراطية والابتعاد عن سياسة التفرد واستعلاء طرف حزبي كوردي على طرف آخر، وباعتقادي فإن ما يجعل ذلك صعباً هو عدم الانفكاك الحقيقي الجوهري عن تلك الأجندات الإقليمية والمحاولة في احتكار المشهد الوطني القومي الكوردستاني، على حساب إقصاء الآخر، ولا شك أن الحوار الكوردي الكوردي لن يتحقق بمعزل عن التوافقات الدولية والإقليمية والتي تشكل القوى الكوردية جزء منها.

-كيف تنظرون إلى مواقف الأمازيغ من القضية الكوردية؟

أتابع باهتمام تلك الصلات القيّمة بين الشعبين الأمازيغي والكوردي، إن تطوره يعني إحداث لوبي مشترك بإمكانه أن يحقق ثمار نهضة مهمة تخص قضية الانعتاق والتحرر من ممارسات القوميين ممن يتخذون السطوة التاريخية العروبية وسيلة للهيمنة على ثقافات الأمم العريقة كالأمازيغ والكورد والأقباط والنوب وغيرهم، إلا أن الحراك باتجاه التأكيد على حقيقة الأمم المسلوبة على صعيد هويتها مهم للغاية، يجب أن نمد جسورنا بعمق والتأكيد على وحدة المصير لهذا فأنا أثمن أي جهد أمازيغي كوردي باتجاه التقارب بين الأمم المسلوبة، لبعثها من جديد والتأكيد على خصوصياتها وهوياتها عبر التحرر من مركزية «العالم العربي»، للوصول لمجتمعات تؤمن بخصوصيتها على أرضها التاريخية، إن مواقف الأمازيغ جديرة بشكرها وتشجيعها على الحراك النوعي والمؤثر لإيصال صوت القضية الكوردية للعالم، حيث نجاح القضية الكوردية هو نجاح للأمازيغ وقضيتهم وانتماءهم لتمازغا الوطن الذي لن ينال الصهر الثقافي من بروزه.
-ما هي أبرز نقاط التلاقي والتشابه بين الكورد والأمازيغ؟

ثمة تشابه بلا شك بين الحالة الكوردية والأمازيغية، من حيث عراقة الانتماء والجذور ومسعى كلا الشعبين للتحرر القومي، والخلاص من التبعية والبروز باتجاه ما يذهب لمنحى إبراز الكينونة، حيث يحاول الكورد تاريخياً وعبر مراحل من البروز والتحرر والانعتاق.
إن التبادل الفكري والثقافي بين الشعوب الأصلية يمثل مساراً إيجابياً وخطوات ريادية نحو جلاء حقيقتها الاجتماعية، التشابه الأكثر بين الشعبين هو عراقة اللغة والانتماء للأرض وكذلك نجد تشابهاً في الزي الشعبي للمرأة الأمازيغية والكوردية.

-في نظركم ما هي السبل الممكنة والناجعة لتطوير علاقة الشعبين؟

يمكن تطوير التبادل الثقافي بين الشعبين وكذلك إنشاء مراكز دراسات مشتركة في أوروبا وكذلك شمال أفريقيا والشرق الأوسط، هذه المراكز يمكنها أن تعرف الناس على عراقة أصل الأمازيغ والكورد، ويمكنها أن تقدم طرائق تنمية العلاقة بين الشعبين عبر تعريف الآخرين إقليميا ودولياً بعدالة قضيتهم وأصالة هويتهم.

-مساحة حرة للتعبير عما تودون قوله؟

أخيراً لا يسعني سوى شكرك على إتاحتك المجال لي، هذه الفسحة التي تعد بداية لإحداث تقارب معرفي فيما بيننا ، وأثمن جهودك في تطوير موقعكم عبر تطوير ثفافة الحوار ، إن مسعانا اليوم يمكنه أن يعد بذرة نظيفة يمكن نشدان نموها وازدهارها مع الوقت..أجد التواصل هنا في هذا الحوار إيجابياً ويمكن تطويره مع الوقت ليغدو جسراً بيننا لفهم دواعي التواصل عبر تجلي الأفكار، الاتجاهات والآراء الجديدة.





*آمال أبو فارس:
-أديبة وشاعرة إسرائيلية
-تعيش في قضاء حيفا- اسرائيل
-حصلت على اللقب الأول من دار المعلمين العرب في حيفا
واللقب الثاني بموضوع تعليم اللغات – اختصاص لغة عربية في كلية اورانيم. ---صدر لها:
*ديوان شعري بعنوان : أنا وهي
*ديوان شعري : أشواق وأشواك
*ديوان شعري من أكاذيب العاشقين
*من السلف الصالح- بحث





في ظل ضغوطات الحياة إلى أي مدى تشتاق للكتابة ؟ -

الكتابة ممارسة للكينونة المرهفة، هي دعوة لفهم الحياة على نحو يكون فيه الفن هو النسيج الجامع لمختلف المشاعر والأفكار والرغبات، هكذا أعي ذلك الفعل ولا توجد مساحة وقتية تفصلني عن الكتابة كي أشعر بالشوق إليها، هي حاضرة معي بشكل دائم ويومي، حضورها كحضور الأهل ، العائلة بل لأكن أكثر دقة استيطان النبض داخل هيكل مؤقت هو الجسد، حيث تملك الأنثى دموعها حتى تهدأ وتنفّس عن كرباتها بينما نملك نحن معشر الكتّاب الكتابة لنهدأ ونعي الحكمة من الصمت والصبر، هكذا أعي أن ضغوطات الحياة تتبخر في ظل وجود إدراك يفتت ذرات الهموم والأحزان من خلال الكتابة، فهي بمثابة مراجعة ذاتية لكل ما يمر ومر ، هكذا أستطيع استيعاب علاقتي بتلك الحروف، إن انسيابها ضرورة نفسية وكذلك بمثابة دليل وجودي على عمق ما نؤمن وما نهوى وما ننشده حاضراً ومستقبلاً.

