أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - يتسع القلب للرحمة كلما اتسع بالمحبّة















المزيد.....


يتسع القلب للرحمة كلما اتسع بالمحبّة


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8219 - 2025 / 1 / 11 - 11:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا تستقل المحبّة غير المشروطة عن الرحمة، الأكثر محبّة أكثر رحمةً وحنانًا، يتسع القلب للرحمة بقدر ما تضيؤه المحبّة.كلما اتسع القلب بالحُبّ اتسع فيه فضاء الرحمة، وصار القلب منبعا غزيرًا للحنان والعطف والرفق والشفقة. أنا شخصيًا، مع كل هذا العمر وكلّ الثقة التي أستمدها من المحبين، ما زلت أحتاج إلى الرفق والرأفة والعطف والشفقة والرحمة، بمعانيها الأخلاقية العميقة. أدرك جيدًا شيئًا من عجزي وأعي مواطن هشاشتي وفقري واغترابي الوجودي. أرفض الشفقة لحظة تأتي بمعنى العطف الاستعلائي، الشفقة عندما تصدر من موقع علوّ تصير غطرسة بلهاء، تمحق أثرها المنشود لعزاء الروح ومداواة جروحها، ويتعطل أثرها كبلسم، ولا يتذوق الإنسان فيها العطفَ والرأفةَ والحنانَ الذي ينشده. الإنسان في لحظات الأسى يحتاج إلى المواساة والعطف والشفقة أكثر من أيّ شيء آخر، لتكون سندًا يعيد إليه شيئًا من التحمل والأمل والسكينة.
الرحمةُ حالةٌ، الشفقةُ حالةٌ، المحبّة حالةٌ،كلُّ حالةٍ أمر وجودي يتجسّد في موقفٍ وفعلٍ يعبّر عنه. مكافأة الرحمة غير المشروطة التحقّق بالرحمة، مكافأةُ الشفقة غير المشروطة التحقّق بالشفقة، ومكافأة المحبّة غير المشروطة التحقّق بالمحبّة، ذلك ما يسمو بالإنسان ويرتقي به إلى مقام أخلاقي نبيل.
عندما تموتُ الرحمةُ في القلب، تموت إنسانية الإنسان. الرحمةُ هي الأصل لكلِّ حالات تسامي الروح وإشراقها، فهي ما يمنح الحياة بُعدها الأخلاقي السامي. للحُبّ صلة عضوية بالرحمة، الحُبّ يؤثر ويتأثر بالرحمة، والرحمة تؤثر وتتأثر بالحُبّ. الحُبّ يتجذر بالرحمة، والرحمة تتجذر بالحُبّ،كلاهما يعزّز الآخر ويثريه في سياق التكامل الإنساني. ومع ذلك، لا الحُبّ ‏ولا الرحمة بديلان للعدالة والعقوبات والقوانين والأنظمة والخطط والبرامج الضرورية لبناء الدولة وإدارة شؤون الناس، وحماية الحياة الشخصية والمجتمعية من الشرّ الكامن داخل الإنسان.
المحبّة والرحمة ليستا بديلًا عن القانون العادل في بناء أية جماعة بشرية أو تأسيس أي دولة. الظلمُ مقيمٌ في الأرض، وعيش الإنسان وتأمين متطلباته الحياتية يفرض عليه الكدح والتنافس والصراع. القانون العادل وتطبيقه على الكلِّ بلا تمييز يمنع من أن ينتهي تأمينُ الإنسان لمصالحه ومتطلباته إلى نزاعات دموية وحروب عدوانية مزمنة. القانون العادل هو الإطار الذي يُحكم به التنافس والنزاع واحتواء الصراعات المختلفة والخلاص من آثارها الموجعة في تصدع الأمن والسلام. تضيف المحبّة والرحمة بعدًا إنسانيًا يعمّق الروابط ويحدّ من القسوة والعنف، فتتكامل صورة الحياة الجيدة.
