أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبار المفبركة














المزيد.....


العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبار المفبركة


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 14:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد الأخبار تمر بعملية التحقق الدقيق قبل انتشارها، بل أصبحت تُصاغ وتُروج بأساليب خادعة، تخدم أغراضًا عاطفية أو أيديولوجية، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة. في هذا السياق، شهدنا حالات متعددة من فبركة الأخبار أو الصور، استهدفت إثبات عظمة الإسلام وتعاليمه بطرق غير صادقة، وهو ما يعكس أزمة عميقة في التعامل مع الدين والمعلومات على حد سواء.

أحد الأمثلة الشهيرة صورة لرجل مجهول يرتدي زي السجن البرتقالي، مرفقة بعبارة تقول: “المرأة المسلمة أنظف امرأة على وجه الأرض”. لقد نسب الخبر المفبرك هذه العبارة إلى “عالم يهودي”، في محاولة لتضخيم مصداقية الادعاء. إن اختيار “عالِم” في هذا السياق لم يكن عشوائيًا، فالإشارة إلى شخص يُفترض أنه يتمتع بالموضوعية والعلم تُكسب الخبر ثقلًا زائفًا. كما أن نسبته إلى “يهودي” تستغل المشاعر العدائية التي قد تسود بين المسلمين واليهود نتيجة للصراعات السياسية والدينية، مما يجعل الأمر يبدو وكأنه “إقرار من العدو”، فيزداد تأثير الرسالة على المتلقي.

بالإضافة إلى ذلك، انتشرت مزاعم تدّعي أن أبحاثًا علمية أجريت في جامعات مرموقة ودول متقدمة أثبتت صحة تعاليم الإسلام أو ما ورد في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام. إلا أن هذه الادعاءات تفتقر دائمًا إلى أدنى درجات التوثيق. فلا يتم ذكر اسم الباحث، أو البحث نفسه، أو حتى اسم المجلة العلمية المحكمة التي نُشر فيها. يتم تداول هذه الادعاءات بشكل واسع بين الناس، وكأن غياب التفاصيل هو أمر عادي لا يقلل من مصداقيتها. ورغم هذا الغموض، يتم تصديقها بسهولة، إذ يخاطب مروجوها عاطفة الجمهور بدلًا من عقولهم. إن هذا السلوك يعكس استغلالًا واضحًا لثقافة الإيمان الفطري لدى المسلمين، ولكنه في الوقت ذاته يضعف المصداقية، ويظهر عجزًا عن تقديم الأدلة العلمية الحقيقية التي تعزز هذه الادعاءات.

لكن هذه الفبركة ليست الوحيدة، بل إنها جزء من سلسلة طويلة من الأخبار المزيفة التي تروجها بعض الأطراف بدعوى خدمة الإسلام. مثال آخر أثار الجدل كان ادعاءً بأن اليابان قد اعتمدت “عدة المرأة” المذكورة في القرآن كوسيلة طبية لمعرفة الحمل. لقد تم تقديم هذا الخبر باعتباره دليلًا على سبق القرآن للعلم الحديث. إلا أن الحكومة اليابانية أصدرت بيانًا رسميًا ينفي هذه الادعاءات، مؤكدة أنها مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.

لا يتوقف الأمر عند الأخبار العلمية المفبركة، بل يمتد إلى الصور التي يتم التلاعب بها، مثل تلك التي تزعم أن الطبيعة نفسها تحمل رسائل إلهية. فقبل عقود، انتشرت بشكل واسع صورة قيل إنها تمثل منظرًا طبيعيًا في حديقة بألمانيا، يُظهر كتابة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. رُوّج لهذه الصورة على أنها معجزة دفعت السلطات الألمانية إلى إغلاق الحديقة ومنع الوصول إليها. لاحقًا، تبين أن القصة ملفقة بالكامل، وأن اللوحة التي أبهرت الناس لم تكن إلا عملًا فنيًا رسمه فنان مصري، كان أستاذًا في كلية الطب بجامعة المنصورة. هذه الحادثة، التي استُغلت عاطفيًا ودينيًا، كشفت عن ضعف في التعامل النقدي مع الأخبار، واعتماد البعض على الأكاذيب لتغذية الإيمان.