-عن أي المواضيع تكتب هل هي مواضيع سياسية أم اجتماعية !؟ وهل تهرب من الواقع إلى قلمك ؟
لأجيب أولاً على الشق الثاني من هذا السؤال قبل الحديث عن ماهية المواضيع التي أكتب عنها، الكتابة ليست فعل هروب بل مواجهة وفهم للواقع وتحسين نظرة الإنسان للحياة من كونها ليست مسيرة نحو العدم والتشاؤمية بمعناها المعتم ، إنما طريقة لحياة مليئة بالسعادة والإنجاز، بعيداً عن تلك الإيحاءات السلبية التي يطل من خلالها التشاؤميون ممن استعبدتهم دقائق الحيرة وتجارب الألم وإخفاقاتهم الذاتية،لنوجد كتابة تنحاز للحياة والإيجابية، فلا معنى لتضييع تلك الدقائق بنثر الحيرة والعدمية هنا وهناك، لا ضرورة لذلك برأيي، سأنعطف الآن لأجيبك عن المواضيع التي تستهويني في الكتابة ، موضوع الحب والبحث عن الأنثى التي يعد الحب بالنسبة لها موطناً ومسقط قلب، لقد استهلكني الحب كثيراً بادئ ذي بدء، ولاسيما ربطي للعلاقة الوجدانية بعلاقة العاشق المرهف بالطبيعة والجبال، والسعي على طريقة الرومانسيين للخلود إلى الفن جسدت ذلك في الشعر والنثر أيما تجسيد، ثم دخلت عالم النقد الأدبي ومن ثم الفكري وتأرجحت ما بين الأدب والفكر سنيناً ثم بعد ذلك رحت أكتب القصة والرواية عالجت ذات المواضيع التي أرقتني زمناً وما زالت ، الحب ، نقد موبقات السلوك البشري، الأزدواجية، الوطن المنكوب كوردستان، والالتزام بالدفاع عن هذه القضية من منظور فلسفي أوجدته يجسد ثالوث الحب وجود والوجود معرفة.

-هل الاوضاع السياسية في منطقتكم غيرت نهجك في الكتابة ؟

بكل تأكيد الكائن الإبداعي يتأثر بكل حدث سياسي قد يغير من النظام السياسي والمنظومة المجتمعية وبالتالي ينعكس ذلك على الموضوعات التي ينشغل بها الكاتب، بالنسبة لي شكلت الأحداث التي تعرف بالربيع العربي ونشوب الحرب السورية والتي أنأى على تسميتها بالثورة لسبب جوهري يتعلق بفهمي للثورة من كونها تتصل بالفكر لا السلاح، لقد شكل ذلك التنازع بين الساعين للسلطة والقائمين عليها نمطاً جديداً للمجتمع الذي بات قسمين متصارعين تلتفتان حول المعارضة والنظام الحاكم وبرز ذلك التفتيت والتقسيم بتعاظم ذلك الصراع وضراوته وتدخل الدول الاقليمية كل حسب مصالحها في تشعبه وامتداده لكامل الجغرافيا لتعبر الحدود وتشكل مناخاً محترباً وجد فيه الشباب أنفسهم أمام خيارات محدودة وصعبة إما الدخول في العسكرة أو الخروج من تلك الرقعة البائسة، قرار خروجي من سوريا 2012 جاء بقرار قاسٍ هو ألا أكون جزء من هذا الصراع السلطوي وأن أنأى بنفسي كفرد، عن هذا النزاع القديم الجديد والذي لا يعول عليه في التغيير أو الدمقرطة، إيماني جاء نتيجة قراءتي لذهنية هذه المجتمعات وتأثرها الشديد بما تسوِّقه تلك السلطة أو تلك المعارضة الساعية للحكم، فالديمقراطية تحتاج لوقت تدرك فيه الشعوب وسلطاتها معنى العيش بسلام ورفاهية،وذلك بعد محاولات نزع فتيل الخوف، وفتح صفحة جديدة بعد عهود من التناحر والقتل عنوانها التسامح، حيث لا توجد رقعة في العالم لم تعاني من ويلات الحروب الأهلية أو الاقليمية والحربين العالميتين خير مثال، رحت ألتفت أكثر للكتابة ومحاولة تقديم رؤية للحل انطلاقاً من دعوتي لمناهضة التطرف والإسلام السياسي نحو شرق أوسط جديد ومجتمع معرفي يسود فيه المعرفيون .

-هل أنت قارئ نهم!؟ كيف أثرت قراءاتك للكتب على أدبك !؟

القراءة بالنسبة لي مادة يومية وهي جزء من روتين حياتي وكلما قرأنا كلما استطعنا التعبير عما بداخلنا، و تعّرفنا على أساليب التعبير والوصف، تأثرت بما قرأت وأوقن أن طريقة الكتابة هي نتاج عملية تلاقح بين ما نقرأ وأذهاننا المستقبلة لمختلف الأفكار والاتجاهات، حيث القراءة وراء صناعة الرأي والاتجاه الفكري والسلوك ، يمكن التكهن بالفرد وسلوكه تبعاً للمؤثرات التي تؤثر به سلباً أو إيجاباً أو بما يقرأه ، ما يشاهده وما يتعامل معه هو الذي يساهم في تكوينه، وكلما امتلكنا مرونة الانتقال من كتاب لآخر ومن بيئة لآخرى ومن مجموعة بشرية لأخرى، كلما امتلكنا إثر عملية التأثر تلك بنية إدراكية غنية، ذلك ديدني في التعامل مع الكتاب وأسلوبي في تطوير اللغة التي أعبّر من خلالها لمجموع الأفكار والأحاسيس التي تنتابني.

-لمن تقرأ؟

عدا الكتب الدينية والتاريخية فإني منكب على قراءة الكتب الفلسفية والأدبية عامة وكذلك الفكرية إلى جانب الكتب المهتمة بالتحليل النفسي والتنمية البشرية.
أميل للكتب ذات الجودة العالية وأتردد في قراءة الكتب ذات القيمة الأدنى معرفياً لأني أعتبرها مضيعة للوقت كما أميل أكثر في الوقت الحالي لكتب التنمية البشرية والبرمجة العصبية أكثر من غيرها، كونها محفزة وتعمل على تطوير حياتنا على نحو مباشر ومحدد.

-هل في نظرك هناك تأثير للادب على الوضع السياسي والاجتماعي وبالعكس ؟

لا يوجد أي تأثير للأدب في ظل انكفاء المجتمع بشريحته العظمى عن قراءة الكتب وكف الإعلام عن تسويق الأدب ، وما يكتب أصبح أسير الرفوف، لقد هيمنت وسائل التواصل الاجتماعي المرئية على المجتمع وبات الشباب يتجهون لقراءة الكتب التعليمية لحاجتهم بها في مدارسهم وجامعاتهم، أما القراءة في ظل ضغوطات الحياة المادية خاصة في حقبة الحرب فقد باتت حكراً على المتقدمين في السن كون لديهم وقت للقراءة، أما الشباب فمعظمه لم يعد يميل للقراءة، وبات يفضل ارتياد السينما أو مشاهدة البثوث المباشرة على التيك توك أو تلقي النكات العابرة والمسلسلات القديمة عبر الفيسبوك، أثناء العمل أو الاستراحة، حتى أنه لم يعد يتابع التلفاز ،باتت القراءة من عمل الكتّاب أنفسهم لحاجتهم في تطوير لغتهم، حيث يقرأون لبعضهم بعضاً، وانحصر الاهتمام بالأدب للنخبة في إطار ضيق والوضع السياسي أثر على الاجتماعي وكذلك أثر على الذائقة والنفسية المجتمعية كأن لم تعد هنالك حاجة للكتاب لهيمنة الصورة على الشيء المقروء .