الحُبّ كيمياءٌ تصهرُ عناصرَ متنوعة في حياة الإنسان فتنتج توليفةً كأنها إكسيرٌ يحوّل كلَّ شيء داخل الإنسان إلى نفيس، وكذلك تفعل الرحمةُ عندما تنطقها لغةُ القلب المشفِقة، الرحمةُ تعيدُ ترميمَ كلِّ شيء تتفاعل معه في حياة الإنسان؛ تشفي جروح الروح، وتبعث طاقة حيوية تعيد بعث الأمل في الأرواح اليائسة. الحنانُ والرحمة والشفقة والحُبّ شجرة واحدة، على الرغم من أن جذر هذه الشجرة المحبّة غير المشروطة، إلا أن كلَّ واحدة منها تعيد إنتاج الأخرى على شاكلتها وتسقيها وتغذّيها.
الحنان شحيحٌ في مجتمعنا، نادرًا ما تجد إنسانا يفيض الحنانَ على من حوله، للحنان سلطة خفيّة تأسر القلوب، وتعيد خلق العلاقات الإنسانية بأجمل صورها، وتحميها من التصدّع والانهيار. الحنان ترياق مدهش تخضع له القلوب طوعا، وإن كانت قاسية. لغة الحنان صوت الله في روح الإنسان. بصمة كلمات الحنان ضوءٌ لا يموتُ لو تشبع فيه قلب إنسان، وهذا ما يخلّد كلمات الأبوين والأم خاصة في قلوب الأبناء، مهما كانت عفوية، كلُّ كلمة معطرة بالحنان لن تموت. ما يمكثُ في القلبِ، مهما امتدَّ عمرُ الإنسانِ، وأعذبُ ما يرثُهُ الأبناءُ من الأمهاتِ والآباءِ، هو كلماتُ ومواقفُ ومبادراتُ الحَنانِ الدافئةِ. تظهرُ طاقةُ الحَنانِ في عبورِهِ من جيلٍ إلى آخرَ داخلَ العائلةِ الواحدةِ، إذا كانَ حاضراً بكثافةٍ في حياةِ هذه العائلةِ، ويتربى عليهِ الإنسانُ منذ طفولتِه. قوة أثر كلمات الأنبياء وذوي الحياة الروحية الطاهرة تكمن في أن كلماتهم تذهب للقلب قبل العقل، ما يمنحها قدرة استثنائية على تغيير الإنسان وإيقاظ ضميره وعواطفه. ذوي الحياة الروحية الطاهرة يدركون جيدًا ديناميكية التغيير بلا كراهية وإكراه، فيتلقى تلامذتُهم ومَن يتعلمون على أيديهم الكلمات بمحبّة كقناعات راسخة، خلافًا لما يفعله غيرهم كالأيديولوجيين والزعماء السياسيين الذين يفرضون أوامرهم على غيرهم.
الحياة شبكة من المصالح المتبادلة، وهذه المصالح أوسع من أن تُختزل في الجانب المادي فقط، فهي تشمل الجوانب المعنوية أيضًا. عاصرتُ أناسًا متغطرسين لا يطيقون التعامل إلا مع من يدور في فلكهم، ولا يتوقف عن التصفيق لهم. هؤلاء يحترفون الذم والهجاء والشتيمة، حتى أنهم لو لم يجدوا شخصًا يستهدفونه، لجأوا إلى شتم أنفسهم. تفوّق هذه الشخصيات الشوهاء الوحيد يكمن في تضييع الأصدقاء وصناعة الأعداء. يعيشون وكأن الله خلق البشر عبيدًا لهم، يسعون للحصول على كلِّ شيء من الناس، دون أن يكونوا مستعدين لتقديم أي شيء في المقابل.
هناك فرق كبير بين التعامل الاجتماعي مع الإنسان وفهم سلوكه وتناقضاته بعمق. فهم الإنسان يتطلب النظر إليه من خلال عدسة علم النفس، والتربية، وعلم الاجتماع، ومعطيات العلوم والمعارف الحديثة المختلفة. هذا الفهم يُمكّننا من تفسير دوافعه وسلوكياته بعيدًا عن السطحية. أما التعامل الاجتماعي مع الإنسان، فيجب أن ينضبط بالمعايير الأخلاقية، حتى لو كان الشخص الذي نتعامل معه لا يلتزم بهذه المعايير. إذا كان كاذبًا، فكن أنت الصادق. إذا كان خائنًا، فكن أنت الأمين. إذا كان مراوغًا، فكن أنت المستقيم. وإذا كان مدلسًا، فكن أنت الواضح. صحيح أن التعامل بالحسنى مع بعض الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية أو أخلاقية حادة قد يبدو أمرًا شاقًا، وأحيانًا لا يُطاق، وقد جربت ذلك مرارًا، مع ذلك، يفرض علينا الضمير الأخلاقي أن نعاملهم بالحسنى، ما دامت العلاقة ممكنة. ولكن عندما نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها تحمل هذه العلاقة، يكون من الضروري الابتعاد عن هذه الشخصيات المريضة والسامة حفاظًا على سلامتنا النفسية والأخلاقية.