للأسف، مثل هذه الفبركات لا تأتي من فراغ. فهناك، للأسف، من يبرر هذه الأكاذيب قائلًا: “إننا لا نكذب على الله، بل نكذب لله”، وكأن الغاية تبرر الوسيلة. ولكن هذا المبرر يضرب جوهر الإسلام، الذي يقوم على الصدق والأمانة والشفافية. إن اللجوء إلى هذه الأساليب يعكس ضعف الثقة بالنفس، وكأن الدين بحاجة إلى تضليل أو أكاذيب لإثبات قوته.

إلى جانب ذلك، تستغل جماعات الإسلام السياسي هذه الفبركات لتعزيز أجنداتها. فترويج مثل هذه القصص يساعدها على التأثير في الجماهير، وإظهارها كأنها المدافع الوحيد عن الدين، بينما تعزز ثقافة التصديق الأعمى وتغيب العقل النقدي. إن هذه الممارسات لا تساهم في خدمة الدين، بل تعمق الأزمات الفكرية والثقافية داخل المجتمعات الإسلامية، وتزيد من حدة الصراع بين الهوية الدينية والعلمية.

إن أزمة الفبركة هذه تكشف عن ضعف في التفكير النقدي لدى كثير من المسلمين. فبدلاً من التحقق من المعلومات ومصادرها، نجد أن الأخبار المفبركة تُقبل بسهولة، مما يؤدي إلى تعزيز ثقافة سطحية تفتقر إلى الأسس العلمية والمنطقية. من المهم أن نتساءل: ما مصدر هذه الأخبار؟ ما الغرض من نشرها؟ ولماذا يتم اختيار عبارات أو رموز بعينها لإضفاء مصداقية زائفة عليها؟

إن الإيمان الحقيقي لا يحتاج إلى أكاذيب لتأكيده، بل يكمن في صدقه وشفافيته وقدرته على التأثير بإخلاص. من يروج لهذه الأكاذيب لا يخدم الإسلام، بل يضعفه ويشوه صورته. علينا أن ندرك أن قوة الإسلام تكمن في تعاليمه الواضحة والقيم التي يحملها، وليس في الأكاذيب التي تُنسب إليه.

إذا أردنا تجاوز هذه الأزمة، فعلينا تعزيز التفكير النقدي، ونشر ثقافة التحقق من المعلومات، والالتزام بقيم الصدق والأمانة. وبدلاً من الانبهار بالقصص المفبركة، يجب أن نوجه طاقاتنا نحو البحث العلمي الحقيقي والإنجازات العملية التي تعكس تعاليم الإسلام ومبادئه، لنظهر للعالم أن قوة هذا الدين تكمن في جوهره، لا في الصور المزيفة التي تُروج باسمه.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري
- أصداء الرعب: كيف تتحطم الأمم تحت وطأة الديكتاتورية
- العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر
- الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في ا ...
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر


المزيد.....




- “مـامـا جابت بيبي” استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 ن ...
- الاحتلال يقتحم بلدة ديراستيا شمال مدينة سلفيت في الضفة الغرب ...
- أول تعليق من -الشيف أبو عمر- صاحب -وليمة الدم- في المسجد الأ ...
- إزاحة الستار عن القمر الصناعي بارس 2 في ذكرى انتصار الثورة ا ...
- هل سيصبح بإمكان المثليين أن يصبحوا كهنة؟ الفاتيكان يلمح إلى ...
- ما هو تردد قناة طيور الجنة؟.. استقبل التردد الجديد لقناة Toy ...
- منظمات حقوقية: تطالب بإجلاء مصير الكاتب عبدالرحمن يوسف القرض ...
- تدشين كنيسة معمودية السيد المسيح
- الشبكة اليهودية الدولية لمناهضة الصهيونية.. حراك يهودي عالمي ...
- حدث الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد على أفضل الاناشيد ...


المزيد.....

- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبار المفبركة