ما مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على انتشار ادبك !؟ -

مواقع التواصل الاجتماعي هي وسائل للترويج سواء للأدب أو الموسيقا أو المواقف المتعلقة بالسياسة أو بالمجتمع، والتأثير مرتبط حتماً بطريقة تسويق المادة ومدى قدرتها على مواكبة ما يطلبه الجمهور اليوم وبما لاشك فيه فإنها خلقت إلى جانب أنها منبر تسويقي فوضى فبات الجميع كتّاب وأنصاف كتّاب موهبين أو أنصافهم يتسابقون في ترويج موادهم وهذا أفقد الأعمال ذات القيمة قيمتها في أنها أحياناً تغدو مهملة على حساب انتشار السطحي أكثر، بالنسبة لي فإني أعتبر أني استفدت من تلك المواقع إلى حد بت من خلالها أنشر أفكاري وأعمالي حيث يمكن الوصول من خلالها للشريحة المستهدفة بيسر.
*رولا حسينات
أديبة وقاصة وروائية وباحثة أردنية
ماجستير إدارة أعمال بتقدير متميز/ لوحة الشرف
بكالوريوس إدارة أعمال تقدير جيد جداً
رئيسة شعبة برامج الحراك الأكاديمي والمتابعة
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
صدر لها:
على سرير الحياة يسقط الموت – قصص
قارورة الزمن – قصص
قراءات نقدية بلمسة سياسية – مقالات
الدفين – رواية
قوت لاجئ- مجموعة قصصية
أنكيدو- رواية الرعب والخيال العلمي
غاردينيا – رواية
خلف أبواب القدر – مجموعة قصصية
-المبدع ريبر هبون لن يكون حواري معك مملاً أو رتيباً متعلقاً بخطى السابقين ممن يعشقون أن يبدأ بتعريفك عن نفسك...غير أني أحببت أن يتعرف الكثيرون على ريبر هبون من خلال عالمه هو الذي صنعه لنفسه.

هذا العالم يكتظ بحب الحياة والولاء للحظات الجميلة وللذين صنعوا تلك اللحظات واستحقوا ريادة السعادة، ذاكرتي لا تتعلق بلحظات التعب أو الألم أو الشعور بالغبن لكنها تتعلق بالسعي نحو المعرفة والنجاح والتفوق والتغلب على الضعف والإحباط ، رحلة يمكن القول فيها أن الطفولة تتلبسني في ثناياها وكذلك إحساس ذلك العاشق أو المعرفي المفتون في تنقيبه واكتشافه وحبه للكتابة والموسيقا، وفائه لحميمية الأماكن وجمال كل مرحلة زمنية عرفت فيها ذاتي وتمرست في فهمها، لم يك يعنيني الفشل وإنما أراه في الواقع إحدى محطات النجاح، ولم تعنيني الغاية بقدر ما تعنيني طريقة الولوج إليها والاستمتاع بالكد والعمل لتحقيق ما أرغب به، هاجسي كيف من الممكن استثمار الوقت لفعل ما يمكن تحقيقه، كأن الحياة مشاعي الخاص أمارس فيه ما أحب دون أن آبه للمنغصات ولا العوائق، دون أن أضيع وقتي في لوم أحد أو لوم نفسي، أؤمن أن خياراتنا في هذه الحياة محدودة وأننا مسيّرون في كثير من الأحيان ، لكن بإمكاننا أن نكون راضيين بكل الأحوال، كما أن داخلي ينبذ التشاؤمية، ولا يلقي بالاً للسلبية ومروجيها، لا آبه للزمن ولا بالعمر الذي يمضي، يهمني أن أستمتع لو بالقليل الذي لدي .

-عندما عرفتك ريبر عرفت فيك الشاعر الذي ينبض بالحب ويجاهر بالحرية فيه ويرقص على أوتاره...لكني أجدك قد تغيرت...أجد فيك الألم تلو الألم تقبضه في صدرك جمراً ملتهبة وتراقصك على لهيبها...أشاخ الحب؟ أم أنك رغبت في تحريره من جذوره حين ولد الحرف؟

إن كتابتي تتلاعب بالألم ولا تتغنى به، لكنها تمارسه بفنية، لهذا فإنك أحسست أن ما أكتبه هو إثر الألم الذي بداخلي، ليس مكابرة إن قلت لك أني أفصل بين ريبر هبون الكاتب وبين الذي يعيش الواقع دون أن تتحكم فيه لحظة ألم، بلا ريب فإننا مالم نتألم فلن نتعلم، وأن الألم سرعان ما يغدو متعة عندما نتجاوزه ، وظيفتي من خلال فن الكتابة الشعرية أن أجعل الألم فناً يسمو بالجماليات ويكون مفصحاً عن الحياة وما يتخللها من لحظات بائسة وأحياناً ممتعة، لا يمكن جني الفرح مالم نمر أولاً بالقرب من الحزن ،علينا أن ندرك أن الحياة برمتها هي رحلة لا تخلو من تشويق بين النقائض، لا خوف علينا طالما عرفنا موقعنا ودورنا في خشبة هذا المسرح، على المرء أن يتقن دوره، وإلا غدا هامشاً أو فريسة سهلة لصناع الألم والموت.

-مررت على أسطرك العتيقة والمعتقة بالذكريات...أيها المارقون كان هاهنا طفل رضيع فطم على اليتم...هاهنا كانت تغسل شعرها الذهبي بماء الورد وتتطيب لحبيب غائب قتل تحت وطأة التعذيب في المعتقلات...وهاهنا كانوا وهاهنا كنا ...عن أي زلزال تبحث وقد تكالبت بجلها على المحرومين؟؟؟

كل الكتابات أو جلها تكشف النقاب عن معاناة الآخرين وآلامهم وإن لم تتصل كتاباتنا بهم وبشؤونهم فإن الكتابة هنا تفقد جدواها، وشعوبنا تتسم بمعاناتها وآلامها وتلك الرقع المنكوبة ككوردستان مثالاً باتت مسرحاً للمعذبين ممن يعانون في عصر سطت عليه آلة الحرب والانقسام المجتمعي، إن رقعة الشرق الأوسط ساحة للزلازل النشطة سياسياً وعقائدياً ومن الطبيعي أن يغوص قلمي عميقاً في مناخاتها، يمكن استثمار كل تلك الفظائع والأهوال لإخراج لوحات خالدة تتربع فيها المأساة الفنية لتجسد فداحة الواقع وقسوته وهي بالتالي تقوم بتضمين رسائلنا ومواقفنا وطريقة إدراكنا للحياة ومواكبتنا للتغيرات الطارئة على الذات ، كيفية تفاعلها مع المستجدات، إن سبر الحياة ورصد متغيراتها وطباع النفس الإنسانية تهدف لإخراج الفن من رحم تلك التحديات، روايتي الزلزال رصدت العديد من الوقائع الحقيقية وكذلك واكبت النهب التاريخي لكوردستان من قبل المتربصين بها ، وتركيا العنصرية ومرتزقتها من بعض السوريين ممن باعوا ذممهم لقاء حفنة من المال والامتيازات ،فالواقع الذي يعيشه الكورد قديماً وحاضراً يمتاز بطرق الصراع من أجل إحقاق الهوية والانتماء مذ أن تم تقاسم جغرافيا كوردستان على تلك الدول الأربعة ، يسعى الشعب الكوردي بكافة أطيافه ومبدعيه على الخصوص في رسم ملامح كفاحهم الفني للذود عن الهوية للحيلولة دون تلاشيها في أوحال الانطماس.