لا أقبل ما يقال عن ضرورة محبّة الأعداء، ولا إعلان كراهيتهم والانشغال بهم. لا أدعو لما هو غير واقعي في كتاباتي، أتحدث على وفق ما تطيقه الطبيعة الإنسانية. محبّة الأعداء أوهام غير واقعية، المحبّة حالة وجودية لا يمكن إكراه القلب عليها، يمكن ترويض القلب على التحرّر من كابوس الكراهية. الممكن هو كراهية أفعالهم ومواقفهم، والتعامل برفق ولطف ومداراة معهم ما أمكن ذلك. ما هو غير واقعي في المحبّة ربما هو متعذّر في غيرها، يمكن أن يكون غير الواقعي في غير المحبّة ممكنًا في بعض حالاتها النادرة، أحيانًا يحدث ذلك لشخصيات استثنائية نادرة من ذوي التجارب الروحية من عشّاق الحقّ تعالى ومخلوقاته ومحبّتهم مهما كانوا. متاعب الحياة أكبر من طاقتنا على تحملها، المحبّة والإيمان تجعلنا أقدر على تحمل هذه المتاعب مهما كانت. الاستثمار في المحبّة ضرورة لحماية الصحة النفسية للفرد والمجتمع، يمكننا التحلي بالمحبّة إن وجدنا مَن يتقبلها ويتفاعل معها بصدق. نبّهت إلى ضرورة تجفيف منابع العلاقات الاجتماعية السامّة مع الناس الذين نكرّر التعامل بالحسني معهم مرات عديدة، لكنهم يلبثون يكرّرون مواقفَهم الشريرة، كلما أحسنا إليهم أساءوا إلينا.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلفية حالة متفشية في كلِّ الأديان والمذاهب
- إيمان الحُبّ يُطهِّر الأرضَ من الكراهية
- يترجم القلبُ كلمات الحُبّ بمعنى واحد
- يبقى الكاتب كاتبًا ما دام يفكر ويقرأ
- قراءة تبعث المسرات وأخرى تثير الاكتئاب
- الكتب التي توقظ الوعي نادرة
- في الفلسفة كلُّ شيء يخضع لمُساءَلة العقل ونقده
- الجيل الجديد أثمن رأسمال بشري
- نفيُ الفلسفة ضربٌ من التفلسف
- مكافأة الحب الحب ذاته
- العقل يخضع لمساءلة العقل
- شخصيات طفيلية بثياب قديس
- مصائر مكتباتنا
- التعليم في عصر الهوية الرقمية
- أميّة الأساتذة الثقافية والرقمية
- الاستثمارُ في الحُبّ صعب
- مَن يعجز عن الإنصات يعجز عن الصمت
- إرادة الصمت أصعب من إرادة الكلام
- تحية للجيل الجديد
- حُبُّ الإنسان طريقٌ لحُبّ الله


المزيد.....




- ما هو تردد قناة طيور الجنة؟.. استقبل التردد الجديد لقناة Toy ...
- منظمات حقوقية: تطالب بإجلاء مصير الكاتب عبدالرحمن يوسف القرض ...
- تدشين كنيسة معمودية السيد المسيح
- الشبكة اليهودية الدولية لمناهضة الصهيونية.. حراك يهودي عالمي ...
- حدث الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد على أفضل الاناشيد ...
- -تشابه أسماء-.. حسابات ترسل شتائم لشيف سوري مشهور ظنا أنه -ص ...
- بعد حادث المسجد الأموي.. إعلان إجراءات خاصة بتنظيم الفعاليات ...
- مأساة -وليمة- الجامع الأموي.. من هو الشيف أبو عمر الدمشقي؟
- وليمة -مجانية- وراء الحادث المميت في الجامع الأموي
- برنامج بيت الحج .. أحدث تردد لقناة طيور الجنة 2025 لتعليم أط ...


المزيد.....

- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - يتسع القلب للرحمة كلما اتسع بالمحبّة