-في حوارات المعرفيين صوت غاضب، وقلوب لم تنس الحزن ولم تستيقظ على الفرح وتبقي نار المرارة في قلوب عابرة على سطور الماضي...لا أدري أينفع نبش الماضي؟ أم تراه يكرر نفسه ويلعن الجيل تلو الجيل ما كان وما سيكون؟ وما فرق الحاضر عن الماضي؟ رغم ذلك أتوافقني أن هناك قبضة من نور، نور ضرير لا بد أن يبصر يوما؟

ذلك الصراع الأزلي بين قوى النور والظلام يستمد شرارته من تلك القوتين الموجودتين داخل النفس الإنسانية ، قوة تدعوه لتجاوز العقبات بعناد وعدم اليأس والظهور بجمال في مسرح الحياة لأجل الابتكار وتحسين الحياة وخلق الرفاهية، مقابل قوة تسلبه رغبته في عالم أفضل فيقع أسيراً للأنانية والجشع وتدمير الآخرين والحياة، كما أكد برغسون أن الخير والشر صفتان قائمتان في طبيعة الأفعال الإنسانية فإني أعتبر أن نهضة المعرفيين تنتصر للحياة للديمقراطية لحرية التعبير وما أحوجنا لتلك النهضة في الشرق الأوسط والذي تتربص في حكمه نظم ديكتاتورية همها البقاء في السلطة واستعباد كل صوت يناهضها.

-ماذا لو كتبنا معاً حواراً بين اثنين من بيئات وأيديولوجيات مختلفة؟ أراه سيكون جديداً في نظم حوار فكري جديد؟

بما لاشك فيه فإن الدعوة إلى حوار بين شخص وآخر هو طرح تمازج بين عقلين ودعوة لإنشاء التواصل الواعي والإيجايي بين طرفين مُحاوِر ومُحاوَر وهو اتصال محمود بإمكانه أن يقدم للمتلقي ما يساعده على فهم جمالية الحوار ومد الجسور ما بين الإيديولوجيات المختلفة، كون كل فرد لديه خلفية من الأفكار المقتبسة من تجاربه والتي تشربها من بيئته، فالأفكار التي يتضمنها الحوار تمثل انفتاحاً بين إنسان وآخر، والمراد بها التعريف بالاختلاف والانسجام والتناغم، وهذا متصل بالتنقيب عن الجدة في الفكر المطروح، ويخلق مساحات من التأمل، يجعل المرء في حالة من توارد واصطفاء وفهم ما يريده المقابل منا من وراء سؤاله،يعبر ذلك عن خلفيتنا الاجتماعية ومدى ما نمتلكه من وعي .

-تعددت كتابات ريبر هبون حول الكاتب فكان نتاجه الأدبي: أين هو الكاتب الحقيقي؟ كيف تصبح كاتباً حقيقيا؟ مفاهيم الكتابة المؤثرة وقيامة الإبداع.
من هذه العناوين نخْلص إلى قيمة يريدنا ريبر هبون أن نتيقن منها من دراسته النقدية من الروح المتغنية بالكتابة فمن هو الكاتب الحقيقي وما هو النتاج الأدبي الذي يمكن أن نطلق عليه مفهوم النتاج الأدبي الإبداعي؟

سؤالك يتضمن حزمة أسئلة مهمة ولابد مني أن أتأمل وأتفهم بتمعن من جدواها ومراميها،لقد كتبت وأدرجت هذه العناوين لأطروحاتي النقدية، وحاولت سبر النص للحصول على الجودة ، التمايز والجدة، وجمالية الخلق، رأيت أن الناقد يسبر النص ليستنتج خلاصة معينة تمثل تقييمه الكلي للعمل الموضوع على الطاولة، فيأوله بغية فهمه مبينياً مواطن القوة والخلل فيه، مقدماً بديلاً أو مثالاً عما ينبغي من منظوره النقدي، فهو ينحاز لنص قابل للحياة في كل وقت، يتمايز عن سواه بإبداع عالٍ، فلم تكن عناويني التي تصدرت تلك الأغلفة إلا انعكاساً لطريقتي النقدية حيث كانت تقوم بتضمين رسالتي الواضحة من وراء دراستي للعمل الإبداعي، كنت أبحث عن الجديد من خلال فهمي للنص وتفكيكه نحو كتابة مؤثرة وإبداع حقيقي من شأنه أن يمسح الغبار عن عباءة النص للحيلولة من أن يموت ويكون طي الإهمال والتهميش، نص يتسم بالديمومة، والقيمة التي أحاول التأكيد عليها من وراء العمل النقدي هو فهم حقيقة الكتابة التي هي ليست مجرد فيوضات ذاتية ووصف لها وما يعتريها من شجون وإنما هو رسالة يبثها الكاتب الموهوب الحقيقي للعالم وهذه الرسالة تتجاوز الزمان والمكان والحيز الجغرافي، هي رسالة للأجيال القادمة ولاسيما أن الأعمال الإبداعية جزء من حركة التاريخ وتطور الوعي الإنساني.

-في كتاب الحب وجود والوجود معرفة توليفة فلسفية لأبعاد متعددة كان الأصل فيها الربط بين العقل والقلب...فما هي الرسالة الحقيقية التي يريد أن يصل إليها ريبر هبون؟

لقد أجبت على هذا التساؤل قبلاً ولكن كل سؤال جاءت إجابتي عليه بطريقة أخرى لتكمل ما جاء قبلها من إجابة عن سؤال آخر طرحه محاور آخر حيث أثرت تلك الأسئلة إجابتي التي اختلفت عن بعضها بعضاً وسأجيبك هنا والغاية من وراء تأليف هذا الكتاب فالعقل والقلب هما المعرفة والحب واتحادهما سبيل لحياة أفضل في ظل وجود رحب ومتشعب ، والرسالة المثلى تتلخص في بعث الإنسان المعرفي الموهوب ليمارس ريادته الحضارية، وليستفيد من التطور الحاصل بشقيه المادي والروحي وقد انفتحت أكثر على الشرق الأوسط ودعوت لمجتمع المعرفة وذلك من خلال نقدي للإسلام السياسي والفكر الشمولي الاستبدادي والدعوة لنظم ديمقراطية تصون حقوق الفرد وكافة المكونات أسوة بالنموذج الأوروبي الذي يمثل ذروة التمدن في وقتنا الراهن.

-تتميز لوحات نتاجك الأدبي بالحركة اللونية والإيقاع الحركي والتأثيرات المتعددة التي تستجلب اهتمام القارئ والكاتب على حد سواء فهل هنالك أبجديات لدى ريبر هبون في التعريف بنتاجه الأدبي من خلال لوحاته أو ما هو البعد الذي يرمي إليه ريبر هبون بالفعل من هذا التناغم الحركي؟

هذا التناغم الحركي الذي رأيته واستخلصته وشعرت أن كتاباتي هي لوحات راصدة للحياة بمظاهرها المتعددة، فغايتي من خلال الكتابة الأدبية هي رصد تلك المتغيرات والطبائع البشرية وإعادة فهم مسيرة الإنسان ومصائر الأفراد في ظل اختياراتهم لنمط عيشهم وماهية التنافر فيما بينهم والدعوة إلى حالة من التناغم والانسجام والتكيف الاجتماعي وتكييف الذات مع الظروف واعتبار التحديات بمثابة حوافز تحض المرء على فهم الحياة والاستمتاع بها لحياة ذو زخم ومعنى ومن هذا المنطلق فإن نتاجي الأدبي الذي تنوع ما بين الشعر والنثر والقصة والرواية والنقد الأدبي والفكري إنما تنحو منحى أن نكون جديرين بالبقاء والتطور والخلق.

-سؤال فضولي هل هناك تباعد كبير بين اللغة الكوردية واللغة العربي أو لنقل هل هناك قواسم مشتركة إلى حد ما بين اللغة العربية واللغة الكردية ومن وجهة نظرك أي من اللغتين يتيح للكاتب المعرف الأكثر وخلق جمهور محب من القراء؟

بالطبع ثمة هنالك صلات تاريخية بين شعوب الشرق الأوسط بمعزل عن لغاتها الخاصة التي تتحدث من خلالها مع بعضها بعضاً إلى جانب اللغة العربية الجامعة بين تلك الشعوب، هذه الصلات خلقت التقارب بين تلك المجتمعات ، بما لاشك فيه فإنه ثمة فرق شاسع بين اللغتين وتشابه بما يتعلق بالأمزجة ونمط الحياة وقواسم مشتركة جسدتها الحياة عبر التاريخ ، كون اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي الأمر الذي ساعد على انتشارها بيسر وأكتب بها إلى جانب لغتي الأم الكوردية، والكاتب لا ينبغي أن يحصر نفسه ضمن نسيج معين فالكتابة تنحو للانفتاح على جغرافيات وشعوب ولا تأبه للحدود أياً كان شكلها،بينما اللغة الكوردية حبيسة الناطقين بها وأدعو أن يكتب الكاتب بأكثر من لغة للحيلولة من الانغلاق والجمود الذي يقفان بالضد من الإبداع ولدي جمهور يقرأني بكلتا اللغتين وسعيد بما أنتجته لغاية اللحظة.




*سماح عادل

صحفية وروائية مصرية
-حاصلة على ليسانس آداب ، لغة عربية في جامعة القاهرة1999
صدر لها :
- مائة كاتبة عربية – حوارات
-هوس اللذة- رواية
-في خفة طيف- نصوص







-صف لي فترة طفولتك عند انخراطك في دروس اللغة الكوردية التي كانت تعد داخل المنازل وبسرية، ما أثر ذلك عليك ككوردي وهل زرع بداخلك لاحقاً بذور التحدي والشعور بالتمايز عن العربي الذي يتعلم لغته في المدارس وبمنهجية؟

عشت طفولة لايمكنني اعتبارها بائسة تماماً بعرف ذلك الوقت أو حتى مثالية، وبعودتي لتلك الحقبة فإني لا أعتبر نفسي أني عشت طفولة صحيحة حيث كان النقص يشوبها في ظل مجتمع بسيط ، حيث افتقدت البيئة لأنماط تربية ممنهجة إن في المدرسة أو في البيت، بالنسبة لي ولمن عاش هناك من جيلي، لم تكن الحياة في ذلك المكان سهلة، لاسيما وأن العنف كان الطابع العام الذي غلف ذلك الواقع ، أسرياً أو مدرسياً، ولم يكن ثمة من قوانين تمنع من أن يُمارس العنف المدرسي أو الأسري وقبل دخولي المدرسة الإبتدائية لم أكن أجيد التحدث بالعربية ، ثم رأيتني فجأة على أبوابها، الأمر الذي سبب لي صدمة مفاجئة، حيث بدا كل شيء بالنسبة لي مختلفاً، ففي البيت هناك لغتي الكوردية إلى جانب اهتمامي سرعة حفظي للأناشيد القومية الكوردية ، صرت أعيش متنقلاً بين عالمين مختلفين، بخاصة أنه لم تك ثمة روض أطفال وإنما يتعلم الطفل من الشارع لغة البيئة التي يعيش فيها وعني لم يك من المحبذ الخروج للشارع والاختلاط مع الأطفال لاسيما وأن تلك البيئة تشكو من صعوبة أن يندمج الكوردي فيها مع ذاك العربي الذي يختلف عنه في الطبائع والعادات ولاسيما تلك النظرة المتعالية تجاه المكون الكوردي الذي كان ينظر إليه على أنه أدنى مقاماً ومنزلة، لهذا لم تستطع الكثير من العوائل الكوردية الاختلاط بالمكون العربي حينذاك عدا الكبار من الذين يعملون ولابد من اختلاطهم وتعاملهم حتى تستمر الحياة ولا تتعطل وهنا أعني جانب البحث عن العمل والإنتاج لأجل تأمين العيش الكريم، حيث كان مجتمع الطفل في منبج في فترة حكم الأسد الأب والابن انعكاساً لمجتمع الكبار وهذا الخروج غير الممهد من البيت للمدرسة وصعوبة تعلمي للغة العربية إلى جانب الخجل الذي كنت أعانيه ومرده ضعف تقدير الذات والثقة بالنفس المفترض أن يتم اكتسابهما من البيت ومن المدرسة التي وضعت على عاتقها تربية الأطفال وتعليمهم أيضاً، أما عن انخراطي في دروس تعلم اللغة الكوردية وكانت تنظم من قبل كوادر بعض الأحزاب الكوردية التي كانت تنشط بسرية حينذاك، فكانت تقام في المنازل وكانت حيطان الغرفة بمثابة سبورة للكتابة، وتعرفت على الخوف من خلال تلك الاجتماعات التي كانت تتم بسرية حين كنا ندخل البيت كنا ندخله بشكل منفرد وعلى حدة ، إذ لم نكن نذهب لذلك البيت كمجموعة وإنما كأفراد وكذلك عند انتهاء الدرس ، خروجنا من البيت كان محفوفاً بالخوف والحذر، أما عن مدارس الحكومة فكانت أشبه بمعتقلات يتفنن الكادر التدريسي فيها في معاقبة التلاميذ جسدياً وباستخدام العصي أو كافة خراطيم المياه والغاز وفي ظروف برد الشتاء والوقوف طويلاً في الساحة ، لدرجة عندما كنا نعاقب بالضرب فإننا لم نكن نستطيع إيقاف بكائنا من شدة الألم، لم تكن تلك إلا نماذج عن معتقلات يمارس فيها العنف على الأطفال بمختلف الذرائع كالتأخر عن الدوام أو عدم كتابة الوظائف أو إصدار الضجيج وإثارة الشغب وهكذا، الأمر الذي خلق فينا شعوراً بالعصيان والتحدي في ظل مناخ يكاد التشجيع واللطف فيه أن يكون منعدماً، عرفت نفسي كوردياً من حينها إلى جانب المشتركات التي تجمعني مع بقية الأطفال والمتعلقة بالإهمال والعنف والتعامل الخاطئ مع مرحلة الطفولة، تلك المرحلة على صعوبتها كانت هامة واستطعت التكيف معها ودأبي حماية خصوصيتي القومية في ظل مجتمع ونظام بني على العنف والخوف والظلم.

-أنت مولع بالشعر وهي بالنسبة لك صلاة ذاتية تشعرك بالطمأنينة كيف تعتبره ملاذاً، ماذا يقدم الشعر للشاعر؟

الشعر وسيلة عميقة لإخراج كل ما يعتري المرهف من مشاعر، فيوضات ، أحلام، آلام ورغبة، ويمثل للشاعر الشغف الأقصى للحياة ومعرفتها وفهم الآخر من بوابة إدراك الذات، والشاعر محظوظ عن غيره من البشر أنه قادر على التنفيس وإخراج ما بداخله من خلال هذا الفن وتلك الكتابة ويعتبر ملاذاً وخيمة يستظل بفيئها من برد الأيام وقيظ الأحزان ويقدم الشعر للشاعر تلك النشوة والسعادة الداخلية وبعض السكينة والقوة.
للشعر تأثير على الشاعر نفسه، أراني ميالاً لسماع ذاتي وقراءة شعري أكثر من قراءة شعر الآخرين، كأنني أتفقد سلامة نبضي وأعود بي لما مضى واقفاً مقابل أطلال مراحلي في الحياة حيث يتحول الألم هنا لإبداع ويفقد بذلك مظهره الأولي ليمسي متعة وجمالاً وفناً.

-قمت بتأسيس دار نشر الكترونية تنشر الكتب بالكوردية والعربية، ما أهمية ذلك بالنسبة لك وما تقييمك لدور النشر في وقتنا الحالي؟

مع استمرارنا بالكتابة وقلة دور النشر المرموقة والتي بات هدف جلها الربح المادي من الكاتب والكتاب دون تبني الأعمال الجيدة وتسويقها كما يجب ونتيجة آثار المنظومة الاستهلاكية على المجتمعات الناطقة بالعربية وكذلك المجتمع الكوردي بات جمهور المقبلين على الكتاب الورقي ضيئلاً ومقتصراً على الكّتاب أنفسهم وبعض كبار السن، فالمهرجانات الثقافية نجد روادها فوق العقد الثالث عمرياً وجلهم إما كتاب أو محبين للثقافة أو ضيوف مدعويين من قبل الكاتب نفسه وقدموا كرمى له، حيث بات الشباب في الوقت الحالي معتكفاً في البيت أو العمل أو الجامعة ويستقبل الأخبار كافة من وراء شاشة الموبايل من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي ، إذ باتوا شبه معتزلين وغائبين عن المشهد الثقافي بخاصة وكوننا خارج الوطن، فدعت الضرورة لوجود بديل عن النشر الورقي وهو الالكتروني الذي يتمايز عن الورقي بكونه متاحاً وتوزيعه يسير ورائج ويمكن أن يكون مصدر شهرة الكاتب وذيوع صيته إذ أعتمد التسويق الذاتي الذي لم يعد مقتصراً على المؤسسات الثقافية ودور النشر.

-لما تحرص على الكتابة بالعربية وما رأيك في الدعاوي التي تطالب الكتَّاب الكورد بإن يكتبوا إبداعهم الأدبي والثقافي بلغتهم وفقط؟

الكتابة بأي لغة كانت هي تعبير عن أفكار الكاتب وتواصله مع الناس وتعتبر الإبداعات على اختلافها جزئاً من الميراث الإنساني، والكاتب مطالب اليوم بنشر كتاباته وإيصالها لمختلف الناس لهذا فكتابته بأكثر من لغة تعتبر وسيلة مثلى لإخراج ذلك الأدب من نطاق محدود لدائرة أوسع، ودعوة الكتابة بلغة واحدة دعوة شوفينية منغلقة والإبداع يرفض الانغلاق والتقوقع وإلا فإنه يموت ، كلما استطاع الكاتب أن ينشر إبداعه بأكثر من لغة سواء أكتب هو أم تُرجمت أعماله كلما انتشرت وتجاوزت الحدود الجغرافية المحدودة، فالإبداع عابر للحدود وعند التصنيف أنا أتفق أن اللغة التي يكتب بها المؤلف تغني الثقافة المرتبطة بها والشعوب الناطقة بتلك اللغة بمعزل عن مضمون ذلك الإبداع أو تلك الكتابة أو القضية التي تشغل ذهن المؤلف، وأنا أكتب باللغتين الكوردية والعربية كوني أتقنهما .

-في كتاب “الحب وجود والوجود معرفة” طرحت دعوة إلى اتحاد المعرفيين والمعرفيات، أصحاب المواهب اعتماداً على رابطة العقل والإبداع التي تجمع ذوي المواهب فيما بينهم. حدثنا عن ذلك؟

ثمة صلة بين المبدعين ، يمكن إدراكها والعمل عليها ، تتسم برقيها مرونتها وحيويتها فالمبدعين على اختلاف أماكنهم ومشاربهم عندما يكتبون أو يبتكرون فإنهم بلا شك يتواصلون فيما بينهم ويكمّلون بعضهم البعض ، إنهم وراء ما يسمى بالتطور المعرفي على جميع الصعد ويشكلون نسقاً تاريخياً متصلاً ببعضه بعضاً ويتشابهون فيما بينهم وتتلاقى مساعيهم ورؤاهم وتسهم في رفعة الشعوب وتطورها ، بمعنى آخر فإن الإبداع يشيد أعمدة المعرفة في كل مكان، فالبشرية تدين للمعرفيين بالفضل على تطورها وتحسين حياتها نحو الأفضل كما ندين بالفضل لمخترع الكهرباء والاتصالات والانترنيت والتكنولوجيا التي سهلت تدفق المعلومات بشكل هائل يوماً بعد يوم، فإبداع المعرفي لا يقيم وزناً لجشع التجار وبطش الساسة المتحكمين بمفاصل الحياة وحركة المجتمعات لهذا فإني بت أكتب عن المعرفيين متمنياً لهم دوراً ريادياً عالمياً في تحقيق السلام العالمي والتنمية المستدامة ، ورأيت أن تلك الرابطة تعد سامية وحقيقية فإنها تربط هذه النخب المبدعة ببعضها بعضاً والأحرى العمل والكفاح لأن تكون جلية وهادفة لإخراج العالم من أزماته وكوراثه وحروبه التي لمّا تنتهي، والمعرفيون تعرضوا عبر التاريخ لمظالم عديدة وأكدت على وجوب تحقيق ذلك الاتحاد فيما بينهم ، هذه الدعوة بمثابة خارطة طريق لعمل فريد يتلخص في الاجتماع وتحقيق التبادل المعرفي على مختلف الصعد والمجالات وتتيح لهم دوراً أكبر في كافة المؤسسات وحتى داخل أروقة السلطة وذلك بألا يرتهنوا بل ليؤثروا بفعالية في كل مؤسسة داخل الدولة أو الحزب، ورغم مثالية دعوتي إلا أنها ممكنة التحقيق وتلبي مجموعة مصالح من شأن تحقيقها فتح الطريق أمام الأجيال القادمة نحو مزيد من الإبداع والتطوير.

-لك كتاب بعنوان (كيف تصبح كاتباً حقيقياً) كيف تناولت فيه إبداع بعض الكتاب، وهل في رأيك يعاني النقد في منطقتنا من مشكلات معقدة؟

هذا الكتاب مضمونه دراسات نقدية متنوعة حول الشعر ، الرواية والقصة ، أردت إيصال مجموعة رسائل متعلقة بذوي الأقلام ممن يكتبون حديثاً ، تطرقت في هذه الدراسات عن كتب أصدرت حديثاً عن كتّاب وكاتبات يكتبون حالياً ، ابتغيت من خلال الكتاب بيان رأيي، مواقفي وطريقة اقترابي من النتاج الإبداعي الموضوع على الطاولة ، يفتقد الوسط الإبداعي لدينا لنقاد منصفين ، تخصصوا في النقد وهدفهم تطوير الحالة الإبداعية لدى كتّاب اليوم أو اتخاذ التحليل النقدي للأعمال وسيلة لتطوير النقد والتوسع في فهمه كفن وإنشاء نظريات نقدية أو وضع تصورات للولوج إلى الإبداع بغية إضافة أشياء جديدة ، حيث لا يجدر أن يقف الناقد ضمن حدود القراءات الانطباعية السطحية، ذلك لايكفي وإنما عليه سبر الأغوار أكثر ، حيث يتمايز النقد عن سواه من فنون الكتابة بوصفه اشتغالاً في حقل تفكيك النص الإبداعي وبيان عيوبه وقوته وكذلك دواعي الكتابة ، ليحرض الكاتب على تقديم إبداعه بقوة وتأثير أكبر.

-رحلتك بدءاً من الشعور بالاضطهاد ككوردي في سوريا ثم معايشة حياة المخيمات إبان الحرب في سوريا ثم الهجرة إلى ألمانيا، كيف كان تأثير تلك الرحلة الطويلة عليك ككاتب ؟

الكتابة متعلقة بالمعاناة بلا شك وكلما كانت المعاناة أكبر كلما كان ما نخرجه من أدب أعمق بالضرورة ، كون المرء الذي يعيش في راحة وأنس لا يمكنه تقديم مادة مؤثرة، كون الكتابة مرتبطة بسبر أغوار المأساة والبحث عن المغازي وراء الحياة وجوانبها المظلمة ،ورصد حقب الإنسان ومراحل عيشه وأثر تلك المتغيرات عليه، فالاضطهاد الذي مورس بحقنا ككورد في أجزاء كوردستان الملحقة بسوريا العراق تركيا وإيران، الأمر الذي خلق أزمة انتماء لتلك الأوطان التي أنشأها الانكليز والفرنسيين لشعوب المنطقة وفق معاهدة سايكس بيكو الشهيرة على حساب الشعب الكوردستاني الذي وجد نفسه أمام هويات جديدة لا تمت بصلة لنفسيته على حساب هويته الحقيقية ككوردي يعيش تاريخياً على أرض كوردستان، إلا أن الدولة الكوردية موجودة في دواخلنا وتمثل بالنسبة لنا النسيج الجامع فيما بيننا وندين لها بالمطلق، ففي منطق العقل الجمعي الكوردي لا يوجد انتماء حقيقي لكل من سوريا العراق تركيا وإيران، وإن لم تكن كوردستان دولة فإننا قد خلقنا تلك الدولة بتقاليدنا وممارساتنا ووعينا وتطلعنا لتحقيق ذلك إن آجلاً أو عاجلاً.
هذا الواقع أغنى الكتابة والأدب ، تعايشت مع الواقع على اختلافه مروراً بالحرب السورية وأرفض نعت ما حدث بعد 2011 بالثورة وإنما ببدء مشروع الربيع العربي الذي هو بمثابة ناقوس لتغيير خريطة الشرق الأوسط والتي رسمت في مطلع القرن العشرين وكان قرار خروجي من كوردستان العراق باتجاه أوروبا وألمانيا تحديداً ،نتيجة عدم تحسن الأوضاع في سوريا والتي باتت تذهب للأسوأ.

- أنت تعرف باسمك المعروف في الوسط الثقافي ريبر هبون ما معنى هبون هنا أهو الوجود باللغة الكوردية أم هو رغبتك في أن تقرن اسمك باسم زوجتك هبون وما دورها في حياتك ؟
معنى هبون هو الوجود ونظراً لإعجابي بالوجودية وأعلامها باتت الوجودية رديفة لاسمي أدبياً إلى جانب أن هبون اسم زوجتي وقد بت من حين معرفتي لها أًعرف ب ريبر هبون لما لمعنى اسمي واسمها اتصالاً وثيقاً ومن حينها بدأت أكتب بغزارة إلى جانب مطالعاتي الكثيرة وقد كنت أشاركها دوماً كل جديد أو موضوع أو مقال أو قصيدة أكتبها، فكانت بالنسبة لي الداعم والسند أبداً.

-ما تقييمك لما تكتبه المرأة أدبياً أو ثقافياً وهل تجد كتابات نسوية تستحق الوقوف عندها؟

تتفاوت تلك الكتابات بين جيد ورديئ كما لدى الرجل، ولا أرى أن ثمة شيء اسمه كتابة نسوية أو رجولية، وإنما كتابة ترصد واقع البشر عموماً فكل إنسان يحمل بداخله روح الذكر والأنثى سواء أكان جنسه رجلاً أم امرأة، هل كتابات أنصفت المرأة وكتّابها رجال والعكس أن ثمة كتابات بقلم النساء كنا فيه لسان حال الرجل.

-في رواية الزلزال كنت تطرح معاناة الشعب الكوردي في شمال كوردستان وكذلك في غربي كوردستان لماذا اخترت هاتين الجغرافيتين وماذا أردت من خلال كتابتك لتلك الرواية علماً أن زلزال المتغيرات ضرب المنطقة بأسرها؟

بدأت الرواية وهي تجسد حدث الزلزال المباشر الذي ضرب كل من سوريا وتركيا بالأخص كوردستان في شباط 2023 ومن استمراري في إتمام الرواية تدرجت للحديث عن الزلزال بوصفه حدثاً سياسياً هز المنطقة بأسرها، والذي أرخ العلاقة بين شعوب الشرق الأوسط الرازحة تحت نير ووطأة أنظمة شمولية قومية وطائفية من خلال معاينة حقبة الربيع العربي وكذلك تحدثت عن الزلزال من باب الاضطهاد والمظلومية والحروب التي غيرت من المنطقة ديمغرافياً وكذلك طبائع المجموعات البشرية التي جعلت تنتقل من مكان لآخر فكانت الرواية تدور في فلك فهم الزلزال وماهيته سياسياً وجغرافياً ونفسياً وفلسفياً، الرواية تحمل في متنها أفكاراً وآراء ومواقفاً من أجل إثارة الجدل لتكون المادة الإبداعية معبرة بحق عما يعتري الإنسان على اختلاف أفكاره واتجاهه وعرقه وأردت أن أمد جسور النقاش بين الذات والآخر بغية فهم الوجود وإيجاد سبل للخروج من النفق المظلم.
-حدثنا عن نشاطك الثقافي في ألمانيا، وهل هناك مساحة لتواجد جنسيات أخري في محيط الثقافة في ألمانيا؟

العيش في بلد أوروبي يجعلك تتعرف ضمنه على ثقافات وطبائع وعادات ونظم عيش ، وثمة نشاطات ثقافية عديدة تقوم بها الجالية الكوردية في ألمانيا وأوروبا عموماً

-في رأيك ما هي الصعوبات التي تمنع الكتاب في منطقتنا من نمو وإبداعهم وتطوره؟

للحياة المادية دوراً على الكاتب فإن ضاقت سبل العيش بالكاتب فمن أين له أن يجد وقتاً للقراءة والكتابة، والإبداع شرط تطوره وجود وضع مادي مقبول يمكِّن المرء من التأليف والنشر، إلى جانب المامه بمعاناة الغير أو الذات نفسها وكذلك طبيعة النظام السياسي إن كان قمعياً استبدادياً فمعناه ألا كتابة جادة ومؤثرة وإنما ستكون تلك الكتابة مقرونة بشعور الخوف والقلق والتخبط ، ديدن الكتابة المبدعة هو نقد الآفات ومواجهة القمع أياً كان شكله ومصدره.
















حوارات مع ريبر هبون
مجموعة مؤلفات ومؤلفين

منشورات ريبر هبون

[email protected]

رقم التسلسل:
100/11/01/2025

ISBN: 978-91-89288-78-2


تجمع المعرفيين الأحرار
رابط الدار:
https://reberhebun.wordpress.com/
رابط الموقع:
https://kulturforumdusseldorf.wordpress.com/
موقع ريبر هبون
https://zanyaran.wordpress.com/
بلوغر:
https://reberhebun.blogspot.com/



#ريبر_هبون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمهيد لكتاب نقد السياسة الكوردية غربي كوردستان أولاً
- مقدمة كتاب نقد السياسة الكوردية –غربي كوردستان أولاً
- الرواية القصيرة (دروب من جمر لخورشيد شوزي –أنموذجاً)
- ملامح الاغتراب في رواية -وشمس أطلت على ديارنا الغريبة- للكات ...
- السرد ما بين الرتيب والمدهش زريعة إبليس لنسرين المؤدب نموذجا ...
- الدين ما بين الأسطورة والحقيقة للكاتب محمد شيخو مقاربات نقدي ...
- جدلية التنافر والنفور الكرديتين في رواية الجبال المصائد للكا ...
- أبناء العناكب
- اللقاء
- اجتهاد المؤول أم اقترافات التأويل للناقد خالد حسين
- (شنكالنامه وتأريخ الوجع لابراهيم اليوسف)
- نحيب على الطريق
- رأس السبّابة المبتور
- قراءة في كتاب الكورد والإرهاب للكاتب إدريس عمر
- الفرقة 17 للكاتب الكوردستاني زارا صالح ملامح من حياتنا
- وطأة اليقين لهوشنك أوسي تستحق الجائزة
- دلالات الصور على الحائط للكاتبة اليهودية تسيونيت فتّال
- تأثير البيئة على الوافد الجديد
- نظرة فلسفية حول التنازع
- ثنائية الأنا والآخر


المزيد.....




- وسط حرائق الغابات.. مشهد مرعب لتكون -إعصار ناري- في لوس أنجل ...
- حزب الله امتنع عن التصويت.. تكليف نواف سلام بتشكيل حكومة لبن ...
- ميلانيا ترامب تحزم حقائبها وتستعد للعودة إلى البيت الأبيض وإ ...
- مودي يفتتح نفقا استراتيجيا في كشمير
- خبراء وعسكريون يكشفون لـRT كيف تغير سيطرة الجيش على ود مدني ...
- الدفاع المدني بغزة ينشر إحصائية لهجمات الجيش الإسرائيلي منذ ...
- أحمد المنصور.. من هو المصري الذي أسس حركة ثوار 25 يناير في س ...
- الجزائر تتهم فرنسا بالتصعيد وانتهاك القوانين في قضية ترحيل ب ...
- حرائق كاليفورنيا تشعل الجدل حول نظرية المؤامرة واتهامات تطال ...
- للمرة الثالثة، إرجاء الحكم في قضية فساد ضد رئيس الوزراء البا ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ريبر هبون - حوارات مع ريبر هبون